البداء أو تغيير المصير بالأَعمال الصالحة أو الطالحة
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةالبَدَاءُ
أو
تغيير المصير بالأَعمال الصالحة أو الطالحة
تحتلّ مسألة البَدَاء في عقائد الشيعة الإماميّة المكانة الأُولى. وبقدر ما تحظى هذه المسأَلة من الاهتمام والعناية لديهم تلقى نقداً لاذعاً وهجوماً عنيفاً من جانب علماء السنّة. فلا يمرون عليها إلّا ويهاجمونها بشدّة وقسوة. وهذا من العجب أنْ تعتبر طائفة مسألة ، من صميم الدين وجوهره ، وأُخرى تعتبرها فكرة هدَّامة للدين.
وأعجب منه أَنَّ الباحث إذا نظر فيما سيأتي ، يقف على أَنَّ النزاع القائم على قدم وساق نزاع لفظي ، لا يمت إلى النزاع المعنوي والجوهري بصلة. وقد حصل النزاع من عدم إمعان المخالف فيما يتبنّاه الموافق. ولو وقف على مراده ومقصده لاتّفق معه في هذه المسألة وقال : إنّ البَدَاء بهذا المعنى هو عين ما نطق به الكتاب العزيز ، وتحدّثت عنه السنَّة الطاهرة ، وأذعن به جهابذة العلم من أهل السنّة.
الأمر الأول : تفسير لفظ البَدَاء
إنَّ البَدَاء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء. قال الراغب في « مفرداته » : « بدا الشيء بدوءاً وبداءً : ظهر ظهوراً بيّناً ، قال تعالى : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) (1) » (2).
والبَدَاء بهذا المعنى لا يطلق على الله سبحانه بتاتاً. لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشيء بعد جهله به ، ولا يظنّ بمسلم عارف بالكتاب والسنّة أَنْ يطلق البَدَاء بهذا المعنى على الله سبحانه. فالشيعة الإماميّة الذين يسعون إلى تنزيهه سبحانه من كلّ نقص وعيب بحماس أكبر من سائر الفرق الإسلاميّة ، يستحيل عليهم أنْ يطلقوا البَدَاء على الله بهذا المعنى. بل لهم في ذلك تفسير آخر سيأتي بنصّ كلامهم.
الأمر الثاني : إحاطة علمه بكلّ شيء :
اتّفقت الإماميّة تبعاً لنصوص الكتاب والسنّة والبراهين العقليّة على أنّه سبحانه عالم بالأشياء والحوادث كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها ، كليّها وجزئيها ، لا يخفى عليه شيء في السَّماوات والأرض.
قال سبحانه : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) (3). وقال سبحانه : ( وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ) (4).
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « كلّ سرّ عندك علانية ، وكلّ غيب عندك شهادة » (5).
وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « كان الله ولا شيء غيره ، ولم يزل الله عالماً بما كوّن ، فعلمه به قبل كونه ، كعلمه به بعد ما كوّنه » (6).
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « من زعم أنَّ الله عزّ وجلّ يبدو في شيء لم يعلمه أمس ، فابرأوا منه » (7).
وقال أيضاً : « فكلّ أمر يريده الله فهو في علمه قبل أنْ يصنعه ليس شيء يبدو له إلّا وقد كان في علمه ، إنَّ الله لا يبدو له من جهل » (8).
وقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : « لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء » (9).
وقال الإمام أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) : « إن الله عِلْم لا جهل فيه ، حياة لا موت فيه ، نور لا ظلمة فيه. قال كذلك هو » (10).
هذه تصريحات أئمّة الشيعة في سعة علمه سبحانه (11) ، وامتناع البداء عليه بمعنى الظهور بعد الخفاء وهم في الوقت نفسه يقولون : « ما عبد الله بشيء مثل البداء ». ويقولون : « ما بَعث الله نبيّاً حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبوديّة ، وخلع الأنداد ، وأنَّ الله يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ».
ويقولون : « ما تَنبأ نبيّ قطّ حتّى يقرَّ لله تعالى بخمس : البداء والمشئية ... ».
ويقولون : « لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ، ما فتروا عن الكلام فيه » (12).
أفهل يصحّ أن ينسب إلى عاقل فضلاً عن باقر العلوم وصادق الأُمّة القول بأنَّ الله لم يعبد ولم يعظّم إلّا بالقول بظهور الحقائق له بعد خفائها عنه ، والعلم بعد الجهل ، كلّا. كلّ ذلك يؤيّد أنَّ المراد من البداء في كلمات هؤلاء العظام غير ما يفهمه المعترضون سواء أكان إطلاق البداء عليه حقيقة أم كان من باب المجاز.
الأمر الثالث : الكتاب والسنّة مليئان بالمجاز
إنّ القرآن الكريم وسنَّة النبي الأكرم مليئان بالمجاز والمشاكلة ، فترى القرآن ينسب إلى الله تعالى « المكر » و « الكيد » و « الخديعة » و « النسيان » و « الأسف » ، إذ يقول :
( يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ) (13).
( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا ) (14).
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) (15).
( نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ ) (16).
( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) (17).
إلى غير ذلك من الآيات والموارد.
وليس لأحد أنْ يغترّ بظواهر هذه الآيات والألفاظ فيثبت لله سبحانه هذه الصفات بالمعاني المتبادرة منها ، بل لا بدّ أن يمعن النظر في القرائن حتّى يقف على المراد الواقعي ، سواء أكان موافقاً للمعنى اللغوي أم لا (18).
ومن هذا القبيل توصيفه سبحانه بالبداء في أحاديث أئمّة أهل البيت وكلمات العلماء. فلا يصحّ الاغترار بظاهر هذه الكلمة.
الأمر الرابع : تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة
دلّت الآيات والأحاديث الصحيحة على أنَّ الإنسان قادر على تغيير مصيره بحسن أفعاله وصلاح أعماله ، بمثل الصدقة والإحسان وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والاستغفار والتوبة وشكر النعمة ، إلى غير ذلك ممّا يوجب تغيّر المصير وتبدل المقدر السيّء ، إلى المقدر الحسن. كما أنّه قادر بسبب الأعمال الطالحة على تغيير مصيره من الحسن إلى السيّء بارتكاب طالح الأعمال وسيّئها. فليس الإنسان محكوماً بمصير واحد ومقدّر غير قابل للتغيير ، ولا أنّه يصيبه ما قدّر له شاء أم لم يشأ ، بل المصير والمقدّر يتغيّر ويتبدّل بشكر النعم ، أو كفرانها ، وبالتقوى والمعصية إلى غير ذلك من الأُمور ، من دون أن يمسّ ذلك بكمال علم الله سبحانه بأن يوجد فيه التغيّر والتبدّل. كما سيوافيك بيانه.
وهناك آيات كثيرة وروايات صحيحة تنص على تغيير المصير بعمل الإنسان نذكر القليل منها :
القرآن وتأثير عمل الإنسان في تغيير مصيره :
1 ـ قال سبحانه : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (19).
2 ـ وقال سبحانه حاكياً عن شيخ الأنبياء نوح ( عليه السلام ) : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) (20).
3 ـ وقال سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (21).
4 ـ وقال سبحانه : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) (22).
5 ـ وقال سبحانه : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (23).
6 ـ وقال سبحانه : ( وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) (24).
