التحسين و التقبيح العقليان
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةالتحسين والتقبيح العقليان
ذهبت العدليّة إلى أَنَّ هناك أَفعالاً يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانة من الشرع أَنّها حسنة ، يجب القيام بها ، أَو قبيحة يجب التنزه عنها. ولو أَمر الشارع بالأُولى ونهى عن الثَّانية ، فهو كاشف عمّا يدركه العقل ومرشد إليه. وليس للشرع أَنْ يعكس القضيّة بأَنْ يُحَسِّنَ ما قَبَّحهُ العقل ، أَو يُقبِّح ما حَسَّنه.
وقالت الأَشاعرة ، لا حكم للعقل في حُسْن الأَشياء وقبحها ، ولا يتّسم فعل بالحُسن أو القُبح بذاته قبل ورود الشرع ، فلأجل ذلك لا حَسَنَ إلَّا ما حسّنه الشارع ، ولا قبيح إلَّا ما قبّحه. فلو كان الظلم قبيحاً ، فلأن الشارع نهى عنه ، ولو كان العدل حَسَناً فلأنّه أمَر به. ولو عكس وجعل العدل قبيحاً والظلم حَسَناً ، لكان كما قال.
ثمّ إنَّ القائلين بالحُسن والقُبح العقليين يقسّمون الأفعال من حيث الإِتّصاف بهما إلى أقسام ثلاثة :
الأوّل : ما يكون الفعل بنفسه علَّة تامّة للحُسْن والقبح ، وهذا ما يسمّى بالحُسْن والقُبح الذاتيين ، مثل العدل والظلم. فالعدل بما هو عدل ، لا يكون إلّا حَسَناً أبداً ، ومتى ما وجد لا بُدّ أن يُمدَح فاعله ويعدّ محسِناً ، وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلّا قبيحاً ومتى ما وجد ففاعله مذموم ومسيء. ويستحيل أن يكون العدل قبيحاً والظلم حَسَناً.
الثاني : ما لا يكون الفعل علَّة تامّة لأحدهما ، بل يكون مقتضياً للإِتّصاف بهما ، بحيث لو خلّي الفعل ونفسه ، فإمَّا أن يكون حَسَناً كتعظيم الصديق بما هو هو أو يكون قَبيحاً كتحقيره. ولكنّه لا يمتنع أن يكون التعظيم مذموماً لعروض عنوان عليه كما إذا كان سبباً لظلمِ ثالث ، أو يكون التحقير ممدوحاً لعروض عنوان عليه كما إذا صار سبباً لنجاته. ولا ينحصر المثال بهما بل الصدق والكذب أيضاً من هذا القبيل. فالصدق الذي فيه ضرر على المجتمع قبيح ، كما أنَّ الكذب الذي فيه نجاة الإِنسان البريء حَسَن. وهذا بخلاف العدل والظلم فلا يجوز أن يتّسم العدل ـ بما هو عدل ـ بالقُبح ، والظُلم ـ بما هو ظلم ـ بالحُسن.
الثالث : ما لا علّية له ولا اقتضاء فيه في نفسه للإِتّصاف بأحدهما ، و إنّما يتبع الجهات الطارئة والعناوين المنطبقة عليه ، و هذا كالضَّرب فإنَّه حَسَن للتأديب ، و قَبيحٌ للإِيذاء.
هذا هو التقسيم الرائج بينهم. والغرض المطلوب في هذا البحث هو تبيين أنَّ هناك أفعالاً يدرك العقل إذا طالعها ، بقطع النظر عن كلّ الجهات الطارئة عليها ، أنَّها حسنة يجب أن يمدح فاعلها أو قبيحة يجب أن يُذمَّ. ولا نقول إنَّ كلّ فعل من الأفعال داخل في هذا الإطار.
وبعبارة أخرى : إنَّ النزاع بين الفريقين دائر بين الإيجاب الجزئي والسلب الكلّي ، فالعدليّة يقولون بالأوّل والأشاعرة بالثاني.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 231 ـ 233
التعلیقات