الإيمان وعلامات المؤمن
عباس ذهبيات
منذ 15 سنةالإيمان وعلامات المؤمن
المبحث الأول : معنىٰ الإيمان ومسمّاه
أصل الإيمان : الاذعان إلىٰ الحقِّ علىٰ سبيل التصديق له واليقين. ولكنّه صار اسماً لشريعة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم (1).
واختلفوا في مسمّىٰ الإيمان في العرف الشرعي.
فقد ذهب المعتزلة والخوارج والزيديّة وأهل الحديث إلىٰ أنّ الإيمان اسم لأفعال القلوب والجوارح مع الاقرار باللسان. وأنّ الإيمان يتناول طاعة الله ومعرفته مع ما جعل الله تعالىٰ عليه دليلاً عقليّاً أو نقليّاً في الكتاب والسُنّة المطهّرة. وأنّ الاخلال بواحد من هذه الاُمور كفرٌ.
وذهب أبو حنيفة والأشعري إلىٰ أنّ الإيمان يحصل بالقلب واللسان معاً.
وهناك فريق ثالث يرىٰ أنّ الإيمان عبارة عن الاعتقاد بالقلب فقط. وتبلور عنه اتّجاه يحصر الإيمان في نطاق ضيق هو معرفة الله بالقلب حتّىٰ أنّ من عرف الله ثمّ جحد بلسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن كامل الإيمان.
وبالمقابل برز فريق رابع يرىٰ أنّ الإيمان ـ حصراً ـ هو الإقرار باللسان فقط.
وتبلور عنه اتّجاه يرىٰ أنّ الإيمان هو إقرار باللسان ولكن بشرط حصول المعرفة في القلب (2).
ولكن التدبّر في آيات القرآن الكريم يكشف حقيقة أُخرىٰ للإيمان بعيدة عن كلِّ ما تقدّم ، وهي أنّ الإيمان ليس مجرّد العلم بالشيء والجزم بكونه حقّاً ، لأنَّ الذين تبيّن لهم الهدىٰ لم يردعهم ذلك عن الارتداد علىٰ أدبارهم ولم يمنعهم من الكفر والصدّ عن سبيل الله ومشاققة الرسول كما في قوله تعالىٰ : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ... إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ ) (3) ومنهم من أضلّه الله علىٰ علم (4).
فالعلم إذن لا يكفي وحده في المقام ما لم يكن هناك نوع التزام بمقتضاه وعقد القلب علىٰ مؤدّاه بحيث تترتّب عليه آثاره ولو في الجملة.
ومن هنا يظهر بطلان ما قيل : أنّ الإيمان هو العمل ، وذلك لأنّ العمل يجامع النفاق ، فالمنافق له عمل ، وربّما كان ممّن ظهر له الحقّ ظهوراً علميّاً ، ولا إيمان له علىٰ أي حال (5).
وفي هذا الخصوص ، وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام تعكس التصوّر الإيماني الصحيح وفق نظرة شموليّة ترىٰ أنّ الإيمان هو عقد بالقلب وقول باللِّسان وعمل بالاركان.
سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان ، فقال : « الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان » (6).
وقال الإمام الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان : « الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل » (7).
ويؤكّد الإمام الصادق عليه السلام علىٰ قاعدة التلازم بين القول والعمل في تحقّق مفهوم الإيمان ، فيقول : « ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال » (8). وعن سلام الجعفي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الإيمان فقال : « الإيمان أن يطاع الله فلا يعصىٰ » (9).
ويتّضح من خلال تلك الأحاديث ونظائرها أنّ أهل البيت عليهم السلام قد رفضوا كون الإيمان مجرّد إقرار باللسان ، أو اعتقاد بالقلب ، أو بهما معاً ؛ لأنّه فهم سطحي قاصر ، إذ هكذا إيمان لا روح فيه ولا حياة ، ما لم يقترن بالطاعة المطلقة لله وتنفيذ ما أمر والنهي عمّا زجر كلّ ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل.
هذا ، وتبلغ دائرة الإيمان أقصىٰ اتساع لها في جواب الإمام الصادق عليه السلام علىٰ سؤال عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الإيمان ، فقال عليه السلام : « شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين » (10).
وهكذا نجد أنّ مفهوم الإيمان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يتجاوز دائرة الاعتقاد المنسلخ عن السلوك ، ويرتكز علىٰ رؤية موحدة ومترابطة تذهب إلىٰ أنّ الاعتقاد القلبي متقدّم رتبياً علىٰ الإقرار اللفظي ، ولا بدَّ من أن يتجسّد هذا الاعتقاد وذلك الإقرار في سلوك سوي. ثمّ إنّ كلّ تفكيك بين الإيمان وبين العمل يفتح الباب علىٰ مصراعيه أمام النفاق والمظاهر الخادعة والدعاوى الباطلة. وعلى هذا الأساس قال الإمام الصادق عليه السلام : « الكفر إقرارٌ من العبد فلا يُكلّف بعد إقراره ببيّنة ، والإيمان دعوىٰ لا يجوز إلّا ببيّنة وبينته عمله ونيّته » (11).
فالإمام عليه السلام في هذا الحديث يضع ميزاناً دقيقاً للإيمان يرتكز في أحد كفتيه علىٰ الباطن الذي تعكسه نيّة الفرد وانعقاد قلبه علىٰ الإيمان ، وفي الكفّة الاُخرىٰ يرتكز علىٰ الظاهر الذي يتمثل بعمله وسلوكه السوي الذين يكونا كمرآة صافية لتلك النيّة.
ومن هنا يؤكّد الأئمّة عليهم السلام علىٰ أنّ الإيمان كلّ لا يتجزأ ، ويرتكز علىٰ ثلاث مقومات : الاعتقاد والإقرار والعمل.
فعن أبي الصلت الهروي ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الإيمان ، فقال عليه السلام : « الإيمان عقد بالقلب ولفظ باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون الإيمان إلّا هكذا » (12).
تأمّل جيّداً في العبارة الأخيرة من الحديث « ... ولا يكون الإيمان إلّا هكذا » فهي خير شاهد علىٰ النظرة الشموليّة غير التجزيئيّة للإيمان التي تتبنّاها مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
ولم تنطلق تلك النظرة من فراغ ، أو جرّاء التأثر بالمدارس الكلاميّة ، وإنّما هي ربانيّة التلقي نبويّة التوجيه ، قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : « الإيمان والعمل شريكان في قرن ، لا يقبل الله تعالىٰ أحدهما إلّا بصاحبه » (13).
ثمّ إنّ هذه النظرة الشموليّة للإيمان ـ بمقوّماتها الثلاثة ـ تستقي من منابع قرآنيّة صافية ، يقول العلّامة الراغب الاصفهاني : « والإيمان يُستعمل تارة اسماً للشريعة التي جاء بها محمّد عليه الصلاة والسلام وعلىٰ ذلك : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ ) (14) ويُوصف به كلُّ من دخل في شريعته مُقرّاً بالله وبنبوَّته ، قيل وعلى هذا قال تعالىٰ : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (15) وتارةً يستعمل علىٰ سبيل المدح ويُراد به إذعانُ النَّفس للحقِّ علىٰ سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيقٌ بالقلب ، وإقرار باللِّسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح ، وعلىٰ هذا قوله : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) (16).
وإن قال قائل : إنَّ الله سبحانه قال : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ) (17) والعطف دليل التغاير ، ومعنىٰ هذا أنَّ العمل ليس جزءاً في مفهوم الإيمان. قلنا في جوابه : المراد بالإيمان هنا مجرَّد التصديق تماماً كقوله تعالىٰ حكاية عن إخوة يوسف : ( وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) (18) أمّا أكمل الإيمان فهو أن يعمل حامله بموجب إيمانه ، ويؤثره علىٰ ميوله وأهوائه ويتجشم الصعاب من أجله لا لشيء إلّا طاعة لأمر الله (19).
وصفوة القول إنّ الإيمان برنامج حياة كامل ، لا مجرّد نيّة تُعقد بالقلب ، أو كلمة تقال باللِّسان بلا رصيد من العمل الايجابي المثمر.
ونخلص إلىٰ القول بأنّ للايمان مرتبتين ، تعني الاُولىٰ منهما : التصديق بقول « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » وهذا هو الحدّ الأدنىٰ من الايمان ، وهو الايمان بمعناه الأعمّ الذي يصدق علىٰ كلّ من دخل في دين الإسلام مقرّاً بالله وبنبوّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فيما يراد بالمرتبة الثانية من الإيمان ما هو فوق التصديق من الاقرار باللسان والعمل بالاركان ، أيّ التزام مبادىء الشريعة الإسلاميّة وأحكامها ، من أداء الواجبات والعمل بالطاعات وتجنب المنكرات والشبهات ، وهذا هو الايمان الممدوح في القرآن والسُنّة.
