مَن هم المخلدون في النار؟
الجنّة والنار
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 408 ـ 415
(408)
أسئلة المعاد
(9)
مَن هم المخلدون في النار؟
اختلفت كلمة المتكلمين في المخلّدين في النار ، فذهب جمهور المسلمين إلى
أنّ الخلود يختص بالكافر ، دون المسلم وإن كان فاسقا ً. وذهبت الخوارج والمعتزلة
إلى خلود مرتكب الكبائر في النار إذا مات بلا توبة .
قال الشيخ المفيد : « اتّفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه
إلى الكفار خاصّة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى ، والإقرار بفرائضه
من أهل الصلاة » (1).
وقال في شرح عقائد الصدوق : « أمّا النار فهي دار من جهل الله سبحانه ،
وقد يدخلها بعض من عرفه ، بمعصية الله ، غير أنّه لا يخلد فيها بل يخرج منها إلى
النعيم المقيم ، وليس يخلد فيها إلا الكافرون».... إلى أن قال : « وكل آية
تتضمن ذكر الخلود في النار فإنّما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى ،
بدلائل العقول والكتاب المسطور ، والخبر الظاهر المشهور (2) ، والإجماع ، والرأي
السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد » (3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - أوئل المقالات : ص 14.
(2) - يريد من الخبر ، ما تضافر عن النبي من أنّه قال : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي . راجع
البحار : ج 8، ص 351.
(3) - شرح عقائد الصدوق : ص 55.
________________________________________
(409)
وقال العلامة الحلّي : « أجمع المسلمون كافة على أنّ عذاب الكافر مؤبد لا
ينقطع ، وأمّا أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على أنّه كذلك . وذهبت
الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع » (1).
واستدل القائلون بالانقطاع بآيات ، منها قوله سبحانه: { فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه } (2) ، والإيمان أعظم أفعال الخير . فإذا استحق العقاب
بالمعصية ، فإمّا أن يقدّم الثواب على العقاب ، فهو باطل بالإجماع ؛ لأنّ الإثابة لا
تكون إلا بدخول الجنة ، والداخل فيها مخلّد لا يخرج منها أبداً ، فلا يبقى مجال
لعقوبته ، أو بالعكس وهو المراد.
أضف إلى ذلك أنّه يلزم أن يكون مَنْ عَبَدَ الله تعالى مدةَ عمره بأنواع
القربات إليه ، ثمّ عصى في آخر عمره معصية واحدة ، مع حفظ إيمانه ، مخلداً في
النار ، ويكون نظير مَن أشرك بالله تعالى مدة عمره ، وهذا عند العقل قبيح
ومحال (3).
واستدلت المعتزلة على خلود الفاسق في النار ، بالسمع وهو عدة آيات ،
استظهرت من إطلاقها أنّ الخلود يعم الكافر والمنافق والفاسق . وإليك هذه
الآيات واحدة بعد الأُخرى.
الآية الأُولى : قوله سبحانه: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } (4). ولا شكّ أنّ الفاسق ممّن عصى الله
ورسوله بترك الفرائض وارتكاب المعاصي.
يلاحظ عليه : أولاً : إنّ دلالة الآية على خلود الفاسق في النار لا يتجاوز
حد الإطلاق ، والمطلق قابل للتقييد . وقد خرج عن هذه الآية باتفاق المسلمين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - كشف المراد : ص 261، ط صيدا.
(2) - سورة الزلزلة : الآية 7.
(3) - لاحظ كشف المراد : ص 161، ط صيدا.
(4) - سورة النساء : الآية 14. وأمّا قوله سبحانه: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا } ( الجن: الآية 23 ) فهو راجع إلى الكفار ، كما هو واضح لمَن لاحظ آيات السورة.
________________________________________
(410)
الفاسق التائب ، فلو دلّ دليل هنا على أنّ المسلم الفاسق ربما تشمله عناية الله
ورحمته ، ويخرج عن العذاب ، لكان المطلق مقيداً بقيد آخر وراء التائب ، فيبقى
تحت الآية المشرك والمنافق.
وثانياً : إنّ الموضوع في الآية ليس مطلق العصيان ، بل العصيان المنضم
إليه تعدّي حدود الله ، ومن المحتمل جداً أن يكون المراد من التعدّي هو رفض
أحكامه سبحانه ، وطردها ، وعدم قبولها . كيف ، وقد وردت الآية بعد بيان
أحكام الفرائض.
يقول سبحانه: { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الأُنثَيَيْنِ ...} (1).
يقول سبحانه: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ...} (2).
ثمّ يقول سبحانه : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... } (3).
ويقول: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ... } (4).
وقوله : { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } ، وإنْ لم يكن ظاهراً في رفض التشريع ، لكنه
يحتمله . بل ليس الحَمْل عليه بعيداً بشهادة الآيات الأُخر الدالة على شمول
غفرانه لكل ذنب دون الشرك ، أو شمول رحمته للناس على ظلمهم وغير ذلك من
الآيات الواردة في حق الإنسان غير التائب ، كما سيوافيك.
