النساء في الإسلام: أدوارهن الاقتصادية والتأثير المالي عبر التاريخ
السيد حسين الهاشمي
منذ شهركان العرب والعجم في الجاهلية يحرمون النساء من التملك ويضيّقون عليهن في التصرف بما يملكن. فجاء الإسلام وأبطل ذلك وساوى بين الرجل والمرأة في حق التملك، وأبطل استبداد الأزواج بأموال زوجاتهم، وأثبت لهن حق التملك بأنواعه والتصرف بأموالهن بالطرق المشروعة. منح الإسلام المرأة الحقوق المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر.
الامتيازات المالية للمرأة في العائلة
الامتيازات المالية هي من أهم الحقوق التي جعلها الله سبحانه تعالى للمرأة في العائلة الإسلامية. فلهذه الحقوق المالية جانب اقتصادي عميق للمرأة في العائلة. ويمكن أن يتم إثبات هذه الحقوق المالية والاقتصادية للمرأة من أجل المصالح العامة التي علمها الله سبحانه وتعالى، وجعل هذه الحقوق للمرأة لتحقيق تلك المصالح العالية والعامة. وأيضًا يمكن إثبات هذه الحقوق للمرأة استنادًا إلى القواعد العامة مثل قواعد الضمان والأجرة مقابل العمل. كما يمكن إثبات بعض هذه الحقوق للمرأة بناءً على عقد النكاح بين الزوجين والتوافق الذي تحقق بين الرجل والمرأة قبل إبرام عقد الزواج.
فيجب علينا أن نعرف ما هي الحقوق المالية والاقتصادية للمرأة في العائلة، حتى لا تضيع هذه الحقوق بسبب غفلتنا عنها أو تجاهلنا لها وعدم الاعتناء ببعضها.
الأول: حق المهر والصداق
الحق الأول الذي يثبت للمرأة على رقبة زوجها هو حق المهر والصداق. فالمهر حق واجب يجب أن يتعين في عقد النكاح الدائم والموقت ويجب على الزوج أن يعطي المهر لزوجته حسب التوافق الذي تمّ بينهما قبل النكاح وذكر في النكاح.
بعض المتفكرين الغربيين يريدون أن يقولوا إن المهر ليس بشيء جعله الله سبحانه وتعالى للمرأة وليس فضيلة للنساء من قبل الشريعة الإسلامية. بل إن المهر له سبقة تاريخية غربية والإسلام قلد الطريقة الغربية. هم يقولون: « إن في العصور القديمة، كان الرجال يذهبون إلى الحروب والصراعات المالية والقبلية وهذه الحروب والصراعات غالبا ما كانت تنتج في فوز جهة واحدة وخسران الجهة الأخرى.
والجهة والقوم الذي يفوز كان يأخذ الأموال والنساء غنيمة لهم. فالنساء اللاتي تم إسارتهن في هذه الحروب أو بعد هذه الحروب، كان يتمّ إجبارهن حتى يصبحن أزواجا للرجال. لكن العائلة التي كانت تنعقد لأجل إسارة النساء وإجبارهن بالتزويج لم تكن باقية ولم تتحقق العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة في هذه العائلة. لهذا قرر الرجال أن يذهبوا إلى النساء ويعطوهن هدايا ثمينة حتى تنعطف قلوب هذه النساء وتميل النساء إلى الرجال ويقبلن من صميم قلوبهن أن يتزوجن مع الرجال وهذا التزويج لم يكن بسبب إجبار النساء. وهكذا قد صار المهر والصداق عادة بين الرجال في القبائل الغربية» (1).
لكن هذا القول ليس بصحيح لأننا حينما نراجع إلى الكتب التاريخية للقبائل الغربية أو أي حضارة قديمة ليس لهذا القول أثر في أيّ كتاب أو مقالة علمية. فهذا قول بلا دليل ومجرد إدعاء غير علمي حتى يمنعوا من أن يتمّ تبيين فضائل المرأة المؤمنة في الشريعة الإسلامية (2).
فالصداق والمهر، حق مالي جعلها الله سبحانه وتعالى حقا للمرأة وقد ذكره في كتابه الكريم حيث قال: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ﴾ (3).
في هذه الآية الكريمة ظرافة عجيبة. لأنه يعبر عن المهر بالصدقة. والصدقة من الصِدق. وهذا يدلّ على أن المهر والصداق في الشريعة الإسلامية علامة على صدق المحبة والعلاقة بين الزوجين. وأيضا أضاف كلمة (صدقات) إلى (هن) حتى يتضح للجميع أن المهر والصداق حق لنفس المرأة ولا حق لأحد غيرها فيها حتى أبويها. وثالثا قد وصف الله سبحانه وتعالى المهر بكونه (نحلة) والنحلة عبارة عن هدية وعطية. وهذا يدلّ على أن المهر والصداق، هو هدية وعطية من جانب الزوج إلى زوجته حتى يبين الزوج لها مدى أهميتها له. لكن بعض العلماء لم يقبلوا النكتة الأخيرة وقالوا إن النحلة من الانتحال والانتحال عبارة عن التدين. فالزوج يعطي المهر لزوجته حتى يتضح أن هذه العلاقة مبنية على التدين بدين الله سبحانه وتعالى. لأن الله سبحانه وتعالى قد فرض على الرجال أن يعطوا المهر إلى أزواجهم وهم يقدمون المهر إلى زوجاتهم لأجل التدين بدين الله سبحانه وتعالى والشريعة الإسلامية. (4).
