في الواقفيّة
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 9 أشهرفي الواقفيّة
التوقّف عند إمامة شخص بعد رحيل إمام ما ، ظاهرة برزت عند الشيعة بين آونة وأُخرى ، ولذلك صار لها إطلاقان :
الأوّل : التوقّف بالمعنى العام من غير اختصاصه بالتوقّف على إمام خاص ، فإنّ هناك طائفة توقّفت عند إمامة الحسين عليه السلام ولم تتجاوز عنه وهم المعروفون بالكيسانية ، كما أنّ هناك من توقّف عند إمامة الإمام الباقر عليه السلام ولم تتجاوز عنه عليه السلام وهي المعروفة بالمنصورية أو المغيرية وهناك من توقّف عند إمامة الإمام الصادق ولم يتجاوز عنه كالإسماعيلية ، وهذه الفرق حتى الزيدية من الواقفية الذين لم يعترفوا بإمامة الأئمّة الاثني عشر قاطبة وتوقّفوا أثناء الطريق ، ومع ذلك كلّه فلا يطلق عليهم الواقفية في كتب الرجال ولا في الملل والنحل ، وإنّما يطلق عليهم نفس أسمائهم ، وقد مرّ في الجزء السابع أنّ بعض هذه الفرق غلاة كفّار لا يعترف بهم.
الثاني : الطائفة المتوقّفة عند إمامة الإمام موسى الكاظم عليه السلام غير المعترفة بإمامة ابنه علي بن موسى الرضا عليه السلام وهؤلاء المعروفون بـ « الواقفية ». وقد اختصت بهم هذه التسمية ، فلا تتبادر من هذه التسمية إلّا تلك الطائفة.
قال المحقّق البهبهاني : اعلم أنّ الواقفة هم الذين وقفوا على الكاظم عليه السلام ، وربما يطلق الوقف على من وقف على غير الكاظم عليه السلام من الأئمّة ... ولكن عند الإطلاق ينصرف إلى من وقف على الإمام الكاظم عليه السلام ولا ينصرف إلى غيرهم إلّا بالقرينة ، ولعلّ من جملتها عدم دركه للكاظم عليه السلام وموته قبله أو في زمانه ، مثل سماعة بن مهران وعلي بن حيان ويحيى بن القاسم. (1)
سبب ظاهرة التوقف
إنّ السبب الغالب لبروز فكرة التوقف بين طائفة من الشيعة هو أنّها رزحت تحت نير الحكم الأُموي والعباسي ولولا لجوئها إلى التقية واتخاذها سلاحاً لما كتب لها البقاء ، حتى أنّ الاتهام بالزندقة والإلحاد كان أخف وطأً من الاتّهام بالتشيّع في فترة خلافة عبد الملك بن مروان وإمارة الحجاج على العراق ، فكان الأئمّة لا يبوحون بأسرارهم إلّا لخاصتهم ، حتى نرى أنّ رحيل كلّ إمام تعقبه هوة بين الشيعة برهة من الزمن إلى أن يستقرَّ الرأي على الحقّ.
هذا هو السبب الغالب لنشوء بعض الفرق بين الشيعة الذين لم يكن لديهم أيّ اختلاف في الأُصول والفروع إلّا في القيادة والإمامة.
إنّ عصر هارون الرشيد كان عصر القمع والكبت والتضييق على الشيعة وإمامهم ، وكانت سياسته على غرار سياسة أبي جعفر الدوانيقي ، والتاريخ يحدثنا عن السياسة التي اتبعها مع الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
كان الإمام مهوى قلوب الشيعة ، يتلقون عنه أحكام الدين وأُصول المذهب ، وربما تحمل إليه الأموال من المشرق ومن المغرب فشق على هارون لمّا أخبره بعض جواسيسه بهذا الأمر ، ولأجل معالجة هذا الموقف الذي أشغل فكره ، حجّ في تلك السنة وزار قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : يا رسول الله إنّي أعتذر إليك من شيء أُريد أن أفعله ، أُريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتيت بأُمّتك وسفك دمائها. ثمّ أمر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو عليه السلام في إحديهما ، ووجه مع كلّ واحدة منهما خيلاً ، فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأُخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة.
