قدماء الشيعة وعلم التفسير
دورالشيعة في بناء الحضارة الإسلامية
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 23 ـ 28
( 23 )
7 ـ قدماء الشيعة وعلم التفسير
إنّ القرآن هو المصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة، وهو
________________________________________
( 24 )
المعجزة الخالدة للنبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآعله وسلم _، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الاِلهي على وجه لا تجد له مثيلاً بين أصحاب الشرائع السابقة، حتّى أسّسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلّها القرآن مفهوماً للاَجيال، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى، لا يسع المقام ذكرها. فأدّوا واجبهم تجاه كتاب الله العزيزـشكر الله مساعيهم ـ من غير فرق بين الشيعة والسنّة.
إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ إلى يومنا هذا، أنتجت تفاسير على أصعدة مختلفة، وخدمت الذكر الحكيم بصور شتّى، نأتي بوجه موجز، لما ألّف في القرون الاِسلامية الاُولى.
إنّ أئمّة أهل البيت ـ بعد الرسول الاَكرم _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ ـ هم المفسّـرون الحقيقيون للقرآن الكريم، حيث فسّروا القرآن بالعلوم التي نحلهم الرسول _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذّ عن قول الرسول _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ وفعله وحجته، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسّـرين ولا نعترف بحقوق أئمّة أهل البيت وهم عديله باتفاق الجميع.
وهذا ما فعله في كتابه محمّد حسين الذهبي، جعل عليّاً ـ وهو الوصي وباب علم النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ ـ في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الاَُولى!!(1) ، ولم يذكر عن بقية الاَئمّة شيئاً مع كثرة ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة.
أقول: ما إن ارتحل النبيّ الاَكرم _ صلى الله عليه وآعله وسلم _ حتّى عكف المسلمون على دراسة القرآن وتدبره، بيد أنّهم وجدوا أنّ لفيفاً من المسلمين كانوا عاجزين عن فهم بعض ألفاظ القرآن. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز إلاّ أنّه يحوي ألفاظاً غير رائجة فيها، وربّما كانت رائجة بين القبائل الاَُخرى، وهذا النوع من الاَلفاظ ما سمّوه بـ «غريب
____________
(1) الذهبي، التفسير والمفسّـرون 1: 89 ـ90.
________________________________________
( 25 )
القرآن» وقد سأل ابن الاَزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عبّاس عن شيء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الاَقحاح، وقد جمعها السيوطي في إتقانه(1).
وبما أنّ تفسير غريب القرآن كان الخطوة الاَُولى لتفسيره، فقد ألّف أصحابنا في إبّان التدوين كتباً في ذلك المضمار، نذكر قليلاً من كثير:
1 ـ غريب القرآن، لاَبان بن تغلب بن رباح البكري (ت 141هـ((2).
2 ـ غريب القرآن، لمحمّد بن السائب الكلبي، من أصحاب الاِمام الصادق _ عليه السلام _(3)
خ.
3 ـ غريب القرآن، لاَبي روق، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي، قال ابن عقدة: كان ممّن يقول بولاية أهل البيت(4).
4 ـ غريب القرآن، لعبد الرحمن بن محمّد الاَزدي الكوفي، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدّمة(5).
5ـ غريب القرآن، للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمّد الطبري الآملي الوزير الشيعي (ت 313هـ)(6).
وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية، فبلغ العشرات، وكان أخيرها ـ لا آخرها ـ ما ألّفه السيّد محمّد مهدي الخرسان في جزأين(7).
____________
(1) السيوطي، الاِتقان 4: 55 ـ 88.
(2) النجاشي، الرجال 1: 73 | 6.
(3) المصدر نفسه: 78 | 6.
(4) ابن النديم، الفهرست: 57، النجاشي، الرجال 1: 78.
(5) النجاشي، الرجال 1: 78.
(6) ابن النديم، الفهرست: 58.
(7) الطهراني آقا بزرك، الذريعة 16: 50 | 208.
________________________________________
( 26 )
مجازات القرآن:
إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفردات القرآن وألفاظه، فإنّ في الجانب الآخر منه لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة. إليك أخي القارىَ الكريم نماذج قليلة ممّا أُلّف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة:
1 ـ مجاز القرآن، لشيخ النحاة الفرّاء يحيىبنزياد الكوفي (المتوفّى عام 207هـ)، وقد طبع أخيراً في جزأين(1).
2 ـ مجاز القرآن، لمحمّد بن جعفر بن محمّد، أبو الفتح الهمداني. قال النجاشي: له كتاب «ذكر المجاز من القرآن» (2).
3 ـ مجازات القرآن، للشريف الرضي المسمّى بتلخيص البيان في مجازات القرآن، وهو أحسن ما أُلّف في هذا الباب وهو مطبوع.
