شرح زيارة عاشوراء : وَآلَ مَرْوانَ ..
ميرزا أبي الفضل الطهراني
منذ شهرينالشرح : هم آل مروان بن الحكم بن أبي العاص بن اُميّة وهو المعروف بابن الطريد ، والملقّب بالوزغ ، والمشهور بخيط باطل ، وهو أشدّ الناس عداوة لله ورسوله وآل رسول الله لا سيّما أمير المؤمنين عليه السلام ، واجتهد غاية الجهد ـ طيلة حكم عثمان إلى أن هلك بعده بسنين ـ في ستر مناقب أمير المؤمنين وإيجاد مؤاخذات عليه كما كان يزعم لعنه الله.
وأبوه الحكم عمّ عثمان بن عفّان وكان عدوّ النبيّ ، شديد العداوة له ، مجاهراً بها ، لا يتخفّى ويصرّح بشنآن النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو طريد رسول الله بالاتفاق ، نفاه النبيّ مع جماعة من أهل بيته ، وذكروا لذلك أسباباً مختلفة وأشهرها أنّه كان يمشي وراء النبيّ ويتخالج في مشيه مستهزءاً بمشية النبيّ صلّى الله عليه وآله ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال ، فلمّا رآه النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : « فكذلك » فلتكن ، ودعا عليه فصار يتخالج في مشيه على أثر دعاء النبيّ عليه ، وبقي على حاله إلى أن هلك ، ومن هذه الجهة طرده النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الطائف كما ذكر ذلك المؤرّخون (1).
وفي أصل أبي سعيد العصفري ـ وأنا بحمد الله أخذت من نفس ذلك الأصل ـ :
عن حمّاد بن عيسى ، عن بلال بن يحيى ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف ، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة.
قال : ونفاه رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الدهلك أرض من أرض الحبشة ، قال : فلمّا ولي أبو بكر كلّموه فيه ، قال : فأبى أن يأذن له ... الحديث (2).
وفي رواية : إنّ مروان ولد في الطائف ، وقيل في مكّة ، وقيل : كان مع أبيه الحكم طفلاً يوم نفي ، وظاهر بعض الروايات لعنه حين ولد بالمدينة ، كما سوف اُشير إليه إن شاء الله تعالى فيما يأتي من الحديث.
واُمّ الحكم الزرقاء بنت موهب ، وكما ذكر ابن الأثير في كامل التاريخ كانت من ذوات الأعلام مشهورة بالزنا (3).
وكان تعيير مروان بها في الأخبار والأشعار وعلى ألسنة الناس لنسبته إليها ، منها ما نقله السيّد في اللهوف عندما طلب من الإمام الحسين البيعة في المدينة في أوّل خلافة يزيد لعنه الله عندما قال مروان للوليد : لا تقبل أيّها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه ، فغضب الحسين عليه السلام ثمّ قال : ويل لك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي (4).
وفي الكافي في ذيل الحديث الذي قاله الحسين عليه السلام في مروان : ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم .. (5).
وفي البحار عن تفسير فرات الكوفي : إنّ مروان خطب يوماً فذكر عليّ بن أبي طالب عليه السلام فنال منه ... فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان ، فقال : يابن الزرقاء ، ويابن آكلة القُمّل ، أنت الواقع في عليّ (6) ؟!
ونقل أبو مخنف في حديث أخذ البيعة أنّ سيّد الشهداء قال : يابن الزرقاء ، أنت تقتلني ؟! كذبت يابن اللخناء .. (7).
ومن هذه العبارات يظهر لنا أنّ اُمّ الحكم لها صفات اُخرى من قبيل : دبّاغة الأديم ، وأكل القمّل ، ولخناء وهو بمعنى الجارية القذرة ، كريهة الرائحة. ويحتمل أن تكون هذه الصفات تعود لاُمّ مروان أيضاً وهو ما يظهره العطف في رواية ( فرات بن إبراهيم ) ومن هذا وذاك تظهر « نجابة » !! مروان لعنه الله واضحة زائدة عن الحدّ.
