البدعة دلالتها في القرآن والسنّة
محمّد هادي الأسدي
منذ 15 سنةالبدعة دلالتها في القرآن والسنّة
البدعة في اللغة :
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : « البَدع : إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة » (1).
ويقول الراغب : « الابداع : هو إنشاء صفةٍ بلا احتذاء واقتداء » (2) ، والابداع أصلٌ ثانٍ للبدعة ، وهو مأخوذ من « أبدع ».
وينصّ الأزهري على أنّ « الابداع » أكثر استعمالاً من « البَدع » وهذا لا يعني أنّ استعمال « البدع » خطأ ، فيقول في ذلك : « و « أبدع » أكثر في الكلام من « بَدَعَ » ولو استعمل « بَدَعَ » لم يكن خطأ » (3).
وقال ابن فارس : « البدع له أصلان : ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال ، والآخر الانقطاع والكلال » (4).
وقال الفيروزآبادي : « البِدعة : الحدث في الدين بعد الاكمال ، أو ما استحدث بعد النبي من الأهواء والأعمال » (5).
وعلى هذا الأساس تقول من « البَدع » : « بدعتُ الشيء إذا انشأته » (6).
كما تقول من « الابداع » : ابتدع الشيء : أيّ « أنشأه وبدأه » (7) وتقول أيضاً : « أبدعتُ الشيء أيّ اخترعته لا على مثال » (8).
و « أبدعَ » الله تعالى الخلق « إبداعاً » : أيّ خلقهم لا على مثال سابق ، و « أبدعتُ » الشيء و « ابتدعته » استخرجته وأحدثته ، ومن ذلك قيل للحالة المخالفة « بدعة » ، وهي اسم من « الابتداع » ، كالرفعة من الارتفاع (9).
ومن أسماء الله تعالى « البديع » : وهو الذي فطر الخلق مُبدِعاً لا على مثال سابق (10).
يقول سبحانه وتعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أيّ مبتدعها ومبتدئها لا على مثال سابق (11).
إنّ الامعان في التعريفات المارة لكلمة « البدعة » يوضح بجلاء أنّ معناها في اللغة : هو الشيء الذي يبتكر ويخترع من دون مثال سابق ويبتدأ به بعد أن لم يكن موجوداً في السابق.
البدعة في الاصطلاح :
مع أنّ « البدعة » في المعنى اللغوي المتقدّم تشمل كلّ جديد لم يكن له مماثل سواء أكان في الدين ، أم في العادات ، كأنواع الأطعمة والألبسة والأبنية والصناعات وغيرها من الممارسات الحياتيّة عند الناس ، لكن البدعة التي ورد النصّ بتحريمها هي : « إيراد قولٍ أو فعلٍ لم يُستَنَّ فيه بصاحب الشريعة وأُصولها المتقنة » (12).
وبعبارة أُخرى هي : « الحدث في الدين بعد الاكمال » (13).
وفي الموضوع تعريفات كثيرة ، تكاد تتّفق لفظاً ومضموناً ، وان اختلفت في زيادات أوردها البعض لمزيد من البيان :
ابن رجب الحنبلي عرّف البدعة بأنّها :
« ما أُحدث ممّا لا أصل له في الشريعة يدّل عليه ، أمّا ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً » (14).
وقال ابن حجر العسقلاني في « فتح الباري » : « أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة .. » (15).
وقال : « المحدثات جمع محدثة ، والمراد بها ـ أيّ في حديث « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ » ـ : ما أُحدث وليس له أصل في الشرع ، ويسمّى في عرف الشرع بدعة ، وما كان له أصل يدلُّ عليه الشرع فليس ببدعة » (16) ؟.
ويرى ابن حجر الهيتمي أنّ البدعة : « ما أُحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاصّ أو العام » (17).
ويرى الشاطبي : « البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعيّة يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعيّة ـ وقال في مكان آخر ـ يُقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبّد لله تعالى » (18).
وقال السيّد المرتضى : « البدعة : الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين .. » (19).
وقال الطريحي في مجمع البحرين : « البدعة : الحدثُ في الدين ، وما ليس له أصل في كتاب ولا سُنّة ، وإنّما سُميّت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها هو نفسه » (20) ..
أما العلّامة المجلسي فإنّه عرّفَ البِدعة في الاصطلاح الشرعي بأنّها : « ما حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نصّ على الخصوص ، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات ، مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين وإسكانهم وإعانتهم ، وكإنشاء بعض الكتب العلميّة ، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعيّة ، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والأطعمة المحدثة فإنّها داخلة في عمومات الحلّية ولم يرد فيها نهي.