وهذه المرتبة الأخيرة من الايمان هي التي ستكون محلّ الاهتمام في هذا الكتاب ، دون المرتبة الاُولىٰ.
المبحث الثاني : حقيقة الإيمان :
إنَّ حقيقة الإيمان في هذا الوجود هي أكبر وأكرم الحقائق. لم تدركها النفوس عن طريق دائرة الحسّ الضيّقة ، فليست هي بحقيقة مادية تُدرك بالحواس المعروفة ولكن هي حقيقة معنويّة علويّة تدركها القلوب السليمة ، فتأخذ النفوس من أقطارها ، وتظهر ثمارها الطيّبة نظافة في الشعور ورفعةً في الأخلاق واستقامة في السلوك.
تلك الحقيقة التي تتجسّد في نفوس المؤمنين من خلال مظاهر عديدة ، يمكن الاشارة إلىٰ أبرزها اهتداءً بقبس من نور النبوّة وحماة منهجها ، وهي :
أوّلاً : التسليم لله تعالىٰ والرِّضا بقضائه : يقول الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتّىٰ يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » (20).
فالمؤمن حقّاً هو الواثق بالله تعالىٰ وحكمته المستسلم لقضائه ، والمتقبّل لما يجيء به قدر الله في اطمئنان أيّاً كان.
روى الصدوق رحمه الله بسنده عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه لقي في بعض أسفاره ركب فقال : « ما أنتم ؟ قالوا : نحن مؤمنون ، قال : فما حقيقة إيمانكم ؟ قالوا : الرّضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلىٰ الله تعالىٰ فقال : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الذي إليه ترجعون » (21).
فالرِّضا بقضاء الله والتسليم لأمره من أعلىٰ مظاهر الإيمان وهما من أبرز الخصال التي يتّصف بها الأنبياء ، ومن يتمسّك بها يرتقي إلىٰ قمة الهرم الإيماني ويكون قد حصل علىٰ لباب العلم وجوهر الحكمة.
وفي هذا الصدد قيل لأبي عبدالله عليه السلام بأيّ شيء يعلم المؤمن أنّه مؤمن ؟ قال عليه السلام : « بالتسليم لله والرِّضا بما ورد عليه من سرور أو سخط » (22).
ثانياً : الحبّ في الله والبغض في الله : وهو من أبرز المظاهر العاطفيّة التي تعكس حقيقة الإيمان ، فحينما يؤثر الإنسان ـ علىٰ ما يحبه ويهواه ـ ما يحبّه الله تعالىٰ ويرضاه ، وحينما يكون غضبه لله لا لمصلحته الخاصّة ، فلا شكّ أنّ هذا الشعور العاطفي العالي يكون مصداقاً جليّاً علىٰ عمق إيمانه ومصداقيّته. ولذا ورد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتّىٰ يغضب لله ، ويرضىٰ لله ، فإذا فعل ذلك فقد استحقّ حقيقة الإيمان » (23). وعن الإمام الصادق عليه السلام : « لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّى يحبّ أبعد الخلق منه في الله ، ويبغض أقرب الخلق منه في الله » (24).
ثالثاً : التمسك المطلق بالحقّ : يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « إنَّ من حقيقة الإيمان أن تؤثّر الحقّ وإن ضرّك علىٰ الباطل وإن نفعك » (25).
إنَّ ترجيح كفة الحقّ الضارّ علىٰ كفة الباطل النافع ما هي إلّا مظهراً من مظاهر قوّة الإيمان الراسخ في أعماق النفس المؤمنة.
رابعاً : حب أهل البيت عليهم السلام : هو أحد الحقائق الهامّة التي تميز الإيمان الصادق عن الزائف ، عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر فسمعته يقول : « والذي فلق الحبّة وبرء النسمة ، أنّه لعهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق » (26).
وعن جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري قال كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم جماعة من الأنصار فقال لنا : « يا معشر الأنصار بوروا أولادكم بحبّ علي بن أبي طالب فمن أحبّه فاعلموا أنّه لرشدة ومن أبغضه فاعلموا أنّه لغية » (27).
وعن أبي الزبير المكّي قال : رأيت جابراً متوكئاً علىٰ عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم وهو يقول : « علي خير البشر فمن أبىٰ فقد كفر ، يا معاشر الأنصار أدّبوا أولادكم علىٰ حبّ علي فمن أبىٰ فانظروا في شأن أُمّه » (28).
وأورد الثعلبي في تفسيره ونقله عنه الزمخشري في الكشّاف ، والقرطبي المالكي في الجامع لأحكام القرآن ، والفخر الرازي في التفسير الكبير قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من مات علىٰ حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد يزّف إلىٰ الجنّة كما تزف العروس إلىٰ بيت زوجها ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلىٰ الجنّة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات علىٰ حبّ آل محمّد مات علىٰ السُنّة والجماعة.
ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً علىٰ عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات علىٰ بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة » (29).
فالإمام علي عليه السلام وأهل بيته رمز الإيمان وعلامة الطهر وعليه فمن أحبّهم فقد وجد في قلبه حقيقة الإيمان ، فهم مصابيح الدجىٰ وأعلام الهدىٰ من أحبّهم ذاق طعم الإيمان قال أبو عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّىٰ يعلم أنّ مالآخرنا لأوّلنا » (30).
ولا يكفي الحبّ المجرّد بل لا بدَّ من الاتّباع وتحمل تبعات هذا الحبّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنّا لا نعدُّ الرجل مؤمناً حتّىٰ يكون بجميع أمرنا متّبعاً مريداً » (31). وعن الإمام الباقر عليه السلام : « لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتّىٰ يكون فيه ثلاث خصال : حتّىٰ يكون الموت أحبّ إليه من الحياة ، والفقر أحبّ إليه من الغنىٰ ، والمرض أحبّ إليه من الصحّة. قلنا : ومن يكون كذا ؟! قال : كلّكم ! ثمّ قال : أيّما أحبُّ إلىٰ أحدكم يموت في حبّنا أو يعيش في بغضنا ؟ فقلت : نموت والله في حبّكم ؟ قال : وكذلك الفقر ... » قلتُ : إي والله (32).
فالمقياس النبوي الدقيق لمعرفة حقيقة الإيمان إذن هو حبّ أهل البيت عليهم السلام والتزام طاعتهم ، والتبرّي من أعدائهم ، وقد عرفنا من خلال بعض ما مرَّ أنه المقياس السليم الذي يتمّ به الكشف عن حقيقة الإيمان الكامل.
ويمكن تصوير الإيمان والكفر ـ بدليل ما تقدّم ـ بميزان ذي كفّتين : كفّة بيضاء نقيّة تشتمل علىٰ حبّ أهل البيت عليهم السلام ؛ وهي كفة الإيمان الصادق ، واُخرىٰ سوداء مظلمة من بغضهم عليهم السلام ؛ وهي ليس إلّا الكفر والنفاق والمروق من الدين.
خامساً : التدبر والنظرة الواعية : قد تظهر حقيقة إيمان الإنسان من خلال نظرته الفاحصة الواعية لمن حوله ، فحينما يرىٰ الناس منهمكين في إعمار دنياهم وتخريب دينهم ، فيؤثرون الفاني علىٰ الباقي ، يدرك ـ حينئذٍ ـ أنّ هؤلاء عقلاء في دنياهم حمقاء في دينهم. فهذه النظرة وذلك الإدراك يكشفان عن وصول الإنسان لحقيقة الإيمان الواعي. ومن هنا قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذر الغفاري رحمه الله : « يا أبا ذرّ لا تصيب حقيقة الإيمان حتّىٰ ترىٰ الناس كلّهم حمقاء في دينهم ، عقلاء في دنياهم » (33). وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ما يشير إلىٰ ذلك بقوله : « لن تكونوا مؤمنين حتّىٰ تعدّوا البلاء نعمة والرَّخاء مصيبة » (34).
ولا تكفي ـ بطبيعة الحال ـ النظرة الواعية في تحقّق الإيمان الكامل بل لا بدَّ من موقف معاكس ومخالف لما عليه عامة الناس وهو إيثار الباقي علىٰ الفاني والعزوف عن الدنيا الفانية ..
لقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوماً حارثة .. فقال له : « كيف أصبحت يا حارثة ؟ فقال : أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقّاً ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنَّ لكلِّ إيمان حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأنّي بعرش ربّي وقد قرب للحساب وكأني بأهل الجنّة فيها يتراودون ، وأهل النار فيها يعذّبون.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنت مؤمن نور الله الإيمان في قلبك ، فاثبت ثبتك الله » (35).
سادساً : السلوك العبادي السوي : قد تبرز حقيقة الإيمان في سلوك عبادي سويّ ، من خلال العمل بأوامر الله واجتناب نواهيه والنصيحة لأهل بيت رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وفي هذا الصدد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدّىٰ زكاة ماله وخزن لسانه وكفَّ غضبه واستغفر لذنبه وأدّىٰ النصيحة لأهل بيت رسوله فقد استكمل حقائق الإيمان وأبواب الجنّة مفتحة له » (36). وقد تظهر حقيقة إيمان العبد في ضبطه لجوارحه وخاصّة لسانه ، فقد ورد عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : « لا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتّىٰ يخزن من لسانه » (37).
سابعاً : الموقف الاجتماعي : وقد تظهر حقيقة الإيمان في موقف إجتماعي مشرّف كأن ينفق المؤمن علىٰ ذوي الفاقة علىٰ الرغم من ضيق ذات يده ، أو أن ينصف الناس من نفسه فلا يُسيء لهم ولا يظلمهم ، أو يبذل علمه للجاهل منهم. كلّ موقف من هذا القبيل قد يأخذ بيد المؤمن إلىٰ مراقي الصعود في درجات الإيمان ، ويشكّل بمفرده حقيقة من حقائقه الناصعة ، يقول الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ثلاث من الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، وبذل السلام للعالم ، والانصاف من نفسك » (38).
ثامناً : حالة الخوف والرجاء : قد تتمثّل حقيقة الإيمان في الجانب النفسي عندما يكون المؤمن في حالة نفسيّة بين الخوف والرجاء عاملاً وفق مقتضيّاتهما. قال أبو عبدالله الصادق عليه السلام : « لا يكون المؤمن مؤمناً حتّىٰ يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتّىٰ يكون عاملاً لما يخاف ويرجو » (39).
المبحث الثالث : مراتب الإيمان :
إذا كان الإيمان هو العلم بالشيء مع الالتزام به بحيث تترتّب عليه آثاره العمليّة ، وكان كل من العلم والالتزام ممّا يزداد وينقص ويشتدّ ويضعف ، كان الإيمان المؤلّف منهما قابلاً للزيادة والنقيصة والشدّة والضعف ، فاختلاف المراتب وتفاوت الدرجات من الضروريّات التي ينبغي أن لا يقع فيها اختلاف. هذا ما ذهب إليه الأكثر ، وهو الحقّ. ويدلّ عليه من النقل قوله تعالىٰ : ( لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ) وغيره من الآيات.
كما ورد في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام الدالّة علىٰ أنّ الإيمان ذو مراتب (40) :
كالذي رواه عبدالعزيز القراطيسي قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : « يا عبدالعزيز أنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلَّم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولنَّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست علىٰ شيء حتّىٰ ينتهي إلىٰ العاشر » (41).
وكذلك ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « الإسلام درجة والإيمان علىٰ الإسلام درجة. واليقين علىٰ الإيمان درجة. وما أوتي الناس أفضل من اليقين » (42).
وعن أبي عمرو الزبيدي عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال : « .. الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه ، قلت : إنَّ الإيمان ليتم وينقص ويزيد ؟ قال عليه السلام : نعم .. قلت : .. فمن أين جاءت زيادته ؟ فقال عليه السلام : قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ ) (43). وقال : ( نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (44). ولو كان واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل علىٰ الآخر ولاستوت النعم فيه ولاستوىٰ الناس وبطل التفضيل ، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرّطون النار » (45).
ومن كلِّ ما تقدّم تبيّن أنّ الإيمان له مراتب ودرجات متفاوتة بتفاوت العلم والمعرفة والعمل الصالح ، والناس يختلفون تبعاً لذلك قال تعالىٰ : ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) (46).
وروىٰ الفضيل بن يسار عن الإمام الرضا عليه السلام قوله : « إنَّ الإيمان أفضل من الإسلام بدرجة ، والتقوىٰ أفضل من الإيمان بدرجةٍ ، ولم يُعط بنو آدم أفضل من اليقين » (47).
ولا شكّ أنّ أكثر الخلق إيماناً بالله تعالىٰ هم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، لأنّهم صفوة الخلق من العباد ، ثم يليهم رتبة من خلص لله سرّاً وعلانية.
ومنهم دون ذلك ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « إنَّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم ، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة .. وكان المقداد في الثانية ، وأبو ذر في التاسعة ، وسلمان في العاشرة » (48).
ومنهم من عصفت بهم موجة الشك في أوقات الشدّة والعسر.
ولا بدَّ من التنويه علىٰ أنّ الترقي الممدوح هو أن يرتفع المؤشر البياني للإيمان ؛ لأنّ كلّ هبوط فيه إنّما هو نتيجة الشكّ أو الشبهة ممّا يكسب ذلك صاحبه المذمّة والملامة ويبعده عن ساحة الحقّ تعالىٰ.
عن الحسين بن الحكم قال : كتبت إلىٰ العبد الصالح عليه السلام ـ الإمام الكاظم ـ أُخبره إنّي شاكّ وقد قال إبراهيم عليه السلام : ( .. رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) (49) وإنّي أحبُّ أن تريني شيئاً ، فكتب عليه السلام : « إنّ إبراهيم كان مؤمناً وأحبَّ أن يزداد إيماناً وأنت شاكّ والشاكّ لا خير فيه .. » (50).
عوامل زيادة الإيمان :
هناك عوامل رئيسيّة تسهم في إيصال الإنسان إلىٰ أعلىٰ درجات الإيمان ، يمكن الإشارة إليها بالنقاط التالية : ـ
أولاً : العلم والمعرفة : لما كان العلم رأس الفضائل صار أمل المؤمن ، لكونه المرتقىٰ الذي يتّجه به صعوداً إلىٰ الدرجات الرفيعة ، قال تعالىٰ : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .. ) (51).
فالعلم هو الذي يكسب صاحبه الشرف والسؤدد ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « .. لا شرف كالعلم » (52) وقال ـ أيضاً ـ موصياً بضرورة اقتران العلم بالأدب : « يا مؤمن إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما ، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد من ثمنك وقدرك ، فإنَّ بالعلم تهتدي إلىٰ ربّك ، وبالأدب تحسن خدمة ربّك » (53).
فالإمام عليه السلام يضع ميزاناً لا يقبل الخطأ وهو كلّما تصاعد المؤشر البياني للعلم المقترن بالأدب في نفس المؤمن كلّما زيد في قيمته ومكانته أكثر فأكثر. ومن أجل ذلك كان العلماء أقرب الناس إلىٰ درجة النبوّة ، بدليل قول الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد ، أمّا أهل العلم فدّلوا الناس علىٰ ما جاءت به الرسل ، وأمّا أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم علىٰ ما جاءت به الرسل » (54).
وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله تعالىٰ ولم يكن بينه وبين النبيين إلّا درجة النبوّة » (55).
وفي القرآن الكريم آيات عدّة تشير إلىٰ دور العلم وأهميّته في حقل الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله ، ومن الآيات الصريحة جدّاً بهذا المجال قوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (56) ومن هنا نجد وصايا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الكثيرة في طلب العلم ، وكذلك وصايا أهل البيت عليهم السلام نكتفي بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام : « تعلم العلم فإنَّ تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة وهو عند الله لأهله قربة ... يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمّة ... » (57).
ثانياً : العمل الصالح : وهو العنصر الثاني الذي يقترن بالإيمان ويسهم في إيصال المؤمن إلىٰ أعلىٰ الدرجات ، قال تعالىٰ : ( وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ) (58).
وإذا كان الإيمان يمنح الشخصيّة الإيمانيّة الرؤية الصحيحة وسلامة التصوّر ونقاء الاعتقاد فإنَّ العمل الذي هو شعار المؤمن يفجّر طاقتها الابداعيّة ، فتنطلق في آفاق أرحب وتحيىٰ حياة طيّبة ، يقول عزَّ من قائل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (59). فالإسلام لا يريد من المؤمن أن ينعزل عن الحياة ويكتفي بالإيمان المجرَّد الذي يقصره البعض وفق نظره القاصر علىٰ الاعتقاد القلبي أو التلفظ اللساني ، وإنّما يُريد المؤمن أن يترجم إيمانه إلىٰ عمل صالح يحقّق النقلة الحضاريّة التي تتطلع إليها الاُمّة الإسلاميّة كأُمّة رائدة.