ويزعم بعضهم أنّ لفظ « الزرقاء » وصف وما هو باسم علم على أحد ، وهذا خطأ لأنّ من له اطّلاع على التاريخ لا شكّ بذلك ، ولا يصحّ أن يكون شاهداً على ذلك عدم شرح المجلسي للفظ الزرقاء في بيانات البحار ، لأنّ لفظ العلم لا يحتاج إلى شرح فلا يعتبر إهمالاً منه او إشكالاً عليه.
وخلاصة القول أنّ مروان وأباه مكثا في الطائف إلى أن انتقل النبيّ إلى الرفيق الأعلى ، فشفّع فيه عثمان إلى أبي بكر بناءاً على لحمة النسب بينهما فلم يقبل بردّه ، وحين استخلف عمر تشفّع إليه بعمّه فلم يقبل ، ولمّا أسند الحكم إليه عمد إلى مروان والحكم ومن معهما من اهلهما فخالف بذلك صريح أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله فكانت هذه من أعظم مطاعنه.
فصعب على الصحابة رؤية مروان والحكم وأراد عثمان أن ينتقم للحكم فعمد إلى نفي أبي ذر رضي الله عنه وأعطى الحكم مأة ألف درهم من فيء المسلمين ، وفعل بمروان فأعطاه في مجلس واحد خمس أفريقيا وقيمته ـ في قول جماعة ـ مأة ألف دينار وكان المسلمون جميعاً فيه شركاء وصادر فدكاً ونحلها إلى أقربائه ، وأعطى خراج سوق المدينة وقد تصدّق به النبيّ صلّى الله عليه وآله على المسلمين ـ برواية ابن قتيبة في المعارف ـ للحارث بن الحكم ، واختار مروان لوزارته وكتابة أسراره ، فجرت منه وعثمان على قيد الحياة أحداث عظيمة وفتن موحشة وبدع غريبة طبقاً لميوله السافلة وأهوائه الباطلة ، حتّى أدّى ذلك إلى مقتل عثمان لعنه الله.
ويعتقد أهل السنّة أنّ كتابة الكتاب وفيه قتل محمّد بن أبي بكر وموقّع بخاتم عثمان لعنه الله ويحمله غلام عثمان وهو على راحلته موجّه إلى عبد الله بن أبي سرح والي مصر هو من فعل مروان بن الحكم ، وبرئوا عثمان من هذا الفعل الباطل كما هو مذكور في موضعه.
وكان مروان في حرب الجمل مع عائشة لعنة الله عليها ، وفي هذه الحرب رمى طلحة بن عبيد الله بسهم فأودى بحياته ، فأسره أمير المؤمنين بعد الهزيمة فتشفّع فيه الحسنان إلى أبيهما عليهما السلام فخلّى أمير المؤمنين عليه السلام سبيله وقالوا له : فليبايعك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كفّ يهوديّة ، لو بايعني بكفّه لغدر بسبّته (8) ، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمراً .. (9).
ثمّ فرّ إلى معاوية بعد ذلك وقد جدّ واجتهاد بحكم خبث عنصره ومولده وسوء عقيدته في بغض أمير المؤمنين عليه السلام وولّي على المدينة مرّتين بعد شهادة أمير المؤمنين.
وقال جماعة من المؤرّخين : إنّ عبد الرحمان بن الحكم قال في ولايته على المدينة هذين البيتين :
فوالله ما أدري وإنّي لسائل |
حليلة مضروب القفا كيف يصنع |
|
لحى الله قوماً أمّروا خيط باطل |
على الناس يعطي ما يشاء ويمنع |
قال بعضهم : إنّ هذا الشعر قيل في خلافته ، ومن يومئذٍ سمّي مروان : خيط باطل ، لأنّه طويل مضطرب القامة ، وخيط باطل في اللغة هو الهباء المنتشر في ضوء الشمس ، وهو لسان الشمس شعاع ممتدّ فيها على شكل خطّ ، ومن نسيج العنكبوت المسمّى مخاط الشيطان.
وأينما ولّي الخبيث يبذل الجدّ والجهد في سبّ أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكر ابن الأثير أنّه في كلّ جمعة يرقى منبر النبيّ صلّى الله عليه وآله ويبالغ في سبّ أمير المؤمنين عليه السلام بحضرة المهاجرين والأنصار.
