الإمام المهدي وطول عمره
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
2019 Jul 18الإمام المهدي وطول عمره
إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدي ، طول عمره في فترة غيبته ، فإنّه ولد عام ٢٥٥ ، فيكون عمره إلى الأعصار الحاضرة أكثر من ألف مائة وخمسين عاماً ، فهل يمكن في منطق العلم أن يعيش إنسان هذا العمر الطويل ؟
والجواب
من وجهين ، نقضاً وحلّاً.
أمّا النقض ، فقد دلّ الذكر الحكيم على أن شيخ الأنبياء عاش قرابة ألف سنة ، قال تعالى : ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ) (١).
وقد تضمنت التوراة أسماء جماعة كثيرة من المعمرين ، وذكرت أحوالهم في سِفْر التكوين (٢).
وقد قام المسلمون بتأليف كتب حول المعمرين ، ككتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني ، كما ذكر الصدوق أسماء عدّة منهم في كتاب كمال الدين (٣) ، والعلّامة الكراجكي في رسالته الخاصّة ، باسم « البرهان على صحّة طول عمر الإمام صاحب الزمان » (٤) ، والعلامة المجلسي في البحار (٥) ، وغيرهم.
وأمّا الحلّ ، فإنّ السؤال عن إمكان طول العمر ، يعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة الله سبحانه : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٦) ، فإنّه إذا كانت حياته وغَيْبَته وسائر شؤونه ، برعاية الله سبحانه ، فأي مشكلة في أن يَمُدّ الله سبحانه في عمره ما شاء ، ويدفع عنه عوادي المرض ويرزقه عيش الهناء.
و بعبارة أُخرى ، إنّ الحياة الطويلة ، إمّا ممكنة في حدّ ذاتها أو ممتنعة ، والثاني لم يقل به أحد ، فتعين الأول ، فلا مانع من أن يقوم سبحانه بمدّ عمر وليّه ، لتحقيق غرض من أغراض التشريع.
أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحياة ، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعياً لقواعد حفظ الصحة ، وأنّ موت الإنسان في فترة متدنية ، ليس لقصور الاقتضاء ، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة ، ولو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء.
وهناك كلمات ضافية من مَهَرة علم الطب في إمكان إطالة العمر ، وتمديد حياة البشر ، نشرت في الكتب والمجلات العلمية المختلفة (٧).
وبالجملة ، اتّفقت كلمة الأطباء على أنّ رعاية أُصول حفظ الصحة ، توجب طول العمر ، فكلما كثرت العناية برعاية تلك الأُصول ، طال العمر ، ولأجل ذلك ، نرى أنّ الوفيات في هذا الزمان ، في بعض الممالك ، أقلّ من السابق ، والمعمّرين فيها أكثر من ذي قبل ، وما هو إلا لرعاية أُصول الصحة ، ومن هنا أسّست شركات تضمن حياة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقررات خاصة وحدود معينة ، جارية على قوانين حفظ الصحة ، فلو فرض في حياة شخص اجتماع موجبات الصحة من كل وجه ، طال عمره إلى ما شاء الله.
و إذا قرأت ما تُدَوِّنُه أقلام الأطباء في هذه المجال ، يتّضح لك معنى قوله سبحانه : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٨).
فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان ، في أعماق المحيطات ، ممكناً إلى يوم البعث ، فكيف لا يعيش إنسان ، على اليابسة ، في أجواء طبيعية ، تحت رعاية الله وعنايته ، إلى ماشاء ؟!
الهوامش
١. سورة العنكبوت : الآية ١٤.
٢. التوراة ، سفر التكوين ، الإصحاح الخامس ، الجملة ٥ ، وذكر هناك أعمار آدم ، وشيث ونوح ، وغيرهم.
٣. كمال الدين ، ص ٥٥٥.
٤. البرهان على طول عمر الإمام صاحب الزمان ، للكراجكي ، ملحق بـ « كنز الفوائد » ، له أيضاً ، الجزء الثاني. لاحظ في ذكر المعمرين ص ١١٤ ـ ١٥٥ ، ط دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٥.
٥. بحار الأنوار ، ج ٥١ الباب ١٤ ، ص ٢٢٥ ـ ٢٩٣.
٦. سورة الأنعام : الآية ٩١.
٧. لاحظ مجلة المقتطف ، الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسين.
٨. سورة الصافات : الآيتان ١٤٣ ـ ١٤٤.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / الصفحة : ١٤٨ ـ ١٥٠
التعلیقات