7 ـ وقال سبحانه : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ... ) (25).
8 ـ وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (26).
9 ـ وقال سبحانه : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ) (27).
10 ـ وقال سبحانه : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) (28).
11 ـ وقال سبحانه : ( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ) (29).
وهناك آيات أخرى تدلّ على تأثير الأَعمال الطالحة في تغيير المصير كقوله تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) (30).
وقوله تعالى : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (31).
وقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) (32).
فقوله سبحانه : ( وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ) بعد عرض القصّة ، نصّ في كونه ضابطة إلهيّة جارية في الأُمم جمعاء ، وليست مجازاة الكفور إلّا سلب النعمة عنه.
وفي هذه الآيات ـ في كلا الطرفين ـ دليل على ما نقول ولأجل إكمال البحث نذكر بعض الأحاديث :
الروايات وتأثير العمل في تغيير المصير
1 ـ قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أفضل ما توسَّل به المتوسلون الإيمان بالله وصدقة السرّ ، فإنّها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب ، وصنائع المعروف فإنّها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان » (33).
2 ـ وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « صلة الأرحام تزكي الأعمال ، وتُنمي الأموال ، وتدفع البلوى ، وتُيسر الحساب ، وتنسئ في الأجل » (34).
3 ـ وقال الصادق ( عليه السلام ) : « إنَّ الدعاء يرد القضاء ، وإنَّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق » (35).
4 ـ وقال الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) : « عليكم بالدعاء فإنَّ الدعاء والطَّلبة إلى الله عزّوجلّ يرد البلاء. وقد قدّر وقضى فلم يبق إلّا إمضاؤه ، فإذا دُعي الله عزّوجلّ وسُئل صرف البلاء صرفه » (36).
5 ـ وقال الإمام أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) : « يكون الرَّجُل يَصِلُ رَحِمَه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيره الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء » (37).
هذا بعض يسير ممّا روي عن أئمّة أهل البيت وقد روى أهل السنَّة نظير هذه الروايات نذكر بعضها :
6 ـ روى السيوطي عن علي رضي الله عنه أنَّه سأل رسول الله عن هذه الآية : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ ) ، فقال : « لأقرن عينيك بتفسيرها. ولأقرن عين أُمّتي بعدي بتفسيرها : الصَّدقة على وجهها ، وبرّ الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحول الشقاء سعادة ويزيد في العمر ، ويقي مصارع السوء » (38).
7 ـ وأخرج الحاكم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : « لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر » (39).
8 ـ وعن أبي هريرة عن النبي قال : « لا يردّ القضاء إلّا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلّا البرّ » (40).
9 ـ وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ثوبان ، قال : قال رسول الله : « لا يرد القدر إلّا الدعاء. ولا يزيد في العمر إلّا البر. وإنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه » (41).
10 ـ وروى عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « الدعاء ينفع ممّا نزل وممّا لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء » (42).
وهذا قليل من كثير ، وغيض من فيض ممّا ورد في تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة ، وقد نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد ، فمن أراد استقصاءها فليرجع إلى مظانّها.
وفي الختام نذكّر بأنَّ القول بوجود الرابطة بين الحسنات والسيّئات والحوادث الكونيّة لا يهدف إلى إبطال العلل الطبيعيّة وإنكار تأثيرها ، كما لا يهدف إلى تشريك الحسنات والسيّئات مع العوامل المادية. بل المراد إثبات علّة في طول علّة وعامل معنوي فوق العوامل المادية وإسناد التأثير إلى كلتا العلّتين لكن بالترتيب.
الأمر الخامس : إمكان النسخ في التشريع والتكوين
إنَّ المعروف من عقيدة اليهود أنّهم يمنعون النسخ سواء أكان في التكوين أم في التشريع. وقد استدلّوا على امتناعه في التشريع بوجوه مذكورة في الكتب الأصوليّة أوضحها هو أنَّ رفع الحكم الثابت لموضوعه إمّا أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها ، وإمّا أن يكون من جهة البداء وكشف الخلاف على ما هو الغالب في نسخ الأحكام العرفيّة ، فالأوّل ينافي حكمة الجاعل مع أنّه حكيم. والثاني يستلزم جهله تعالى. وكلاهما ممتنع.
وأجيب عنه في الكتب الأُصوليّة بما مثاله : إنَّ النسخ لا يلزم منه خلاف الحكمة كما لا يلزم منه البداء المحال في حقّه. لأن معنى النسخ ارتفاع الحكم المجعول المقيّد بزمان معلوم عند الله ومجهول عند الناس. ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان لأجل انتهاء أمده الّذي قيد به ، وحلول غايته الواقعيّة الّتي أنيط بها. ومن المعلوم أن للزمان دخالة في مناطات الأحكام فيمكن أن يكون الفعل مشتملاً على مصلحة في سنين ثمّ يخلو عن تلك المصلحة بعد انتهائها. وعندئذ ربّما تقتضي المصلحة بيان الحكم من دون بيان حدّه مع أنَّ المراد لبّاً هو المحدود بالحدّ الزماني ، فالنسخ بهذا المعنى تقييد لإطلاق الحكم من حيث الزمان ، ولا يستلزم أحداً من التاليين المذكورين في الاستدلال.
واستدلّ اليهود على امتناع النسخ في التكوين (43) بأنَّ قلم التقدير والقضاء إذا جرى على الأشياء في الأزل استحال أن تتعلّق المشيئة بخلافه.
وبعبارة أخرى : ذهبوا إلى أنَّ الله قد فرغ من أمر النظام ، وجفّ القلم بما كان ، فلا يمكن لله سبحانه محو ما أثبت وتغيير ما كتبه أوّلاً.
ويَردّ عليهم سبحانه في بيان إمكان هذا النسخ في مجال التكوين بالآية التالية : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (44). وعلى ذلك فإنّ الله سبحانه باسطُ اليدين في مجال التكوين والتشريع، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء لا يمنعه من ذلك مانع. وما تتخيّله اليهود ، وما انتحلوه من أن الله قد فرغ من الأمر وانتهى من الإيجاد والتكوين فصار مكتوف اليدين ، مسلوب القدرة ، فترده هذه الآية وما سبقها من الآيات والأحاديث. وهذا هو القرآن الكريم يصرح بكونه تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (45).
ويقول أيضاً : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (46). والآية مطلقة غير مقيّدة بزمان دون زمان. ولأجل ذلك ينسب إلى نفسه كلّ ما يرجع إلى الخلق والإيجاد ويبيّن ذلك بصيغ فعليّة استقباليّة دالّة على الاستمرار ، وناصّة على أنَّ الفيض والخلق والإيجاد والتدبير بعد مستمر.
يقول سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ) (47).
فالأفعال المتعدّدة الواردة في هذه الآية أعني قوله : « يزجي » ، « يؤلّف » ، « يجعل » ، « يخرج » ، « ينزل » تكشف عن كونه كلّ يوم هو في شأن وأنّ أمر الخلق والإيجاد والتصرف بعد مستمر ولم يفرغ منه سبحانه كما تدعيه اليهود.