واستخلف في الشام بعد هلاك يزيد لعنه الله تسعة أشهر ، وفي سنة ستّ وخمسين للهجرة التحق بالأسلاف الأجلاف في جهنّم ، والأخبار في لعنه ممّا رواه الفريقان كثيرة ، ونحن نذكر ثلاثة من هذه الأخبار من كتب أهل السنّة والجماعة المعتبرة لتكون حجّة عليهم.
ذكر ابن الأثير في اُسد الغابة وابن أبي الحديد عن الاستيعاب لابن عبد البرّ تعقيباً على الشعر التالي الذي نظمه عبد الرحمان بن حسّان بن ثابت في هجاء مروان وأشار إلى جنون أبيه وارتعاشه ، فقال :
إن ترم ترم مخلّجاً مجنونا |
يمشي خميص البطن من عمل التقىٰ |
|
ويظلّ من عمل الخبيث بطينا (10) |
إنّ اللعين أبوك فارم عظامه |
وروى الرواة بأنّ عائشة قالت لمروان لعنه الله : أشهد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن أباك وأنت في صلبه.
وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي عن البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره وتفسير الفخر الرازي نقل هذا الحديث وبعده أنّ عائشة قالت لمروان :
« وأنت بعض من لعنه الله ـ المؤلّف » ولكن رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان بعض من لعنه الله .. (11).
وفي الدرّ المنثور للسيوطي ذكر أنّ عبيد بن حميد والنسائي وابن منذر والحاكم وابن مردويه وصحّحه ابن مردويه عن محمّد بن زياد أنّ عائشة قالت :
ولكن رسول الله صلّى الله عليه وآله لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة الله ... (12)
ويقول ابن الأثير في النهاية : ومنه حديث عائشة لمروان أنّ النبيّ لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله ، أي قطعة وطائفة منها ، ورواه بعضهم فظاظة بظائين من الفظيظ ماء الكرش ، وأنكره الخطّابي ، وقال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا اعتصرت مائها كأنّه عصارة من اللعنة أو فعالة من الفظيظ : ماء الفحل : أي نطفة من اللعنة (13).
ويقول الفيروزآبادي في القاموس : الفضض محرّكة كلّ متفرّق منتشر ، ومنه قول عائشة لمروان : فأنت فضض من لعنة الله ، وروي فضض كعنق وغراب أي قطعة منها (14).
وفي حياة الحيوان وتاريخ الخميس عن الحاكم في المستدرك عن عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه !! (15) قال : كان لا يولد لأحد مولود إلّا اُتي به النبيّ صلّى الله عليه وآله فدعا له ، فاُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .. (16).
وتناسب هذه الرواية ما ذكره ثقة الإسلام في الكافي مسنداً عن صادق آل محمّد أنّ عبد الله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوزغ ، فقال : رجس وهو مسخ كلّه فإذا قتلته فاغتسل.
فقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدّثه فإذا هو يوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال : لا علم لي بما يقول ، قال : فإنّه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمنّ عليّاً حتّى يقوم من هاهنا.
قال : وقال أبي : ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً (17).
ويظهر من هذا أنّ بين بني اُميّة والوزغ اتحاداً وسنخيّة في ولاء عثمان وعداء أمير المؤمنين عليه السلام وهو موافقهم على ذلك فإذا مات الميّت منهم مسخ إليه ، من هنا سمّي النبيّ صلّى الله عليه وآله الحكم ومروان وزغاً ، وصرّح بهذا في الحديث المروي في الكافي عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله أنّه قال : سمعت من أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه ، فقال له : الوزغ ابن الوزغ. قال أبو عبد الله : فمن يومئذٍ يرون أنّ الوزغ يستمع الحديث (18).
ويظهر من هذا الخبر أنّ حقيقة مروان والوزغ واحدة إلّا في اختلاف الصورة ، وأخبر النبيّ عن ذلك وهو المطّلع على حقائق الأشياء والمشرف على ماهيّة الموجودات والشاهد على اتحاد مروان والوزغ في الصفة هو استراق السمع.
