الأمويون الجاهلية الاولى
الدكتور نوري جعفر
منذ سنةالأمويون : الجاهلية الاولى
الأمويون هم نسل أمية بن عبد شمس . وينقسمون إلى : العنابس والأعياص . فالعنابس أشهرهم ـ في التاريخ الإسلامي المدون ـ حرب وأبو حرب ، وسفيان وأبو سفيان ( صخر بن حرب ) ومعاوية (1) . ويزيد ابنه ومعاوية بن يزيد .
وأما الأعياص فأشهرهم : أبو العاص وولده عفان ـ أبو عثمان ، والحكم وابنه مروان ، وعبد الملك بن مروان ، وأولاد عبد الملك : الوليد وسليمان ويزيد وهشام وعبد العزيز ـ أبو عمر ـ ، وأحفاد عبد الملك : الوليد بن يزيد وابراهيم ابن الوليد بن يزيد ومروان بن محمد بن عبد الملك .
وقد حكم الأمويون الإسلامية زهاء قرن منذ مصرع الامام علي بن أبي طالب عام ـ 40 هـ ـ حتى سقوط دولتهم سنة 132 .
وقد أنصف الحكم الأموي ـ باستثناء السنتين ( 99 ـ 101 ) اللتين حكم أثناءهما عمر بن عبد العزيز ـ بمجافاته لروح الإسلام وبخروجه على مبادىء القرآن وسنة الرسول . كما سنرى .
ومما تجدر الاشارة إليه في هذا الصدد هو أن بعض أحفاد أمية بن عبد شمس قد هرب « من اضطهاد العباسيين » إلى الأندلس فأسس حكماً أموياً هناك استمر زهاء ثلاثة قرون . وبما أن أولئك الأمويين قد ساروا ـ من حيث الاساس ـ على نهج أسلافهم في الشام فسوف لا نستشهد بسيرتهم المجافية لروح الاسلام ، لأن سيرة أجدادهم في الشام قد أغنتنا عن ذلك .
وهناك أمر آخر لا بد من الالماع إليه في هذه المناسبة هو أننا سوف ندخل ضمن الامويين ـ لا من حيث وحدة النسب بالطبع بل من حيث وحدة الاتجاه وتوافق السيرة والخلق ـ أشهر الولاة الذين تعاونوا مع الأمويين في تثبيت أركان حكمهم البثيض ؛ وفي مقدمتهم عمرو بن العاص ، وزياد به أبيه ، والحجاج بن يوسف الثقفي .
وجريا مع هذا المنطق نفسه يمكننا أن لا نعتبر عمر بن عبد العزيز « أموياً » من حيث الطبع .
ولا بد لمن يتصدى للبحث في تاريخ الامويين أن يشير إلى حقدهم على أبناء عمومتهم الهاشميين ـ في الجاهلية وفي صدر الاسلام ـ وقد لخص الجاحظ (2) . طبيعة ذلك الحقد وعوامله حين قال :
« إن أشرف خصال قريش ـ في الجاهلية ـ اللواء والندوة والسقاية والرفادة وزمزم والحجابة .
وهذه الخصال مقسومة لبني هاشم وعبد الدار وعبد العزى دون بني عبد شمس على أن معظم ذلك صار شرفه بعد الاسلام إلى بني هاشم (3) . وليس لعبد شمس لقب كريم ، ولا اشثق له اسم شريف ، ولم يكن لعبد شمس من يرفع من قدرة ويزيد في ذكره . ولهاشم عبد المطلب سيد الوادي (4) ومما هو مذكور في القرآن من فضائل هاشم ـ عدا حديث الفيل قوله تعالى لإيلاف قريش .
وقد أجمعت الرواة على أن أول من أخذ الايلاف هاشم بن عبد مناف والايلاف (5) هو أن هاشماً كان رجلا كثير السعة والتجارة فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام . فشرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب ، وجعل لهم ربحاً فيما يربح ، فكفاهم مؤونة الاسفار . وكان في ذلك صلاح عام . . .
ثم حلف الفضول (6) . وجلالته وعظمته . وهو أشرف حلف كان في العرب كلها ، وأكرم عقد عقدته قريش في قديمها وحديثها قبل الإسلام . ولم يكن لبني عبد شمس فيه نصيب .