وقد حكى سبحانه عقيدة اليهود بقوله : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّـهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (48). فقول اليهود : ( يَدُ اللَّـهِ مَغْلُولَةٌ ) يعكس عقيدتهم الكلية في حقّ الله سبحانه ، وأنَّه مسلوب الإرادة تجاه كلّ ما كتب وقدّر وبالنتيجة عدم قدرته على الإنفاق زيادة على ما قدّر وقضى. فردّ الله سبحانه عليهم بإبطال تلك العقيدة أوَّلاً بقوله : ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ).
وثانياً بقوله : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ). ولأجل ذلك فسّر الإمام الصادق الآية المذكورة بقوله :
« إنَّ اليهود قالوا : قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص. فقال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم : ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (49).
إلى هنا تبيّن أنَّ القول بتغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة يوافق الكتاب والسُّنة. والقول بأنَّ المقدر لا يتغيّر وأنَّ الله فرغ من الأمر يوافق قول اليهود.
والعجب أنَّ بعض العقائد اليهوديّة تسربت إلى المجتمعات الإسلاميّة في بعض الفترات ، فهذا عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن فضل وقال له : أشكلت علي ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ... قوله تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) وقد صحّ أنَّ القلم قد جفَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة.
فأجاب الحسين ـ متأثّراً بالعقيدة اليهوديّة ـ بقوله : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) فإنّها شؤون يبديها لا شؤون يبتدؤها » (50).
وهذه العبارة من المسؤول تكشف عن تسرب عقيدة اليهود إلى تلك الأوساط. وهو باطل بنفس الآية لأن معناها أنَّه يحدث الأشياء ويبتدئ بها لا أنَّه يبديها بعد ما ابتدأها في الأزل. ويظهر ذلك جليّاً بالمراجعة إلى الأحاديث الّتي نقلناها عن الصحاح حول القدر ، فإن مضامينها تطابق هذه النظريّة ، وتعرب عن أنَّ القدر في نظر هؤلاء عامل حاكم على كلّ شيء.
* * * *
حقيقة البَدَاء في ضوء الكتاب والسُّنة
إذا عرفت هذه الأمور ، تقف على أنَّ المراد من البداء عند الشيعة الإماميّة ليس إلّا تغيير المصير والمقدّر بالأعمال الصالحة والطالحة. فليس الإنسان في مقابل التقدير مسيّراً بل هو ـ بعد ـ مخيّر في أن يغيره بصالح أعماله أو بطالحها ، حتّى أنَّ هذا ـ تمكن الإنسان من تغيير المصير بالعمل ـ أيضاً جزء من تقديره سبحانه.
فبما أنّه سبحانه ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (51). وبما أنَّ مشيئته حاكمة على التقدير ، وبما أنَّ العبد مختار لا مسيّر ، فله أن يغيّر مصيره ومقدره بحسن فعله ويخرج نفسه من عداد الأشقياء ويدخلها في عداد السعداء ، كما أنَّ له عكس ذلك.
وبما أنَّ الله ( لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (52) ، فالله سبحانه لا يغيّر قدر العبد إلّا بتغيير من العبد بحسن عمله أو سوئه. ولا يعد تغيير التقدير الإلهي بحسن الفعل أو سوئه معارضاً لتقديره الأوّل سبحانه ، بل هو أيضاً جزء ، من قدره وسنّته. فإنَّ الله سبحانه إذا قدّر لعبده شيئاً وقضى له بأمر ، لم يقدره ولم يقضه عليه على وجه القطع والحتم ، بحيث لا يتغيّر ولا يتبدّل ، بل قضاؤه وقدره على وجه خاصّ ، وهو أنَّ ما قدّر للعبد يجري عليه ما لم يغير حاله بحسن فعل أو سوئه ، فإذا غيّر حاله تغيّر قَدَر الله ، وقضاؤه في حقّه وحلّ مكان ذلك القدر قَدَرٌ آخر ، ومكان ذلك القضاء قضاء آخر. والجميع ـ من القضاء والقدر السابقين واللّاحقين ـ قضاء الله وقدره ، وهذا هو البداء الّذي تتبناه الإماميّة من مبدأ تاريخها إلى هذا الوقت. ولأجل إيقاف الباحث على صدق هذا المقال نأتي ببعض النصوص لأقطابها القدماء حتّى يعرف أنَّ ما نسب إليها من معنى البداء أمر لا حقيقة له.
قال الشيخ الصدوق « ت 306 ـ م 381 هـ » في باب الاعتقاد بالبداء : « إنَّ اليهود قالوا : إنَّ الله تبارك وتعالى قد فرغ من الأمر ، قلنا : بل هو تعالى ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (53) لا يشغله شأن عن شأن ، يحيي ويميت ويخلق ويرزق ويفعَل ما يشاء. وقلنا : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (54) » (55).
وقال الشيخ المفيد « ت 336 ـ م 413 هـ » في « شرح عقائد الصدوق » : « قد يكون الشيء مكتوباً بشرط فيتغيّر الحال فيه ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ) (56). فتبيّن أنَّ الآجال على ضربين ، وضرب منها مشترط يصحّ فيه الزيادة والنقصان. ألا ترى قوله تعالى : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ) (57).
وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) (58).
فبّين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبرّ ، والانقطاع عن الفسوق.
وقال تعالى فيما أخبر به عن نوح ( عليه السلام ) في خطابه لقومه :
( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ... ) (59) إلى آخر الآيات.
فاشترط لهم في مدّ الأجل وسبوغ النعم ، الاستغفار. فلمّا لم يفعلوا قطع آجالهم وبتر أعمالهم واستأصلهم بالعذاب ، فالبَداء من الله تعالى (60) يختصّ بما كان مشترطاً في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة الى عزيمة ، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً » (61).
وقال أيضاً في « أوائل المقالات » : « أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله ، من الإفقار بعد الغناء ، والإمراض بعد الإعفاء ، و بالإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق النقصان منها بالأعمال » (62)
وقال الشيخ الطوسي « ت 385 ـ م 460 هـ » في « العدة » : « البَداء حقيقة في اللغة هو الظهور ، ولذلك يقال : « بدا لنا سور المدينة » و « بدا لنا وجه الرأي ». وقال الله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) (63) .
( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) (64) ويراد بذلك كلّه « ظهر ».
وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن. وأَمّا إذا أُضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز. فأمّا ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع. وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين ( عليهم السلام ) من الأخبار المتضمّنة الإضافة البداء إلى الله تعالى ، دون ما لا يجوز عليه : من حصول العلم بَعدَ أن لَم يكن. ويكون وجه إطلاق ذلك على الله تعالى ، التشبيه وهو أنَّه إِذا كان ما يدلّ على النسخ يظهر به للمكلّفين ما لم يكن ظاهراً لهم ويحصل لهم العلم به بعد أَن لم يكن حاصلاً لهم أطلق على ذلك لفظ البداء » (65).
ويريد الشيخ أن إطلاق البداء على الله تعالى لأجل كونه بداءً في أذهان الناس ، وظهوراً بعد خفاء ، فكان ذلك مصحّحاً لإطلاقه على الله سبحانه بالمجاز والتوسّع ، كما عرفت نظيره في بعض الألفاظ.