ويظنّ بعضهم أنّ سبب طرد مروان لعنه الله الواقعة التالية. يقول الفخر الرازي :
رأى النبيّ في المنام أنّ أولاد مروان ينزون على منبره ، فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر لعنهما الله واختلىٰ بهما في بيته فلمّا انصرفا من عنده بلغه أنّ الحكم يروي خبر الرؤيا ، فاتهم النبيّ عمر في إفشاء سرّه ، ولمّا تجلّى له أنّ الحكم كان يسترق السمع طرده ، ومن هنا يظهر لنا إمّا أن يكون النبيّ يتّهم المؤمن الصادق العقيدة نعوذ بالله ويسيء فيه الظنّ ، وإمّا أن لا يكون عمر مؤمناً ولا أميناً بل من أهل النفاق وإفشاء سرّ رسول الله ، فإمّا أن يقبل الرازي الاحتمال الأوّل ويأبى الله ذلك والمؤمنون ، وأمّا الثاني فنعم الوفاق ، والحمد لله ربّ العالمين.
وخلاصة القول كان الحكم يعرف بالوزغ كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني ـ وهو مروانيّ ـ في كتابه الأغاني في ذيل حكاية وفود مروان على معاوية بعد عزله عن ولاية المدينة ، والحوار الذي دار بينهما ، يقول : فغضب معاوية وقال : يابن الوزغ ، لست هناك. فقال مروان : هو ما قلت لك وأنا الآن أبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة واُوشك أن يتمّ العدد يعني الأربعين.
ويقول أبو الفرج : وهذه إشارة منه إلى الحديث النبوي : « إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً » فهم ينتظرون هذه المدّة ويختم حديثه بقول الأحنف لمعاوية : لماذا تحمّلت من مروان هذا التطاول ؟ وما هي الإشارة بقول مروان ؟ فروى معاوية هذا الحديث وقال : فوالله لقد تلقّاها مروان من عين صافية ..
وفي النهاية مادّة « دخل » يقول : الدخل العيب والعناد والغشّ ، ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلاً وعباد الله خولاً ، وحقيقته أن يُدخلوا في الدين اُموراً لم تجريها السنّة .. (19).
ويقول في « خول » : الفحول حشم الرجل وأتباعه ... ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان عباد الله خولاً أي خدماً وعبيداً يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم .. (20).
وجملة القول : حدّث في حياة الحيوان عن مستدرك الحاكم عن عمرو بن مرّة الجهني وكانت له صحبة ، قال : إنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبيّ صلّى الله عليه وآله فعرف النبيّ صلّى الله عليه وآله صوته وكلامه ، فقال : ايذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلّا المؤمن منهم وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق (21).
ويقول ابن الأثير في الكامل : رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه رواها الحفّاظ وفي أسانيدها كلام (22).
وبعد تصحيح الحاكم ورواية جماعة ـ كما سمعت في كلام السيوطي ورواية ابن الأثير نفسه في اُسد الغابة مع تعدّد الطرق ـ لا يبقى مجال للمناقشة.
ومن العجائب التي تسلب الفكر من عقل المرء أنّ مثل مروان الذي طرده النبيّ وأباه وسلخ عمره في عداوة أهل بيت الرسالة وأباح سبّ الحسنين وأبيهما وأشاعه وكان يدمن على ذلك في كلّ جمعة على المنبر ولعنه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسمّاه الوزغ ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ يده يد يهوديّة ، وهو الذي قتل طلحة كما يعتقده أهل السنّة والجماعة ، وطلحة من الصحابة ومن العشرة المبشّرة بزعمهم ، فقد رماه وأقبل على أبان بن عثمان وقال له : قتلت واحداً من قتلة أبيك ، ومع كلّ هذه العيوب والمساوي بعدّونه عدلاً منه تؤخذ أحكام الدين ، وقد روى له البخاري ومسلم في كتابيهما وهما عند القوم أصحّ الكتب بعد القرآن.
وفي كشف الظنون : إنّ الإجماع حاصل بتعديل جميع من روي لهما في الصحيحين ، ومن الأقوال المعروفة عند محدّثي أهل السنّة من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة ، ومن هذه الجهة استدلّ ابن الأثير على عدالة مروان برواية البخاري عنه واخراجه له وبصلاة الحسنين خلفه دون أن يعيدا.
