مسح الرجلين
صباح علي البيّاتي
منذ سنتينمسح الرجلين
قال الشيخ في « مطلب مسح الرجلين » :
ومنها إيجابهم المسح علىٰ الرجلين ومنعهم غسلها والمسح علىٰ الخفين ، وقد صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي قال الله فيه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) برواية علي رضي الله عنه غسلهما والأمر به وكذا عنه برواية عثمان وابن عباس وزيد بن عاصم ومعاوية بن مرة والمقداد بن معديكرب وأنس وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن عنبسة وغيرهم ، وقد صح عنه « ويل للأعقاب من النار » ، فمجموع ما ورد عنه في غسلهما فعلاً وقولاً يفيد العلم الضروري اليقيني ، ومن أنكر ذلك فقد أنكر المتواتر ، وحال منكره معلوم أقل مراتبه أن يكون فاسقاً ، بل تكون صلاته باطلة ، فيبعث يوم القيامة بلا طهارة شرعية ... (1) .
هذه واحدة من المسائل الفقهية التي اختلف فيها المسلمون أيضاً ، فجمهور أهل السنة يدعي وجوب غسل القدمين ـ مع خلاف بينهم ـ ويستندون في ذلك إلىٰ بعض الأدلة ، بينما يقول الشيعة بوجوب المسح ـ بلا خلاف بينهم ـ وعدم جواز الغسل ، ويستندون في ذلك أيضاً إلىٰ بعض الأدلة التي تؤيد وجهة نظرهم .
أما إدعاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن الروايات قد جاءت عن أُولئك الصحابة بغسل القدمين فهو إدعاء غير صحيح ، لأن الروايات قد جاءت عن كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء بالمسح علىٰ القدمين أيضاً ، وهي مسألة خلافية في الفروع ولا ينبغي التشنيع فيها ، لأنها مسألة اجتهادية ، والاجتهاد في الفروع والخلاف بين أئمة أهل السنة أنفسهم معروف .
إن من الملاحظ أن أهل السنة مختلفون في هذا الباب رغم المحاولات التي يبذلونها لتصحيح وجهة نظرهم ـ تأييداً للمذهب ـ إلّا أن الملاحظ أنهم كثيراً ما يترددون في القطع ، فيذهب البعض منهم إلىٰ جواز المسح ، بينما يقول آخرون بوجوب أو استحباب الجمع بين الغسل والمسح ، وحيرتهم في هذا الباب تضعف حجتهم أمام الشيعة .
وسوف أتناول أقوال بعض العلماء والشراح من أهل السنة وإستدلالاتهم في تفسير آية الوضوء أولاً ومحاولتهم الجمع بين القراءتين ( النصب والخفض ) ، وكذلك محاولتهم الجمع بين الروايات المتعارضة مع ذكر بعض آرائهم والتعليق عليها ، متوخياً الاختصار جهد الامكان وبالله التوفيق :
قال ابن حجر العسقلاني : تمسك من اكتفىٰ بالمسح بقوله تعالىٰ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) عطفاً علىٰ ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) ، فذهب إلىٰ ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين ، فحكي عن ابن عباس في رواية ضعيفة ، والثابت عنه خلافه ، وعن عكرمة والشعبي وقتادة ـ وهو قول الشيعة ـ وعن الحسن البصري : الواجب الغسل أو المسح ، وعن بعض أهل الظاهر : يجب الجمع بينهما ، وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها من فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فانه بيان المراد ، وأجابوا عن الآية بأجوبة منها : أنه قريء وأرجلكم بالنصب عطفاً علىٰ أيديكم ، وقيل معطوف علىٰ محل برؤوسكم ، كقوله : ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ) بالنصب ، وقيل : المسح في الآية محمول لمشروعية المسح علىٰ الخفين ، فحملوا قراءة الجر علىٰ مسح الخفين ، وقراءة النصب علىٰ غسل الرجلين ، وقرر ذلك أبو بكر بن العربي تقريراً حسناً فقال ما ملخصه : بين القراءتين تعارض ظاهر ، والحكم فيما ظاهره التعارض أنه إن أمكن العمل بها وجب ، وإلّا عُمل بالقدر الممكن ، ولا يتأتىٰ الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد ، في حالة واحدة لأنه يؤدي إلىٰ تكرار المسح ، لأن الغسل يتضمن المسح والأمر المطلق لا يقتضي التكرار ، فبقي أن يعمل بها في حالين توفيقاً بين القراءتين وعملاً بالقدر الممكن ، وقيل إنما عطفت علىٰ الرؤوس الممسوحة لأنها مظنة لكثرة صب الماء عليها ، فلمنع الاسراف عطفت ، وليس المراد أنها تمسح حقيقةً ، ويدل علىٰ ذلك المراد قوله : ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ، لأن المسح رخصة فلا يقيد بالغاية ، ولأن المسح يطلق علىٰ الغسل الخفيف ... (2) .