هذا بعض ما أفاده علماء الشيعة القدامى ، وأمّا ما كتبه المتأخّرون حوله فحدث عنه ولا حرج وفي وسعك المراجعة إليه. (66)
هذا هو الذي تقول به الشيعة وتسمّيه بَداء ، وأمّا غيرهم فيقولون به حسب ما مرّ من الآيات والروايات ولا يسمّونه بداء ، فالنزاع في الحقيقة إنّما هو في التسمية ، ولو عرف المخالف أنْ تسمية فعل الله سبحانه بالبداء من باب المجاز والتوسع لما شهر سيوف النقد عليهم. وإن أبى حتّى الإطلاق التجوزي فعليه أن يتبع النبي الأعظم ( صلّى الله عليه وآله ) حيث أَطلق لفظ البداء عليه سبحانه بهذا المعنى المجازي الذي قلناه ، في حديث الأقرع والأبرص والأعمى : « بَدَا لله عَزَ وَجَلّ اَن يَبتَلِيهُم » (67).
فبأيّ وجه فسّر كلام النبي يفسّر به كلام أوصيائه.
فاتّضح بذلك أنَّ التسمية من باب المشاكلة وأنَّه سبحانه يعبّر عن فعل نفسه في مجالات كثيرة بما يعبّر به الناس عن فعل أَنفسهم ، لأجل المشاكلة الظاهريّة ، ولكونه مقتضى المحاورة مع الناس والتحدّث معهم. وقد ذكرنا نماذج من ذلك فيما سبق.
وباختصار : إنَّ البحث في حقيقة البداء المقصودة للإماميّة أمر اتّفق المسلمون حسب نصوص كتابهم وأحاديث نبيّهم عليه ، ولا يمكن لأحد إنكاره.
وأَما التسمية بالبداء فمن باب المشاكلة والمجاز ، فمن لم يستسغه فليسمه باسم آخر « وَليَتَّق الله ربّه في أخيه المؤمن ، ولا يبخس منه شيئاً » ; ( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (68).
وبذلك تقف على أنَّ ما ذكره الامام الأشعري في « مقالات الاسلاميّين » (69) والبلخي في تفسيره (70) ، والرازي في « نقد المحصّل » (71) ، وغيرهم حول البداء ، لا صلة له بعقيدة الشيعة فيه. فإنّهم فسروا البداء لله بظهور ما خفي عليه والشيعة براء منه ، بل البداء عندهم تغيير التقدير بالفعل الصالح والطالح فلو كان هناك ظهور بعد الخفاء فهو بالنسبة الينا لا بالنسبة إلى الله تعالى ، بل هو بالنسبة إليه ابداء ما خفي وإظهاره. ولو أطلق عليه فمن باب التوسع.
بقيت أُمور يجب التنبيه عليها :
1 ـ الأثر التربوي للبداء
إنَّ الأثر التربوي الذي يترتّب على القول بالبداء أمر لا يمكن إنكاره ، كيف والاعتقاد بالبداء يبعث الرجاء في قلوب المؤمنين ، كما أنَّ انكاره و الإلتزام بأَنَّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة دون استثناء ، يترتّب عليه اليأس والقنوط. فيستمرّ الفاسق في فسقة والطاغي في طغيانه ، قائِلَين بأنّه اذا كان قلم التقدير مضى على شقائنا ، فلأيّ وجه نغيّر نمط أعمالنا بأعمال البرّ والتضرّع والدعاء.
إنَّ الاعتقاد بالبداء يضاهي الاعتقاد بقبول التوبة والشفاعة وتكفير الصغائر باجتناب الكبائر ، فانَّ الجميع يبعث الرجاء في النفوس ويشرح قلوب الناس أجمعين ، عصاة ومطيعين حتّى لا ييأسوا من روح الله ولا يتصوّروا أنَّهم إذا قدر كونهم من الأشقياء فلا فائدة في السعي والكدح بل يعتقدوا بأَنَّ الله سبحانه لم يجف قلمه في لوح المحو والإثبات ، فله أن يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، ويسعد من شاء ، و يُشقِيَ من شاء ، حسب ما يتحلى به العبد من مكارم الأخلاق وصالح الأعمال أو يرتكب من طالحها وفاسدها. وليست مشيئته سبحانه جزافية غير تابعة لضابطة حكيمة ، فلو تاب العبد وعمل بالفرائض ، وتمسّك بالعصم ، خرج من صفوف الأشقياء ودخل في عداد السعداء وبالعكس.
وهكذا كلّ ما قدر في حقّ الإِنسان من الحياة والموت والصحّة والمرض والغنى والفقر يمكن تغييره بالدعاء والصدقة وصلة الرحم وإكرام الوالدين ، فالبداء يبعث نور الرجاء في قلوب هؤلاء.
2 ـ البداء ليس تغييراً في علمه ولا في إرادته سبحانه
إنَّ علمه سبحانه ينقسم إلى علم ذاتي وعلم فعلي ، فعلمه الذاتي نفس ذاته وهو لا يتغيّر و لا يتبدّل ، وأَمّا علمه الفعلي فهو عبارة عن لوح المحو والإثبات ، فهو مظهر لعلم الله في مقام الفعل ، فإذا قيل بدا لله في علمه فمرادهم البداء في هذا المظهر.
وإن شئت قلت : إنَّ مراتب علمه سبحانه مختلفة ، ومحالُّها متعدّدة.
فأَولها وأعلاها العلم الذاتي المقدّس عن التكثّر والتغيّر وهو محيط بكلّ شيء وكلّ شيء حاضر عنده بذاته. ثمّ يليه علمه الفعلي وله مراتب ومظاهر كاللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات ونفوس الملائكة والأنبياء. فلو كان هناك تغيير فإنّما هو في هذه المظاهر ، و بالأخصّ لوح المحو والإثبات. فيقدر في ذلك اللوح كون الشخص من السعداء ولكنّه يرتكب عملاً طالحاً يوجب التغيير فيه فيكتب من الأشقياء ، ومثله خلافه. و إليه يشير سبحانه : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ).
فالظاهر من الآية أَنَّ أُمّ الكتاب هو الكتاب الوسيع الأصيل الذى يكتب فيه تقدير الكائنات بجملتها ومنها الإِنسان ، ولأجل ذلك يكون مصوناً من التغيير ، لانعكاس جميع التقديرات فيه جملة واحدة وهذا بخلاف لوح المحو والإثبات فيكتب فيه التقدير الأوّل ولكنّه لما كان مشروطاً بشرط غير متحقّق ، يغيّره التقدير الثاني.
وبذلك يظهر أنَّ التغيير في التقدير لا يلازم في العلم التغيّر في الارادة وإنّما التغيير في مظاهر علمه الفعلي أَيّ ما خلقه من الألواح والنفوس التي تنعكس فيها تقاديره.
وعلى ضوء ذلك فيما أخذه أبو زهرة المصري في كتابه « الإمام الصادق » ، على الشيعة الإماميّة في مسألة البداء ناشئ عن الغفلة عن محلّ المحو الإثبات وطروء التغيّر والتحوّل حيث قال : « من البداء الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال ولا شكّ أنَّ الزيادة في الآجال ، إن أريد ما قَدَّره الله تعالى في علمه الأزلي والزيادة عمّا قدر ، فذلك يقتضي تغيير علم الله ، وإن أُريد الزيادة عمّا يتوقّعه الناس فذلك ممّن ينطبق عليهم قوله تعالى :
( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّـهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) » (72).