وأمر الرسول أن يسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذٍ ، فمضى به ، فحبسه عنده سنة.
ثمّ كتب إلى الرشيد أن خذه منّي وسلّمه إلى من شئت وإلّا خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجّة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أنّي لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة.
فوجّه من تسلّمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد فبقى عنده مدّة طويلة وأراد الرشيد على شيء من أمره فأبى.
فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلّمه منه ، وأراد ذلك منه فلم يفعل.
وبلغه انّه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة.
وقد أثار هذا الأمر غضبَ الرشيد إلى ان انتهى الأمر بتجريد الفضل بن يحيى وضربه بسياط وعقابين. (2)
هذا هو موقف الرشيد مع الرجل الذي كان يحترمه جلّ المسلمين وينظرون إليه بأنّه من أئمّة أهل البيت ، فكيف الحال مع سواد الناس إذا اتّهموا بالتشيّع وموالاة الإمام عليه السلام ؟!
قال ابن كثير : فلمّا طال سجن الإمام الكاظم عليه السلام كتب إلى الرشيد : « أمّا بعد يا أمير المؤمنين انّه لم ينقضِ عني يوم من البلاء إلّا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون ». (3)
ولم يزل الإمام ينقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الأمر إلى سجن السندي بن شاهك ، فغال في سجن الإمام وزاد في تقييده ، حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم فانبرى السندي إلى تنفيذ هذا الأمر ، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهر على يده الفاجرة.
قال أبو الفرج الاصفهاني : لمّا توفي الإمام مسموماً خشى الرشيد ردّة فعل المسلمين عند انتشار خبر موته ، فأدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن علي وغيره ليشهدوا على أنّه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولمّا شهدوا على ذلك اخرج بجثمانه الطاهر ، ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي بوفاته. (4)
هذه لمحة خاطفة عن حياة الإمام موسى الكاظم عليه السلام توقفك على الوضع السياسي السائد آنذاك في العراق والحجاز ، وموقف الحكومة تجاه إمام الشيعة ، أفهل يمكن للإمام التصريح بالقائد من بعده ؟!
ومع ذلك كلّه فإنّ الإمام الكاظم له تنبوءات عن المستقبل المظلم الذي ينتظره بعض الشيعة ، وإليك بعض ما روي في ذلك :
روي عن ابن سنان قال : دخلت على أبي الحسن موسى الكاظم من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعليّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال : « يا محمد أما إنّه ستكون في هذه السنة حركة ، فلا تجزع لذلك » قال : قلت : وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال : « أصير إلى هذا الطاغية ، (5) أما إنّه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده » (6) قال : قلت : وما يكون جعلني الله فداك ؟ قال : « يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ». قال : قلت : وما ذلك جعلني الله فداك ؟
قال : « من ظلم ابني هذا حقَّه ، وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لأسلِّمن له حقّه ، ولأقرّن بإمامته.
قال : « صدقت يا محمد يمدّ الله في عمرك وتسلِّم له حقّه عليه السلام وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده » ، قال : قلت : ومن ذاك ؟ قال : « ابنه محمد » ، قال : قلت : له الرضا والتسليم. (7)
روى الكشي عن الحكم بن عيص ، قال : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد الله عليه السلام فقال : « يا سليمان من هذا الغلام ؟ » فقال : ابن اختي ، فقال : « هل يعرف هذا الأمر ؟ » فقال : نعم ، فقال : « الحمد لله الذي لم يخلقه شيطاناً ـ ثمّ قال : ـ يا سليمان عوِّذ بالله ولدك من فتنة شيعتنا » فقلت : جعلت فداك وما تلك الفتنة ؟! قال : « إنكارهم الأئمّة عليهم السلام ووقوفهم على ابني موسى عليه السلام ، قال : ينكرون موته ويزعمون أن لا إمام بعده ، أُولئك شرّ الخلق ». (8)
إلى غير ذلك من الروايات التي جمعها الشيخ الطوسي في كتاب « الغيبة » ممّا تدل على تنصيص الإمام الكاظم عليه السلام على إمامة ولده علي بن موسى الرضا عليه السلام غير انّ حبَّ المال آل بالبعض إلى إنكار إمامته ، وقد رويت في ذلك روايات نذكر بعضها :
روى الطوسي في « الغيبة » بسنده عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن بعض أصحابه ، قال : مضى أبو إبراهيم عليه السلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر.
فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام أن احملوا ما قِبَلكم من المال ، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإنّي وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه ، قبلكم ، وكلام يشبه هذا.
فأمّا ابن أبي حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي.
وأمّا عثمان بن عيسى فانّه كتب إليه إنّ أباك ـ صلوات الله عليه ـ لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول : فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأمّا الجواري فقد اعتقتهنّ وتزوجت بهنّ. (9)
روى الكشي ، عن يونس بن عبد الرحمان ، قال : مات أبو الحسن وليس من قُوامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. (10)
روى الصدوق في « العلل » عن يونس بن عبد الرحمان قال : مات أبو الحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، قال : فلمّا رأيت ذلك وتبيّن الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمتُ تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعثا إليّ ، وقالا : ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنتَ تريد المال فنحن نغنيك وضمِنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي : كف ، فأبيت وقلت لهم : إنّا رُوينا عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمَه ، فإن لم يفعل سُلب منه نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كلّ حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة.
وروى أيضاً عن أحمد بن حماد قال : أحد القَوّام ، عثمان بن عيسى الرواسي ، وكان يكون بمصر ، وكان عنده مال كثير وست جواري ، قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام فيهن وفي المال ، قال : فكتب إليه أنّ أباك لم يمت ، قال : فكتب إليه : إنّ أبي قد مات ، وقد اقتسمنا ميراثه ، وقد صحّت الأخبار بموته ، واحتج عليه فيه ، قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات ، فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد اعتقت الجواري وتزوجتهنّ. (11)
إلى غيرها من الروايات الدالّة على أنّ سبب التوقف كان حبّ الجاه والمال.
الواقفية في كتب الملل والنحل
جاءت الواقفية في كتب الملل والنحل على وجه الإجمال ، وهذا يعرب عن عدم وجود دور بارز لهم في عصر الغيبة ، وستوافيك القائمة التي ذكرنا فيها بعض أسماء الرواة من الواقفية.
قال النوبختي ـ بعدما بيّن أنّ الشيعة انقسمت بعد رحيل الإمام الكاظم عليه السلام إلى فرقتين ، وبيّن الفرقة الثانية بالبيان التالي ـ :
1. وقالت الفرقة الثانية : إنّ موسى بن جعفر لم يمت ، وإنّه حيّ ، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّه القائم المهدي ، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به ، وأنّ السلطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنّه غاب عن الناس واختفى ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهما السلام أنّه قال : هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنّه القائم.
وقال بعضهم : إنّه القائم وقد مات ، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع ، فيقوم ويظهر ، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلّا أنّه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى ، وأنّ أصحابه يلقونه ويرونه ، واعتلّوا في ذلك بروايات عن أبيه ، أنّه قال : سمّي القائم قائماً ، لأنّه يقوم بعدما يموت.
وقال بعضهم : إنّه قد مات ، وإنّه القائم ، وإنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ـ صلى الله عليه ـ وانّه لم يرجع ، ولكنّه يرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّ أباه قال : إنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ، وإنّه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.
وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه الله إليه ، وإنّه يردّه عند قيامه ، فسمّوا هؤلاء جميعاً الواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنّه الإمام القائم ، ولم يأتمّوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره.