يقول الطبرسي : « إنّ قوله : { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } ، ظاهر في تعدّي جميع
حدود الله ، وهذه صفة الكفار ؛ ولأنّ صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج عن
عموم الآية وإن كان فاعلاً للمعصية ، ومتعدياً حدّاً من حدود الله ، وإذا جاز
إخراجه بدليل ، جاز لغيره أن يخرج من عمومها ، كمَن يشفع له النبي أو يتفضّل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النساء : الآية 11.
(2) - سورة النساء : الآية 12.
(3) - سورة النساء : الآية 13.
(4) - سورة النساء : الآية 14.
________________________________________
(411)
الله عليه بالعفو ، بدليل آخر ، وأيضاً فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم
الآية ، لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة ، وكذلك يجب إخراج من يتفضّل الله
بإسقاط عقابه ، منها لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضّل بالعفو » (1).
الآية الثانية : قوله سبحانه: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2).
قال القاضي : وجه الاستدلال هو أنّه تعالى بَيّنَ أنّ من قَتَلَ مؤمناً عمداً
جازاه ، وعاقبه وغضب عليه ، ولعنه ، ( وأخلده في جهنم ) (3).
يلاحظ عليه : أوّلاً ـ : إنّ دلالة الآية دلالة إطلاقية ، فكما خرج منها القاتل
المشرك إذا أسلم ، والمسلم القاتل إذا تاب ، فليكن كذلك من مات بلا توبة ، ولكن
اقتضت الحكمة الإلهية ، أن يتفضّل عليه بالعفو ، فليس التخصيص أمراً
مشكلاً .
وثانياً : إنّ من المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن ، أو
قَتَلَهُ لإيمانه ، وهذا غير بعيد لمَن لاحظ سياق الآيات.
لاحظ قوله سبحانه : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا
قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ
وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانًا مُبِينًا} (4).
ثمّ ذكر سبحانه بعد هذه الآية حكم قتل المؤمن خطأً وتعمداً . وفي ضوء
هذا يمكن أن يستظهر أنّ الآية ناظرة إلى القتل العمدي ، الّذي يقوم به القاتل
لعداء ديني لا غير ، فيكون ناظراً إلى غير المسلم .
الآية الثالثة : قوله سبحانه : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - مجمع البيان : ج 2، ص 20، طبعة صيدا.
(2) - سورة النساء : الآية 93.
(3) - شرح الأُصول الخمسة : ص 659.
(4) - سورة النساء : الآية 91.
________________________________________
(412)
فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).
والاستدلال بهذه الآية إنّما يصح مع غَضّ النظر عن سياقها ، وأمّا معه فإنّها
واردة في حق اليهود .
أضف إليه أنّ قوله سبحانه: { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } ، لا يهدف إلا إلى
الكافر ، فإنّ المسلم المؤمن مهما كان عاصياً لا تحيط به خطيئته ، فإنّ في قلبه نقاط
بيضاء يشع عليها إيمانه واعتقاده بالله سبحانه وأنبيائه وكتبه ، على أنّ دلالة الآية
بالإطلاق ، فلو ثبت ما يقوله جمهرة المسلمين ، يخرج الفاسق من الآية بالدليل.
الآية الرابعة: قوله سبحانه : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُون *
لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (2).
إنّ دلالة الآية إطلاقية ، قابلة للتقييد ، أوّلاً . وسياق الآية في حق
الكفار ، بشهادة قوله سبحانه قبل هذه الآية : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا
مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} (3) ، ثمّ يقول : { إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُون } ، فـ{ الْمُجْرِمِينَ } ، في مقابل { الَّذِينَ
آمَنُوا } ، فلا يعم المسلم ، ثانياً.
هذه هي الآيات الّتي استدلت بها المعتزلة على تخليد الفاسق في النار ، وقد
عرفتَ أن دلالتها بالإطلاق لا بالصراحة ، وتقييد المطلق أمر سهل مثل تخصيص
العام . مضافاً إلى انصراف أكثرها أو جميعها إلى الكافر والمنافق.
وهناك آيات أظهر ممّا سبق (4) ، تدل على شمول الرحمة الإلهية للفساق غير
التائبين نكتفي باثنتين منها :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة البقرة : الآية 81.
(2) - سورة الزخرف : الآيات 74 ـ 76.
(3) - سورة الزخرف : الآيتان 69 ـ 70.
(4) - كما تدل هذه الآيات على عدم الخلود في النار ، تدل على جواز العفو عن الفاسق من بدء الأمر ، وأنّه
يعفى عنه ، ولا يعذب من رأس ، فهذا الصنف من الآيات كما يحتج به في هذه مسألة ، يحتج به في
المسألة السالفة أيضاً فلاحظ.
________________________________________
(413)
1 ـ قوله سبحانه: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ
الْعِقَابِ} (1).