فيلاحظ عليه أوّلاً : إنَّ زيادة الآجال والأرزاق أو نقصانها بالأعمال ممّا لم تنفرد به الشيعة الإِماميّة. ومن العجيب أن يغفل عمّا رواه أَئمّة أهل الحديث ، وقد ذكرنا جملة منها فيما سبق.
وثانياً : إنَّ الزيادة في الآجال والأرزاق وإن كانت توجب التغيير في التقدير ، لكنّها لا توجب التغيير في علم الله أو مشيئته وإِرادته.
ومنشأ الخلط بين الأمرين هو جعل تقديره سبحانه نفس علمه الذاتي ، وتوهّم أنَّ التغيير في الأوّل يوجب التغيير في الثاني. بل التقدير إنّما هو في مظاهر علمه التي تسمى علماً فعليّاً ، وهي عبارة عن الألواح الواردة في الكتاب والسنة : من المحفوظ ، و المحو والإثبات. فزعم الكاتب أنَّ لله علماً واحداً وهو علمه الأزلي وأنَّه هو مركز التقدير واستنتج منه أنَّ القول بالبداء يستلزم تغيير العلم الذاتي.
نعم هو سبحانه يعلم من الأزل أيّ عبد يختار أيّ واحد من التقديرين على مدى حياته ، وأَيّ عبد ينتقل من تقدير إلى تقدير ، فليس ها هنا تقدير واحد بل التقديرات بجملتها موجودة هناك بوجود جمعي لا يستلزم الكثرة والتثني.
3 ـ البداء في تقدير الموقوف لا المحتوم
إنَّ البداء « تغيير التقدير بالأعمال » إنّما يتصوّر في التقدير الموقوف. وأمّا القطعي المحتوم فلا يتصوّر فيه. وتوضيح ذلك بما يلي :
إنَّ لله سبحانه قضاءين : قضاءً قطعيّاً وقضاءً معلقاً ، أَمّا الأوّل فلا يتطرق اليه البداء و لا يتغيّر أبداً.
وأمّا الثاني فهو الذي يتغيّر بالأعمال الصالحة والطالحة. وقد صرّح أئمّتنا في أحاديثهم بهذا الأمر ونصّوا على هذا التقسيم.
والمراد من التقدير الحتمي ما لا يبدّل ولا يغيّر ولو دُعي بألف دعاء.
فلا تغيّره الصدقة ولا شيء من صالح الأعمال أو صالحها. وذلك كقضائه سبحانه للشمس والقمر مسيراً إلى أجل معيّن ، وللنظام الشمسي عمراً محدّداً ، وتقديره في حقّ كلّ إنسان بأنّه يموت ، إلى غير ذلك من السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإِنسان.
والمراد من الثاني الأمور المقدّرة على وجه التعليق ، فقدّر أن المريض يموت في وقت كذا إلّا إذا تداوى ، أَو أجريت له عمليّة جراحيّة أو دعي له و تُصُدِّقُ عنه وغير ذلك من التقادير التي تتغيّر بإيجاد الشرائط والموانع ، والله سبحانه يعلم في الأزل كلا التقديرين : المَوقُوف ، وَتَحَقُّق الموقوف عليه وعدمه. وله نظائر حتّى في التشريع الكلّي والسنن الوسيعة الإلهيّة ، فقد قضى سبحانه في حقّ المسرفين بأنّهم أَصحاب النار ، وقال حاكياً عن مؤمن آل فرعون :
( وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّـهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) (73).
غير أَنَّ هذا التقدير حتّى بصورته الكليّة ليس تقديراً قطعيّاً غير قابل للتغيير بشهادة قوله سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ) (74) والهدف من الآيتين تقوية حريّة الإِنسان وتفهيمه بأن له الخيار في اختيار أيّ واحد شاء من التقديرين.
وإليك بعض ما ورد عن أئمّة أهل البيت حول هذا التقسيم :
سئل أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) عن ليلة القدر ، فقال : « تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة.
قال : وأمر موقوف لله تعالى فيه المشيئة ، يقدّم منه ما يشاء و يؤخّر ما يشاء.
وهو قوله : ( يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (75).
وروى الفضيل قال : سمعت أبا جعفر يقول : « من الأمور محتومة جائية لا محالة ، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء ويثبت منها ما يشاء ، لم يطلع على ذلك أحداً ـ يعني الموقوفة ـ فأمّا ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته » (76).
وفي حديث قال الرضا ( عليه السلام ) لسليمان المِرْوَزي : « يا سليمان إِنَّ من الأمور أموراً موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء و يؤخّر ما يشاء » (77).
هذا بعض ما ورد في تقسيم التقدير إلى قسميه.
وقد خرجنا بهذه النتيجة وهي : إنَّ التقدير على نوعين موقوف وغير موقوف ، والله سبحانه من وراء الكلّ واقف على تحقّق الموقوف عليه.
4 ـ الأجل والأجل المسمّى :
إِنّ القرآن الكريم يصف الكائنات السماويّة والأرضيّة بأَنَّ لها « أجلاً » و « أجلاً مسمّى ». فما هو المراد منهما ؟
إنَّ « الأجل » بلا قيد هو التقدير الموقوف. « والأجل المسمّى » هو المحتوم. وإليك بيانه :
قال سبحانه : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ) (78).
قال سبحانه : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (79).
إنَّ الله سبحانه جعل للإنسان في هاتين الآيتين أجلين مطلقاً ومسمّى ، كما أنَّه جعل للشمس والقمر أجلاً مسمّى ، قال سبحانه : ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (80). ومثله في سورة الزُّمر المباركة ، الآية الخامسة. وإليك توضيح مفهوم الأجلين بالمثال التالي :
إذا وهب الله تعالى لأحدنا ولداً وأُجريت عليه مختلف الفحوص الطبّية بحيث إطمأنّ الأطبّاء أنَّ باستطاعة هذا الوليد أن يحمل أعباء الحياة إلى مائة سنة ، فمن الواضح أنَّ معنى هذا ليس أكثر من « الإمكان » أو « الاقتضاء ».
وليس معناه أنّه يعيش هذه المدّة كيفما كان ، وفي أيّ وضع كان بل هو مشروط بشروط عديدة ، منها استمرار صحّته وعدم عروض مانع لاستمرار بقائه ، حتّى تصل هذه القابليّة من القوّة إلى الفعليّة. وإلّا فربّما يموت قبل أن يصل إلى تلك المدّة.
وعلى ضوء هذا فللطفل من يومه الأوّل أجلان :
1 ـ أجل مطلق ، وهو إمكانه واقتضاؤه للبقاء ، وقابليّته الجسميّة لمدّة مائة سنة من العمر. وحيث إنَّ لاستمرار البقاء في هذا الكوكب سلسلة من الشرائط والمقتضيات ، ولا يعلم بالجزم واليقين تحقّقها ، يكون هذا أجلاً مبهماً لا محتوماً ومبرماً.
2 ـ أجل محتوم ، وهو مقدار عيشه حسب تحقّق شروطه في الواقع ونفس الأمر ، أو عدم تحقّقها. وهذا هو الذي لا يقف عليه إلّا الخبير والمحيط بالعالم وتحقّق الشرائط وعدمها وما يعرض على الطفل في مسير حياته ، وليس هو إلّا الله سبحانه. إذ هو الذي يعلم ما يعرض للطفل ممّا يوجب طول حياته أو قصرها.