ومن يتدبّر في قوله تعالىٰ : ( .. وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (60) ، يلاحظ أنّه استعمل لفظة « كيف » ولم يقل « كم » تعملون ، لأنّ الأهمّ هو نوعيّة العمل وأبعاده الحضاريّة وليس كميته. فمبيت الإمام علي عليه السلام ـ علىٰ سبيل المثال ـ ليلة واحدة في فراش الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنقذت الرسول والرسالة ، وضربته يوم الخندق كانت تعادل عبادة الثقلين !.
فالإنسان يرتفع بنوعيّة العمل الذي ينجزه علىٰ صعيد الواقع ، ومن هنا ركّزت مدرسة أهل البيت عليهم السلام علىٰ « الثنائي الحضاري » المتمثّل بالإيمان المقترن بالعمل ، وفي هذا الصدد قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل .. يحبُّ الصالحين ولا يعملُ عملهم .. » (61).
ومن المعروف أنّ بعض الناس يتّكلون علىٰ أحسابهم الرّفيعة في كسب المكانة الاجتماعيّة ، ولكن الإمام علياً عليه السلام ركّز علىٰ مقياس العمل وأعطاه الأولويّة في تكامل الإنسان ورفعته ، فقال عليه السلام : « من أبطأ به عمله ، لم يسرع به حسبه » (62).
وكان أئمّة أهل البيت عليهم السلام علىٰ الرغم من شرف حسبهم ، وسمو مقامهم الاجتماعي ، يجهدون أنفسهم في العمل ، فعلىٰ سبيل الاستشهاد أنّ الإمام عليّاً عليه السلام قد أعتق من كدّ يده جماعة لا يحصون كثرة ، ووقف أراضي كثيرة وعيناً استخرجها وأحياها بعد موتها (63). وسلك ذات المسلك ولده من بعده ، كانوا يعملون لخدمة الناس فينقلون علىٰ ظهورهم الجراب وفيها الدقيق والأطعمة إلىٰ المحتاجين والفقراء. وكانوا يعملون بأيديهم الكريمة في الشمس المحرقة حبّاً للعمل واحتساباً لله ، حتّىٰ عرّضوا أنفسهم في بعض الاحيان لسهام النقد المسمومة وقوارص الكلام ، ومن الشواهد ذات الدلالة ما ورد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنَّ محمّد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرىٰ أنّ مثل علي بن الحسين عليه السلام يدع خلفاً لفضل علي بن الحسين عليهما السلام حتّىٰ رأيت ابنه محمّد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه بأيّ شيء وعظك ؟ قال : خرجتُ إلىٰ بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيتُ محمّد بن علي عليهما السلام وكان رجلاً بديناً وهو متّكئ علىٰ غلامين له أسودين أو موليين له ، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علىٰ هذه الحال في طلب الدّنيا لأعظه فدنوت منه فسلّمت عليه فسلّم عليَّ بنهر وقد تصبب عرقاً فقلتُ أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علىٰ هذا الحال في طلب الدنيا لو جائك الموت وأنت علىٰ هذه الحال قال : فخلىٰ عن الغلامين من يده ثمّ تساند وقال لو جائني والله الموت ، وأنا في هذه الحال جائني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس وإنّما كنت أخاف الموت لو جائني وأنا علىٰ معصية من معاصي الله فقلت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني » (64).
ثالثاً : الإيثار : وهو خصلة كريمة ترفع الإنسان إلىٰ أعلىٰ مراتب الإيمان ، فحينما يرتفع الإنسان فوق « الأنا » ويضع مصلحة الآخرين فوق مصلحته الخاصّة ، فلا شكّ أنّه قد قطع شوطاً إيمانيّاً يستحقّ بموجبه الدَّرجات الرَّفيعة. وقد مدح تعالىٰ أولئك الذين يخرجون من دائرة « الأنا » الضيقة علىٰ الرغم من ضيق ذات اليد إلىٰ دائرة أسمىٰ هي دائرة الإنسانيّة ، فقال عزَّ من قائل : ( .. وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .. ) (65).
وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أشد الخلق حرصاً علىٰ تلك الفضيلة السامية ، حتّىٰ ورد في الخبر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ما شبع ثلاثة أيّام متوالية حتّىٰ فارق الدنيا ، ولو شاء لشبع ولكنّه كان يؤثر علىٰ نفسه (66).
وبلغ وصيّه الإمام علي عليه السلام القمّة في الإيثار ، وقد ثمنت السماء الموقف التضحوي الفريد الذي قام به عندما بات علىٰ فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « .. فأوحىٰ الله إلىٰ جبرئيل وميكائيل إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة. فأوحىٰ الله عزَّ وجلَّ إليهما أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد فبات علىٰ فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة فأنزل الله تعالىٰ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (67).
فالإيثار ـ إذن ـ يرفع الإنسان إلىٰ أعلىٰ الدرجات الإيمانيّة كما رفع الإمام عليّاً عليه السلام بحيث أنّ ربِّ العزّة يفاخر به ملائكته المقرّبين.
ومن الإيثار ما يكون معنويّاً كإيثار الصدق علىٰ الكذب مع توقّع الضرر ، وذلك من أجلىٰ علائم الإيمان ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان أن تؤثر الصدق حيثُ يضرّك علىٰ الكذب حيثُ ينفعك » (68).
رابعاً : الخُلق الحسن : وهو عنوان صحيفة المؤمن (69) ، وأنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنّه لضعيف العبادة كما يقول الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم (70).
وقد ورد عن الإمام أبي جعفر عليه السلام : « إنَّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً » (71). وقال أمير المؤمنين عليه السلام موصياً : « روضوا أنفسكم علىٰ الأخلاق الحسنة فإنَّ العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم » (72).
إذن فالخلق الحسن أحد مقاييس الإيمان ، يصل من خلاله المؤمن إلىٰ مقامات عالية ويحصل به علىٰ أوسمة معنويّة رفيعة ، فمن حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام : « .. عليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة ، وإيّاكم والأخلاق الدّنية فإنّها تضع الشريف ، وتهدم المجد » (73).
المبحث الرابع : أنواع الإيمان :
يمكن تقسيم الإيمان بالنظر إلىٰ رسوخه وثباته أو عدمه إلىٰ ثلاثة أقسام هي : ـ
أولاً : الإيمان الفطري : كإيمان الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، الذين لا تخالجهم الشكوك ، ولا يكونون نهبا للوساوس ، لأنّ الله تعالىٰ فطرهم علىٰ الإيمان به واليقين بما أخبرهم عنه من مكنون غيبه.
يقول الإمام الصادق عليه السلام : « إنَّ الله جبل النبيين علىٰ نبوّتهم ، فلا يرتدون أبداً ، وجبل الأوصياء علىٰ وصاياهم فلا يرتدون أبداً ، وجبل بعض المؤمنين علىٰ الإيمان فلا يرتدون أبداً ، ومنهم من أعير الإيمان عارية ، فإذا هو دعا وألحَّ في الدعاء مات علىٰ الإيمان » (74).
ثانياً : الإيمان المستودع : وهو الإيمان الصوري غير المستقرّ الذي سرعان ما تزعزعه عواصف الشبهات ووساوس الشيطان ويُعبر عنه ـ أيضاً ـ بالإيمان المعار كأنّما يستعير صاحبه الإيمان ثمّ يلبسه ولكن سرعان ما ينزعه ويتخلىٰ عنه ، ويذهب بعيدا مع أهوائه ومصالحه. عن الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السلام قال : « أكثر من أن تقول : اللّهمَّ لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني من التقصير .. » (75). وكان الأئمّة عليهم السلام يطلبون من شيعتهم الاكثار من هذا الدعاء وذلك أنّ بعض كبار الأصحاب قد تعرضت رؤيته للاضطراب بفعل عواصف الشبهات ودواعي الشهوات ، عن جعفر بن مروان قال : إنَّ الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال : لا أغمده حتّىٰ أُبايع لعليّ ، ثمَّ اخترط سيفه فضارب عليّاً فكان ممّن أُعير الإيمان ، فمشي في ضوء نوره ثمَّ سلبه الله إيّاه (76).