فيا للعجب إلى أيّة درجة بلغ الصلف بهؤلاء حيث اعتبروا صلاة الحسنين خلفه دون إعادة دليل على عدالته ، وهذا استدلال واهٍ بناءاً على قواعدهم ، لأنّهم لا يرون العدالة شرطاً في إمام الجماعة بل استدلّ في العقايد النسفيّة على عدم اشتراط العدالة بهذا وقال : ودليلنا على المدّعىٰ صلاة أئمّة الدين وراء الخلفاء مع ظهور الجور منهم وانتشار الفجور عنهم.
من هنا تعرف من أين أخذ هؤلاء دينهم وعندما أعرضوا عن أهل بيت نبيّهم صلّى الله عليه وآله ثمّ إنّك تلم من هذا التخبّط بحال صحاحهم المزعومة وواقعها ، لأنّ رواتها ورجال أسنادها مثل مروان وعبد الملك والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص وأقرانهم وهم بأجمعهم لغير رشدة لعنهم الله جميعاً ، وهم جميعاً كفّار منافقون ملاعين بشهادة النبيّ صلّى الله عليه وآله لأنّ محك ذلك أمير المؤمنين عليه السلام وقول النبيّ له ـ وهو من المتواترات ـ : يا علي ، لا يبغضك إلّا منافق ولا يحبّك إلّا مؤمن (23).
والعمدة فيما نقول : أنّنا نثبت ضعف دينهم وفساد مبناهم بتوفيق الله تعالى من كتبهم ، ويتّضح بذلك معنى قوله تعالى : ( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) و ( إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ) (24) ويتبيّن معناه ويثبت برهانه ويعلم بيانه. والحمد لله على وضوح الحجّة.
فائدة :
لا شكّ في شمول اللعن لمروان ودخوله ضمن اللعناء في هذا الدعاء يقيناً كأولاده أيضاً وأظهرهم أربعة : عبد الملك وبه كان يكنّى ، ونال الخلافة ، وعبد العزيز وكان والياً على مصر ، ومحمّد ابنه وقد ولّي على الجزيرة ، وبشر وكان حاكماً على العراقين ، وهؤلاء هم الأكبش الأربعة في كلام الإمام عند ابن أبي الحديد وإن كان الأظهر والأشهر أنّها إشارة إلى أولاد عبد الملك الذين نالوا الخلافة فسوّدوا في عهدهم نهار الاُمّة وأوصلوها إلى الحضيض الأوهد وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام (25) ولم يتفق لإخوة أربعة نيل الخلافة غيرهم.
ويشمل قول أولاد مروان كلّ من خرج منه ونال الخلافة سواء من نالها في المشرق وأوّلهم عبد الملك وآخرهم مروان الحمار ، أو من نالها في الأندلس وناحية المغرب وأوّلهم عبد الرحمان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وآخرهم هشام بن محمّد الملقّب بالمعتمد بالله.
وظاهر هؤلاء جميعاً الرضا بفعل أسلافهم وادّعاء الحقّ في الخلافة ، وهذا المقدار يكفي في جواز لعنهم والبرائة منهم (26).