وما يُفعل منها على وجه العموم إذا قُصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة ، كما أنّ الصلاة خير موضوع ويُستحب فعلها في كلّ وقت ، ولو عيّن ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة ، وكما إذا عيّن أحدٌ سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنّها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت ، بلا نصّ ورد فيها ، كانت بدعة.
وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نصّ ، بدعة ، سواء كان أصلها مبتدعاً أو خصوصيّتها مبتدعة .. » (21).
وقال المحدّث البحراني : « الظاهر المتبادر من البدعة ، لا سيّما بالنسبة إلى العبادات ، إنّما هو المحرّم ، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام : « إنّ كلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار » » (22).
وقال المحقّق الآشتياني : « البدعة : إدخال ما علم أنّه ليس من الدين في الدين ، ولكن يفعله بأنّه أمَرَ به الشارع .. » (23).
وقال السيّد محسن الأمين العاملي : « البدعة : إدخال ما ليس من الدين في الدين ، كإباحة محرّم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه ، أو نحو ذلك سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها ، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له .. » (24).
هذه جملة ممّا ورد في تعريف البدعة بالمعنى الاصطلاحي الشرعي ، وقد أفاد أغلبها أنّ البدعة بالمعنى الشرعي ، هي : زيادة شيء في الدين على أنّه منه وهو ليس منه.
واختصّ تعريف الشريف المرتضى وكذا تعريف السيّد محسن الأمين من بين تلك التعريفات بذكر النقصان من الدين على أنّه يدخل ضمن البدعة أيضاً.
ومن هنا فإنّ تعريف الشريف المرتضى هو أجمع التعاريف وأكثرها دلالة على حدّ البدعة ومفهومها.
البدعة في القرآن الكريم
وردت البدعة بمعناها اللغوي والاصطلاحي الشرعي في عدّة مواضع من القرآن الكريم.
والملاحظ أنّها وردت في بعض المواضع من القرآن الكريم بصورة مباشرة ، وبعضها الآخر ورد من خلال دلالة الجملة القرآنيّة على مفهوم « التغيير في الدين » زيادة وإنقاصاً ، وسنورد أمثلةً عن كلا الصورتين.
الصورة الاُولى :
١ ـ ( .. وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّـهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ... ) (25).
الآية الشريفة هنا توضح أنَّ « الرهبانيّة » كانت من مبتدعات الرهبان ، وأنّها لم تكن مفروضة عليهم من قبل ، وإنّما تكلّفوها من عند أنفسهم.
٢ ـ ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ... ) (26).
وهناك اتّجاهان في تفسير الآية الشريفة ، يذهب أحدهما إلى أنّ المقصود هو أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس أوّل رسول يرسله الله إلى قومه برسالته.
ويذهب الآخر إلى أنّ المراد : ما كنتُ مبدِعاً في أقوالي وأفعالي ما لم يسبقني إليه أحد من الرسل.
وقد ذهب العلّامة الطباطبائي في تفسيره « الميزان » إلى ترجيح الاتّجاه الثاني بقوله : « والمعنى الأوّل لا يلائم السياق .. فثاني المعنيين هو الأنسب ، وعليه فالمعنى : لستُ أُخالف الرُسل السابقين في صورة أو سيرة وفي قول أو فعل ، بل أنا بشر مثلهم فيَّ من آثار البشريّة ما فيهم وسبيلهم في الحياة سبيلي » (27).
٣ ـ قوله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (28).
٤ ـ وقوله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ .. ) (29).
والآيتان المتقدّمتان تفيدان معنى الخلق لا على مثال سابق وهو المعنى اللغوي لكلمة « بَدَع » ، التي مرّت الإشارة إليها فيما تقدّم.الصورة الثانية :
أمّا ما ورد في القرآن الشريف من إشارة إلى البدعة بمعنى « التغيير في الدين » فهو كثير ، لكنّنا نشير إلى بعض الآيات الشريفة :
١ ـ ( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّـهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّـهِ تَفْتَرُونَ ) (30).
والآية واضحة في دلالتها على التحريف زيادة أو إنقاصاً ، وقد وردت الآية في وصف عمل المشركين حين حرّموا بعض ما أنزل الله عليهم من الرزق وحلّلوا البعض الآخر ، فقد حرّموا السائبة والبَحيرة والوَصيلة من غير أن يأتيهم بذلك أمر إلهي ، ويوضح هذه الحقيقة قوله تعالى في ذيل الآية المتقدّمة : ( آللَّـهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّـهِ تَفْتَرُونَ ).
