هل يجب في التوبة الندم على القبيح؟
التوبة
2013 Apr 2المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج٤ ، ص ٣٣١ ـ ٣٣٤
(٣٣١)
الأمر الثامن : هل يجب في التوبة ، الندم على القبيح؟
الظاهر من غير واحد من المحققين أنّ التوبة تتقوم بالندم على القبيح
لقبحه ، وإلا فلو ندم لأجل اضرارها بالبدن ، أو إخلالها بعرضه أو ماله ، أو لغرض
آخر ، لا يكون تائباً .
وهذا كلام متين ؛ فإنّ التوبة عبارة عن رجوع العبد إلى اللّه سبحانه ، وهذا
لا يتحقق إلا بأن يكون رجوعه لاستشعاره قُبح عمله ، وأنّه كان عدواناً على اللّه
________________________________________
(٣٣٢)
و جرأة على المولى ، وأمّا من ترك شرب الخمر لا بهذا الاعتقاد بل لأجل صيانة بدنه
عن مضارها ، فلا تكون توبة منه إلى اللّه .
إنّما الكلام إذا تاب عن عمله لأجل الخوف من عقابه سبحانه ، فقد ذهب
المحقق الطوسى وتبعه العلامة الحلّي ، إلى أنّه لو كانت الغاية من التوبة هي الخوف
من النار بحيث لو لا خوف النار لم يتب ، فلا يصدق عليها أنّها توبة .
قال العلامة الحلي : « فإن كانت التوبة خوفاً من النار أو من فوات الجنة ، لم
تصح توبته ، وهذا نظير ما لو اعتذر المسيء إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه
من عقوبة السلطان ؛ فإنّ العقلاء لا يقبلون عذره » (١).
يلاحظ عليه : إنّ التكاليف الإلهية متوجهة إلى عموم الناس ، من غير فرق بين
التكليف بالصلاة والصوم ، أو التكليف بالتوبة ، ومن المعلوم أنّ الاكثرية الساحقة
لا يقومون بالفعل لحسنه بالذات ، ولا يتركونه لكونه قبيحاً كذلك ، بل الفعل
والترك يقومان على أساس الرغب والرهب ، والطمع بالجنّة والخوف من النار .
وعلى ذلك فالآيات الواردة حول التوبة المقترنة بالثواب تارة ، والخلاص من النار
أخرى ، تعرب عن أنّ التوبة إذا حصلت لإحدى هاتين الغايتين ، كفى ذلك في
سقوط العقاب ، يقول سبحانه ـ حاكياً قول هود ـ عليه السَّلام ـ ـ : { وَيَا قَوْمِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } (٢).
ويقول تعالى: { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ
يَوْمٍ كَبِيرٍ} (٣).
وفي الدعاء الّذي علمه علي ـ عليه السَّلام ـ كميل بن زياد إيعاز إلى
ذلك : يقول : « اللّهم اغفر لي الذنوب التّي تهتك العصم ، اللّهم اغفر لي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) - كشف المراد : ص ٢٤٦، ط صيدا ، بتصرف.
(٢)- سورة هود : الآية ٥٢.
(٣) - سورة هود : الآية ٣ .
________________________________________
(٣٣٣)
الذنوب التّي تُنزل النقم ، اللهم اغفر لي الذنوب التّي تُغير النّعم ، اللهم اغفر لي
الذنوب التّي تُنزل البلاء » .
وإنْ شئت قلت : إنّ التوبة خوفاً من النار ، لا تنفك عن الاعتقاد بكون
ما فعل أمراً قبيحاً شرعاً.
وبالجملة : فالآيات والروايات الواردة حول التوبة مطلقة ، تعم كل توبة
يصدق عليها أنّها رجوع إلى اللّه . وفي حديث يبين علي ـ عليه السَّلام ـ موقف العباد
في عبادة اللّه تعالى ، و يقسمهم إلى ثلاثة أقسام ، يقول :
« إنّ قوماً عبدوا اللّه رغبةً ، فتلك عبادة التجار ، وإنّ قوماً عبدوا اللّه رهبة ،
فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا اللّه شكراً ، فتلك عبادة الأحرار » (١).
وحينئذٍ ، فكما أنّه تقبل عبادة العباد ، رغبة ورهبة ، تقبل توبتهم أيضاً إذا
كانت كذلك .
ولا معنى للتفكيك بين قبول عبادتهم و قبول توبتهم ، ولا أجد فقيهاً يفتي
ببطلان عبادة من عبده سبحانه لإحدى الغايتين ، أو كليهما. كيف وهو سبحانه
يصف أنبياءه العظام بقوله: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (٢).
وأمّا الاستدلال على أنّ المسقط ليس هو نفس التوبة ، بل كثرة الثواب
بعدها بأنّها لو أسقطت العقاب بذاتها ، لأسقطته في حال المعاينة ، وفي الدار
الآخرة (٣). فيلاحظ عليه أنّ التوبة إنّما تقبل ؛ لأنّها تؤثر في النفس الإنسانية ،
فتصلحها ، أو تعدّها للصلاح ، وهذا إنّما يتصور فيما إذا كان الإنسان قادراً على
الفعل والترك ، وأمّا في حال المعاينة أو دار الآخرة ، فالقدرة مسلوبة عن الإنسان
هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) - نهج البلاغه : قسم الحكم ، الرقم ٢٣٧.
(٢) - سورة الأنبياء : الآية ٩٠.
(٣) - كشف المراد : ص ٢٦٨.
________________________________________
(٣٣٤)
مع انّك قد عرفتَ عند البحث عن أثر التوبة أنّ التوبة بنفسها هي المسقطة
للعقاب ، فلاحظ.
التعلیقات