نلاحظ أن ابن حجر يعترف بأن القول بالمسح هو مذهب عدد كبير من الصحابة والتابعين ، لكن إدعاؤه أن المشهور عن ابن عباس خلاف المسح فهو خلاف للواقع ، لأن المشهور عن ابن عباس هو القول بالمسح ، كما أننا نلاحظ أن ابن حجر يتهرب من الاستدلال بالآية إلىٰ الركون إلىٰ الروايات التي تؤيد وجهة نظره ، مع أن القرآن الكريم هو الأصل ، والسنة لا ينبغي أن تعارضه ، وادعاء أن الآية تعني المسح علىٰ الخفين لا دليل عليه .
أما إدعاء ابن العربي ـ فيما ينقل عنه ابن حجر ـ أن المسح رخصة ، فلا حجة له في ذلك .
ونقل القرطبي عن النحاس قوله : ومن أحسن ما قيل فيه أن المسح والغسل واجبان جميعاً ، فالمسح واجب علىٰ قراءة من قرأ بالخفض ، والغسل واجب علىٰ قراءة من قرأ بالنصب ، والقراءتان بمنزلة آيتين ... (3) .
إن هذا يفترض وجود فقهين في الباب أحدهما يوجب الغسل والآخر يوجب المسح تبعاً للقراءة التي يتبناها قارئ القرآن ، وهذا أمر غير صحيح ، وإن صح فالشيعة محقون بتمسكهم بالمسح ، لأن قراءة الخفض تبيح لهم ذلك .
وقال الطبري : اختلفت قراءة القراء في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ، فنصبها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلىٰ أن الفرض فيهما الغسل وإنكاراً منه المسح عليهما ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله بعموم مسحهما بالماء ، وخفضها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلىٰ أن الفرض فيهما المسح ... وكانت القراءتان كلتاهما حسناً وصواباً ، فأَعجب القراءتين إِليَّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضاً لما وصفت من جمع المسح المعنيين الذين وصفت ، ولأنه بعد قوله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) فالعطف به علىٰ الرؤوس مع قربه منه أولىٰ من العطف به علىٰ الأيدي ، وقد حيل بينه وبينها بقوله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) (4) .
الملاحظ علىٰ كلام الطبري هو ترجيح المسح في كلتا القراءتين ( النصب والخفض ) مع اعترافه بتظاهر الاخبار عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعموم المسح .
وقال النووي : وأما الجواب عن احتجاجهم بقوله تعالىٰ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ، فقد قرئت بالنصب والجر ، فالنصب صريح في الغسل ، ويكون معطوفه علىٰ الوجه واليدين ، وأما الجر فأجاب أصحابنا وغيرهم عنه بأجوبة أشهرها : أن الجر علىٰ مجاورة الرؤوس ، مع أن الأرجل منصوبة ، هذا مشهور في لغة العرب ، وفيه أشعار كثيرة مشهورة ، وفيه من منثور كلامهم كثير ، من ذلك قولهم : هذا جحر ضب خرب ، بجر خرب علىٰ جواب ضب وهو مرفوع صفة لجحر (5) .
لكن إستدلال النووي ليس في محله ، وتكفي شهادة أحد علماء السنة الفطاحل ومفسريهم الكبار في إبطال دعوىٰ النووي ، وهو قول الفخر الرازي :
حجة من قال المسح مبني علىٰ القراءتين المشهورتين في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ، فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبى بكر عنه بالجر ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب ، فنقول : أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة علىٰ الرؤوس ، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل !
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال هذا كسر علىٰ الجوار كما في قوله : جحر ضب خرب ، وقوله : كبير أناس في بجاد مزمل ، قلنا : هذا باطل من وجوه :
الأول : أن الكسر علىٰ الجوار معدود في اللحن الذي قد يحتمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه .
وثانيهما : أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : جحر ضب خرب ، فان من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر ، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل .
وثالثها : أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف عطف ، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب ، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضاً : أنها توجب المسح ، وذلك لأن قوله : ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) فرؤوسكم في النصب ولكنها مجرورة بالباء ، فاذا عطفت الأرجل علىٰ الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً علىٰ محل الرؤوس ، والجر عطفاً علىٰ الظاهر ، وهذا مذهب مشهور للنحاة ... (6) .
نلاحظ أن جميع محاولات علماء السنة تطويع النص القرآني وإخضاعه لقياسات لغوية مبنية علىٰ أقوال قالها أعرابي بوال علىٰ عقبيه لم تنجح ، واضطروا في النهاية إلىٰ الاعتراف بأن الآية سواء قرئت بالخفض أو بالنصب فهي تدل علىٰ المسح .
أمام هذه الحقيقة الساطعة لم يجد القوم مهرباً إلّا التمسك ببعض الروايات التي ظنوا أنها تنقذ الموقف ، وسوف نستعرض أهم الروايات التي يتمسك بها أهل السنة ، ونحاول مناقشتها ، محتجين عليهم بأقوال علمائهم أحياناً في تفنيد دعاواهم .
لا شك أن أقوىٰ الروايات التي يستشهد بها أهل السنة علىٰ وجوب غسل القدمين هي الروايات التي جاءت في صحاح أهل السنة ـ وبخاصة صحيحي البخاري ومسلم ـ عن عبد الله بن عمرو ، وسأورد هذه الرواية كما أخرجها كل منهما .
1 ـ عن عبد الله بن عمرو ، قال : تخلف النبي عنا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضأ ونمسح علىٰ أرجلنا ، فنادىٰ بأعلىٰ صوته : « ويل للأعقاب من النار ، مرتين أو ثلاثاً » (7) .
وقد أخرج البيهقي الرواية أيضاً ، وقال علاء الدين المارديني في شرحه لها :
إستدل علىٰ ذلك بعدة أحاديث ، أولها : « ويل للأعقاب من النار » ، قلت : في الاستدلال بها نظر ، فان من يرىٰ مسحهما يفرض في جميعها ، وظاهر الآية يدل علىٰ ذلك ، وهو قوله تعالىٰ : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فالوعيد لهما ترتب علىٰ ترك تعميم المسح ، وتدل علىٰ ذلك رواية مسلم ، فانتهىٰ إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها ماء ، فتبين بذلك أن العقب محل التطهير فلا يكتفىٰ بما دونه ، فليس الوعيد علىٰ المسح ، بل علىٰ ترك التعميم ... وهذا الكلام علىٰ أمر أبي هريرة وعائشة باسباغ الوضوء ، وكذا حديث عبد الله بن الحارث وعمرو وأنس رضي الله عنهما (8) .
أقول : إذا كان أولئك الصحابة قد مسحوا علىٰ أرجلهم ، فممن تعلموا ذلك ؟ هل كانوا مخطئين في فهم آية الوضوء لقصورهم في العربية ، أم أنهم لم يكونوا قد شاهدوا وضوء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رغم صحبتهم له ومرافقته في أسفاره وغزواته ؟ وإذا كان أُولئك الصحابة بتلك الدرجة من الجهل أو قلة الاهتمام بالسنة النبوية الفعلية فكيف يجوز لنا تقليدهم وأخذ أحكام ديننا منهم ؟!!
إن من الغريب أن يصل التعصب المذهبي ببعض الحفاظ والمحدثين إلىٰ حد إخفاء الحقائق أو محاولة التعمية عليها عن طريق إيراد روايات ضعيفة مستدلين بها ـ تأييداً للمذهب ـ دون الاشارة إلىٰ ضعف رواتها ، رغم أنهم يفعلون ذلك في موارد أُخرىٰ .
