المعاد مجلى لرحمته سبحانه
ادلة المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 175 ـ 176
(175)
الدليل الرابع : المعاد مجلى لرحمته سبحانه
ومن لطائف الكلام في الذكر الحكيم أنّه عدّ المعاد فرعاً لرحمته ، وجعله مجلىً
لها ، قال سبحانه : { قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ
فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (1).
فترى أنّه سبحانه يرتّب جمع الناس إلى يوم القيامة ، على قوله { كَتَبَ
عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } ؛ وذلك لأنّ هذا اليوم يوم الرحمة للمؤمن والكافر ، غير أنّ
الكافر ، قد خسر نفسه باقتراف المعاصي ، وترك الفرائض في الدنيا ، فلا يتوفق لنيل
رحمته تعالى ، ولعلّه سبحانه إلى ذلك يشير في الآية بقوله: { الَّذِينَ خَسِرُوا
أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.
ويعود معنى الآية إلى أنّ يوم القيامة أشبه بمائدة ممدودة ، فيها ما تشتهيه
الأنفس ، وتلذّ الأعين ، ولكن الانتفاع منها رهن قيود وشروط هي في وسع كل
واحد من المكلّفين . فلو حُرِمَ الكافر من الرحمة ، فهو بفعل نفسه ، وما جنته يداه ، لا
من جانبه سبحانه ، وهذا كابتلاء العباد وامتحانهم ، فإنّه رحمة ؛ لأنّ الهدف منه
خروج الطاقات من القوة إلى الفعل ، والكمالات من الخفاء إلى البروز ، ولكن
الكافر لا يخرج منه إلاّ راسباً غير مستفيد من أهداف الابتلاء ، بل يخسر نفسه
بفتور عزمه في مجال الطاعة.
و يمكن استفادة ذلك من الآية التالية ، وهي قوله سبحانه:
{ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي
الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). فللآية دلالتان:
المطابقية منهما تهدف إلى تشبيه إحياء الموتى بإحياء الأرض حتى يرجع المنكر عن
إنكاره بمشاهدة إحياء محسوس ، وهو إحياء الأرض . والالتزامية منهما تدلّ على أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الأنعام : الآية 12.
(2) - سورة الروم : الآية 50.
________________________________________
(176)
إحياء الموتى يوم القيامة ، رحمة من الله سبحانه لهم ، كما أنّ إحياء الأرض رحمة من
الله سبحانه لعباده.
* * *
التعلیقات