وفي قوله تعالىٰ : ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ .. ) (77) إشارة إلىٰ هذين القسمين من الإيمان : الثابت والمتزلزل. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « فمن الإيمان ما يكون ثابتاً مستقرّاً في القلوب ، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلىٰ أجل معلوم .. » (78).
ثالثاً : الإيمان الكسبي : وهو الإيمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتّىٰ تكامل وسمّىٰ إلىٰ مستوىٰ رفيع ، وله درجات ومراتب (79).
ويمكن تنمية هذا النوع من الإيمان وترصينه حتّىٰ يصل إلىٰ مرتبة الإيمان المستقرّ ، ولذلك ورد في نصائح أمير المؤمنين عليه السلام لكميل قوله : « يا كميل إنّه مستقرّ ومستودع ، فاحذر أن تكون من المستودعين ، وإنّما يستحقُّ أن تكون مستقراً إذا لزمت الجادَّة الواضحة التي لا تُخرجك إلىٰ عوجٍ ولا تزيلُك عن منهج » (80).
وتجدر الإشارة إلىٰ أنّ للإيمان أربعة أركان يستقرّ عليها ، فمن اتّصف بها كان إيمانه مستقرّاً ، وحول هذه المسألة قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان له أركان أربعة : التوكّل علىٰ الله ، وتفويض الأمر إلىٰ الله ، والرّضا بقضاء الله ، والتسليم لأمر الله عزَّ وجلّ » (81).
كما أنّ للإيمان أربع دعائم معنويّة يرتكز عليها ، يقول الإمام علي عليه السلام : « إنَّ الإيمان علىٰ أربع دعائم علىٰ الصبر واليقين والعدل والجهاد » (82).
وفوق ذلك للإيمان عرىٰ وثيقة تأمن من تمسّك بها من السقوط في مهاوي الضلال منها : التقوىٰ والحبّ في الله والبغض في الله ، وتولي أولياء الله ، والتبرّي من أعدائه ، ومن الأدلّة النقليّة علىٰ ذلك ، قول الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أوثق عرىٰ الإيمان : الولاية في الله ، والحبّ في الله ، والبغض في الله » (83).
وقد وجه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لأصحابه ـ يوماً ـ سؤالاً استفهاميّاً : « أيّ عرىٰ الإيمان أوثق ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، وقال : بعضهم الصلاة ، وقال بعضهم الزكاة .. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لكلِّ ما قلتم فضل وليس به ، ولكن أوثق عرىٰ الإيمان : الحبُّ في الله ، والبغض في الله ، وتولّي أولياء الله ، والتبرّي من أعداء الله » (84).
وأهل بيت العصمة عليهم السلام من العرىٰ الوثيقة التي تعصم من تمسّك بها عن السقوط في مهاوي الضلال ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام كثيراً ما كان يردد هذه الكلمات : « .. أنا حبل الله المتين ، وأنا عروة الله الوثقىٰ ، وكلمته التقوىٰ .. » (85).
لم يكن ذلك منه للتفاخر بل لإلفات النظر إلىٰ أنّ أهل البيت عليهم السلام هم العروة الوثقىٰ التي لا انفصام لها ، عن عبدالله بن عبّاس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من أحبَّ أن يتمسّك بالعروة الوثقىٰ التي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية أخي وحبيبي علي بن أبي طالب فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولّاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه » (86).
المبحث الخامس : علامات المؤمن :
العلامات الأساسيّة التي يتميّز بها المؤمن عن غيره أربعة ، وهي :
أوّلاً : علائم عباديّة :
العبادة هي التجسيد الحقيقي للإيمان وتحتلّ مركز الصدارة في الكشف عن حقيقة إيمان الإنسان ، فمن آمن بالله تعالىٰ حقّاً عليه أن يتقرب إليه بطقوس عباديّة تكشف عن عبوديّته ، وتعبر عن شكره وحمده لخالقه ، وخير كاشف عن مصداقيّة الإيمان هو أداء الإنسان لما افترضه الله عليه من صلاة وصيام وحجّ البيت الحرام وما إلىٰ ذلك من فرائض عبادية. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « .. لا عبادة كأداء الفرائض » (87) ، وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : « نزل جبرئيل علىٰ النبي صلّى الله عليه وآله فقال : يا محمّد .. ما تقرب إليَّ عبدي المؤمن بمثل أداء الفرائض ، وإنّه ليتنفل لي حتّىٰ أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها .. » (88).
وهناك علاقة طردية بين الإيمان والعبادة ، كلّما ازداد إيمان العبد كلّما أقبل علىٰ العبادة أكثر فأكثر ، وظهرت عليه علائم التفاعل معها والانفعال بها. كما هو حال أهل البيت عليهم السلام الذين ضربوا بعبادتهم أروع الأمثلة ، فكانوا عليهم السلام إذا حضرت الصلاة تقشعر جلودهم وتصفر ألوانهم ويرتعدون من خوف الله ، فعلى سبيل الاستشهاد لا الحصر ، ورد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « كان أبي عليه السلام يقول : « كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرّك منه شيء إلّا ما حرّكه الريح منه » » (89).
إنَّ العبادة الصادقة تصنع الأعاجيب وتمنح المؤمن الكرامة وتزوده بالبصيرة الصافية ، قد تجعله يسبر أغوار نفس غيره فيطلع علىٰ ما يدور فيها ، تمعّن في الحكاية التالية التي تكشف عن بعض كرامات الإمام موسىٰ الكاظم عليه السلام كما روتها مصادر العامّة : « عن شقيق البلخي قال : خرجت حاجاً في سنة تسع وأربعين ومئة ، فنزلت القادسيّة ، فبينما أنا أنظر إلىٰ الناس وزينتهم وكثرتهم ، نظرت فتىٰ حسن الوجه فوق ثيابه ثوب صوف مشتملاً بشملة وفي رجليه نعلان ، وقد جلس منفرداً ، فقلت في نفسي : هذا الفتىٰ من الصوفية يريد أن يكون كلاً علىٰ الناس في طريقهم ، والله لأمضينَّ إليه ولأوبخنّه ، فدنوت منه ، فلمّا رآني مقبلاً قال : « يا شقيق ( اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (90) » وتركني ومضىٰ ، فقلتُ في نفسي : إنَّ هذا لأمر عظيم قد تكلّم علىٰ ما في نفسي ونطق باسمي ، ما هذا إلّا عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحللني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه ، وغاب عن عيني ، فلمّا نزلنا واقصة إذا به يصلّي وأعضاءه تضطرب ، ودموعه تجري فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله ، فصبرت حتّىٰ جلس وأقبلت نحوه ، فلمّا رآني مقبلاً قال : « يا شقيق اقرأ ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (91) » ثمّ تركني ومضىٰ ، فقلتُ : إنَّ هذا الفتىٰ لمن الأبدال ، قد تكلّم علىٰ سري مرّتين ، فلمّا نزلنا إلىٰ منىٰ إذا بالفتىٰ قائم علىٰ البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ، فسقطت الركوة من يده إلىٰ البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :
« أنت ربي إذا ظمئت من الماء |
وقوتي إذا أردت الطعاما |
اللهمَّ أنت تعلم يا إلهي وسيّدي ما لي سواها ، فلا تعدمني إيّاها » ، قال شقيق .. : فو الله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤه ، فمدّ يده وأخذ الركوة وملأها ماء وتوضّأ وصلّىٰ أربع ركعات ثمّ مال إلىٰ كثيب من رمل ، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحرّكه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلمت عليه ، فردَّ عليَّ السلام ، فقلت أطعمني من فضل الله ما أنعم الله تعالىٰ به عليك فقال : « يا شقيق لم تزل نعمة الله تعالىٰ علينا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنّك بربّك » ثمّ ناولني الركوة فشربت منها ، فإذا سويق وسكر ، فوالله ما شربت قطّ ألذَّ منه ولا أطيب منه ريحاً ، فشبعت ورويت وأقمت أياماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً ، ثمّ لم أره حتّىٰ دخلنا مكّة فرأيته ليلة في جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتّىٰ ذهب الليل ، فلمّا رأىٰ الفجر جلس في مصلّاه يسبح ثمّ قام فصلّىٰ ، فلمّا سلم من صلاة الصبح طاف بالبيت أسبوعاً وخرج فتبعته ، فإذا له حاشية وأموال ، وهو علىٰ خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته بالقرب منه ؟ من هذا الفتىٰ ؟ فقال : هذا موسىٰ بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين .. رضوان الله عليهم أجمعين ، فقلتُ : قد عجبت أن تكون هذه العجائب والشواهد إلّا لمثل هذا السيّد » (92).
