أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
علناء المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 281 ـ 284
________________________________________(281)
8 - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (م 255)قال القاضي نقلاً عن «المصابيح»: «إنّه نسيج وحده في العلوم، لأنّه جمع إلى علم الكلام والفصاحة، العلم بالأخبار والأشعار والفقه و تأويل الكلام وهو متقدّم في الجدّ والهزل، وله كتب في التوحيد و إثبات النبوّة ونظم القرآن و حدثه، وفي فضائل المعتزلة»(2).
أقول: كتابه الأخير هو كتاب «فضيلة المعتزلة» الّذي ردّ عليه ابن الراوندي في
________________________________________
2. فضل الاعتزال: ص 275.
________________________________________
(282)
كتاب خاصّ أسماه «فضيحة المعتزلة» ثمّ إنّ أبا الحسين الخيّاط (م 311) ألّف كتاب «الانتصار» وانتصر فيه للجاحظ وقد طبع الانتصار لأوّل مرّة في القاهرة عام 1925.ومن أحسن تصانيفه و أمتنها كتاب «الحيوان» في أربعة أجزاء، و«البيان والتبيين» في جزأين، و«البخلاء»، و «مجموع الرسائل»، وأردأها كتاب «العثمانيّة». وقد كتبت عن الجاحظ دراسات كثيرة بأقلام المستشرقين والعرب ومن أراد فليرجع إلى:
كتاب: «الجاحظ معلّم العقل والأدب» لشفيق جبري.
وكتاب: «أدب الجاحظ» لحسن السندوبي.
وكتاب: «الجاحظ» لفؤاد أفرام البستاني...و غيرها.
وإنّ أدب الرّجل و اطّلاعه الوسيع شيء لا ينكر وتشهد عليه آثاره المطبوعة. ولكنّ الكلام في ورعه وتقاه و نفسيّته و روحيّته، فلا يشكّ من سبر حياته في طيّات المعاجم والكتب أنّه لم يكن رجلاً مبدئيّاً أبداً، بل كان متقرّباً لفراعنة عصره، وكفى أنّه كان ملازماً لمحمّد بن عبدالملك المعروف بالوزير الزيّات. يقول ابن خلّكان: «كان محمّد المذكور شديد القسوة، صعب العريكة، لا يرقّ لأحد ولا يرحمه، وكان يقول: الرحمة خور في الطّبيعة. ووقع يوماً على رقعة رجل توسّل إليه بقرب الجوار منه، فقال: الجوار للحيطان والتعطّف للنسوان.
فلمّا أراد المتوكّل قتله أحضره و أحضر تنّورَ خشب فيه مسامير من حديد، أطرافها إلى داخل التنور تمنع من يكون فيه من الحركة، كان محمّد اتّخذه ليعذّب فيه من يطالبه ـوهو أوّل من عمل ذلك وعذّب فيه ابن أسباط المصري ـ وقال: أجرينا فيك حكمك في الناس.
فأجلس فيه. فمات بعد ثلاث و ذلك في سنة ثلاث و ثلاثين ومائتين، وقيل: إنّه كتب في التنّور بفحمة:
من له عهد بنوم * يرشد الصبَّ إليه
رحم الله رحيماً * دلّ عينيَّ عليه
________________________________________رحم الله رحيماً * دلّ عينيَّ عليه
(283)
ودفن ولم يعمق قبره فنبشته الكلاب و أكلته»(1).هذا حال صديق الرّجل و زميله، فاعرف حاله من حاله. فإنّ الرجل على دين جليسه.
تلوّن الرجل في حياته
تدلّ آثاره على أنّ الرجل كان متلوّناً في حياته غير جانح إلى فئة، بل كان كالريشة في مهبّ الريح يميل مع كلّ ريح، فتارة يكون عثماني الهوى و يؤلّف كتاباً في ذلك ويدعمه بكتاب آخر في إمامة المروانيّة و خلافة الشجرة الملعونة في القرآن، واُخرى علويّاً يجمع الكلم القصار لعليّ ـ عليه السلام ـ يفضّل عليّاً على غيره. قال ابن قتيبة في شأنه: «تجده يحتجّ مرّة للعثمانيّة على الرافضة، ومرّة للزيديّة على العثمانيّة و أهل السنّة، ومرّة يفضّل عليّاً ـ رضي الله عنه ـ ومرّة يؤخّره...إلى أن قال: ويعمل كتاباً يذكر فيه حجج النّصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الردّ عليهم تجوّز في الحجّة كأنّه انما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون و تشكيك الضعفة من المسلمين. وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث، يريد بذلك استمالة الأحداث و شرّاب النّبيذ.
ويستهزئ من الحديث استهزاءً لا يخفى على أهل العلم كذكره كبد الحوت و قرن الشيطان و ذكر الحجر الأسود و أنّه كان أبيض فسوّده المشركون، وقدكان يجب أن يبيّضه المسلمون حين أسلموا و يذكر الصّحيفة الّتي كان فيها المنزل في الرضاع تحت سرير عائشة فأكلتها الشاة.
وهو مع هذا من أكذب الاُمّة و أوضعهم للحديث و أنصرهم للباطل»(2).
وقال المسعودي في «مروج الذّهب» عند ذكر الدّولة العبّاسية: «وقد صنّف الجاحظ كتاباً استقصى فيه الحجاج عند نفسه، و أيّده بالبراهين وعضده بالأدلّة فيما تصوّره من عقله و ترجمه بكتاب «العثمانيّة» يحلّ فيه عند نفسه فضائل عليّ ـ عليه السلام ـ
________________________________________
1. وفيات الأعيان ج 5 ص 102، ط دار صادر. 2. تأويل مختلف الحديث: ص 59 ـ 60.
________________________________________
(284)
ومناقبه، ويحتجّ فيه لغيره طلباً لاماتة الحقّ و مضادّة لأهله والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.ثمّ لم يرض بهذا الكتاب المترجم بكتاب «العثمانيّة» حتّى أعقبه بتصنيف كتاب آخر في إمامة المروانيّة و أقوال شيعتهم، و رأيته مترجماً بكتاب إمامة أمير المؤمنين معاوية في الانتصار له من عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وشيعته الرافضة، يذكر فيه رجال المروانيّة و يؤيّد فيه إمامة بني اُميّة و غيرهم.
ثمّ صنّف كتاباً آخر ترجمه بكتاب «مسائل العثمانيّة» يذكر فيه ما فاته ذكره و نقضه عند نفسه من فضائل أمير المؤمنين عليّ ـ عليه السلام ـ ومناقبه فيما ذكرنا. وقد نقضت عليه ما ذكرنا من كتبه لكتاب العثمانيّة و غيره.
وقد نقضها جماعة من متكلّمي الشيعة كأبي عيسى الورّاق والحسن بن موسى النّخعي(1) و غيرهما من الشيعة ممّن ذكر ذلك في كتبه في الإمامة مجتمعة و متفرّقة»(2).
ومن أراد أن يقف على ضعف الرجل في مجال العفاف والورع فعليه أن يرجع إلى ما نقله عنه ابن خلّكان في «وفيات الأعيان»(3).
________________________________________
1. كذا في النسخة والصحيح: النوبختي. 2. مروج الذهب: ج 3، ص 237 ـ 238 طبع دار الأندلس. 3. وفيات الأعيان: ج 3 ص 471 ـ 473.
التعلیقات