وقد قال بعضهم ممّن ذكر أنّه حي : إنّ الرضا عليه السلام ومن قام بعده ليسوا بأئمّة ، ولكنّهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه ، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم.
وقد لقّب الواقفةَ بعضُ مخالفيها ممّن قال بإمامة علي بن موسى « الممطورة » وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها ، وكان سبب ذلك انّ عليّ بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظرا بعضهم ، فقال له علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم : ما أنتم إلّا كلاب ممطورة ، أراد أنّكم أنتن من جيف ، لأنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف ، فلزمهم هذا اللقب فهم يُعرفون به اليوم ، لأنّه إذا قيل للرجل انّه ممطور فقد عرف أنّه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة ، لأنّ كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه ، وهذا اللقب لأصحاب موسى. (12)
2. وقال الشيخ الأشعري ملخصاً لما قاله النوبختي ما هذا نصه :
الصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا إلى جعفر بن محمد ويزعمون أنّ جعفر بن محمد نصّ على إمامة ابنه موسى بن جعفر ، وأنّ موسى بن جعفر حيّ لم يَمت ولا يموتُ حتى يملك شرقَ الأرض وغربها ، حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وهذا الصنف يُدْعون « الواقفة » لأنّهم وقفوا على « موسى بن جعفر » ولم يتجاوزوه إلى غيره ، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم « الممطورة » وذلك أنّ رجلاً منهم ناظر « يونس بن عبد الرحمان » ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر ، فقال له يونس : أنتم أهون عليّ من الكلاب الممطورة ، فلزمهم هذا النبز. (13)
3. وقال البغدادي معبّراً عن الواقفة بالموسوية : هؤلاء الذين ساقوا الإمامة إلى جعفر ، ثمّ زعموا أنّ الإمام بعد جعفر ، كان ابنه موسى بن جعفر ، وزعموا أنّ موسى بن جعفر حيّ لم يمت وانّه هو المهدي المنتظر ، وقالوا إنّه دخل دارَ الرشيد ولم يخرج منها ، وقد علمنا إمامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلّا بيقين.
فقيل لهذه الفرقة الموسوية : إذا شككتم في حياته وموته ، فشُكُّوا في إمامته ولا تقطعوا القول بأنّه باق وأنّه هو المهديّ المنتظر ، هذا مع علمكم بأنّ مشهد موسى بن جعفر معروف في الجانب الغربي من بغداد ويُزار.
ويقال لهذه الفرقة موسوية لانتظارها موسى بن جعفر.
ويقال لها الممطورة أيضاً ، لأنّ يونس بن عبد الرحمان القمّي كان من القطعية ( الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر ) وناظر بعض الموسوية فقال في بعض كلامه : أنتم أهون على عيني من الكلاب الممطورة. (14)
4. وقال الشهرستاني ـ بعد أن ذكر الإمام موسى بن جعفر وانّه دفن في مقابر قريش ببغداد ـ : اختلفت الشيعة بعده ...
فمنهم من توقّف في موته ، وقال : لا ندري أمات أم لم يمت ؟ ويقال لهم الممطورة ، سمّاهم بذلك علي بن إسماعيل فقال : ما أنتم إلّا كلاباً ممطورة.
ومنهم من قطع بموته ويقال لهم القطعية.
ومنهم من توقّف عليه ، وقال : إنّه لم يمت ، وسيخرج بعد الغيبة ، ويقال لهم الواقفة. (15)
إنّ ظاهرة الوقف بعد رحيل الإمام الكاظم عليه السلام كانت أمراً خطيراً يهدّد كيان الشيعة ، وتماسكها وانسجامها ، وقد كانت الواقفة تتمسك بشبه ، ربما تغري البسطاء من الشيعة ، وتصدّهم عن القول بامتداد الإمامة إلى عصر الإمام المنتظر.