يبقىٰ أن نشير إلىٰ أنّ العبادة لا ينحصر مصداقها في الصلاة والصيام وما إلىٰ ذلك من الفرائض العباديّة ، بل توجد لها مصاديق أعلىٰ ، تكشف لنا عن علائم المؤمن كالفكر والذكر ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ : « التفكّر في آلاء الله نعم العبادة » (93) ، وعنه أيضاً أنّ : « التفكّر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين » (94).
فالإنسان إذا كان شغله الشاغل التفكّر في خلق الله وآلائه فمن الطبيعي والحال هذه أن يترجم هذا الفكر إلىٰ ذكر يفيض بمعاني الحمد والعرفان ، وهذا من أجلىٰ مظاهر الإيمان.
يقول علماء النفس : قل لنا فيم تفكّر نقل لك من أنت.
ففكر الإنسان الذي يتجسّد في أقواله وينعكس علىٰ أعماله يكشف عن شخصيّته ومتبنياته العقيديّة.
والإسلام يعتبر التفكّر في أمر الله مؤشّراً عظيما علىٰ الإيمان ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « ليست العبادة كثرة الصلاة والصوم إنّما العبادة التفكر في أمر الله عزَّ وجلَّ » (95).
وقد : « سئلت أمّ أبي ذرّ عن عبادة أبي ذر فقالت : كان نهاره أجمع يتفكّر في ناحية عن الناس » (96).
ثانياً : علائم نفسيّة :
يتميّز المؤمن عن غيره بعدة علائم نفسيّة ، يمكن الإشارة إلىٰ أبرزها بالنقاط التالية :
١ ـ الصلابة والثبات : فالمؤمن يكون ثابتاً كالطود الشامخ لم تزعزعه الحوادث ويستسهل كلّ صعب بقلب مطمئن بقضاء الله وقدره ، ويتمسّك بعروة الصبر في مواطن الخطر ، وقور لا يخرج عن طوره ، شاكراً لربّه قانعاً برزقه ، يؤثّر راحة الآخرين علىٰ راحته كالشجرة العظيمة في الصحراء المحرقة تُظلل الناس بوارف ظلّها ، وهي تصطلي حرَّ الهاجرة وأوارها. روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقورٌ عند الهزائز ، صبور عند البلاء ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ، ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب ، والناس منه في راحة » (97).
ولا بدَّ من إلفات النظر إلىٰ أنّ المؤمن وعلىٰ الرغم من صلابته الإيمانيّة فهو يتّصف بالمرونة مثل العشب الناعم ينحني أمام النسيم ولكن لا ينكسر للعاصفة ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « المؤمن له قوّة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين » (98).
٢ ـ إلتزام الحق عند الرّضا والغضب : المؤمن لا يندفع بغريزته إلىٰ آفاق تبعده عن ساحة الحق ، كما أنّه يقاوم بلا هوادة نزعة الغضب الكامنة في نفسه حتّىٰ لا تجره إلىٰ مهاوي الباطل ، وفي حالة امتلاكه القوّة أو القدرة يتجنب الظلم والعدوان كأمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرىٰ أن سلب جُلب شعيرة من نملة ظلم وعصيان لله وابتعاد عن الحقّ ، وفي ذلك يقول : « والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علىٰ أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعيرة ما فعلته .. » (99).
وعليه فالمؤمن من يبلغ مرحلة من السموّ الروحي والتهذيب الوجداني بحيث لا يخرج عن جادة الحقّ المستقيمة ، وفي هذا الأطار ورد عن أبي حمزة قال : سمعت فاطمة بنت الحسين عليه السلام تقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ثلاث من كنَّ فيه استكمل خصال الإيمان ، الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحقِّ ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له » (100).
أنّ القوّة الحقيقيّة هي القوّة النفسيّة التي يصنعها الإيمان ويرسخها اليقين ، تلك القوّة التي يتميّز بها المؤمن والتي يتمكّن من خلالها من كبح عواطفه المتأججة عند نشوة الحبّ وسورة الغضب وسكرة القوّة التي تغري صاحبها بالجموح والغطرسة ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن أبيه عن جدّه عليه السلام قال : « مرَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بقوم يرفعون حجراً ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : نعرف بذلك أشدّنا وأقوانا ، فقال : ألا أخبركم بأشدّكم وأقواكم ؟ قالوا : بلىٰ يا رسول الله ، قال : أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحقّ » (101).
٣ ـ البشر وانشراح الصدر : من العلائم الاُخرىٰ للمؤمن أنّ البشر يطفح علىٰ وجهه أمّا حزنه فيدفنه في أعماق قلبه كما إنّه يمتاز بسعة الصدر وإنشراحه ، قال أمير المؤمنين عليه السلام محدّداً أبرز علامات المؤمن : « المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، أوسع شيء صدراً ، وأذلّ شيء نفساً ، يكره الرفعة ، ويشنأ السمعة ، طويل غمّه ، بعيدٌ همّهُ ، كثيرٌ صمته ، مشغول وقتُه. شكورٌ صبور ، مغمور بفكرته ، ضنين بخلَّته ، سهلُ الخليقة ، ليِّن العريكة ! نفسه أصلب من الصلد وهو أذل من العبد » (102). وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : « ما من مؤمن إلّا وفيه دُعابة ، قلتُ : ما الدعابة ؟ قال : المزاح » (103). فالمؤمن تتألّق ملامحه بالبشر والنور وتفيض عيناه بالوداعة واللطف فيعبر عمّا يجيش في نفسه من أحاسيس خيرة تجاه الناس عن طريق المزاح محاولاً إدخال السرور علىٰ قلوبهم ، علىٰ العكس من المنافق الذي يغلي قلبه غيضاً وحقداً كالمرجل علىٰ المؤمنين ، فينعكس ما في داخله علىٰ صفحات وجهه فتجده مقطب الجبين تنتابه نوبات من الهستريا والغضب.
وقد ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « المؤمن دعبٌ لعبٌ ، والمنافق قطب غضب » (104).
والملاحظ أنّه في الوقت الذي يُعتبر « المزاح » أحد علائم المؤمن النفسيّة ، نجد أنّ الإسلام يحثّ علىٰ عدم الاسراف فيه بحيث يصل إلىٰ حدّ السخف والسفاهة أو تجافي الحقّ. وقد كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يمازح أصحابه وأهل بيته عليهم السلام ويحبّ إدخال السرور علىٰ الجميع ، ولكن لا يقول إلّا حقّاً ، ولا يخرج عن طوره ، ولا يخلّ بوقاره وهيبته.
عن الإمام الصادق عليه السلام : « أنَّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : كثرة المزاح يذهب بماء الوجه ، وكثرة الضحك يمحو الإيمان .. » (105).
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : « كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه ، فقال : قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه يعني علي بن الحسين عليهما السلام قال : فمرَّ علي عليه السلام وخلفه موليان له فجاء الرجل حتّىٰ انتزع ردائه من رقبته ثمّ مضىٰ لم يلتفت إليه علي عليه السلام فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاؤوا به فطرحوه عليه ، فقال لهم من هذا ، فقالوا له هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة ، فقال عليه السلام : قولوا له إنَّ لله يوماً يخسر فيه المبطلون » (106).
٤ ـ قوّة الإرادة : وهي من علامات المؤمن الرئيسيّة التي يتمكّن من خلالها من كبح شهواته والسيطرة علىٰ غرائزه ، فالإنسان بلا إرادة كالسفينة بلا بوصلة سرعان ما تنحرف عن المسير فالإرادة هي الخيط المتين الذي يكبح جموح النفس ويمكّنها من السيطرة علىٰ رغباتها. فمن يفتقد الإرادة ـ إذن ـ يكون حاله كقارب تمزقت حبال مرساته في بحر هائج مائج !
وهنا يبدو من الضروري بمكان الإشارة الاجماليّة إلىٰ علائم نفسيّة أُخرىٰ تميز المؤمن عن غيره قد تنكشف لنا من خلال نظرته الواعية لمن حوله وما حوله ، كما قد تظهر أيضاً في طبيعة صمته وذكره أو سرعة رضاه وعفوه عمّن أساء إليه ، كما قد ننتهي إليها من نيّته وما يضمره من الخير للغير ، ويجمع هذه الاُمور ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : « إنَّ المؤمن إذا نظر اعتبر ، وإذا سكت تذكّر ، وإذا تكلّم ذكر ، وإذا استغنىٰ شكر. وإذا أصابته شدّة صبر ، فهو ربيب الرضىٰ بعيد السخط ، يرضيه عن الله اليسير ، ولا يسخطه الكثير ولا يبلغ بنّيته إرادته في الخير ، ينوي كثيراً في الخير ويعمل بطائفةٍ منه ويتلهف علىٰ ما فاته من الخير كيف لم يعمل به » (107).