التفسير بصور متنوّعة:
وهناك لون آخر من التفسير، يعمد فيه المفسّـر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصّة كالمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وآيات الاَحكام، وقصص الاَنبياء، وأمثال القرآن، وأقسامه، والآيات الواردة في مغازي النبيّ _ صلى الله عليه وآعله وسلم _، والنازلة في حقّ العترة الطاهرة: إلى غير ذلك من الموضوعات التي لا تعمّ جميع آيات القرآن، بل تختصّ بموضوع واحد.
وكان علماء الشيعة قد شاركوا غيرهم من علماء المسلمين في هذا الجانب
____________
(1) المصدر نفسه 19: 351 | 1567.
(2) النجاشي، الرجال 2: 319 | 1054.
________________________________________
( 27 )
الحيوي والمهم، ورفدوا المكتبة الاِسلامية بهذه الاَنواع من التفاسير، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم، وأخص بالذكر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة.
الشيعة والتفسير الموضوعي:
إنّ نزول القرآن نجوماً، وتوزّع الآيات الراجعة إلى موضوع واحد في سور متعدّدة، يطلب لنفسه نمطاً آخر، غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي؛ فإنّ النمط الثاني يتّجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة، وآية بعد آية، وأمّا النمط الاَوّل فيحاول فيه المفسّـر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاصّ، في مجال البحث، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محلّ واحد.
فيستمدّ المفسّـر من المعاجم المؤلّفة حول القرآن، ومن غيرها، في الوقوف على الآيات الواردة في جانب معيّـن، مثلاً في خلق السماء والاَرض، أو الاِنسان، أو أفعاله وحياته الاَخروية، فيفسّـر المجموع مرّة واحدة، ويرفع إبهام آية بآية أُخرى، ويخرج بنتيجة واحدة، وهذا النوع من التفسير وإن لم يهتم به القدماء واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الاَحكام، والناسخ والمنسوخ، إلاّ أنّ المتأخّرين منهم بذلوا جهدهم في طريقه، ولعلّ العلاّمة المجلسي (1037ـ1110هـ) كان أوّل من فتـح هذا البــاب على مصراعيه في موسوعته الموسومة بـ«بحار الاَنوار»، حيث أورد في أوّل كل باب من أبواب كتابه المتخصّصة جملة الآيات الواردة حول موضوع الباب، ثمّ لجأ إلى تفسيرها إجمالاً، ثمّ أورد ما جمعه من الاَحاديث التي لها صلة بالباب.
وقد قام كاتب هذه السطور بتفسير الآيات النازلة حول العقائد والمعارف وخرج منه حتّى الآن سبعة أجزاء وانتشر باسم «مفاهيم القرآن» نسأل الله تعالى التوفيق لاِتمامه.
________________________________________
( 28)
الشيعة والتفسير الترتيبي:
قد تعرّفت على أنّ المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخّرين هو التفسير الترتيبي، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الاِمام علي والتابعين له إلى العصر الحاضر بهذا النمط من التفسير، إمّا بتفسير جميع سوره، أو بعضها، والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الاَُولى، هو التفسير بالاَثر، ولكن انقلب النمط إلى التفسير العلمي والتحليلي من أواخر القرن الرابع. فأوّل من ألّف من الشيعة على هذا المنهاج هو الشريف الرضي (359 ـ 406هـ) مؤلّف كتاب «حقائق التأويل» في عشرين جزءاً(1)، ثمّ جاء بعده أخوه الشريف المرتضي فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بـ «الدرر والغرر»، ثمّ توالى التأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الاَكبر الطوسي (385 ـ 460هـ) مؤلّف «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة أجزاء كبار، إلى عصرنا هذا.
فقد قامت الشيعة في كلّ قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوّعة، ولغات متعدّدة. لا يحصيها إلاّ المتوغّل في المعاجم وبطون المكتبات.
ولقد فهرسنا على وجه موجز أسماء مشاهير المفسّـرين من الشيعة وأعلامهم في 14 قرناً، وفصّلنا كلّ قرن عن القرن الآخر، واكتفينا بالمعروفين منهم؛ لاَنّ ذكر غيرهم عسير ومحوج إلى تأليف حافل. فبلغ عددهم (122) مفسّراً. ومن أراد الاِلمام بذلك فعليه الرجوع إلى المقدّمة التي قدّمناها لتفسير التبيان للشيخ الطوسي، ولاَجل ذلك نطوي الكلام في المقام.
____________
(1) وللاَسف لم توجد منه نسخة كاملة في عصرنا الحاضر إلاّ الجزء الخامس وهو يكشف عن عظمة هذا السفر ويدل على جلالة المؤلّف.
التعلیقات