٢ ـ كما جاء ما يدلّ على التحريف في قوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) (31).
والآية الشريفة واضحة الدلالة مثل سابقتها على مفهوم التحريف والافتراء كذباً على الله سبحانه وتعالى شأنه.
٣ ـ إنّ تحريف النصّ الإلهي أمر خطير حتّى جاء في القرآن الشريف على لسان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( .. قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (32).
وفي الآية الشريفة دلالة واضحة وصريحة على قُدسيّة الأمر الإلهي الوارد عبر الوحي ، وأنَّ تحريف هذا النصّ أو تبديله أمرٌ خطير يورد صاحبه موارد الهلكة والخسران المبين إلى الدرجة التي يقول فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ).
٤ ـ وجاء في القرآن الكريم ما يدلّ على تحقّق الابتداع بدعوى الزيادة أو النقصان في الأحكام الإسلاميّة كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) (33).
إنَّ الكذب من المحرّمات والموبقات التي وعد الله عليها النار ، والبدعة من أفحش الكذب ، لانّها افتراء على الله ورسوله ، والمفتري مبتدع لأنّه يريد أن يقول عن شيء ليس من الدين إنّه من الدين ، فيزيد فيه ما ليس منه ، أو يقول عن شيء إنّه ليس من الدين وهو من الدين ، فينقص من الدين شيئاً هو منه.
البدعة في السُنّة المطهّرة
فيما تقدّم استعرضنا بصورة موجزة الآيات القرآنيّة الشريفة الدالّة على مفهوم البدعة والتحذير منها ، وسنستعرض في هذا الفصل ما ورد من أحاديث وروايات منقولة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وسوف لن يقتصر إيرادنا للأحاديث المرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على فريق معيّن من المسلمين بل سنحاول ذكر الروايات الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن طريق الفريقين.
١ ـ ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « لا يذهب من السُنّة شيء حتّى يظهر من البدعة مثله ، حتّى تذهب السُنّة وتظهر البدعة ، حتّى يستوفي البدعة من لا يعرف السُنّة ، فمن أحيى ميّتاً من سنّتي قد أمُيتت ، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها ، من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً ، ومَنْ أبدَعَ بدعة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص من أوزارهم شيئاً » (34).
٢ ـ وعن جابر قال : خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له ثمّ قال : « أمّا بعد فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله ، وأنّ أفضل الهدي هدي محمّد ، وشرّ الاُمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة .. » (35).
٣ ـ وورد عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « لا ترجعنَّ بعدي كفّاراً ، مرتدّين ، متأوّلين للكتاب على غير معرفة ، وتبتدعون السُنّة بالهوى لأن كلّ سُنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل » (36).
٤ ـ وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميّين وقلوبهم قلوب الشياطين ، السُنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سُنّة » (37).
٥ ـ وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أدّى إلى أُمّتي حديثاً يُقام به سُنّة ، أو يثلم به بدعة ، فله الجنّة » (38).
٦ ـ وجاء عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « إيّاك أن تسنَّ سنّة بدعة ، فإنّ العبد إذا سنَّ سنّةً سيّئة ، لحقهُ وزرها ، ووزر من عمل بها .. » (39).
٧ ـ وعن عرباض بن سارية قال : صلّى بنا رسول الله الفجر ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة .. قال : « أوصيكم بتقوى الله .. وإيّاكم ومحدثات الأمور ، فإنّ كلَّ محدثة بدعة ، وإنّ كلَّ بدعة ضلالة » (40).
٨ ـ وروى مسلم في صحيحه : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته ، واشتدّ غضبه ، حتّى كأنّه منذر جيشٍ ، يقول : « صبّحكم ومسّاكم ـ ويقول ـ بُعثِتُ أنا والساعة كهاتين ـ ويقرن بين إصبعيه : السبابة والوسطى ، ويقول ـ أمّا بعد ، فإنَّ خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هَديُ محمّد ، وشرّ الاُمور محدثاتها ، وكلّ بدعة ضلالة ـ ثمّ يقول ـ أنا أولى بكلِّ مؤمن من نفسهِ ، من ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فإليَّ وعليّ » .. (41).
٩ ـ وروى ابن ماجه : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً ، ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولا حجّاً ، ولا عمرة ، ولا جهاداً » (42).
١٠ ـ وروى مسلم عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ » (43).
