الأسرة والتنمية المستدامة: السياسات الأسرية في سبيل عالمٍ أفضل من منظورٍ إسلامي
العلاقات الأسرية
منذ 9 ساعاتفي عام 2025، احتفلت الأمم المتحدة بيوم الأسرة العالمي تحت شعار لافت:
«سياسات أسرية من أجل تنمية مستدامة: نحو القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية».
هذا الشعار لم يكن مجرّد عبارة رمزية، بل دعوةٌ صريحة للاعتراف بدور الأسرة المحوري في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. فهل يُمكن فعلاً أن تكون الأسرة نواةَ مستقبلٍ مستدام؟
ما هي التنمية المستدامة (SDGs)؟
التنمية المستدامة ليست مجرد مشاريع تنموية عابرة، بل هي رؤية شاملة اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015، وتتضمن 17 هدفاً عالمياً يجب تحقيقها حتى عام 2030. هذه الأهداف تهدف إلى بناء عالمٍ عادل، صحي، وآمن لكل الشعوب.
أبرز هذه الأهداف:
القضاء على الفقر والجوع
ضمان الصحة والرفاه
التعليم الجيد
المساواة بين الجنسين
مياه نظيفة وطاقة ميسورة
فرص عمل ونمو اقتصادي
مدن ومجتمعات مستدامة
الحد من التغيرات المناخية
مؤسسات قوية وسلام وعدالة
شراكات دولية لتحقيق الأهداف
الأسرة: قلب التنمية المستدامة
في شعار هذا العام، ركّزت الأمم المتحدة على "السياسات الأسرية" كمحور رئيسي. لماذا؟ لأن الأسرة هي المدرسة الأولى، والمصدر الأول للدعم والرعاية والتربية. وعندما تُبنى السياسات على دعم الأسرة، تتحقق نتائج ملموسة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
السياسات الأسرية الناجحة تساهم في:
تعزيز التماسك الاجتماعي
تحسين جودة الحياة
دعم الاستقرار الاقتصادي للأسر
أمثلة واقعية من السياسات الأسرية الناجحة
البرازيل: برنامج "بولسا فاميليا" يمنح مساعدات مالية للأسر الفقيرة مقابل التزامهم بتعليم الأبناء والرعاية الصحية، مما قلّل الفقر ورفع نسبة التعليم.
ألمانيا: تقدم إجازة أمومة وأبوة مدفوعة الأجر، وتدعم التوازن بين العمل والحياة الأسرية، مما ساعد على رفع نسب الولادة وتحقيق الاستقرار الأسري.
ماليزيا: أنشأت مراكز لتعليم الوالدين، وتدريبهم على التربية السليمة وحلّ الخلافات الأسرية.
مصر: أطلقت حملة "2 كفاية" لتثقيف الأسر حول التربية الواعية، والتخطيط الأسري، خاصة في المناطق الفقيرة، ضمن رؤية مصر 2030.
العراق: وزارة العمل بالتعاون مع المنظمات الدولية تدعم الأرامل والأسر التي تعول أطفالاً أيتام أو من ذوي الإعاقة عبر مساعدات شهرية.
المرأة: محور التنمية الإنسانية والروحية للأسرة
في كثير من الدول الغربية، تُقاس التنمية بمؤشرات اقتصادية بحتة، فتُهمل مكانة الأسرة. بينما في مجتمعاتنا ذات القيم الأخلاقية، تُمثل الأسرة الركيزة الأساسية للتوازن الاجتماعي.
والمرأة، بصفتها قلب الأسرة، لها دورٌ يتجاوز إدارة المنزل:
هي مربية الأجيال، ناقلة القيم، وصانعة الإنسان.
ومع الأسف، في بعض المجتمعات الحديثة، تراجعت هذه الأدوار بفعل الفردية والمفاهيم المادية، فتراجعت قيمة الأمومة، وازداد التفكك الأسري.
مقارنات عالمية في دور المرأة والأسرة
كوريا الجنوبية: انتقلت من ثقافة ذكورية صارمة إلى مجتمع تشارك فيه المرأة في السياسة والتعليم، ولكن ما زال التوازن بين الأمومة والعمل يمثل تحدياً.
كندا: النساء يشغلن مناصب تعليمية ومهنية عالية، لكن غلاء المعيشة ورعاية الأطفال يدفع الكثير منهن إلى التخلي عن العمل لفترات طويلة من أجل الأسرة.
العراق: رغم التحديات الاقتصادية، تظل المرأة ترى في الأمومة وتربية الأبناء دورها الأسمى، وغالباً ما تمارس العمل ضمن إطار الأسرة.
مصر: العديد من النساء المتعلمات يفضلن البقاء في البيت خلال سنوات الطفولة الأولى، إيماناً بأن التربية مسؤولية مقدسة.
المرأة: مالكة إنتاجها ومربية أجيالها
العديد من النساء يدخلن سوق العمل طلباً للاستقلال المالي، لكن هذا لا يعني أن عليهن تحمّل أعباء الإنفاق الأسري.