وهذا تقدير مقطوع به بعيد عن أيّ إبهام وترديد.
وقد عبّر القرآن الكريم عن الأوّل بالأجل ، الشامل بإطلاقه للموقوف والمحتوم والممكن والمتحقّق ، وعن الثاني بالأجل المسمَّى ، الشامل لخصوص المحتوم ، وخصّ العلم بالأجل المسمَّى بنفسه تعالى ، دون العلم بالأجل المطلق ، فقال : ( وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ). و الأجل أنَّ شرائط الحياة للإنسان تختلف حسب توفر الشروط وعدمها جعل للإنسان أجلين ، مع أنّه لم يجعل للشمس والقمر إلّا أجلاً واحداً وهو الأجل المسمَّى.
وإلى الأجل المسمّى يشير قوله سبحانه : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) (81).
و إلى ما ذكرنا من التفسير يشير الإمام الصادق بقوله : « أجلٌ مسمّى ; وهو قوله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) وأَجَلٌ غير مُسَمَّى يتقدّم ويتأخّر » (82).
وقال عليه السلام أيضاً في تفسير قوله سبحانه : ( ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ).
قال : « الأجل الذي غير مسمّى موقوف يقدم منه ما يشاء و يؤخّر منه ما شاء ، وأمّا الأجل المسمّى فهو الذي ينزل ممَّا يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل ، فذلك قول الله : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) (83).
وقد فَسّر غيرُ واحد من المفسّرين كلا الأجلين بما ذكرنا ، وذكر الرازي الوجه المروي عن حكماء الإسلام وقال :
« إنَّ لكلّ إنسان أجلين أحدهما : الآجال الطبيعيّة والثاني الآجال الإختراميّة. أمّا الآجال الطبيعيّة فهي التي لو بقي ذلك المزاج مصوناً عن العوارض الخارجيّة لانتهت مدّة بقائه إلى الوقت الفلاني ، وأمَّا الآجال الإختراميّة فهي التي تحصل بالأسباب الخارجيّة كالغرق والحرق وغيرهما من الأمور المنفصلة » (84).
وقال العلّامة الطباطبائي : « إِنَّ الأجل أَجلان : الأجل على إبهامه ، والأجل المسمّى عند الله تعالى. وهذا هو الذي لا يقع فيه تغيير لمكان تقييده بقوله « عِندَهُ » ، و قد قال تعالى : ( وَمَا عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ ). وهو الأجل المحتوم الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل ، قال تعالى : ( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) (85).
فنسبة الأجل المسمّى إلى الأجل غير المسمّى ، نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلّق ، فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلّق عن التحقّق لعدم تحقّق شرطه الذي علّق عليه ، بخلاف المطلق المنجز ، فانّه لا سبيل إلى عدم تحقّقه البتة.
والتدبّر في الآيات يفيد أنَّ الأجل المسمّى هو الذي وضع في أُمّ الكتاب ، وغير المسمّى من الأجل هو المكتوب فيما نسمّيه بـ « لوح المحو والإِثبات ».
وبتعبير آخر : إنَّ أُمّ الكتاب قابلُ الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى أسبابها التامّة التي لا تتخلّف ، عن تأثيرها ، ولوح المحو والإثبات قابل الإنطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربّما نسمّيها بالمقتضيات التي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها » (86).
نعم ، يقع السؤال عن نكتة ذينك التحديدين ، وأنّه إذا كان الأجل غير المسمّى يختلف مع المسمّى غالباً ، فأيّ فائدة في ترسيمه ؟
ولكن الإجابة عنه واضحة ، وهي أن ترسيمه يثير النشاط في المجتمع الإِنساني حتّى يقوم بتهيئة الشرائط ورفع الموانع للبلوغ إلى ذلك الأجل والعمر الطويل الذي حدَّدوه بمائة وعشرين سنة.
أضف إلى ذلك أنَّ هذين الترسيمين نتيجة ارتباط أجزاء الكون وتأثيره في الوجود الإِنساني فانّ التركيب الخاصّ للشخص الإِنساني وإن كان يقتضي أن يعمّر العمر الطبيعي ، وهذا يقتضي تحديداً له من حيث هو نفسه ، ولكن بما أنَّ أجزاء الكون مؤثّرة في حياة الإِنسان ، فربّما تفاعلت الأسباب والموانع التي لا نحصيها ولا نحيط بها ، فأدّى إلى حلول أجله قبل أن ينقضي الأجل الطبيعي وهو المسمّى بالموت الإخترامي. وليس يختصّ الإخترامي بالحوادث المنفصلة كالموت والحرق كما عليه الرازي في تفسيره ، بل يعمّ فقدان شرائط الحياة ، وسوء التغذية ، وهجوم الغصص والحوادث النفسيّة المؤلمة.
5 ـ ما يترتّب على البداء في مقام الإثبات
إذا كان البَدَاء هو تغيير المصير بالعمل الصالح والطالح ، وأنَّه يقع في الأمور الموقوفة لا المحتومة ، يسهل على الباحث علاج الإخبار بالمغيّبات من جانب الأنبياء مع عدم تحقّقه.
ونرى من هذه الإخبارات نماذج في الكتاب والسنّة :
(1) ـ رأى إبراهيم في المنام أنّه يذبح ولده إسماعيل ، ورؤيا الأنبياء وحي (87) ، فتلك الرؤيا الصادقة تحكي عن حقيقة ثابتة وواقعيّة مُسَلَّمة ، وهو أمر الله لإبراهيم بذبح ولده أوّلاً ، وتحقّق ذلك في عالم الوجود ثانياً ، وكأنَّ قوله : ( إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) يكشف عن أمرين :
أ ـ الأمر بذبح الولد وهو أمرٌ تشريعي.
ب ـ الحكاية عن تحقّق ذلك في الواقع الخارجي. فقد أُخبر إبراهيم بذلك من طريق الوحي. وأخبر هو ولده بذلك.
ومع ذلك كلّه لم يتحقّق ونسخ نسخاً تشريعيّاً ، كما نسخ نسخاً تكوينيّاً. ويحكي عن كلا الأمرين قوله سبحانه : ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ).
فينطرح في ذهن الإِنسان : كيف يجوز أن يخبر النبي بشيء من المغيّبات ثمّ لا يتحقّق ؟!
(2) ـ إنَّ يونس ( عليه السلام ) أخبر قومه بنزول العذاب وأنَّه مصيبهم. ومع ذلك كلّه لم يأتهم (88) يقول سبحانه :
( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ) (89).
(3) ـ ما جاء في قصّة موسى بن عمران حيث إنَّ موسى أخبرهم بأنَّه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة كما عن ابن عبّاس حيث قال : « إنَّ موسى قال لِقَومه إنَّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه ، و اُخلفَ هارون فيكم ، فلمّا فصل موسى إلى ربّه زاده الله عشراً ، فكانت فتنتهم في العشر التي زادها الله » (90). قال سبحانه : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (91).
هذه جملة الإخبارات التي وردت في القرآن والتي أَخبَر بها الأنبياء ولم تتحقّق وقد جاء نظير ذلك في الروايات الإسلاميّة نذكر منها :
ما روي عن المسيح عيسى بن مريم أنَّه مرّ بقوم مُجلَبين. فقال: ما لهؤلاء ؟ قيل يا روح الله إنَّ فلانة بنت فلانة تُهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.
