ادعية وأذكار وآداب النوم
إتيكيت
منذ 3 أشهرالنوم هو نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وبه تستعيد الأجساد قوتها وتستجمع الأرواح طاقتها لمواصلة مسيرة الحياة. ولقد اهتم الإسلام بتنظيم حياة المسلم بما يضمن له الراحة والسكينة، ولذا فقد وردت عن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته عليهم السلام العديد من التوجيهات والآداب المتعلقة بالنوم. هذه الآداب ليست مجرد توجيهات للنظافة والراحة فحسب، بل هي سلوكيات روحانية تعزز العلاقة بين الإنسان وخالقه، وتضفي على النوم طابعًا من الطمأنينة والبركة. كما تضمنت الأدعية والأذكار التي تحفظ الإنسان من كل سوء وتضمن له نومًا هانئًا وعافية مستدامة. في هذه المقالة، سنستعرض جملة من تلك الآداب والأدعية، لنقف على أهمية اتباعها في حياتنا اليومية.
ولقد روي عن سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها قالت : « دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وقد افترشت فراشي للنوم ، فقال لي : يا فاطمة لاتنامي إِلاّ وقد عملت أربعة : ختمت القرآن ، وجعلت الأنبياء شفعاءك ، وأرضيت المؤمنين عن نفسك ، وحججت واعتمرت ، قال هذا وأخذ في الصلاة فصبرت حتى أتمّ صلاته ، قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال فتبسم صلى الله عليه وآله وقال : إذا قرأت ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ثلاث مرات ، فكأنك ختمت القرآن ، وإذا صلّيت عليّ وعلى الأنبياء قبلي كنّا شفعاءك يوم القيامة ، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلهم عنك ، وإذا قلت : سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ لله وَلا إلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ ، فقد حججت واعتمرت » (1).
آداب وأذكار النوم في الإسلام
لقد أولى الإسلام عناية كبيرة بأداب النوم وتوجيهات لتحقيق الراحة الجسدية والروحية. من خلال اتباع تلك الآداب، يستطيع المؤمن أن ينعم بنوم هادئ ويقظة نشطة. في هذا القسم، سنستعرض بعض الأذكار والأدعية الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام التي يُستحب قراءتها قبل النوم.
1ـ قراءة ذكر الوارد قبل النوم
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: « من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات: الحَمْدُ لله الَّذي عَلا فَقَهَرَ، وَالحَمْدُ لله الَّذي بَطَنَ فَخَبَرَ، وَالحَمْدُ لله الَّذي مَلَكَ فَقَدَرَ، وَالحَمْدُ لله الَّذي يُحْيي المَوْتى وَيُميتُ الاحْياءَ وهوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، خرج من الذنوب كهئية يوم ولدته أمه « (2).
2ـ قراءة آية الكرسي
عن محمّد بن مروان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قُلْتُ : بَلَى، قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَ يَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَ كَفَرْتُ بِالطَّاغُوتِ اللَّهُمَّ احْفَظْنِي فِي مَنَامِي وَ فِي يَقَظَتِي » (3).
3ـ التعوذ بأسماء الله الحسنى
نقل عن المفضل بن عمر، قال: قال لي الإمام الصادق عليه السلام: « إن استطعت أن لا تبيت ليلة حتى تعوّذ بأحد عشر حرفاً؛ قلت أخبرني بها، قال: قُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِسُلْطَانِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِجَمَالِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِدَفْعِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِمَنْعِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِجَمْعِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِمُلْكِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ وَ أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَ بَرَأَ وَ ذَرَأَ وَ تَعَوَّذْ بِهِ كُلَّمَا شِئْتَ » (4).
4ـ قراءة سورة الإخلاص والكافرون
عن أبي أسامة قال سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : « مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ خَمْسِينَ عَاماً » (5)، وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « اقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون عند منامك فانها براءة من الشرك وقل هو الله نسبة الرب » (6).
5ـ الاستعداد للمنية قبل النوم
ينبغي للمؤمن أن يتأهب لموافاة المنية، وأن يكون على طهر، ويُفضل أن ينام على هيئة الميت في اللحد. كما يُستحب قراءة تسبيح الزهراء سلام الله عليها قبل النوم، والنوم على الجنب الأيمن مستقبل القبلة.
6ـ دعاء الاستيقاظ لصلاة الليل
من الأذكار الهامة التي تُقال لمن يخشى أن يغلبه النوم ولا يستيقظ لصلاة الليل: قراءة الآية الأخيرة من سورة الكهف: ﴿ قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يوحى إلى أَنَّما إلهَكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعْمَلْ عَمَلاً صالِحا وَلايُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَداً ﴾ (7).
7ـ دعاء للحماية من العقرب والهوام
للخوف من العقارب والهوام يُستحب قراءة هذا الدعاء: « أعوذُ بِكَلِماتِ الله التّامّاتِ الَّتي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فاجِرٌ مِنْ شَرِّ ماذَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مابَرَأَ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ هوَ آخِذٌ بِناصيَتِها إنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ » (8).