الهوامش
1. كامل ابن الأثير 4 : 193 ط بيروت. ( هامش الأصل )
2. أصل أبي سعيد ، الثاني من ستّة عشر أصلاً ، ص 19 ، ط انتشارات شبستري. ( هامش الأصل )
3. كامل ابن الأثير 4 : 194 ط بيروت. ( هامش الأصل ) قال ابن الأثير : وكانت من ذوات الرايات التي يستدلّ بها على ثبوت البغاء ، فلهذا كانوا يذمون بها ولعلّ هذا كان منها قبل أن يتزوّجها أبو العاص بن اُميّة والد الحكم فإنّه كان من أشراف قريش ولا يكون هذا من امرأةٍ وهي عنده. [ الكامل 4 : 15 ]
يقول المترجم : هذا التقدير كلّه إنّما هو من أجل عثمان ومعاوية وتقديرهما من أجل عمر لأنّهما صنيعته ، من هنا تدرك أنّه أهل السنّة اُمّة بني اُميّة وليسوا اُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله. ( المترجم )
4. ملهوف ( كذا ) : 17 ـ 18 ، بحار الأنوار 44 : 211 ( هامش الأصل ) اللهوف : 17. ( المترجم )
5. الكافي 6 : 19 باب الأسماء والكنى الرقم 7 ، بحار الأنوار 44 : 211 ( هامش الأصل ) جرى تطبيقه. ( المترجم )
6. تفسير فرات : 90 ، بحار الأنوار 44 : 211 (هامش الأصل) البحار 43 : 344 باختلاف يسير وعزاها إلى المناقب ، وكنت أبحث عن تفسير لقول الإمام « آكلة القُمّل » فلا أجده حتّى قرأت رحلة ابن فضلان فرأيته يذكر عن جماعة من الأتراك ، فقال يصفهم : ووقفنا في بلد قوم من الأتراك يقال لهم الباشغرة ، فحذرناهم أشدّ الحذر وذلك أنّهم شرّ الأتراك وأقذرهم وأشدّهم إقداماً على القتل ، يلقى الرجل الرجل فيفرز هامته ويأخذها ويتركه وهم يحلقون لحاقهم يأكلون القمّل ! يتتبع الواحد منهم درز قرطقة فيقرض القمّل بأسنانه ، ولقد كان معنا واحد قد أسلم وكان يخدمنا وجد قمّلة في ثوبه فقصعها بظفره ثمّ لحسها وقال لمّا رآني : جيّد [ رحلة ابن فضلان 1 : 139 ط دمشق 1979 مديريّة إحياء التراث العربي ] فليس بعيداً أن تكون جدّة مروان الزرقاء منهم. ( المترجم )
7. أنت تأمر بقتلي [ أبو مخنف : 12 طبع انتشارات أعلمي ـ طهران ]. ( هامش الأصل )
8. السبّة ، الاست ، ومنه السبّ أي ذكر السبّة فاستعمل في كلّ أمر قبيح توسّعاً. ( منه )
9. نهج البلاغة ، صبحي الصالح ، ص 107 الرقم 33. ( هامش الأصل ) شرح ابن أبي الحديد 6 : 147. ( المترجم )
10. شرح ابن أبي الحديد 6 : 150 ، اُسد الغابة 2 : 34. ( المترجم )
11. تاريخ الخلفاء 1 : 203 ط مصر ـ السعادة اُولى 1371 ـ 1952 م.
12. الدرّ المنثور 6 : 41. ( المترجم )
13. نهاية ذيل لغة فضض 3 : 454 ، كامل ابن الأثير 3 : 507 ط بيروت. ( هامش الأصل ) جرى تطبيقه المترجم إلّا في الكامل فهو في ص 352 ط بيروت دار الكتب العلميّة 1415 ثانية تحقيق أبي الفداء.
14. الفيروزآبادي ، القاموس المحيط 2 : 340.
15. لا يجوز الترضّي عن هؤلاء ولكنّها أمانة النقل.
16. الحاكم النيسابوري ، المستدرك 4 : 479. ( المترجم )
17. روضة الكافي 8 : 232 حديث 305. ( هامش الأصل ) و 8 : 232 ط دار الكتب الإسلاميّة الثانية 1389. ( المترجم )
18. روضة الكافي 8 : 238 ح 323. ( هامش الأصل ) وص 238 نفس الجزء في ط دار الكتب الإسلاميّة 1389 هجـ. ( المترجم )
19. النهاية 2 : 108. ( المترجم )
20. نفسه 2 : 88. ( المترجم )
21. المستدرك 4 : 481. ( المترجم )
22. كامل ابن الأثير 4 : 193 ط بيروت. ( هامش الأصل ) وص 15 ط دار الكتب العلميّة 1415 تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي. ( المترجم )
23. تجد تفصيل هذه الأحاديث في إحقاق الحقّ 7 : 187.
24. الصافّات : 173 و 172.
25. 1 ـ الوليد بن عبد الملك 2 ـ سليمان بن عبد الملك 3 ـ يزيد بن عبد الملك 4 ـ هشام بن عبد الملك. ( هامش الأصل )
26. قال الحسن بن عليّ عليهما السلام : أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذرّيّتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيّه .. [ الاحتجاج : 150 ]. ( هامش الأصل )
مقتبس من كتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / المجلّد : 1 / الصفحة : 326 ـ 337
التعلیقات