قال : يجلبون اليوم ويبكون غداً. فقال قائل منهم: ولِمَ يا رسول الله ؟
قال : لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه ... فلمّا أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء.
فقالوا : يا روح الله انَّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميتة لم تمت. فقال عيسى : يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها .. حتّى قرعوا الباب فخرج زوجها فقال له عيسى : استأذن لي على صاحبتك. فتخدرت ، فدخل عليها. فقال لها : ما صنعت ليلتك هذه ؟ قالت : كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها. وإنَّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي بمشاغل ، فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى نلته كما كنَّا ننيله.
ففي هذه اللحظة قال عيسى لها تنحي عن مجلسك. فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه.
فقال ( عليه السلام ) : بما صنعتِ صرف عنكِ هذا » (92).
ومنها ـ ما روى أنَّه مرَّ يهودي بالنبي فقال : السام عليك ، فقال النبي له : وعليك.
فقال أصحابه : انما سَلَّم عليك بالموت ، فقال الموت عليك !
فقال النبي : وكذلك رددت.
ثمّ قال ( صلّى الله عليه وآله ) لأصحابه : إنَّ هذا اليهودي يعضه أسود في فقاه فيقتله.
فذهب اليهودي فاحتطب حطباً فاحتمله ثمّ لم يلبث أَن انصرف. فقال له : ضعه ، فوضع الحطب : فإذا أَسود في جوف الحطب عاض على عود.
فقال ( صلّى الله عليه وآله ) : يا يهودي ما عملت اليوم ؟ قال : ما عملت عملاً إلّا حطبي هذا فحملته فجئت به ، وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين. فقال رسول الله : بها دفع الله عنه. وقال : إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإِنسان (93).
وهناك نظائر لما مضى لا تخرج عن عدد الأصابع.
تبيين الحال في هذه الإخبارات الغيبيّة
يقع الكلام في هذه الملاحم والأخبار الغيبيّة تارة من جهة انّ الأنبياء كيف علموا بهذا الأمر الموقوف ، و لم يعلموا بالأمر الموقوف عليه.
وأُخرى أنَّ هذا الإخبار مع عدم الوقوع كيف لا يعد تكذيباً لقولهم ؟
أمّا الأوّل ، فلا شكّ أَنَّ النبي إذا أخبر بشيء ثمّ حصل البداء في تحقّقه فلا بد أَن يستند في إخباره إلى شيء يكون مصدراً لإخباره ومنشأ لإطلاعه. فيمكن أَن يكون المصدر إتّصاله بعالم لوح المحو والإثبات ، فاطلع على المقدِّر ، ولم يطلع على كونه معلقاً على أمر غير واقع ، لعدم إحاطة ذلك اللوح بجميع الأشياء.
كما أَنه يمكن أَن تتعلّق مشيئته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه ، لحكمة داعية إلى إظهاره ، فيلهم أَو يوحي إلى نبيّه مع علمه سبحانه بأَنّه يمحوه.
نعم ، من شملته العناية الإلهيّة واتّصلت نفسه الزكيّة بعالم اللوح المحفوظ تنكشف عنده الواقعيّات على ما هي عليها ، وإن كان ذلك قليل كما يتّفق ذلك لخاتم الأنبياء وبعض الأوصياء.
وعلى ضوء ذلك فالحكم الذي يُوحَى إلى الأنبياء ، تارة يكون ظاهراً في الإستمرار والدوام ، مع أَنّه في الواقع له غاية وحَدَّ يعيّنه بخطاب آخر.
وأُخرى يكون ظاهراً في الجد مع أنَّه لا يكون جدياً واقعاً ، بل لمجرّد الإختبار والإبتلاء.
وثالثة يوحى إليهم بالإخبار بوقوع عذاب لحكمة في هذا الإخبار ، ومع ذلك لا يقع.
هذه هي الجهات التي يمكن أَن تكون مصدراً لعلمه واطّلاعه. والكلّ يرجع إلى وقوفه على المقتضيات وعدم وقوفه على العلّة التامّة. فلأجل ذلك صحّ له أَن يخبر عن التقدير الأوّل لأجل وجود المقتضى ، ولو اطّلع على العلّة التامّة لأخبر عن التقدير الثاني. ولا بعد في أن يُخفي تعالى على نبيّه شرائط التقدير الأوّل وموانعه لأجل مصالح يعلمها الله سبحانه.
فقد كان هناك مصلحة في الإخبار عن تحقّق ذبح إسماعيل ، ونزول العذاب على قوم يونس ، وكون الميقات ثلاثين يوماً ، وأنَّ العروس واليهودي يقتلان. فلله سبحانه في إخباره وإظهاره حكم ومصالح نقف على بعضها ولا نحيط بجملتها.
هذا كلّه حول مصدر علم النبي في إخباره.
وأمّا الثاني ، وهو أنَّ إخبار النبي بشيء وعدم وقوعه يعد في نظر الناس تكذبياً للنبي. فنقول : إنَّ المغيبات التي وقع فيها البَدَاء إنّما توجب معرضية الأنبياء لوصمة الكذب والتقول بالخلاف إذا لم يكن هناك قرائن تدلّ على صدق مقالهم ، ولذلك نرى أن عيسى ( عليه السلام ) لما أخبر أصحابه بأن العروس ستهلك ، برهن على صدق مقاله بإراءة الأفعى تحت مجلسها كما أَنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) برهن على صدق إخباره بهلاك اليهودي بالأمر بوضع الحطب فإذا أَسود في جوف الحطب عاض على عود.
ونظيره قصّة إبراهيم ، فإنّ في التفدية بذبح عظيم دلالة على صدق ما أَخبر به الخليل من الرؤيا. كما أنَّ الحال كذلك في قصّة يونس حيث أخبر عن العذاب ، وقد رأى القوم طلائعه ، فقال لهم العالم : افزعوا إلى الله فلعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم ، فاخرجوا إلى المفازة ، وفرّقوا بين النساء والأولاد ، وبين سائر الحيوانات وأَولادها ، ثمّ ابكوا وادعوا ففعلوا فصرف عنهم العذاب. (94)
وبالجملة ، إذا كانت إخبارات النبي مقترنة بالقرائن الدالّة على صدق إخباره ، وأنَّ الوقوع كان حتميّاً قطعيّاً لولا فعل ما فعلوه ، لما عدّ ذلك تقولاً بالخلاف ، بل يعدّ من دلائل الرسالة.
وعلى ذلك فإخباراتهم الغيبيّة إما كانت على وجه التعليق في اللفظ ، كما في قصّة يونس ، حيث روي أَنّه قال لقومه : « إنَّ العذاب مصبحكم بعد ثلاث ان لم تتوبوا » (95). أو في اللب ، كما إذا دلّت القرائن الماضية على أَنَّ كلامه كان معلّقاً على مشيئته سبحانه ، وكانت مشيئته سبحانه معلّقة على عدم صدور أَمر يدفع العذاب.
وأنت إذا أحَطّت بما ذكرنا من الأمور تقف على مدى صحّة ما نقله الرازي عن سليمان بن جرير من أنَّ أئمّة الرافضة وضعوا القول بالبداء لشيعتهم ، فإذا قالوا سيكون لهم أَمر وشوكة ثمّ لا يكون الأمر على ما أَخبروا ، قالوا : بدا لله تعالى (96) !. وكانَّ الرجل كان غافلاً عن تلك المعارف العليا في الكتاب والسنّة.