قال الشريف المرتضى : « في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من
أهل القبلة ؛ لأنه سبحانه دلّنا على أنّه يغفر لهم مع كونهم ظالمين ؛ لأن قوله : { عَلَى
ظُلْمِهِمْ } ( جملة حالية ) ، إشارة إلى الحال الّتي يكونون عليها ظالمين ، ويجري
ذلك مجرى قول القائل : أنا أودّ فلاناً على غدره ، وأَصِلُهُ على هجره » (2).
وقد قرر القاضي دلالة الآية وأجاب عنها بأن الأخذ بظاهر الآية ممّا لا يجوز
بالاتّفاق ؛ لأنّه يقتضي الإغراء على الظلم ، وذلك ممّا لا يجوز على الله تعالى ، فلا
بدّ من أن يؤوّل ، وتأويله هو أنّه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب » (3).
يلاحظ عليه : إنّ ما ذكره من الإشكال ، جار في صورة التوبة أيضاً ، فإنّ
الوعد بالمغفرة مع التوبة يوجب تمادي العاصي في المعصية ، برجاء أنّه يتوب . فلو
كان القول بعدم خلود المؤمن موجباً للإغراء ، فليكن الوعد بالغفران مع التوبة
كذلك.
والّذي يدل على أنّ الحكم عام للتائب وغيره هو التعبير بلفظ « الناس »
مكان « المؤمنين » ، فلو كان المراد هو التائب ، لكان المناسب أن يقول سبحانه :
« وإنّ ربَّك لذو مغفرة للمؤمنين على ظلمهم » ، مكان قوله : { لِلنَّاسِ } . وهذا
يدل على أن الحكم عام يعم التائب وغيره.
إنّ هذه الآية تَعِدُ الناس بالمغفرة ، ولا تذكر حدودها وشرائطها ، فلا يصح
عند العقل الاعتماد على هذا الوعد وارتكاب الكبائر ، فإنّه وعد إجمالي غير مبين من
حيث الشروط والقيود.
2 ـ قوله سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الرعد : الآية 6.
(2) - مجمع البيان : ج 3، ص 278.
(3) - شرح الأصول الخمسة : ص 684.
________________________________________
(414)
يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (1).
وجه الاستدلال بهذه الآية على أن رحمته تشمل غير التائب من الذنوب ، أنّه
سبحانه نفى غفران الشرك دون غيره من الذنوب . وبما أنّ الشرك يغفر مع
التوبة ، فتكون الجملتان ناظرتين إلى غير التائب . فمعنى قوله: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } ، أنّه لا يغفر إذا مات من أشرك بلا توبة. كما أن معنى قوله :
{ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ، أنّه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة
لمَن يشاء من المذنبين ، ولو كانت سائر الذنوب ، مثل الشرك ، غير مغفورة إلا
بالتوبة ، لما حسن التفصيل بينهما ، مع وضوح الآية في التفصيل (2).
وقد أوضح القاضي دلالة الآية على ما يتبناه الجمهور بوجه رائع ، ولكنه
ـ تأثراً بعقيدته الخاصة في الفاسق ـ قال : « إنّ الآية مجملة مفتقرة إلى البيان ؛ لأنّه
قال : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } ، ولم يبين من الّذي يغفر له. فاحتُمل أن
يكون المراد به أصحاب الصغائر ، واحتُمل أن يكون المراد أصحاب الكبائر ،
فسقط احتجاجهم بالآية » (3).
أقول: عزب عن القاضي أنّ الآية مطلقة ، تعم كلا القسمين ، فأيّ إجمال
في الآية حتى نتوقف . والعجب أنّه يتمسك بإطلاق الطائفة الأُولى من الآيات ،
ولكنه يتوقف في إطلاق هذا الصنف.
نعم ، دفعاً للإغراء ، وقطعاً لعذر الجاهل ، قَيّد سبحانه غفرانه بقوله :
{ لِمَنْ يَشَاءُ } ، حتى يصد العبد عن الارتماء في أحضان المعصية بحجّة أنّه سبحانه
وعده بالمغفرة.
ثمّ إنّ القاسم بن محمّد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي ، تبع القاضي في
تحديد مداليل هذه الآيات ، وقال : « آيات الوعيد لا إجمال فيها ، وهذه الآيات
ونحوها مجملة ، فيجب حملها على قوله تعالى : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النساء : الآية 48.
(2) - مجمع البيان : ج 2، ص 57 بتلخيص.
(3) - شرح الأصول الخمسة : ص 678.
________________________________________
(415)
صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (1) » . ثمّ ساق بعض الآيات الواردة في غفران العباد في مجال
التوبة (2).
ويظهر النظر في كلامه ممّا قدمناه في نقد كلام القاضي فلا نعيد.
هذا ، والبحث أشبه بالبحث التفسيري منه بالكلامي ، ومَن أراد
الاستقصاء في هذا المجال فعليه بجمع الآيات الواردة حول الذنوب والغفران حتى
يتضح الحال فيها ، ويتخذ موضعاً حاسماً بإزاء اختلافاتها الأوليّة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة طه : الآية 82.
(2) - الأساس لعقائد الأكياس : ص 198.
التعلیقات
١