آداب وفوائد التختم
شيخ مهدي المجاهد
منذ شهرمنذ القدم، كانت الأحجار الكريمة محور اهتمام الإنسان، ليس فقط لجمالها وسحرها الذي يجذب الأعين، بل أيضًا لما أشيع عن قدرتها على التأثير في الصحة والطاقة الروحية والنفسية. عُرفت هذه الأحجار بخصائصها التي تجمع بين الطبيعة البكر وأسرار الكون، حيث آمن الناس على مر العصور بأن لكل حجر تأثيرًا خاصًا، وقوى مخفية تفيض بالطاقة، مما يجعلها قادرة على تهدئة الروح، وشفاء الجسد، وجلب الحظ والسعادة.
في الحضارات القديمة، مثل الحضارة المصرية والبابلية، استُخدمت الأحجار الكريمة كتعويذات للحماية، وأدوات في الطقوس الدينية، ولجذب البركة. وقد اكتشف الفراعنة أنواعًا متنوعة من الأحجار الكريمة، فزينوا بها معابدهم وتاج ملوكهم، مؤمنين بأنها قادرة على تعزيز صفات الحكمة والشجاعة، كما استخدموها لعلاج الأمراض ودرء المخاطر.
واليوم، لا يزال تأثير الأحجار الكريمة حاضرًا، بل ازداد الاعتقاد بقدرتها على تجديد الطاقة والتوازن الروحي، في ظل ازدهار مفاهيم مثل "الطاقة" و"العلاج بالطاقة"، حيث يُعتقد أن لكل حجر ذبذبات خاصة تنسجم مع طاقة الإنسان، ما يجعله أداة لتجديد النشاط وإبعاد السلبية. ففي عالمنا المعاصر، عاد التختم بالأحجار الكريمة ليكون وسيلة للتعبير عن الارتباط بالطبيعة والسعي لتحقيق الراحة النفسية والجسدية، مما يؤكد أن سحرها لم يزل قويًا، وأن قيمتها الروحية تجاوزت الزمان لتصل إلى عصرنا الحالي.
الأحجار الكريمة كانت وما زالت محط اهتمام البشرية، حيث جمعت بين الجمال والقيمة الروحية، وتنوعت فوائدها ليشعر الإنسان بآثارها على النفس والجسد. وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام، وهم الأعلم بمكنونات الطبيعة، جملة من الروايات التي تبين أثر التختم بالأحجار الكريمة، فعدوها مصدرًا للراحة النفسية، وقوة لدرء البلاء، وزيادة البركة في الرزق، وجلب الحظ السعيد.
فالتختم بالأحجار الكريمة ليس مجرد عادة تجميلية، بل هو ممارسة تعكس الإيمان بالعلم الروحي والفوائد التي أودعها الله في هذه الأحجار، والتي تتجاوز بريقها إلى فوائد أعمق، تعزز من ارتباط المؤمن بقدرة الخالق وتجدد الطاقة الإيجابية.
التختم في روايات أهل البيت عليهم السلام
في تعاليم أهل البيت عليهم السلام، نجد جملة من الآداب والطقوس المرتبطة بالتختم بالأحجار الكريمة، حيث اعتبروا التختم من الأمور المستحبة والمباركة التي يمكن أن تجلب الخير والبركة للإنسان وتقيه من الشرور. إليك بعض من هذه الآداب والطقوس المهمة:
1 - يستحب التختم بالفضة، وقيل بكراهية ما عداه، كالحديد والنحاس وأما التختم بالذهب للرجال فحرام لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : « لَا تَخَتَّمْ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهُ زِينَتُكَ فِي الْآخِرَةِ » (1).
2- يستحب أن يكون فصّ الخاتم مُدوَّراً ، وهكذا كان خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكانت حلقته من الفضة، وفيه فصّ أسود مكتوب عليه في سطرين: محمد رسول اللَّه.
3- يجوز التختم باليمين كما باليسار، والروايات في ذلك كثيرة جداً، وبعض العلماء رضوان اللَّه عليهم يُرجِّح التختم باليمين، وهناك تفاصيل مفيدة في هذا الموضوع سنذكرها في نهاية المقالة.
لكن ينبغي أن يكون واضحاً أنّ مَنْ أراد التختم باليسار، وعلى خاتمه نقش من أسماء اللَّه تبارك وتعالى أو من كلامه المبارك، فليُحوِّله عن يُسراه عند استنجائه.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : « مَنْ نَقَشَ عَلَى خَاتَمِهِ اسْمَ اللَّهِ فَلْيُحَوِّلْهُ عَنِ الْيَدِ الَّتِي يَسْتَنْجِي بِهَا فِي الْمُتَوَضَّإِ » (2).
4- يلبس الخاتم في الخنصر، وليس في السبابة والوسطى فقد ورد النهي عن ذلك فإنه من عادات قوم لوط، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عليّ لا تختّم في السّبابة و الوسطى فإنّه كان يتختّم قوم لوط فيهما. و لا تعرّ الخنصر (3).
5- لا بأس بعدة خواتم يلبسها، أو يحتفظ بها ويُبدل لبسها.
6 - ويستحب التبليغ بالخواتيم إلى آخر الأصابع، وأن لا تجعل في أولها.
7- ورد أن من الشرك الخفي تحويل الخاتم وإدارته لطلب الحاجة ونحوه إلا إذا كان لعدِّ الركعات.
8- أما أنواع ما يُستحب التختم به من الأحجار الكريمة فسيدها العقيق على أنواعه وألوانه ثم الياقوت والزمرُّد والفيروز والجزع اليماني والحديد الصيني.
