توسل النبي بحقه و حق من سبقه من الأنبياء
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 258 ـ 260
________________________________________(258)
ب ـ توسل النبي بحقه و حق من سبقه من الأنبياء روى الطبراني بسنده عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه، أنه لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أُم علي ـ رضي اللّه عنهما ـ دخل عليها رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ فجلس عند رأسها، فقال: رحمك اللّه يا أُمي. كنت أُمي بعد أُمي، تجوعين وتشبعينني، وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفساً طيباً وتطعمينني، تريدين بذلك وجه اللّه والدار الآخرة، ثم أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً، فلما بلغ الماء الّذي فيه الكافور، سكبه رسول اللّه بيده، ثم خلع رسول اللّه قميصه فألبسها إياه، وكفّنها ببرد فوقها، ثم دعا رسول اللّه أُسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلمّا بلغوا اللحد، حفره رسول اللّه بيده، وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل رسول اللّه فاضطجع فيه وقال: «اللّه الّذي يحيي ويميت وهو حىّ لا يموت، اغفر لأُمي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجتها، ووسّع عليها مدخلها بحق نبيك
________________________________________
(259)
والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين»، وكبّر عليها أربعاً، وأدخلها اللحد هو والعباس وأبوبكر .رواه الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (260 ـ 360 هـ) .
والاستدلال به مبني على تمامية الرواية سنداً و مضموناً، وإليك البحث فيهما معاً:
1- رواه الطبراني في المعجم الأوسط، ص 356 ـ 357، وقال: لم يروه عن عاصم إلاّ سفيان الثوري، تفرّد به «روح بن صلاح» .
2- ورواه أبو نعيم من طريق الطبراني في حلية الأولياء: 3/121 .
3- رواه الحاكم في مستدركه، ج 3، ص 108، وهو لا يروي في هذا الكتاب إلاّ الصحيح على شرط الشيخين (البخاري و مسلم) .
4- رواه ابن عبد البر في الإستيعاب. لاحظ هامش الإصابة، ج 4، ص 382 .
5- نقله الذهبي في سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 118 ـ برقم 17 .
6- ورواه الحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 708 هـ في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج 9 ص 256 ـ 257 .
وقد جمع فيه زوائد مسند الإمام أحمد، وأبي يعلى الموصلي أبي بكر البزاز، ومعاجم الطبراني الثلاثة، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه روح بن صلاح وثقَّه ابن حبان والحاكم، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح .
7- رواه المتقي الهندي في كنز العمال، ج 13، ص 636، برقم 37608 .
هؤلاء الحفاظ نقلوا الحديث في جوامعهم، وصرّحوا بأنّ رجال السند رجال الصحيح، وأنه لو كان هناك ففي روح بن صلاح، وقد وثَّقهُ العلمان: ابن حبان والحاكم .
________________________________________
(260)
وقال الذهبي: روح بن صلاح المصري، يقال له ابن سيابة، ضعّفه إبن عدي، يكنّى أبا الحارث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: ثقة مأمون(1) .ولكن الكاتب الوهابي المعاصر يقول في سند الحديث: إنّ هذا الحديث غير صحيح لأنّ في سنده رجلا هو روح بن صلاح وقد ضعّفه الجمهور، وقد روى أحاديث منكرة، كما صرح بذلك ابن يونس وابن عدي(2) .
وأنت خبير بأنّه إنما ضعّفه (ابن عدي) وأين هذا من قوله: وقد ضعّفه الجمهور، أليس ابن حبان من أعلام الحديث ورجاله؟ أو ليس الحاكم هو الحافظ الكبير الّذي استدرك على صحيحي الشيخين بما تركاه؟
إنّ الإنسان إذا اتّخذ موقفاً مسبقاً في الموضوع، يحاول أن يضعف الصحيح والقوي، ويقوي ويصحح الضعيف، وعلى كل تقدير فليس لنا ترك هذا الحديث وعدم العمل به بمجرد تضعيف ابن عدي لتوثيق غيره .
وأظن ـ وظن الألمعي صواب ـ أنّ الدافع إلى تضعيف نظراء روح بن صلاح هو ولاؤه ومودته لأهل بيت النبوة، حيث نقل هذه الدرة الباهرة في حق أُم سيد الأوصياء.
هذا كله حول السند، وأمّا الدلالة فلا أظن أنّ من يملك شيئاً من الإنصاف يشك في دلالة الحديث على توسل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ بحقه وحق أنبيائه .
________________________________________
1. ميزان الاعتدال، ج 2، ص 85، رقم 2801 .
2. التوصل إلى حقيقة التوسل، ص 227 .
التعلیقات