ما هو المحشور من الأبدان المتعدد؟
أسئلة حول المعاد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 387 ـ 388
(387)
أسئلة المعاد
(2)
ما هو المحشور من الأبدان المتعدد؟
أثبت العلم أنّ بدن الإنسان وخلاياه في مهب التغيّر والتبدل ، وأنّه يأخذ
لنفسه في كل عشرة أعوام بدناً ، فلو عاش إنسان ثمانين سنة ، فإنّه سيكون له
ثمانية أبدان ، ومن المعلوم أنّ الاطاعة والعصيان يقعان في جميع فترات عمر
الإنسان ، والجزاء والثواب على مجموع الأعمال .
وعندئذٍ يتساءل هل المحشور جميع أطوار بدن الإنسان الواحد ، فهو غير
معقول ، أو واحد من هذه الأبدان ، وهو يستلزم نقض قانون الجزاء والثواب ،
وأن يكون بدن واحد حاملاً لأوزار الأبدان الأُخر.
والجواب :
إنّ هذا السؤال نابع من إنكار الروح ، والاعتقاد بأصالة المادة ، وأمّا
على ما ذكرنا من أنّ البدن ليس إلاّ أداة لتنعيم الإنسان وتعذيبه ، وأنّ الأمور
الروحية من الفرح والحزن ، واللذة والألم ، كلها أمور مربوطة بالروح ، ويتوصل
إليها الروح بالبدن ، والاجهزة الظاهرية ، فالنغمة الملذة ، إنّما يصل إليها الإنسان
من طريق الجهاز السمعي ؛ فإنّه آلة ، والملتذ هو الروح ، والمناظر الخلابة إنّما
تصل إليها النفس عن الطريق العين ، وهكذا سائر اللذات ، والآلام الروحية ،
وعلى ذلك فالحافظ للعدالة هو أن ترد اللذة والألم على روح واحدة ، من غير فرق
بين الأبدان.
________________________________________
(388)
وهذا نظير تعذيب بعض المجرمين باكسائهم ثوباً ليمسهم العذاب من
طريقه ، فالمضروب ظاهراً هو اللباس ، ولكن المتألم هو الإنسان.
وبعبارة أخرى : إنّ الروح هي الرابط الوثيق بين جميع الأبدان ، فهي
تضفي عليها جميعها وصف الوحدة ، وتعرّفها جميعاً بأنّها فلان به فلان ، من
دون أن يضر اختلافها في الهيئة والشكل والحجم بوحدة الإنسان ، هذا .
وربما يتخيّل أنّ المعاد هو البدن الأخير ، الّذي هو عصارة جميع الأبدان
الماضية ، والجامع لعامة خصوصياتها .
ولكن غير خفيّ أنّ هذا الاصل المزعوم ( و هو كون البدن الأخير ،
عصارة الأبدان المتقدمة ) ممّا لا أصل له ؛ لأنّ الأبدان في الفترات المتوسطة من
العمر ، لها من القوة والنشاط ما تفقده الأبدان الواقعة في العقود الأخيرة من
العمر .
أضف إلى ذلك أنّ الجواب مبني على إعطاء الأصالة للمادة ، وزعم أنّ
الإنسان هو نفس الجلود واللحوم والعظام ، وأن البدن الأخير عصارة كلّ ما تقدّم.
نعم ، ربما يستظهر من قوله سبحانه : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ
الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} (1) أنّ المعاد هو البدن الأخير ، ولكنّ الاستظهار
في غير محله ؛ فإنّ الآية كناية عن خروج الناس من التراب للحساب والجزاء ، نظير
قوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (2) .
وأمّا كون الخارج هو البدن الأخير ، فليست الآية بصدد بيانه.
والشاهد على ذلك أنّ من الناس من يخطفه الطير ، أو تفترسه السباع ، أو
يحيط به الموج فتأكله حيتان البحر ، أو تصيبه نار فتحرقه ، والآية تعم هذه
الأصناف أيضاً ، مع أنّهم لم يقبروا في الأجداث.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة يس : الآية 51.
(2) - سورة طه : الآية 55.
التعلیقات