١١ ـ وعن جرير بن عبد الله عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « من سنَّ في الإسلام سُنّة حسنة فعُمل بها بعده ، كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أُجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سُنّة سيّئة فعمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء .. » (44).
١٢ ـ وعن حذيفة انّه قال : يا رسول الله هل بعد هذا الخير شرّ ؟ قال : « نعم ، قوم يستّنون بغير سنّتي ويهتدون بغير هداي .. » (45).
١٣ ـ وعن مالك في موطأه عن أبي هريرة قال : إنّ رسول الله خرج إلى المقبرة فقال : « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ـ إلى أن قال ـ فلُيذادنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضالّ ، أناديهم ألا هلّم ! ألا هلّم ! ألا هلّم ! فيقال : إنّهم قد بدّلوا بعدك ، فأقول : فسحقاً ، فسحقاً ، فسحقاً .. » (46).
١٤ ـ وروى الكليني عن محمّد بن جمهور رفعهُ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي فليُظهِر العالِم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله » (47).
١٥ ـ وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أتى ذا بدعةٍ فعظّمهُ فإنّما يسعى في هدم الإسلام » (48).
١٦ ـ وبالاسناد السابق قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة » قيل : يا رسول الله ، وكيف ذلك ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « انّه اُشرِبَ في قلبه حبّها » (49).
١٧ ـ وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال : أيُّها الناس إنّما بَدْءُ وقوع الفتن ، أهواءٌ تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالف فيها كتاب الله ، يتولّى فيها رجال رجالاً ، فلو أنّ الباطل خلص لم يُخف على ذي حجى ، ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى » (50).
١٨ ـ الحسن بن محبوب رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام : إنّه قال : « إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجلّ لرجلين : رجل وكّله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن أفتتن به ، ضال عن هَدي من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمّال خطايا غيره ، رهنٌ بخطيئته » (51).
١٩ ـ وروى عمر بن يزيد عن الإمام الصادق عليه السلام إنّه قال : « لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : المرءُ على دين خليله وقرينه » (52).
٢٠ ـ وروى داود بن سرحان عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة .. » (53).
٢١ ـ وعنه عليه السلام قال : « ما أُحدثت بدعة إلّا ترك بها سُنّة ، فاتّقوا البدع والزموا المَهْيَع ، إنَّ عوازم الاُمور أفضلها وإنّ محدثاتها شرارها » (54).
٢٢ ـ وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : « من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه » (55).
٢٣ ـ وعنه عليه السلام أنّه قال : « من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره فقد مشى في هدم الإسلام » (56).
٢٤ ـ وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله : « .. فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادلٌ هُدِيَ وهَدى فأقام سُنّةً معلومةً وأمات بدعةً مجهولةً ، وأنّ السُنن لنيرةٌ ، لها أعلامٌ ، وأنّ البدع لظاهرةٌ ، لها أعلام. وأنَّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به ، فأمات سُنّةً مأخوذةً ، وأحيا بدعةً متروكةً » (57).
٢٥ ـ وقال عليه السلام : « أوِّهِ على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدّبروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السُنّة وأماتوا البدعة » (58).
٢٦ ـ وقال عليه السلام : « إنّما الناس رجلان : متبع شرعة ، ومُبتدع بدعة » (59).
٢٧ ـ وقال عليه السلام أيضاً : « طوبى لِمَن ذلّ في نفسهِ وطاب كَسبُه ـ إلى أنْ قال ـ وعزل عن الناس شرّه ووَسَعته السُنّة ولم يُنسَب إلى البدعة .. » (60).
٢٨ ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إذا رأيتم صاحب بدعة فاكفهرّوا في وجهه ، فإنّ الله ليبغض كلّ مبتدع ولا يجوز أحد منهم على الصراط ، ولكن يتهافتون في النار مثل الجراد والذباب » (61).
٢٩ ـ وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « من غشّ أُمّتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، قالوا : يا رسول الله وما الغشّ ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ان يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها .. » (62).
٣٠ ـ وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « من أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً ، فعليه لعنة الله ، والملائكة ، والناس أجمعين ، لا يُقبل منه عدل ولا صرف يوم القيامة ، فقيل : يا رسول الله : ما الحدث ؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : من قتل نفساً بغير نفسٍ ، أو مثَّل مثلة بغير قودٍ ، أو ابتدع بدعة بغير سنّة » (63).