ونضيف أَخيراً بأَنَّ هذا النوع من الإخبارات التي تعد نتيجة للبَدَاء لا نفس البَدَاء ، لا تتجاوز في كلمات الأئمّة عن مواضع أربعة (97) ، ذكر تفصيلها في موضعها ، فيكف يدَّعى الرازي وضع ضابطة كليّة ؟!
الهوامش
1. سورة الزمر : الآيتان 47 ـ 48.
2. المفردات ، مادة « بدا » ، ص 40.
3. سورة آل عمران : الآية 5.
4. سورة إبراهيم : الآية 38.
5. نهج البلاغة ، الخطبة 105 ، طبعة عبده.
6. بحار الأنوار ، ج 4 ، باب العلم وكيفيّته ، ح 23 ، ص 86.
7. المصدر السابق ، ص 111 ، الحديث 30.
8. المصدر نفسه ، ص 121 ، الحديث 63.
9. الكافي ج 1 ، باب صفات الذات ، ص 107.
10. بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 84 ، الحديث 17.
11. تقدم البحث مفصلاً في سعة علمه تعالى ، عند البحث عنه في الصفات الثبوتيّة في هذا الجزء.
12. راجع للوقوف على هذه الأحاديث ، بحار الأنوار ، ج 4 ، الأحاديث 11 ، 19 ، 23 ، 26 ، ص 107 ـ 108.
13. سورة الطارق : الآيتان 15 ـ 16.
14. سورة النمل : الآية 150.
15. سورة النساء : الآية 142.
16. سورة التوبة : الآية 67.
17. سورة الزخرف : الآية 55.
18. تقدم مفصلاً بيان الطريق القويم في ذلك عند البحث في الصفات الخَبريّة من هذا الجزء.
19. سورة الرعد : الآية 11.
20. سورة نوح : الآيات 10 ـ 12.
21. سورة الأعراف : الآية 96.
22. سورة الطلاق : الآيتان 2 ـ 3.
23. سورة إبراهيم : الآية 7.
24. سورة الأنبياء : الآية 76.
25. سورة الأنبياء : الآيتان 83 ـ 84.
26. سورة الأنفال : الآية 33.
27. سورة الصافات : الآيات 143 ـ 146.
28. سورة الأنبياء : الآية 88.
29. سورة يونس : الآية 98.
30. سورة النَّحل : الآية 112.
31. سورة الأنفال : الآية 53.
32. سورة سبأ : الآيات 15 ـ 17.
33. البحار ، ج 90 ، كتاب الذكر والدعاء ، الباب 16 ، الحديث 2.
34. الكافي ، ج 2 ، ص 470.
35. البحار ، ج 90 ، كتاب الذكر والدعاء ، الباب 16.
36. البحار ، ج 90 ، باب فضل الدعاء والحث عليه ، ص 295.
37. الكافي ، ج 2 ، ص 470.
38. الدرّ المنثور ، ج 4 ، ص 66.
39. الدر المنثور ، ج 4 ، ص 66.
40. التاج ، ج 5 ، ص 111.
41. المستدرك ، ج 1 ، ص 493.
42. المصدر السابق.
43. الّذي يراد منه في مورد الإنسان أنّه مخيّر في حياته ، غير مسيّر ، وأنّ له تغيير مصيره بتغييره مسيره على ما تقدّم.
44. الرعد : الآية 39.
45. الرحمن : 29.
46. الأعراف : 54.
47. النور : 43.
48. المائدة : 64.
49. التوحيد ، باب معنى قوله عزّ وجلّ ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ ) ، الحديث الأوّل ، ص 167.
50. الكشَّاف : 3 / 189. تفسير سورة الرحمن.
51. الرحمن : 29.
52. الرعد : 11.
53. سورة الرَّحمن : الآية 29.
54. سورة الرعد : الآية 39.
55. عقائد الصدوق ، المطبوع في ذيل شرح الباب الحادي عشر ، ص 73.
56. سورة الأنعام : الآية 2.
57. سورة فاطر : الآية 11.
58. سورة الأعراف : الآية 96.
59. سورة نوح : الآيتان 10 ـ 11.
60. سيوافيك وجه إطلاق البداء على الله وأنَّه من مقولة المجاز ، كما قوله سبحانه : ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) تمثيلاً لفعل الباري بفعل البشر.
61. تصحيح الأعتقاد ، باب معنى البَدَاء ، ص 25.
62. أوائل المقالات ، باب القول في البداء ، ص 53.
63. سورة الجاثية : الآية 33.
64. سورة الزمر : الآية 48.
65. عدّة الأصول ، ج 2 ، ص 29 ، وله كلام آخر في كتاب « الغيبة » ، ص 262 ـ 264 ، طبعة النجف يحذو فيه حذو ما ذكره في « العدة » فليرجع اليه.
66. لاحظ مصابيح الأنوار ، للسيّد شُبَّر ، ج 1 ، أجوبة موسى جار الله للامام شرف الدين ص 101 ـ 103.
67. النهاية في غريب الحديث والأثر ، للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك ابن محمّد الجزري ، ج 1 ، ص 109.
68. سورة هود : الآيتان 85 ـ 86.
69. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، ص 107 و 109 و 119 ، طبعة محي الدين عبد الحميد.
70. نقله شيخنا الأكبر الطوسي في تفسيره ، التبيان ، ج 1 ، ص 13 ـ 14 ، طبعة النجف.
71. نقد المحصّل ، ص 421.
72. الإمام الصادق ، لأبي زهرة ، ص 238.
73. سورة غافر : الآية 43.
74. سورة الزمر : الآية 53.
75. بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 102 ، باب البداء ، الحديث 14 ، نقلاً عن أمالي الطوسي.
76. المصدر السابق ، ص 119 ، الحديث 58.
77. المصدر السابق ، ص 95 ، الحديث 2.
78. سورة الأنعام : الآية 2.
79. سورة غافر : الآية 67.
80. سورة الرعد : الآية 2.
81. سورة الأعراف : الآية 34 وسورة النحل : الآية 61.
82. أصول الكافي : 1 / 71.
83. البحار ، ج 4 ، ص 116 ، الحديث 44. ولاحظ الأحاديث 45 ، 46 ، 47.
84. مفاتيح الغيب للرازي ، سورة الأنعام ، آية 2.
85. سورة يونس : الآية 49.
86. الميزان ، ج 7 ، تفسير سورة الأنعام ، الآية الثانية ، ص 9.
87. لاحظ الدرّ المنثور ، ج 5 ، 280.
88. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 135 ، وتفسير الطبري وتفسير الدرّ المنثور في تفسير الآية.
89. سورة يونس : الآية 98.
90. الدر المنثور ، ج 3 ، ص 115.
91. سورة الأعراف : الآية 142.
92. بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 94 ، ذكرنا الرواية بتلخيص.
93. بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 118 .
94. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 153.
95. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 135.
96. نقد المحصل ، للرازي ، ص 421.
97. راجع في تفسير ذلك كتاب « البداء في ضوء الكتاب والسنّة » للأُستاد دام حفظه ص 107 ـ 108.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 2 / الصفحة : 219 ـ 251
التعلیقات