وإليك بعض النماذج مما أخرجه البيهقي من تلك الروايات مع ذكر تعليق المارديني عليها :
1 ـ عن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ أنه كان يقرأ ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) قال : رجع الأمر إلىٰ الغسل .
قال المارديني : في سنده قيس بن الربيع ، فسكت عنه البيهقي ، وقال في باب ( من زرع أرض غيره بغير إذنه ) : إنه ضعيف عند أهل العلم بالحديث .
2 ـ عمر بن قيس عن عطاء ، أنه كان يقرأها ( وَأَرْجُلَكُمْ ) نصباً .
قال المارديني : عمر بن قيس هو المكي ، سكت عنه أيضاً ، وقال في باب ( من بنىٰ أو غرس بغير أرضه ) : ضعيف لا يحتج به .
3 ـ عن علي ، أنه قال : اغسلوا القدمين إلىٰ الكعبين كما أُمرتم ، وروينا في الحديث الصحيح عن عمرو بن عنبسة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الوضوء : ثم يغسل قدميه إلىٰ الكعبين كما أمره الله تعالىٰ ، وفي ذلك دلالة علىٰ أن الله تعالىٰ أمر بغسلها .
قال المارديني : عن علي : اغسلوا القدمين ، من رواية الحارث ، فسكت عنه ، وحكىٰ في باب ( أصل القسامة ) عن الشعبي : إنه كان كذاباً !!!
4 ـ عن ابن عباس قال : ما أجد في الكتاب إلّا غسلتين ومسحتين ، ثم قال : إن صح يحتمل أنه كان يرىٰ القراءة بالخفض وأنها تقتضي المسح ، ثم لما بلغه أنه عليه السلام توعد علىٰ ترك غسلهما أو ترك شيء منهما ذهب إلىٰ وجوب غسلهما (9) .
نقول : إذا كان ابن عباس وهو حبر الأُمة وترجمان القرآن قد أعياه فهم الآية ، ولم يعرف طيلة هذا الوقت كيف يكون وضوء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فهنيئاً للمسلمين !!!
أما الدارقطني فيورد رواية في باب ( وجوب غسل القدمين والعقبين ) يقول فيها : عن رفاعة بن رافع قال : كان رفاعة ومالك بن رافع أخوين من أهل بدر ، قال بينما نحن جلوس عند رسول الله ، أو رسول الله جالس ونحن حوله ، إذ دخل عليه رجل فاستقبل القبلة وصلىٰ ، فلما قضىٰ الصلاة جاء فسلم علىٰ رسول الله وعلىٰ القوم ، فقال له رسول الله : « وعليك ، ارجع فصلِّ فانك لم تصلِّ » ، فجعل الرجل يصلي ونحن نرمق صلاته لا ندري ما يعيب فيها ، فلما صلىٰ جاء فسلم علىٰ النبي وعلىٰ القوم فقال له النبي : « وعليك ، ارجع فصل فانك لم تصل » ، قال همام : فلا أدري أمره بذلك مرتين أو ثلاثاً ، فقال الرجل : ما ألوتُ فلا أدري ما عبت علي من صلاتي ، فقال رسول الله : « إنها لا تتم صلاة أحدكم حتىٰ يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه ويديه إلىٰ المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلىٰ الكعبين ، ثم يكبر الله ويثني عليه ... » فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتىٰ فرغ ثم قال : « لا تتم صلاة أحدكم حتىٰ يفعل ذلك » (10) !
قلت : فالعجب كل العجب من الدارقطني ، كيف يستدل بهذه الرواية علىٰ وجوب غسل الرجلين والنص الصريح فيها قوله : « ويمسح برأسه ورجليه ... » ؟!! أليس ذلك دليلاً دامغاً علىٰ وجوب المسح ، وأن النبي قد أكد أنه لا تتم صلاة أحد حتىٰ يفعل ذلك ؟
من أين جاء الغسل :
عند ما نستعرض الروايات التي تقول بغسل القدمين ، نلاحظ أنها في معظمها تنتهي أسانيدها إلىٰ بعض الصحابة والتابعين المعروفين بولائهم لبني أُمية ، مما يؤكد أن بدعة غسل الرجلين هي من إختراع بني أُمية وولاتهم الذين كانوا يشجعونها ويحملون الناس عليها في محاولة لمحق السنة النبوية الشريفة وتغيير أحكام القرآن ، وإليك بعض الأدلة علىٰ ذلك :
1 ـ عن موسىٰ بن أنس قال : خطب الحجاج بن يوسف الناس فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، فاغسلوا ظاهرهما وباطنهما وعراقيبهما فان ذلك أقرب إلىٰ جنتكم ؛ فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج ، فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلىٰ الكعبين (11) .