وأيضا ورد المهر والصداق في آية أخرى من القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ (5).
وأيضا قد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى أن المهر لا يسقط بالطلاق. لكن إذا تمّ طلاق الزوجة قبل الدخول، فيحق لها أن تأخذ نصف المهر فقط. لأن الله سبحانه وتعالى قال:﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (6). وأيضا قال:﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ (7). وأيضا قال في آية أخرى:﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ (8).
الثاني: النحلة
النحلة عبارة عن مبلغ مالي معين حسب القدرة المالية للزوج. ومورد النحلة كالتالي. إذا أمر الزوج زوجته بفعل أعمال لم تكن هذه الأعمال وظيفة للزوجة شرعا أو في ضمن عقد النكاح، إذا تمّ تثبيت أن الزوجة فعلت هذه الأعمال بقصد عدم التبرع، فعلى الزوج أن يعطي أجرة المثل لزوجته. لكن في غالب الموارد لايمكن أن يقال إن الزوجة فعلت هذه الأفعال بقصد عدم التبرع. لأن العلاقة الزوجية التي تبتني على المحبة والمودة بين الزوجين غالبا ما تمنع من نية عد التبرع. ففي حالة عدم إثبات هذه النية، يجعل الحاكم مبلغا معينا على رقبة الزوج حسب قدرته المالية حتى يعطي الزوج هذا المبلغ لزوجته إزاء هذه الأعمال التي لم تكن وظيفة للزوجة.
الثالث: النفقة
النفقة هي من أهم الحقوق المالية للزوجة على الزوج. النفقة تأمين احتياجات الحياة الأساسية للمرأة من قبل الزوج. وهي تُعتبر واجباً شرعياً على الرجال في الشريعة الإسلامية.
تتضمن النفقة الواجبة تأمين الاحتياجات الأساسية والضرورية للزوجة. كتأمين الطعام المناسب لنمط الحياة واحتياجات الزوجة. وتأمين الملابس والزيّ المناسب. وتوفير مكان مناسب للعيش. وتأمين الاحتياجات الصحية والطبية. وتأمين التكاليف المتعلقة بتعليم وتربية الأبناء في حالة وجودهم.
إن للنفقة الواجبة شرعا شروطا شرعية حسب القدرة المالية للزوج والظروف الاجتماعية. يعتمد مقدار النفقة على الحالة المالية للزوج. يجب على الزوج أن يؤمّن النفقة للزوجة بقدر استطاعته المالية. ويجب أن تكون النفقة متناسبة مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية لكل امرأة. على سبيل المثال، إذا كانت الزوجة من عائلة ذات وضع مالي جيد، فيجب أن تكون النفقة متناسبة مع تلك المستويات المعيشية. وكذلك إذا كانت الزوجة تعاني من مرض خاص أو تحتاج إلى احتياجات معينة، فيجب أن تُحدد النفقة وفقاً لتلك الظروف.
لكن الشريعة الإسلامية أيضا ساهم مع الرجال في دفع النفقة ولم يصعّب الأمر عليهم. في بعض الحالات، قد لا يكون الزوج قادراً على تأمين النفقة الواجب للزوجة. في مثل هذه الحالات، يجب أن يُراعي البعد الاجتماعي والشخصي للموضوع.
وقد عبر عن النفقة في القرآن الكريم بهذا التعبير: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ * لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ (9).
الرابع: أجرة المثل
من الحقوق المالية للزوجة هي أجرة المثل في الأعمال المنزلية وغيرها. إذا أمر الزوج زوجته بأعمال منزلية أو غيرها كالرضاعة وتربية الأطفال وفعلت الزوجة هذه الأعمال بقصد عدم التبرع وكانت تريد أن تأخذ قبالها مالا من الزوج، فيجب على الزوج أن يعطي أجرة مثل هذه الأعمال لزوجته. حتى رضاع الطفل. فإذا أرضعت المرأة طفلها وأرادت أن تأخذ أجرة على هذا الرضاع، فيجب على الزوج أن يعطي أجرة المثل للرضاع إلى زوجته. وفي هذا قال الله سبحانه وتعالى:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا * وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (10). وأيضا قال في آية أخرى:﴿ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ﴾ (11).
هذه كانت جملة من الحقوق المالية والاقتصادية للمرأة في العائلة.
1) نظام حقوق زن در اسلام (للشيخ مرتضى المطهري) / المجلد: 19 / الصفحة: 193 / الناشر: مجموعة نشر آثار الشهيد مرتضى المطهري – طهران / الطبعة: 2.
2) نظام حقوق زن در اسلام (للشيخ مرتضى المطهري) / المجلد: 19 / الصفحة: 200 / الناشر: مجموعة نشر آثار الشهيد مرتضى المطهري – طهران / الطبعة: 2.
3) سورة النساء / الآية: 4.
4) نظام حقوق زن در اسلام (للشيخ مرتضى المطهري) / المجلد: 19 / الصفحة: 205 / الناشر: مجموعة نشر آثار الشهيد مرتضى المطهري – طهران / الطبعة: 2.
5) سورة النساء / الآية: 24.
6) سورة البقرة / الآية: 237.
7) سورة النساء / الآية: 25.
8) سورة الممتحنة / الآية: 10.
9) سورة الطلاق / الآية: 6 و 7.
10) سورة البقرة / الآية: 233.
11) سورة الطلاق / الآية: 6.
التعلیقات