ولعلّه لأجل خطورة الوقف ، ربما نرى وجود الحث المتزايد على زيارة الإمام الرضا عليه السلام من النبي والوصيّ والصادق والكاظم عليهم السلام ليلفتوا نظر الشيعة إليه ولا يغفلوا عنه.
فقد روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « ستدفن بضعة منّي بأرض خراسان ، لا يزورها مؤمن إلّا أوجب الله له الجنّة ، وحرّم جسده على النار ». (16)
كما توجد روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تؤكد وتحث على زيارة الإمام الرضا عليه السلام وتبيّن فضلها. (17)
ولعلّ تلك الروايات تهدف إلى رفع الشبهات التي أوجدتها الواقفة في ذلك العصر ، ولولا انّ الرضا هو الإمام القائد بعد أبيه ، لما كان لهذا الحث وجه ، وقد جابه الإمام الرضا تلك الزوبعة بعظات بالغة ، ومناظرات قيّمة ، قام فيها بإزالة الالتباس عن شبههم.
وقد جمعها العالم الحجة الشيخ رياض محمد حبيب الناصري في كتابه « الواقفية » ، حيث بلغت ثماني مناظرات. ومن أراد الوقوف على مضامينها فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب القيّم الذي طرح فيه الواقفية ودرسها دراسة تحليلية رائعة. (18)
مشاهير الواقفية
يظهر من مراجعة الكتب الرجالية ، انّ عدد الواقفية لم يكن قليلاً ، وقد ذكر الشيخ الطوسي فيهم حوالي أربعة وستين شخصاً ، فمن مشاهيرهم :
1. سماعة بن مهران.
2. جعفر بن سماعة.
3. الحسن بن محمد بن سماعة.
4. زرعة بن محمد الحضرمي.
5. زياد بن مروان القندي.
6. داود بن الحصين.
7. درست بن أبي منصور.
8. عثمان بن عيسى الرواسي.
9. علي بن أبي حمزة البطائني.
10. علي بن الحسن الطاطري.
11. حنان بن سدير الصيرفي.
12. يحيى بن القاسم الحذاء.
13. يحيى بن الحسين بن زيد.
14. سعد بن خلف. (19)
ثمّ إنّ هناك لفيفاً آخر من الواقفية ذكرهم النجاشي في رجاله ، وليس فيهم اسم سماعة بن مهران ، ولا ولده جعفر ، ولا سبطه محمد ، وربما تردّد بعضهم في عدّ سماعة من الواقفية ، إذ لو كان كذلك لما خفي على مثل النجاشي ، ولا على ابن الغضائري.
وقد جمع الشيخ الناصري أسماء الموصوفين بالوقف من الكتب الرجالية وغيرها ، غير أنّ كثيراً منهم رجعوا عن الوقف.
ومن العجب العجاب انّ سبعة أشخاص من أصحاب الإجماع ، رُمُوا بالوقف ، وهؤلاء هم :
1. أحمد بن محمد بن أبي نصر.
2. جميل بن دراج.
3. حماد بن عيسى.
4. صفوان بن يحيى.
5. عثمان بن عيسى.
6. يونس بن عبد الرحمان.
7. عبد الله بن المغيرة.
وأظن أنّ اتّهامهم بالوقف ربما يعود إلى فحصهم وترّيثهم في الإمام الذي يعقب الإمام الكاظم عليه السلام بعد رحيله. ولو كان هذا هو المنطلق لوصفهم بالوقف فلا يوجد أي مبرر لهذا الرمي والوصف ، وعلى أية حال فإنّهم رجعوا عن الوقف ، حتّى أنّ يونس بن عبد الرحمان كان في الصف المقدّم لمكافحة الوقف وهو الذي وصف الواقفية بالكلاب الممطورة كما في بعض الروايات ، وهذا ما يثير الشكوك حول وصفه وزملائه بالوقف.