فكان هذا الحلف في بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزى وبني تيم ابن مرة . تعاقدوا ـ في دار ابن جدعان في شهر حرام قياماً يتماسحون بأكفهم صعداً ليكونن مع المظلوم حتى يؤدوا إليه حقه . .
وشرف هاشم يتصل ـ من حيث عددت ـ . كان الشرف معه كابراً عن كابر .
وليس بنو عبد شمس كذلك . فإن الحكم ابن أبي العاص . كان عارياً في الاسلام ولم يكن له ثناء في الجاهلية .
وأما أمية فكان مضعوفاً وكان صاحب عهار ، . . وصنع أمية ـ في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد في العرب :
زوج أبنه ـ أبا عمرو ـ من أمرأته في حياته فأفولدها أبا معيط .
وفي ضوء ما ذكرنا نستطيع أن نقول : إن اساس الخصومة بين الهاشميين والأمويين يعود إلى التنافس على الرئاسة والصدارة في المجتمع العربي القديم . ومبدأ تلك الخصومة قد جاء من الأمويين . فقد شعر هؤلاء بالحرمان الإجتماعي ـ وما يتعلق به وينتج عنه ـ وعرفوا أنهم غير قادرين على تصديع شرف الهاشميين بالأساليب الشريفة المعروفة . فلجأوا إلى الأساليب الملتوية التي ذكرناها . فكانت النتيجة أن الهاشمىين أخذوا بالتسامى في مجدهم أبا عن جد .
وسار الأمويون في طريق التدهور والسقوط خلفاً عن سلف .
فحاول الهاشميون أن يسمو أبناؤهم فوق مسلك أبائهم السامى ـ كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
وسعى الأمويون على العكس من ذلك تماماً .
فقد سعى عبد المطلب ـ سيد الوادي ـ إلى أن يضيف ( بمسلكه ) كرما إلى مكارم أبيه . وهبط أميه ـ عن مستوى أبيه الوضيع ـ فكان مضعوفاً وكان صاحب عهار .
ويرتفع محمد فوق مستويات أجداده الرفيعة .
وانحدر أبو سفيان في حضيض مستويات الأمويين الذين سبقوه .
ومن الغريب أن يلاحظ الباحث أن لكل هاشمي خصما من الأمويين يسير كل منهما في الاتجاه الذي يسير عليه أجداده .
فهذا هاشم وذاك أمية وهذا عبد المطلب وذاك حرب ، وهذا محمد وذاك أبو سفيان ؛ وهذا علي وذاك معاوية ، وهذا الحسين وذاك يزيد ألخ . . .
فكان شرف بني هاشم في عشيرتهم وكريم خصالهم وشهامتهم وكرمهم قد أثارت حفائظ الأمويين فحقدوا عليهم وحاولوا عبثاً أن يطاولوهم . وذكر الطبري (7) .
أن الحارث حدثه عن محمد بن سعد « قال : أخبرنا هشام بن محمد قال : حدثني معروف بن الخربون المكي قال : حدثني رجل من آل عدوى بن نوفل بن عبد مناف عن أبيه قال : قال وهب بن عبد قصي في إطعام هاشم قومه الثريد :
تحمل هاشم ما ضاق عنه |
وأعيا أن يقوم به ابن بيض |
|
أناهم بالغرائر متأفات |
من أرض الشام بالبر النفيض |
|
فأوسع أهل مكة من عشيم |
وشاب الخبز باللحم الغريض (8) |
قال : فحسده أمية بن عبد شمس ـ وكان ذا مال ـ فتكلف أن يصنع صنيع هاشم . ودعاه إلى المنافرة فكره هاشم لسنه وقدره . ولم تدعه قريش واحفظوة قال : فأنني أنافرك على خمسين ناقة سود حدق تنحرها ببطن مكة ، والحلاء عن مكة عشر سنين . فرضى بذلك أمية . وجعلا الكاهن الخزاعي (9) . بينهما . فنفر هاشما عليه . فأخذ هاشم الابل فنحرها وأطعمها من خضرة . وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين . فكانت هذه أول عداوة بين هاشم وأمية . وفي عهد عبد المطلب ابن هاشم استأنف الأمويون حقدهم على الهاشميين ، وساروا في طريق غوايتهم بشكل لم يكن مستساغاً حتى بمقاييس الجاهلية . وتفصيل ذلك على ما يروى ابن الاثير : أنه « كان لعبد المطلب جار يهودي يقال له أذية يتجر وله مال كثير . فغاظ ذلك حرب بن أمية . فأغرى به فتياناً من قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله فقتله عامر بن عبد مناف بن عبد الدار وصخر بن عمرو بن كعب التيمي ـ جد أبي بكر فلم يعرف عبد المطلب قاتله فلم يزل يبحث حتى عرفهما ـ وإذا هما قد استجار بحرب بن أمية . فأتى حرباً ولامه . وطلبهما منه . فأخفاها . فتغالظا في القول . . . وجعلا بينهما نفيل (10) بن عبد العزى العدوى ـ جد عمر بن الخطاب ـ فقال نفيل (11) لحرب : يا أبا عمرو أتتنافر رجلا هو أطول منك قامة ، وأوسم وسامة ، وأعظم هامة ، وأقل منك ملامة » وأكثر منك ولداً وأجزل منك صفداً ، (12) وأطول منك مدداً .