وأورد البيهقي الرواية وزاد عليها : قرأها جرّاً ، فانما أنكر أنس بن مالك القراءة دون الغسل ... (12) .
أقول : من المعلوم أن الحجاج بن يوسف الثقفي هو أحد ولاة بني أُمية الطغاة ، ومن أكبر مروّجي سياساتهم ، وتصرفه يدل علىٰ محاولته علىٰ حمل الناس علىٰ غسل الرجلين مخالفة للكتاب والسنة ، وقد حاول البعض توجيه الرواية بأن أنس بن مالك قد اعترض علىٰ قراءة الحجاج بالنصب لأن أنساً كان يقرأها بالخفض ولم يكن اعتراضه علىٰ الغسل ، وفساد هذا الرأي ظاهر تماماً ، فضلاً عن أن القراءة بالخفض ـ التي كان يراها أنس ـ إنما تدل علىٰ المسح أيضاً .
وأعجب من ذلك هو إدعاء البعض أنَّ أنس بن مالك وغيره من الصحابة مثل أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس رضي الله عنه كانوا يمسحون ثم رجعوا عنه إلىٰ الغسل ! فاذا كان هؤلاء الصحابه الثلاثة بالذات ـ وهم أكثر الصحابة لصوقاً بالنبي ـ لا يعرفون وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم وظلوا فترة طويلة يمسحون ، فمن الذي يعرف وضوء النبي إذاً ؟! وإذا كان أنس قد اعترض علىٰ الحجاج فهذا يعني أنه قد فعل ذلك في أواخر عمره ، فمتىٰ رجع عن القول بالمسح إذاً ؟!
ومعلوم قطعاً أن المغيرة بن شعبة هو أيضاً أحد ولاة بني أُمية الطغاة ، وهو أول من امتثل لأمر معاوية بسب أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ المنبر ، مع قول النبي : « من سب علياً فقد سبني » (13) .
وبذلك يتبين أن غسل القدمين ما هو إلا بدعة أُموية في مقابل السنة النبوية الصحيحة ، وكم لها من مثيلات مذكورة في كتب أهل السنة ، كبدعة ترك معاوية للتلبية بغضاً لأمير المؤمنين عليه السلام ، وترك الجهر بالبسملة وغيرها من الأُمور التي يستطيع الباحث أن يجدها في أُمهات كتب أهل السنة .
فعلى هذا نجد إن جميع روايات الغسل قد وضعت في مقابل الروايات التي تؤكد علىٰ المسح دون شك .
الهوامش
1. رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : 40 .
2. فتح الباري 1 / 215 .
3. الجامع لاحكام القرآن 6 / 92 .
4. تفسير الطبري 6 / 72 .
5. المجموع شرح المهذب 1 / 480 .
6. التفسير الكبير 11 / 161 .
7. صحيح البخاري 1 / 52 باب غسل الرجلين ولا يمسح علىٰ القدمين ، صحيح مسلم 1 / 214 باب وجوب غسل الرجلين بكمالها .
8. الجوهر النقي بذيل السنن الكبرىٰ 8 / 69 .
9. السنن الكبرىٰ مع الجوهر النقي 1 / 70 ـ 71 .
10. سنن الدارقطني 1 / 95 ـ 96 .
11. المصنف 1 / 18 .
12. السنن الكبرى 1 / 71 .
13. المستدرك علىٰ الصحيحين وصححه ووافقه الذهبي ، وفي رواية « من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى » .
مقتبس من كتاب : لا تخونوا الله والرسول / الصفحة : 229 ـ 243
التعلیقات