ثمّ إنّ هناك ردوداً بين الطائفتين ذكرها الطوسي في « الفهرست » و « الغيبة » فمن الكتب المؤلّفة في نصرة الواقفية :
1. « نصرة الواقفة » لعلي بن أحمد العلوي الموسوي ، ذكره الشيخ. (20)
2. « الصفة في الغيبة على مذهب الواقفة » لعبد الله بن جبلة. (21)
3. رسالة لعلي بن الحسن الطاطري في نصرة مذهبه. (22)
وهناك ردود من الأصحاب على تلك المؤلفات ، ذكرها النجاشي في رجاله ، نذكر منها ما يلي :
1. الرد على الواقفة لإسماعيل بن علي بن إسحاق بن سهل بن نوبخت. (23)
2. الرد على الواقفة للحسن بن موسى الخشاب. (24)
3. الرد على الواقفة للحسين بن علي البزوفري. (25)
4. الرد على الواقفة لفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني. (26)
بقي الكلام في رجال الواقفة الذين وردت أسماؤهم في الكتب الرجالية ، وكان لهم دور في نقل الحديث وتدوينه ، فإليك فهرس أسمائهم ، وأمّا الكلام عن تراجمهم وحالاتهم فموكول إلى محله.
1. إبراهيم.
2. أبو جبل.
3. أبو جعدة.
4. أبو جنادة الأعمىٰ.
5. أحمد بن أبي بشر السرّاج.
6. أحمد بن الحارث.
7. أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار.
8. أحمد بن زياد الخزّاز.
9. أحمد بن السري.
10. أحمد بن الفضل الخزاعي.
11. أحمد بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم القلاء السوّاق.
12. إدريس بن الفضل بن سليمان الخولاني.
13. إسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.
14. إسماعيل بن أبي بكر محمد بن الربيع بن أبي السمّال الأسدي.
15. إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبي.
16. أُمية بن عمرو الشعيري.
17. بكر بن محمد بن جناح.
18. جعفر بن المثنى الخطيب.
19. جعفر بن محمد بن سماعة بن موسى بن رويد.
20. جندب بن أيوب.
21. جهم بن جعفر بن حيان.
22. الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني.
23. الحسن بن محمد بن سماعة ، أبو محمد الكندي الصيرفي الكوفي.
24. الحسين ( من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ).
25. الحسين بن أبي سعيد هاشم بن حيّان المكاري.
26. الحسين بن قياما.
27. الحسين بن كيسان.
28. الحسين بن المختار ، أبو عبد الله القلانسي.
29. الحسين بن مهران بن محمد ، أبو نصر السكوني.
30. الحسين بن موسى.
31. حصين بن المخارق بن عبد الرحمان بن ورقاء بن حبشي بن جنادة.
32. حميد بن زياد بن حمّاد بن حمّاد بن زياد هوار الدهقان.
33. حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي.
34. داود بن الحصين الأسدي.
35. دُرست بن أبي منصور محمد الواسطي.
36. زرعة بن محمد الحضرمي.
37. زكريا بن محمد ، أبو عبد الله المؤمن.
38. زياد بن مروان الأنباري القندي.
39. زيد بن موسىٰ.
40. سعد بن أبي عمران الأنصاري.
41. سعد بن خلف.
42. سلمة بن حيّان.
43. سماعة بن مهران بن عبد الرحمان الحضرمي.
44. عبد الله بن جبلة بن حيّان بن أبجر الكناني.
45. عبد الله بن عثمان الحنّاط.
46. عبد الله بن القاسم الحضرمي.
47. عبد الله بن القصير.
48. عبد الله النخّاس.
49. عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي.
50 ـ عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن عبيد الله بن محمد الانباري.
51. عثمان بن عيسى ، أبو عمرو العامري الكلابي الرواسي.
52. عثمان بن عيسى الكلابي ، مولىٰ لبني عامر ، وليس بالرواسي.
53. علي بن أبي حمزة البطائني.