٥ ـ الاستغلال الأمثل للزمن : للزمن ـ كما هو معروف ـ قيمة حضاريّة كبرىٰ ، لذلك نجد المؤمن حريصاً علىٰ الزمن الذي هو رأس مال حضاري كبير ، فيقسّم أوقاته بين العبادة الحقّة والعمل المثمر واللذَّة المباحة ، لذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : « للمؤمن ثلاثُ ساعات : فساعة يُناجي فيها ربَّهُ ، وساعة يَرُمُّ معاشه ، وساعة يُخلِّي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلُ ويجمُلُ. وليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلّا في ثلاث : مرَمَّةٍ لمعاش ، أو خطوةٍ في معادٍ ، أو لذَّةٍ في غير مُحرَّمٍ » (108).
إذن فأحد علامات المؤمن الحضاريّة هي الحرص علىٰ الزمن والاستغلال الأمثل له.
ثالثاً : علائم أخلاقيّة :
لا يخفىٰ أنّ هناك علاقة وطيدة بين الإيمان والأخلاق ، كلّما سمّا المؤمن في إيمانه كلّما حسنت أخلاقه وعليه فالمؤمن المتسلح بإيمان عميق نجد أنّه يتّصف بخلق رفيع. والأخلاق ـ بدورها ـ هي السور الواقي الذي يصون المؤمن من التردي في مهاوي الضلال والرَّذيلة. وممّا يكشف لنا عن عمق نظرة الإمام الصادق عليه السلام أنّه يحثّ أصحابه علىٰ عدم الانخداع بالمظاهر العباديّة للرجل التي قد لا تكلّفه شيئاً وقد تنجم عن الألفة والعادة ، ولكن يجب النظر إلىٰ مظاهره الأخلاقيّة : كالصدق ، والأمانة ، فمن خلال إلتزامه الدائم بها يظهر إيمانه علىٰ حقيقته ، يقول عليه السلام :
« لا تنظروا إلىٰ طول ركوع الرجل وسجوده فإنَّ ذلك شيء قد اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلىٰ صدق حديثه وأداء أمانته » (109).
وقال عليه السلام أيضاً : « المؤمن لا يُخلق علىٰ الكذب ولا علىٰ الخيانة » (109).
ويذهب أهل البيت عليهم السلام في تعاليمهم الأخلاقيّة إلىٰ أقصىٰ حدّ ، فعن أبي حمزة الثمالي قال : « سمعتُ سيّد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام يقول لشيعته : « عليكم بأداء الأمانة ، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ائتمنني علىٰ السيف الذي قتله به لأديته إليه » (110).
ونسج حفيده الإمام الصادق عليه السلام علىٰ هذا المنوال ، فقال لأصحابه : « اتّقوا الله وعليكم بأداء الأمانة إلىٰ من ائتمنكم فلو أنّ قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ائتمنني علىٰ أمانة لأدّيتها إليه » (111).
وهناك خصلة أخلاقيّة تميز المؤمن عن غيره هي خصلة الحياء ، والواقع أنّ الحياء والايمان صفتان متلازمتان يؤدّي زوال أحديهما إلىٰ زوال الاُخرىٰ ، وهذا هو ما عبر عنه الإمام الباقر عليه السلام بقوله : « الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه » (112).
وهناك خصال أخلاقيّة أُخرى كالفهم والرأفة. تشكّل مع الحياء أبرز علائم المؤمن ، قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ... وأمّا علامة المؤمن فإنَّه يرأف ويفهم ويستحي » (113).
أضف إلىٰ ذلك ليس من أخلاق المؤمن أن يحسد الناس علىٰ ما آتاهم الله من فضله ، عن أبي عبدالله عليه السلام : « إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط » (114). لأنَّ المؤمن يعلم جيّداً أنّ الرزق بيد الله تعالىٰ يقسمه وفق علمه وحكمته وما صرف عنه قد يكون رحمةً به لانقمة عليه.
كما أنّ من أبرز علائم المؤمنين أنّهم لا يسيئون إلىٰ الآخرين حتّىٰ يعتذروا منهم ، علىٰ عكس المنافقين الذين ديدنهم الإساءة ثمّ الاعتذار قال الإمام الحسين عليه السلام : « إيّاك وما تعتذر منه ، فإنَّ المؤمن لا يسيء ولا يعتذر ، والمنافق كلَّ يوم يُسيء ويعتذر » (115).
رابعاً : علائم اجتماعيّة :
من الاُمور الهامّة التي تكشف عن مدىٰ إيمان الفرد شعوره نحو أبناء جنسه وعلاقته معهم. فالمؤمن الواقعي لا يدفن رأسه في رمال اللامبالاة بل يتحسّس معاناة الناس ويمدّ يد العون لهم ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « المؤمن حسن المعونة خفيف المؤونة .. » (116).
وكان أئمّة أهل البيت عليهم السلام نموذجاً فريداً للإيمان الكامل يقدّمون العون للفقراء والمعوزين ـ كما أشرنا سابقاً ـ ويحرصون علىٰ عدم الكشف عن شخصيّاتهم ، توخياً للثواب الجزيل علىٰ صدقة السرّ ، وبُعداً عن الرياء فكانوا في إعانة الملهوف كالبنفسج المختبئ بين لفائف الأدغال ينشق الناس طيبه ويحمدون عرفه وإن لم يعرفوا مكانه. وفي الخصال بسنده عن الباقر عليه السلام : « كان علي بن الحسين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علىٰ ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم ، وربّما حمل علىٰ ظهره الطعام أو الحطب حتّىٰ يأتي باباً باباً فيقرعه ثمّ يناول من يخرج إليه ، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلّا يعرفه فلمّا توفّىٰ فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان علي بن الحسين ، ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضىٰ وتركه » (117).
من جانب آخر أنّ المؤمن ألف مألوف ، يتحبّب إلىٰ الناس ، ويسعىٰ لكسب رضاهم ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » (118). فالمؤمن لا يعيش منعزلاً خلف الأسوار العالية والأبراج العاجية ، بل يتفاعل مع الناس ويحرص علىٰ مداراتهم والترَّفق بهم ، وقد اعتبر الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ : « مداراة الناس نصف الإيمان ، والرفق بهم نصف العيش » (119).
وهناك قرينة اجتماعيّة قويّة تفرز لنا الإيمان الحقيقي من المزيف وهي علاقة المؤمن بجيرانه ، فمن أحسن إليهم كشف لسان حاله عن عمق إيمانه. وقد صاغ الإمام الصادق عليه السلام قاعدة تلازميّة لا تقبل الخطأ بين الإيمان والإحسان إلىٰ الجيران ، عن أبي حمزة قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : « المؤمن من أمِن جاره بوائقه ، قلتُ : ما بوائقه ؟ قال : ظلمه وغشمه » (120). وفي كتب السيرة : « أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أتاه رجل من الأنصار فقال : إنّي اشتريت داراً من بني فلان ، وإنَّ أقرب جيراني منّي جواراً من لا أرجو خيره ولا آمن شرّه. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وسلمان وأبا ذر .. أن ينادوا في المسجد بأعلىٰ أصواتهم بأنّه « لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه ». فنادوا بها ثلاثاً » (121).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً : « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع .. » (122). فحسن الجوار ـ إذن ـ من أبرز العلائم الاجتماعيّة للمؤمن.
الهوامش
1. الذريعة إلىٰ مكارم الشريعة ، للراغب الاصفهاني : ١٠٠ مكتبة الكليّات الأزهريّة ـ مصر ١٣٩٣ هـ ط ١.
2. التفسير الكبير ، للفخر الرازي ١ : ٢٣ ، ٢٥ الجزء الثاني.
3. سورة محمّد ٤٧ : ٢٥ و ٣٢.
4. كما في سورة الجاثية ٤٥ : ٣٣ ( وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ).
5. تفسير الميزان ، للعلّامة الطباطبائي ١٨ : ٢٥٩ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ١٣٩٣ هـ ط ٢.
6. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٥٠٨ / حكم ٢٢٧.
7. تحف العقول : ٢٩٧.
8. تحف العقول : ٣٧٠.