8ـ دعاء للتحصن من الأحلام المزعجة
جاء في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الاِحتِلامِ ، ومِن سوءِ الأَحلامِ ، وأن يَلعَبَ بِيَ الشَّيطانُ فِي اليَقَظَةِ وَالمَنامِ » (9).
9ـ آية التحصين من انهيار الدار
إذا خشي المؤمن انهيار المنزل الذي ينام فيه، يُستحب قراءة هذه الآية: ﴿ إنَّ الله يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالارضَ أنْ تَزولا وَلَئِنْ زالَتا إنْ أمْسَكَهُما مِنْ أحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ (10).
10ـ نصائح أخرى
وتكحل عند النوم بسبعة أميال أربعة منها في العين اليمنى وثلاثة في اليسرى وقل عند الاكتحال : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ أنْ تُصَلّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأنْ تَجْعَلَ النّورَ في بَصَري وَالبَصيرَةَ في ديني وَاليَقينَ في قَلْبي وَالاخْلاصَ في عَمَلي وَالسَّلامَةَ في نَفْسي والسَّعَةَ في رِزْقي وَالشُكْرَ لَكَ أبَداً ما أبْقَيْتَني إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍ قَديرٌ».
وينبغي أن تترك نوم الغداة والنوم بعد العصر. وإذا أردت أن تنام فأطفي السراج ونم مستقبل القبلة ، ولاتنم على سطح لم يحوّط ولاتحدث بما رأيته في المنام كل أحد إِلاّ من كان عالما ناصحا رَؤُوفاً (11).
النوم ليس مجرد حاجة بيولوجية ضرورية لاستمرار الحياة، بل هو أيضاً وقتٌ للراحة الروحية والتواصل مع الخالق. باتباع آداب وأذكار النوم التي أرشدنا إليها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، يتمكن المسلم من تحويل لحظات النوم إلى تجربة مفعمة بالروحانية والسكينة. هذه الأذكار والتعاليم ليست مجرد طقوس دينية، بل هي سلوكيات تهدف إلى توجيه قلب المؤمن نحو الله، وتنقيته من هموم الدنيا، وإبعاده عن المخاوف التي قد تزعج نومه.
من خلال الالتزام بهذه الآداب، يضمن المسلم أن يكون نومه خالياً من الاضطرابات النفسية والقلق الذي قد ينشأ من ضغوط الحياة اليومية. فذكر الله قبل النوم يمنح النفس طمأنينةً وسلاماً داخلياً، مما يساعد في التخلص من الأحلام المزعجة والكوابيس. كما أن قراءة الأدعية الخاصة بالتحصين من الشيطان والشرور تضمن حماية المؤمن أثناء نومه من أي أذى قد يتعرض له، سواء كان هذا الأذى جسدياً أو روحياً.
النوم وفقاً لهذه التعاليم لا يكون مجرد راحة للجسد، بل يصبح وقتاً للتفكر والتوبة والاتصال بالله. المسلم الذي ينام وهو على طهارة، بعد أن أدى صلاة العشاء وتذكر الله، يستيقظ بروح نشطة ونفس مطمئنة. هذا النوم الهانئ يعزز الصحة العامة للجسد ويقوي الإيمان، حيث يظل المؤمن في حالة من الذكر والاتصال بالله حتى في ساعات الراحة.
وعلاوة على ذلك، فإن هذه الآداب تجعل من النوم استعداداً ليوم جديد مليء بالنشاط والإيجابية. فالإسلام يعلمنا أن النوم يجب أن يكون مسبوقاً بالتفكر في الأعمال التي قمنا بها خلال اليوم، والتوبة عن أي خطأ قد ارتكبناه، وتجديد النية للقيام بالأعمال الصالحة في اليوم التالي. هذا يضفي على حياة المسلم توازناً واستقراراً يجعله قادراً على مواجهة تحديات الحياة بكل ثقة وهدوء.
في النهاية، يمكن القول إن النوم الذي يتبعه المسلم وفقاً لهذه الأداب والأذكار ليس مجرد انقطاع عن الحياة اليومية، بل هو جزء لا يتجزأ من دورة الحياة الروحية للمؤمن. إنه وقت يتيح للمسلم أن يجدد إيمانه ويستعيد طاقته الروحية، مستعداً لمواجهة يوم جديد بروح مليئة بالأمل والتفاؤل. لذا، فإن الالتزام بهذه التعاليم النبوية ليس فقط لتحقيق نوم هادئ، بل هو سعي مستمر لتعزيز العلاقة بين الإنسان وخالقه، ولعيش حياة متوازنة تنعم بالسلام الداخلي والطاعة الربانية.
1ـ مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 860.
2ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 535 / ط الاسلامية.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 536 / ط الاسلامية.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 538 / ط الاسلامية.
5ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 539 / ط الاسلامية.
6ـ تهذيب الأحكام / شيخ الطائفة / المجلّد : 2 / الصفحة : 116.
7ـ من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 471.
8ـ تهذيب الأحكام / شيخ الطائفة / المجلّد : 2 / الصفحة : 117.
9ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 536 / ط الاسلامية.
10 ـ تهذيب الأحكام / شيخ الطائفة / المجلّد : 2 / الصفحة : 117.
11ـ مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 755.
التعلیقات