٣١ ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « وأمّا أهل السُنّة فالمتمسّكون بما سنّه الله لهم ورسوله ، وإن قلّوا ، وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله تعالى وكتابه ولرسوله ، والعاملون برأيهم وأهوائهم ، وإنْ كثروا ، وقد مضى منهم الفوج الاول ، وبقيت أفواج ، وعلى الله فضُّها واستيصالها عن جدبة الأرض .. » (64).
٣٢ ـ وسأل رجل أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام عن السُنّة ، والبدعة ، والفرقة والجماعة ، فقال عليه السلام : « أمّا السُنّة : فسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمّا البدعة ، فما خالفها ، وأمّا الفرقة ، فأهل الباطل وإنْ كثروا ، وأمّا الجماعة ، فأهل الحقّ وإن قلّوا .. » (65).
٣٣ ـ وعنه عليه السلام : « .. أدنى ما يكون به العبدُ كافراً ، مَنْ زَعم أنَّ شيئاً نهى الله عنه ، أنَّ الله أمر به ونصبه ديناً يتولّى عليه ، ويزعم أنّه يعبد الذي أمره به ، وإنّما يعبد الشيطان » (66).
٣٤ ـ وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام : « أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً ، فيحبُّ عليه ويُبغض .. » (67).
كانت تلك طائفة من الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أكّد بعضها على حرمة الابتداع في الدين ، وبعضها الآخر حدّد أسلوب التعامل الاجتماعي مع صاحب البدعة ، وحذَّرت طائفة أُخرى من التعامل مع صاحب البدعة.
وكلّ ذلك يؤكّد خطورة البدعة على الدين ووحدة المسلمين.
ونجد من المناسب بعد إيراد الروايات المتقدّمة استعراض ما دلّت عليه ، في نقاط :
١ ـ إنّ كلَّ بدعة ضلالة ، وإنّ كلَّ ضلالة في النار.
٢ ـ روى مسلم عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا خطب احمرّت عيناه .. إلى أن يقول وخير الهدي هدي محمّد .. الخ ، وهذا يوضح أنَّ ثورة الغضب عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلوّ صوته ليس إلّا للتصرّف المبتدع في رسالته ، وليس في مطلق شؤون الحياة.
٣ ـ جاء في الرواية إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لقوم بدّلوا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « فسحقاً » يكرّرها ثلاث مرّات ، والمقصود بالتبديل أنهم بدّلوا في دين الله الذي جاء به الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
٤ ـ دلّت الروايات المتقدّمة على أنّ البدع إذا ظهرت فإن على العالم أن يُظهر علمه ، ليُسهم في كشف البدع وزيفها ومواجهتها ، وإلّا فعليه لعنة الله.
٥ ـ كما دلّت على عدم قبول توبة صاحب البدعة.
٦ ـ ودلّت أيضاً على أنَّ انتشار البدع وظهورها سيؤدّي ذلك إلى ترك السُنّة وضياعها التدريجي.
الهوامش
1. العين ، للفراهيدي ٢ : ٥٤.
2. معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ، للراغب الاصفهاني : ٣٦.
3. تهذيب اللغة ، للأزهري ٢ : ٢٤١.
4. المقاييس ، لابن فارس ١ : ٢٠٩ مادة « بَدَع ».
5. القاموس ، للفيروزآبادي ٣ : ٦ مادة « بَدَعَ ».
6. جمهرة اللغة ، لابن دريد ١ : ٢٩٨.
7. لسان العرب ، لابن منظور ٨ : ٦ مادة « بدع ».
8. الصحاح ، للجوهري ٣ : ١١٨٣ مادة « بدع ».
9. المصباح المنير ، للفيومي ١ : ٣٨ مادة « بدع ».
10. مجمع البحرين ، للطريحي ١ : ١٦٣ مادة « بدع ».
11. النهاية ، لابن الأثير ١ : ١٠٦. والآية من سورة البقرة ٢ : ١١٧.
12. انظر : المفردات ، للراغب : ٢٨.
13. القاموس ، للفيروزآبادي ٣ : ٦.
14. جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي : ١٦٠ طبع الهند.
15. فتح الباري ، لابن حجر العسقلاني ٥ : ١٥٦.
16. فتح الباري ، لابن حجر العسقلاني ١٧ : ٩.
17. التبيين بشرح الأربعين ، لابن حجر الهيتمي : ٢٢١.
18. الاعتصام ، للشاطبي ١ : ٣٧.
19. الرسائل ، للشريف المرتضى ٣ : ٨٣.
20. مجمع البحرين ، للطريحي ١ : ١٦٣ مادة « بدع ».
