إحياء قتيل بني إسرائيل
نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 214 ـ 216
(214)
4 ـ إحياء قتيل بني إسرائيل
روى المفسرون أنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قريباً له غنياً ، ليرثه ، وأخفى
قتله له ، ورغب اليهود في معرفة قاتله ، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، ويضربوا
بعض القتيل ببعض البقرة ، ليحيا ويخبر عن قاتله ، وقد قاموا بذبح هذه البقرة
بعد تساؤلات بينهم وبين موسى تكشف عن لجاجهم وعنا دهم ، ثمّ ضربوا بعض
القتيل بها ، فقام حيّاً وأوداجه تشخب دماً ، وقال : « قتلني فلان ابن عمي » ،
ثمّ قبض . يقول سبحانه :
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا
هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِين * .... * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ
فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ
________________________________________
(215)
الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1) .
إنّه سبحانه وإن كان قادراً على إحيائه من دون ذبح البقرة ، ولكنه أمرهم
بذلك ؛ لأنّهم سألوا موسى أن يبيّن لهم حال القتيل ، وهم كانوا يعدّون القربان من
أعظم القربات.
فأمرهم الله بتقديم هذه القربة تعليماً منه لكلّ من صعب عليه أمر من
الأُمور ، أن يقدّم نوعاً من القرب قبل أن يسأل الله تعالى كشف ذلك عنه ، ليكون
أقرب إلى الإجابة ، وإنّما أمرهم بضرب بعض القتيل ، ببعض البقرة ، بعد أن
جعل اختيار وقت الإحياء إليهم ، ليعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى قادرٌعلى إحياء
الموتى في كل وقت من الأوقات ، ومعنى قوله : { اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ
اللَّهُ الْمَوْتَى } ، إنّهم ضربوه فأُحيي ، مثل قوله سبحانه : { اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْبَحْرَ فَانفَلَقَ } ، أي فضربه فانفلق ، وقوله : { كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ } ، يراد منه
تفهيم قوم موسى بأنّهم إذ عاينوا إحياء الميت ، فليعلموا أنّ الله قادرعلى إحياء
الموتى للحساب والجزاء.
هذا ما ذهب إليه الجمهور في تفسير الآية ، وهو المتبادرمنها ، وقد اتخذ
صاحب المنار في تفسيرالآية موقفه السلبي في باب المعاجز والكرامات ، فقال
بعد ماذكر نظرية جمهور المفسرين : « والظاهر ممّا قدمناه أنّ ذلك العمل كان
وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل ، إذا وجد القتيل قرب بلد ،
ولم يعرف قاتله ، ليعرف الجاني من غيره ، فمن غسل يده (1) ، وفعل مارسم لذلك في
الشريعة ، برئ من الدم ، ومن لم يفعل ، تثبت عليه الجناية. ومعنى إحياء
الموتى على هذا ، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل
تلك النفس ، أي يحييها بمثل هذه الأحكام . وهذا الإحياء على حد قوله تعالى :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -لاحظ سورة البقرة : الآيات 67ـ 73.
(2) - لاحظ في كفية ذلك ، العهد القديم سفرالتثنية : الأصحاح 21، ص211، ط دارالكتاب
المقدس . وحاصله أنّهم يغسلون أيديهم في دم عجلة ويقولون : أيدينا لم تسفك هذا الدم ، وأعيننا لم
تبصر.
________________________________________
(216)
{ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (1) . و قوله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ
حَيَاةٌ } (2) » (3) .
يلاحظ عليه : أوّلاً : إنّ هذا التفسير لا ينطبق على قوله : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِهَا } ، فإنّ معناه : اضربوا بعض النّفس المقتولة ببعض جسم البقرة ، وأين
هذا من غسل أيدي المتهمين في دم العجلة المقتولة ، فهل غسل الأيدي في دمها
عبارة عن ضرب المقتول ببعض البقرة؟!
وثانياً : إنّه سبحانه يقول : { كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ،
فالقصة تتضمن آية من آيات الله ، ومعجزة من المعاجز ، فهل في غسل الأيدي
بدم العجلة ، ودرء التهمة عن المتهم ، إراءة للآيات الإلهية.
وثالثاً : إنّ تفسير الآية بالاستناد إلى الإسرائيليات والمسيحيات ، مسلك
ضال في تفسير كتاب الله العزير ، وليس اللجوء إليها إلا لأجل ما اتخذه صاحب
المنار من موقف مسبق تجاه المعاجز وخوارق العادات ، وإصراره على إرجاع عالم
الغيب إلى الشهادة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -سورة المائدة : الآية 32.
(2) -سورة البقرة : الآية 179.
(3) -لا حظ المنار : ج1، ص 345 ـ 350.
التعلیقات