الهوامش
1. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس . وعتبة هذا ـ الذي قتل في بدر ـ هو صاحب النفير ، وأبو سفيان صاحب العير . وقد ذهب ـ موضوع العير والنفير ـ مثلا في التاريخ فيقال للخامل : لا في العير ولا في النفير . وهند ـ أم معاوية ـ هي أم أخيه عتبة . وقد اتهمت بفجور وعهر ـ كما سنرى ـ .
أما يزيد ومحمد وعنبسة وحنظلة ـ الذي قتل في بدر ـ وعمرو ـ الذي أسر في بدر ـ فهم أبناء أبي سفيان من أمهات شتى .
2. رسائل الجاحظ 67 ـ 75 .
3. وكان اسم هاشم عمرواً . وإلى هذا المعنى يشير ابن الزعبري :
عمرو العلى هشم الثرية لقومه |
ورجال مكة مسنتون عجاف |
وقد روى البيت بشكل آخر :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه |
قوم بمكة مسنتين عجاف |
4. ولقبه شيبة الحمد . قال مطرد الخزاعي :
يا شيبة الحمد الذي تثنى له |
أيامه من خير ذخر الداخر |
|
المجد ما حجت قريش بيته |
ودعا هديل فوق غصن ناضر |
وقد بلغ أولاد عبد المطلب عشرة بنين وست بنات : العباس وحمزة وعبد الله وأبو طالب ( واسمه عبد مناف ) والزبير والحرث وحجل والمقوم وضرار وأبو لهب ( وإسمه عبد العزى ) وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة وأميمة واروى ويرة . فأم العباس وضرار فتيلة بنت جناب ، وأم حمزة والمقوم وحجل وصفية هالة بنت وهيب ، وأم عبد الله وأبي طالب وزبير ( وجميع النساء غير صفية ) فاطمة بنت عمرو ، وأم الحرث سمراء بنت جندب وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر .
5. راجع : ابن هشام ، سيرة النبي محمد 10 / 57 ـ 59 للاطلاع على معاني كلمة « ايلاف » .
6. راجع ابن هشام « سيرة النبي محمد » : 1 / 144 ـ 145 للاطلاع على تفاصيل هذا الحلف .
7. تاريخ الأمم والملوك 2 / 180 ـ 181 .
8. متأفات : ممتلئات . البر النقيض القمح النقي ، شاب خلط ، الغريض الطري .
9. جد عمرو بن الحمق الخزاعي أحد خيار المسلمين الذين غدر بهم الأمويون بشكل لا يجيزه الاسلام كما سنرى .
10. الكامل في التاريخ 2 / 9 .
11. ونفيل هذا هو الذي خاطب حرب ـ مشيراً الى عهر أبيه الذي مر معنا ذكره ـ بقوله :
أبوك معاهر وأبوه عوف |
وذاد الفيل عن بلد حرام |
|
أبوك يعني أمية ( أبا حرب ) |
وأبوه يعني هاشم أبا عبد المطلب . |
12. الصفد العطاء ، فغضب حرب وقال : من انتكاس الزمان أن جعلت حكما . . .
وأخذ عبد المطلب من حرب مئة ناقة فدفعها إلى ابن عم اليهودي ، وارتجع ماله كله إلا شيئاً هلك فغرمه من ماله .
مقتبس من كتاب : الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام / الصفحة : 31 ـ 36
التعلیقات