21. بحار الأنوار ، للمجلسي ٧٤ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
22. الحدائق الناضرة ، للشيخ يوسف البحراني ١٠ : ١٨٠.
23. بحر الفوائد ، للآشتياني : ٨٠.
24. كشف الارتياب للسيّد محسن الأمين العاملي : ١٤٣.
25. الحديد ٥٧ : ٢٧.
26. الاحقاف ٤٦ : ٩.
27. الميزان في تفسير القرآن ، للطباطبائي ١٨ : ١٩٠.
28. البقرة ٢ : ١١٧.
29. الأنعام ٦ : ١٠١.
30. يونس ١٠ : ٥٩.
31. النحل ١٦ : ١١٦.
32. يونس ١٠ : ١٥.
33. الأنعام ٦ : ٢١.
34. كنز العمال ، لعلاء الدين الهندي ١ : ٢٢٢ / ١١١٩.
35. مسند أحمد ٣ : ٣١٠ طبعة دار الفكر ـ بيروت. سنن ابن ماجه ١ : ٢١ باب اجتناب البدع والجدل طبعة دار الجيل ـ بيروت. جامع الاُصول ، لابن الاَثير : ٥ الفصل الخامس الخطبة ٣٩٧٤.
36. خصائص الأئمّة ، للشريف الرضي : ٧٥.
37. جامع الأخبار ، لتاج الدين الشعيري : ١٢٥.
38. بحار الأنوار ، للمجلسي ٢ : ١٥٢ / ٤٣ باب ١٩.
39. بحار الأنوار ، للمجلسي ٧٤ : ١٠٤ / ١ باب ٥.
40. مسند أحمد ٤ : ١٢٦ ـ ١٢٧. وبحار الأنوار ٢ : ٢٦٣ فقد وردت نفس النصوص مع زيادة « وكلّ ضلالة في النار ».
41. جامع الأصول ، لابن الأثير : ٥. الفصل : ٥ الخطبة ٣٩٧٤.
42. سنن ابن ماجه ١ : ٢٥ باب اجتناب البدع والجدل.
43. صحيح مسلم ٥ : ١٣٢ ، كتاب الاقضية الباب ٨. ومسند أحمد ٦ : ٢٧٠.
44. صحيح مسلم ٨ : ٦١ كتاب العلم.
45. صحيح مسلم ٥ : ٢٠٦ كتاب الامارة.
46. موطأ مالك : كتاب الصلاة باب جامع الوضوء / ٢٦. وصحيح مسلم ١ : ١٥٠.
47. الكافي ، للكليني ١ : ٥٤ / ٢ باب البدع.
48. المصدر السابق : ح ٣.
49. الكافي ، للكليني ١ : ٥٤ / ٤.
50. المصدر السابق ١ : ٥٥ / ١ الباب السابق.
51. الكافي ، للكليني ١ : ٥٤ / ٦ باب البدع.
52. الكافي ، للكليني ٢ : ٣٧٥ / ٣ باب مجالسة أهل المعاصي.
53. الكافي ، للكليني ٢ : ٣٧٥ / ٤ باب مجالسة أهل المعاصي.
54. بحار الأنوار ، للمجلسي ٢ : ٢٦٤ / ١٥. نهج البلاغة : خطبة ١٤٥. والمَهْيَع : الطريق البيّن.
55. المصدر السابق ٨ : ٢٣ الطبعة القديمة./p>
56. المصدر السابق ٢ : ٣٠٤ / ٤٥.
57. نهج البلاغة : الخطبة ١٦٤.
58. نهج البلاغة : الخطبة ١٨٢.
59. المصدر السابق : الخطبة ١٧٦.
60. المصدر السابق : قسم الحكم ، الرقم ١٢٣.
61. جامع الأصول ، لابن الأثير ٩ : ٥٦٦. كنز العمّال ، للمتقي الهندي ١ : ٢٢١ / ١١١٨.
62. المصدر السابق.
63. معاني الأخبار ، للصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري : ٢٦٥.
64. كنز العمال ، لعلاء الدين الهندي ١٦ : ١٨٤ / ٤٤٢١٦.
65. تحف العقول ، للحرّاني ، تحقيق علي أكبر الغفاري : ٢١١.
66. الكافي ، للكليني ٢ : ٤١٤ / ١ باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً.
67. ثواب الأعمال وعقابها ، للصدوق ، تحقيق علي أكبر الغفاري : ٥٧٨ / ٣.
مقتبس من كتاب : [ البدعة مفهومها وحدودها ] / الصفحة : 9 ـ 25
التعلیقات