9. اُصول الكافي ٢ : ٣٣ / ٣ كتاب الإيمان والكفر.
10. اُصول الكافي ٢ : ١٨ / ٢ كتاب الإيمان والكفر.
11. اُصول الكافي ٢ : ٤٠ / ٨ كتاب الإيمان والكفر.
12. معاني الأخبار : ١٨٦ باب الإيمان والإسلام.
13. كنز العمال ١ : ٩٥ / ٤٢٢.
14. سورة الحج ٢٢ : ١٧.
15. سورة يوسف ١٢ : ١٠٦.
16. مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الاصفهاني : ٢٦ المكتبة المرتضويّة. والآية من سورة الحديد ٥٧ : ١٩.
17. سورة البقرة ٢ : ٨٢.
18. سورة يوسف ١٢ : ١٧.
19. في ظلال الصحيفة السجاديّة ، للشيخ محمّد جواد مغنية : ١٨١.
20. كنز العمال ١ : ٢٥ / ١٢.
21. معاني الأخبار ، للصدوق : ١٨٧ باب معنى الإسلام والإيمان.
22. اُصول الكافي ٢ : ٦٢ / ١٢ كتاب الإيمان والكفر.
23. كنز العمال ١ : ٤٢ / ٩٩.
24. تحف العقول : ٣٦٩.
25. الخصال ، للشيخ الصدوق : ٥٣.
26. الارشاد ، للشيخ المفيد : ٢٥.
27. الارشاد ، للمفيد : ٢٧. وبوروا بمعنىٰ : اختبروا.
28. أمالي الصدوق : ٧١.
29. الكشاف ٣ : ٤٦٧. وانظر التفسير الكبير ٢٧ : ١٦٥ ـ ١٦٦. والجامع لأحكام القرآن ١٦ : ٢٣.
30. الاختصاص ، للشيخ المفيد : ٢٦٨.
31. اُصول الكافي ٢ : ٧٨ / ١٣ كتاب الإيمان والكفر.
32. معاني الأخبار : ١٨٩.
33. مكارم الأخلاق ، للطبرسي : ٤٦٥.
34. تحف العقول : ٣٧٧.
35. تحف العقول : ٣٧٧.
36. أمالي الصدوق : ٢٧٣.
37. اُصول الكافي ٢ : ١١٤ / ٧ كتاب الإيمان والكفر.
38. كنز العمال ١ : ٤٤ / ٨٨.
39. اُصول الكافي ٢ : ٧١.
40. تفسير الميزان ١٨ : ٢٥٩. والآية من سورة الفتح ٤٨ : ٤.
41. اُصول الكافي ٢ : ٤٥ / ٢ كتاب الإيمان والكفر باب آخر من درجات الإيمان.
42. تحف العقول : ٣٥٨.
43. سورة التوبة ٩ : ١٢٤ ـ ١٢٥.
44. سورة الكهف ١٨ : ١٣.
45. اُصول الكافي ٢ : ٣٣ ، ٣٧ / ١ كتاب الإيمان والكفر.
46. سورة آل عمران ٣ : ١٦٣.
47. تحف العقول : ٤٤٥.
48. الخصال ، للشيخ الصدوق : ٤٤٨ / ٧ باب العشرة.
49. سورة البقرة ٢ : ٢٦٠.
50. اُصول الكافي ٢ : ٣٩٩ / ١ كتاب الايمان والكفر.
51. سورة المجادلة ٥٨ : ١١.
52. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٤٨٨ / حكم ١١٣.
53. روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري ١ : ١١ في فضل العلم.
54. المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني ١ : ١٤.
55. كنز العمال ١٠ : ١٦٠ / ٢٨٨٣١.
56. سورة فاطر ٣٥ : ٢٨.
57. روضة الواعظين : ٩ في فضل العلم.
58. سورة طه ٢٠ : ٧٥.
59. سورة النحل ١٦ : ٩٧.
60. سورة الأعراف ٧ : ١٢٩.
61. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٤٩٧ / حكم ١٥٠.
62. نهج البلاغة ، صبحي الصالح / ٤٧٢ / حكم ٢٣.
63. الفصول المختارة : ١٠٣.
64. الارشاد ، للشيخ المفيد : ٢٦٤.
65. سورة الحشر ٥٩ : ٩.
66. تنبيه الخواطر ١ : ١٧٢.
67. تنبيه الخواطر ١ : ١٧٣ ـ ١٧٤. والآية من سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.
68. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٥٥٦ / حكم ٥٨.
69. اُنظر تحف العقول : ٢٠٠.
70. المحجة البيضاء ٥ : ٩٣ كتاب رياضة النفس.
71. اُصول الكافي ٢ : ٩٩ / ١ كتاب الإيمان والكفر.
72. تحف العقول : ١١١.
73. تحف العقول : ٢١٥.
74. اُصول الكافي ٢ : ٤١٩ / ٥ كتاب الإيمان والكفر.
75. اُصول الكافي ٢ : ٧٣ / ٤ كتاب الايمان والكفر.
76. تفسير العياشي ١ : ٣٧١.
77. سورة الأنعام ٦ : ٩٨.
78. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٢٧٩ / خطبة ١٨٩.
79. أخلاق أهل البيت عليهم السلام ، للسيّد مهدي الصدر : ١٠٠.
80. تحف العقول : ١٧٤.
81. اُصول الكافي ٢ : ٤٧ / ٢ كتاب الإيمان والكفر.
82. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ١٨ : ١٤٢.
83. كنز العمال ١٥ : ٨٩٠ / ٤٣٥٢٥.
84. الاختصاص ، للشيخ المفيد : ٣٦٥.
85. التوحيد ، للشيخ الصدوق : ١٦٥ باب معنىٰ جنب الله.
86. معاني الأخبار : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ باب معنىٰ العروة الوثقىٰ.
87. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٤٨٨ / حكم ١١٣.
88. المؤمن ، للشيخ الثقة الحسين بن سعيد الكوفي : ٣٢ / ٦١.
89. فروع الكافي ٣ : ٣٠٠.
90. سورة الحجرات ٤٩ : ١٢.
91. سورة طه ٢٠ : ٨٢.
92. روض الرياحين في حكايات الصالحين ، عفيف الدين أبي السعادات عبدالله بن أسعد اليافعي اليمني : ١٢٢ / الحكاية ٧٤ مؤسسة عماد الدين ، قبرص.
93. غرر الحكم.
94. المصدر السابق.
95. اُصول الكافي ٢ : ٥٥ / ٤ باب الإيمان والكفر.
96. تنبيه الخواطر ١ : ٢٥٠ / باب التفكر.
97. اُصول الكافي ٢ : ٤٧ / ١ كتاب الإيمان والكفر.
98. اُصول الكافي ٢ : ٢٣١ / ٤ كتاب الإيمان والكفر.
99. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٣٤٧ / خطبة ٢٢٤.
100. الاختصاص : ٢٣٣.
101. معاني الأخبار : ٣٦٦.
102. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٥٣٣ / حكم ٣٣٣.
103. معاني الأخبار : ١٦٤.
104. تحف العقول : ٤٩.
105. أمالي الصدوق : ٢٢٣ / ٤.
106. المصدر السابق : ١٨٣ / ٦.
106. تحف العقول : ٢١٢.
107. نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٥٤٥ / حكم ٣٩٠.
108. اُصول الكافي ٢ : ١٠٥ / ١٢ كتاب الإيمان والكفر.
109. تحف العقول : ٣٦٧.
110. أمالي الصدوق : ٢٠٤.
111. المصدر السابق نفسه.
112. تحف العقول : ٢٩٧.
113. المصدر السابق : ٢٠.
114. اُصول الكافي ٢ : ٣٠٧ / ٧ كتاب الإيمان والكفر.
115. تحف العقول : ٢٤٨.
116. اُصول الكافي ٢ : ٢٤١ / ٣٨ كتاب الإيمان والكفر.
117. في رحاب أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، للسيّد محسن الأمين ٣ : ١٩٤.
118. اُصول الكافي ٢ : ١٠٢ / ١٧ كتاب الإيمان والكفر.
119. المصدر السابق ٢ : ١١٧ / ٥.
120. وسائل الشيعة ٨ : ٤٨٨ كتاب الحج.
121. المصدر السابق ٨ : ٤٨٧.
122. اُصول الكافي ٢ : ٦٦٨ / ١٤ كتاب العشرة.
مقتبس من كتاب : [ الإيمان والكفر وآثارهما على الفرد والمجتمع ] / الصفحة : 11 ـ 49
التعلیقات
١