54. علي بن جعفر بن العباس الخزاعي المروزي.
55. علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري.
56. علي بن الخطّاب.
57. علي بن سعيد المكاري.
58. علي بن عمر الأعرج الكوفي.
59. علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح السوّاق ، ويقال : القلّاء.
60 ـ علي بن وهبان.
61. عمر بن رباح الزهري القلا.
62. عنبسة بن مصعب العجلي.
63. عيسى بن عيسى الكلابي مولىٰ بني عامر ـ وليس بالرواسي ـ.
64. غالب بن عثمان.
65. الفضل بن يونس الكاتب البغدادي.
66. القاسم بن إسماعيل القرشي ، أبو محمد المنذر.
67. القاسم بن محمد الجوهري.
68. محمد بن بكر بن جناح.
69. محمد بن الحسن بن شمّون.
70 ـ محمد بن عبد الله الجلّاب البصري.
71. محمد بن عبد الله بن غالب الأنصاري البزاز.
72. محمد بن عبيد بن صاعد.
73. محمد بن عمر.
74. محمد بن محمد بن علي بن عمرو بن رباح.
75. مقاتل بن مقاتل بن قياما.
76. منصور بن يونس بزرج.
77. موسى بن بكر الواسطي.
78. موسى بن حماد الطيالسي الذرّاع.
79. هاشم بن حيان ، أبو سعيد المكاري.
80 ـ وهيب بن حفص ، أبو علي الجريري.
81. يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام.
82. يزيد بن خليفة الحارثي.
83. يوسف بن يعقوب.
الهوامش
1. البهبهاني : الفوائد الرجالية : 40.
2. الطوسي : الغيبة : 28 ـ 30 بتلخيص.
3. ابن كثير : البداية والنهاية : 10 / 190.
4. أبو الفرج الاصفهاني : مقاتل الطالبيين : 504.
5. يريد به المهدي العباسي.
6. يريد به موسى بن المهدي.
7. الطوسي : الغيبة : 33 ـ 34.
8. الكشي : الرجال : 389 ؛ البحار : 48 / 265 ، الحديث 24.
9. الطوسي : الغيبة : 64 ـ 65 ، الحديث 67.
10. الكشي : الرجال : 345.
11. الصدوق : علل الشرائع : 235.
12. النوبختي : فرق الشيعة : 80 ـ 82 ، وفي ذيل كلامه إشارة إلى القسمين من الوقف كما ذكرناه.
13. الأشعري : مقالات الإسلاميين : 28 ـ 29.
14. البغدادي : الفرق بين الفرق : 63.
15. الشهرستاني : الملل والنحل : 169 ، ولاحظ التبصير للاسفرائيني : 38 ، حيث عبّر عنهم بالموسوية.
16. الصدوق : الفقيه : 2 / 351 ، الحديث 36.
17. راجع الكافي : 4 / 584 ؛ والفقيه : 2 / 348 ـ 351 ؛ والتهذيب : 6 / 84.
18. الواقفية : 1 / 151 ـ 163 ، ولقد رجعنا إلى ذلك الكتاب في دراسة هذه الطائفة فشكر الله مساعيه.
19. وقد استخرج محقّق رجال الطوسي ، أسماء الذين وصفوا بالوقف فيه ، تحت فهرست المنسوبين إلى المذاهب الفاسدة. رجال الطوسي : 589 ـ 591.
20. الطوسي : الغيبة : 29.
21. النجاشي : الرجال : 2 / 13 برقم 561.
22. الطوسي : الفهرست : 118 برقم 392.
23. النجاشي : الرجال : 1 / 121 برقم 67.
24. النجاشي : الرجال : 1 / 143 برقم 84.
25. النجاشي : الرجال : 1 / 188 برقم 160.
26. النجاشي : الرجال : 2 / 174 برقم 846.
مقتبس من كتاب : بحوث في الملل والنحل / المجلّد : 8 / الصفحة : 377 ـ 394
التعلیقات