اختيار اليد اليمنى للتختم
ورد في الروايات استحباب لبس الخاتم في اليد اليمنى، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : « كان النبي صلى الله عليه وآله يتختم في يده اليمنى ». وقد وردت روايات عديدة تشير إلى أن التختم في اليد اليمنى يُعد من سنن الأنبياء ويجلب البركة.
وورد عن محمد بن أبي عمير، قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام أخبرني عن تختّم أمير المؤمنين عليه السلام بيمينه لأيّ شيء كان؟ فقال: « إنّما كان يتختّم بيمينه لأنّه إمام أصحاب اليمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، و قد مدح الله أصحاب اليمين و ذمّ أصحاب الشمال، و قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتختّم بيمينه و هو علامة لشيعتنا يعرفون به و بالمحافظة على أوقات الصّلاة و إيتاء الزكاة و مواساة الإخوان و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر » (4).
قال جبرئيل عليه السلام: « يا رسول الله، ما من أحد تختّم في يمينه، و أراد بذلك سنّتك، و رأيته يوم القيامة متحيّرا إلّا أخذت بيده و أوصلته إليك، و إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام » (5).
أدعية التختم
عند ارتداء الخاتم، يُستحب قراءة بعض الأدعية لتعزيز الفائدة الروحية، ومنها ما ورد في فقه الرضا أنه إذا أردت لبس الخاتم في يدك فقل: « اللّهمّ سمني (6) بسيماء الإيمان، و اختم لي بخير و اجعل عاقبتي إلى خير إنّك أنت العزيز الكريم » (7).
و أورد ابن طاووس رواية أخرى في أنّه يقرأ هذا الدعاء:
« اللهمّ سوّمني بسيماء الإيمان، و توّجني بتاج الكرامة، و قلّدني حبل الإسلام، و لا تخلع ربقة الإيمان من عنقي » (8)، فالدعاء بنية الحفظ من البلاء وزيادة البركة يعزز من أثر الخاتم الروحي.
نقش خواتيم الأنبياء عليهم السلام
عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الثاني عليه السلام ، قال :
قلت له : إنا روينا في الحديث أنه كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وآله « محمد رسول الله » ؟ قال : صدقوا ، قال : فقال لي : تدري ما كان نقش خاتم آدم عليه السلام؟ قال : قلت : لا ، قال : كان نقش خاتم آدم لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله قال ابن خالد : قال لي أبو الحسن عليه السلام إن الله أوحى إلى نوح عليه السلام إذا استويت يا نوح أنت ومن معك على الفلك فهلل ألف مرة ثم سلني حاجتك ، قال : فلما ركب ورفع القلع عصفت عليه الريح فلم يأمن نوح الغرق حيث اضطربت السفينة ، فقال : إن أنا هللت ألف مرة خفت أن تغرق السفينة قبل أن أفرغ من ذلك فأجمل الامر جملة بالسريانية ، فقال : ألفا هو هو هو يا بارئ اتقن قال : فاستوت السفينة وسلمه الله ، قال نوح : إن كلاما نجوت به ومن معي ممن آمن من الغرق ينبغي أن أتختم به ولا يفارقني ، قال الحسين بن خالد : فقلت لابي الحسن عليه السلام : وما تفسير كلام نوح عليه السلام؟ قال : هذا كلام بالسريانية وتفسيره بالعربية لا إله إلا الله ألف مرة يا الله أصلح. قال : قال : وكان نقش خاتم إبراهيم عليه السلام ستة أحرف نزل بها جبريل عليه السلام حين وضع في كفة المنجنيق ، فقال له : يا إبراهيم إن الله يقرؤك السلام ويقول لك : طب نفسا فلا بأس عليك ، وأمرة أن يتختم بذلك الخاتم ، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما ، وكانت الستة الاحرف هي : « لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، توكلت على الله ، أسندت ظهري إلى الله ، فوضت أمري إلى الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله » فكان هذا نقش خاتم إبراهيم عليه السلام. وكان نقش خاتم سليمان بن داود عليه السلام « سبحان من ألجم الجن بكلمته ». ونقش خاتم موسى عليه السلام حرفين اشتقهما من التوراة : « أصبر توجر أصدق تنج ». وكان نقش خاتم عيسى عليه السلام حرفين من الانجيل « طوبى لعبد ذكر الله من أجله ، والويل لعبد نسي الله من أجله » (9).
1ـ الكافي / الشيخ الكليني / الجلّد : 6 / الصفحة : 468 / ط الاسلامية.
2ـ الكافي / الشيخ الكليني / الجلّد : 6 / الصفحة : 474 / ط الاسلامية.
3ـ الوسائل / الحر العاملي / المجلّد : 3 / الصفحة : 408 / باب 59 من أبواب أحكام الملابس ح 2.
4ـ الوسائل / الحر العاملي / المجلّد : 3 / الصفحة : 396 / باب 49 من أبواب أحكام الملابس ح 3.
5ـ مستدرك الوسائل / المحدّث النوري / المجلّد : 3 / الصفحة : 290 / الحديث : 10.
6ـ يقال: سوم الشيء تسويما: جعل عليه سيمة، و السومة و السيمة و السيماء: العلامة و الهيئة.
7ـ مستدرك الوسائل / المحدّث النوري / المجلّد : 1 / الصفحة : 221 / الحديث : 25.
8ـ حلية المتقين فى آلادب و السنن و الاخلاق / العلامة المجلسي؛ مترجم خلیل رزق العاملي / المجلّد : 1 / الصفحة : 55.
9ـ مكارم الاخلاق: رضي الدين الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 91.
التعلیقات