في الإسلام والرؤى الأخلاقية، المرأة مالكة لمالها، وليست مجبرة على الصرف، حتى وإن كانت تعمل.
وهذا المفهوم يحفظ كرامتها، ويمنحها مساحة لتأدية دورها التربوي والعاطفي.
ففي كوريا مثلاً، تحصل المرأة على نصف الممتلكات بعد الطلاق، بينما تحتفظ بعض الأسر بحسابات مالية مشتركة، تقديراً لدور المرأة غير المأجور في البيت.
ومهما تغيّر الزمن، تبقى الأمومة هي أعلى أدوار المرأة. تربية الأبناء لا تُنافي الدور الاجتماعي، بل تُحقق أعلى رسالاته.
الأسرة في القرآن والروايات
تمّ التأكيد على أهمية الأسرة في القرآن الكريم والروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام. وهذا يبيّن لنا مدى أهمية الأسرة في العالم الواقع.
فقد أكد القرآن الكريم بكونه أكمل الكتب الإلهية وأتمها على أهمية الأسرة ودورها الأساسي في السعادة الفردية والإجتماعية لجميع البشر. فقد قال الله تبارك تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1).
فقد جعل الله سبحانه وتعالى الزوجة والأسرة سببا أساسيا للسكينة والرحمة. فكلنا نعلم إن السكينة والرحمة هما الدرّان والؤلؤان المفقودان في جميع المجتمعات الحالية. وهذا هو الذي أكد عليه القرآن في آية أخرى حيث قال:﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ (2).
وأيضا صرّح الله تبارك وتعالى على أهمية الأسرة في جوانب أخرى. فقد قال:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ (3). وهذا تصريح واضح بأن تبارك وتعالى جعل الأسرة لباسا ومساعدا على الأمور المختلفة.
ولهذا قد أمر الله سبحانه و تعالى الرجال على أن يتقوا أهليهم من عذابه الأليم حيث قال:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (4). وأيضا قال:﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ (5).
ويوجد في الروايات الشريفة المروية من المعصومين عليهم السلام أيضا تأكيدات كثيرة في الإهتمام بالأسرة. فقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام:« أَمَّا حَقُّ الزَّوْجَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَهَا لَكَ سَكَناً وَ أُنْساً فَتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكَ فَتُكْرِمَهَا وَ تَرْفُقَ بِهَا وَ إِنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَوْجَبَ فَإِنَّ لَهَا عَلَيْكَ أَنْ تَرْحَمَهَا لِأَنَّهَا أَسِيرُكَ وَ تُطْعِمَهَا وَ تَكْسُوَهَا فَإِذَا جَهِلَتْ عَفَوْتَ عَنْهَا ... وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الادب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والاخذ له منه ولا قوة إلا بالله... وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة. والمدارأة له. وترك مما حكته فإن ذلك أدنى لرشده» (6).
فبيان هذه الحقوق بهذه الدّقة والتفصيل يوضّح لنا مدة أهمية الأسرو العائلة في نظر الشريعة الإسلامية. وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميل وسعة بتقدير وغيرة بتحصن » (7).
الخلاصة
إذا أردنا تحقيق تنمية مستدامة حقيقية، فعلينا أن نبدأ من الأسرة.
لا مشاريع ولا مؤتمرات يمكن أن تُنتج جيلاً واعياً ومجتمعاً متوازناً، ما لم تكن المرأة مُكرّمة، والأمومة محفوظة، والأسرة مدعومة.
أسئلة وأجوبة
1. ما المقصود بالتنمية المستدامة؟
هي خطة عالمية من 17 هدفاً لتحقيق العدالة والازدهار لجميع الشعوب حتى عام 2030.
2. لماذا الأسرة مهمة في تحقيق التنمية المستدامة؟
لأنها نواة التربية والدعم الاجتماعي، وأي خلل فيها يُضعف بنية المجتمع.
3. ما هي أبرز السياسات الأسرية الناجحة؟
مثل برنامج بولسا فاميليا في البرازيل، وإجازات الوالدين في ألمانيا، وحملة "2 كفاية" في مصر.
4. هل يُمكن للمرأة العمل وتربية الأطفال معاً؟
نعم، بشرط وجود دعم أسري واجتماعي يوازن بين الأدوار.
5. ما هو الدور الأهم للمرأة؟
الأمومة هي الرسالة الأعظم، وتربية الأجيال أساس التنمية البشرية.
هل تؤمن أن مستقبل العالم يبدأ من قلب الأسرة؟
انضم إلينا في نشر الوعي، شارك هذا المقال، وادعم السياسات التي تُكرّم الأسرة وتُعلي من شأن الأمومة.
هل لديك تجربة شخصية حول توازن العمل والأسرة؟ أخبرينا بها في التعليقات!
1) سورة الروم / الآية: 21.
2) سورة الأعراف / الآية: 189.
3) سورة البقرة / الآية: 187.
4) سورة التحريم / الآية: 6.
5) سورة طه / الآية: 132.
6) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 263 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
7) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 322 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
التعلیقات
٣