البارئ لا يشبه المخلوقات
آراء الأشعري
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 68 ـ 69
________________________________________(68)
(2)البارئ لا يشبه المخلوقات
استدلّ على تنزيهه سبحانه عن مشابهة المخلوقات بأنّه لو أشبهها لكان حكمه في الحدوث حكمها،ولو أشبهها لم يخل من أن يشبهها في جميع الجهات أو في بعضها; فلو أشبهها في جميع الجهات، كان محدثاً مثلها من جميع الجهات، وإن أشبهها في بعضها كان محدثاً من حيث أشبهها، ويستحيل أن يكون المحدث لم يزل قديماً و قد قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء) .(1)
وقال تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفواً أَحَد) (2).(3)
ويلاحظ على هذا الدليل: أنّ صلب البرهان عبارة عن كون المشابهة من جميع الجهات أو بعضها يلازم كونه محدثاً، وهذه الملازمة في مجال المشابهة في جميع الجهات أمر صحيح لا غبار عليه.
ولكن المشابهة في بعض الجهات مع التحفّظ على قدمه سبحانه لا تستلزم حدوثه.
فلو قالت المشبهة: بأنّ الله قديم ولكن له يد وجارحة مثل يد الإنسان وجوارحه، فالمشابهة من بعض الجهات مع حفظ القدم لا ينتج كونه محدثاً.
________________________________________
1. الشورى:11. 2. الأخلاص:4. 3. اللمع: 20.
________________________________________
(69)
والحاصل أنّ المشابهة من بعض الجهات ـ مع القول بكونه قديماً ـ لا يستلزم الحدوث.نعم لو اعتمد الشيخ على أنّ المشابهة للمخلوق في أيّة جهة من الجهات، لا تنفك عن الحاجة، والحاجة آية الإمكان صحّ الاستدلال، لأنّ الممكن لا يكون واجب الوجود، وما ليس بواجب فهو حادث ذاتاً أو زماناً، و الكلّ محتاج إلى علة واجبة.
وفي مورد المثال: لو كان لذاته مكان كسائر الأجسام لكان لها حيز، فتكون محتاجة إلى الحيز، الحاجة لا تجتمع مع وجوب الوجود وتتناسب مع الإمكان، والموصوف به إمّا حادث ذاتي أو حادث زماني، فالأشياء الممكنة المجردة، لها الحدوث الذاتي، والأشياء الممكنة الواقعة في إطار الزمان، لها الحدوث الزماني.
وباختصار: إنّ الاكتفاء بكون المشابهة مستلزمة للحدوث، لا يوجب كون البرهان منتجاً، وإنّما ينتج البرهان إذا كانت المشابهة منجرة إلى الحاجة المضادة لوجوب الوجود حتى ينتهي الأمر إلى إمكانه وحدوثه
التعلیقات