أُمِّيَّةُ حامِل الرسالة
التوحيد
منذ 15 سنة
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 368 ـ 370
( 368 )
شواهد إعجاز القرآن
(1)
أُمِّيَّةُ حامِل الرسالة
لم يختلف إثنان من الأُمة الإسلامية في أنّ النبيَّ كان أُمِّيّاً لا يحسن القراءة
والكتابة قبل بزوغ فجر دعوته ، وصحائف حياته أوضح دليل على ذلك ، فلم
يدخل مدرسة ، ولم يحضر على أحد للدراسة وتعلُّم الكتابة ، بل كان ربيب
البادية ، بعيداً عن حضائر الفنون ، نائياً أيَّ نأي عن محاضر الحكماء ، ومجالس
العلماء . بل ليس شيء في تاريخ النبي أوضح من أُمِّيَّته.
ولم يكن هو فقط مختصاً بهذا الوصف ، بل كان عليه القوم والسواد الأعظم
في أمّ الُقرى وحولها ، محرومين من هذا الكمال ، ولأجل ذلك يصفهم القرآن
بالأُميين ، في قوله سبحانه :
( هُوَ الذِي بَعَثَ فِي الأُمِّييِّنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ
وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُبِين)(1).
كما يصف حال النبي بالنسبة إلى القراءة ، والكتابة بقوله: ( وَ مَا كُنْتَ تَتْلُو
مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَ لاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)(2).
وبالرغم من مغالطة قساوسة الغرب والمستغربة ، وتشبثاتهم بمراسيل عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الجمعة : الآية 2.
2- سورة العنكبوت : الآية 48.
________________________________________
( 369 )
مجاهيل ، وانتحالات الملاحدة في هذا الأمر ، فإنّ أميّة النبي وقومه تموج بالشواهد
الواضحة من الكتاب والتاريخ والحديث(1).
لقد جاء قومه بهذا القرآن وبلاده آنذاك جرداء بلا مِراء ، كبعض القُرى
الوحشية ، ببطنان بوادي أفريقيا ، وخُلْوٌ من وسائل العلم والعمران ، وأهلوها
البسطاء ، صفر الأكف من وسائل الرقي والحضارة.
وكان الحجازيون من العرب ترتكز دائرة معارفهم ، في أسواق عُكاظ
ومواسم الحجيج والنوادي ، على الأُمور التالية :
1 ـ أنساب القبائل والخيل.
2 ـ القصائد والأشعار في التهاني والمراثي ، والحماسة والإغارة.
3 ـ علم القِيافة(2).
4 ـ علم العِيافة(3).
5 ـ علم الفِراسة(4).
6 ـ علم الزجر(5).
7 ـ علم الرّيافة(6).
8 ـ تأويل الأطياف.
9 ـ أنواء النجوم وأسماء الكواكب ، والظواهر الجوية.
10 ـ الطب ، وكان لا يتجاوز الكي والميسم وعقاقير الحشائش.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ومن أراد الوقوف على دلائله الساطعة ونقد تسويلات المستشرقين ، فليرجع إلى « مفاهيم القرآن » :
ج 3، ص 321 ـ 374.
2- علم القيافة : هو علم باحث عن تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر.
3- علم العيافة : هو علم زجر الطير لِيُتَفأَّل من كيفية طيرانها وجهته أو يتشأم ، وهي مأخوذة من عاف
الطير عيفاً بمعنى استدارت وحامت حول الشيء . والنسور العوائف: الّتي تعيف على القتلى
وتتردد.
4- علم الفراسة : هو علم الاستدلال بهيئة الإنسان وشكله ولونه وأقواله ، على أخلاقه.
5- علم الزجر : هو علم الاستدلال بأصوات الحيوانات وحركاتها وسائر أحوالها ، على الحوادث.
6- علم الريافة : هو علم استنباط وجود الماء في الأرض بشمّ التراب ، أو برائحة بعض النباتات فيها ،
أو بحركة حيوان مخصوص.
________________________________________
( 370 )
11 ـ الموسيقى ، وكانت لا تتجاوز حدّي الإبل.
12 ـ سحر النفّاثات.
13 ـ الكهانة والعرافة(1).
14 ـ الصنائع البدائية ، ولا تتجاوز صنع السهام والأقواس والرماح
والجنان.
فهذا مبلغهم من العلم والكمال . وأين هو ممّا جاء في القرآن الكريم في مجال
العقائد والمعارف ، والتشريع العادل ، ونظام المدنية ، والأخلاق الفاضلة ، والأخبار
الغيبية ، إلى غير ذلك ممّا سيمرّ عليك من فنون المعارف.
فمن لاحظ هذا المعهد البسيط ، يذعن بأنّ من الممتنع أنّ يخرج من هذا
الحقل القاحل ، شخصية فذَّة كشخصية النبي ، وكتاب مثل كتابه ، إلاّ أن يكون
له صلة بقدرة عظيمة مهيمنة على الكون.
وهذا أحد الشواهد الدالّة على أنّ الكتاب ليس من صنع النبي ، بل هو
كتاب سماوي ، وإذا ضمَّت إليه الشواهد الأخر الآتية تتجلى هذه الحقيقة بأوضح
تجلّياتها.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكهانة : إدّعاء علم الغيب ، كالإخبار بما سيقع في الأرض ، والأصل فيها التلقّي من الجن.
التعلیقات