سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النظافة والزينة
السيد حسين الهاشمي
منذ ساعةالنظافة والزينة من القيم الإنسانية الأساسية التي فُطر الناس عليها، فهي تعكس صفاء النفس، واعتدال الطبع، وجمال السلوك. وقد جاء الإسلام ليُعلي من شأن هذه المعاني، فجعل الطهارة شرطًا لصحة العبادات، وأكّد على أهمية الاعتناء بالمظهر في انسجام مع نقاء الجوهر، بعيدًا عن الإفراط والتكلّف أو التفريط والإهمال. فقد قال الله تعالى في كتبه الحكيم: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ (1). وقال في آية أخرى حول الطهارة والنظافة في الصلاة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ (2). وأيضا قال حول القرآن الكريم هذه المعجزة الإلهية: ﴿ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ (3).
ومن هنا كان للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم القدوة الكاملة والأسوة الحسنة، إذ جسّد في حياته العملية أرقى صور العناية بالنظافة الشخصية والزينة الشرعية، وجعلها جزءًا من الهدي النبوي الذي يقتدي به المسلمون في حياتهم اليومية. التأمل في هذه السنن يكشف عن سبقٍ حضاري للإسلام في مجال العناية بالصحة العامة والنظافة الشخصية، وهو سبق يتوافق مع ما وصلت إليه العلوم الطبية الحديثة من توصيات في الحفاظ على الجسد والبيئة. ومن هنا فإن استحضار هذه السنن والعمل بها ليس مجرد اتباع تقليدي، بل هو التزام برسالة سامية تسهم في بناء شخصية المسلم المتوازنة، وتُظهر محاسن الدين للناس كافة.
غسل الرأس بالسدر
قد روي في كتاب سنن النبي: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر » (4). أثبتت الدراسات الحديثة أن أوراق السدر تحتوي على مواد فعالة، مثل الفلافونويدات، الصابونينات، التانينات، والقلويدات، وهي مركبات ذات خصائص دوائية متعددة، تجعل غسل الرأس بالسدر ذا فوائد متعدّدة.
زينة الشعر وتمشيطه
روى أميرالمؤمنين عليه السلام: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرجل شعره، وأكثر ما كان يرجل شعره بالماء ويقول: كفى بالماء طيبا للمؤمن » (5). وتمشيط الشعر بالإضافة إلى الزينة والنظافة، ذو فوائد كثيرة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « في قول الله عزوجل: خذوا زينتكم عند كل مسجد. قال: المشط، فإن المشط يجلب الرزق، ويحسن الشعر، وينجز الحاجة، ويزيد في ماء الصلب، ويقطع البلغم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يسرح تحت لحيته أربعين مرة، ومن فوقها سبع مرات ويقول: إنه يزيد في الذهن ويقطع البلغم » (6).
أخذ الشارب وتقليم الأضافر
قال الإمام الصادق عليه السلام: « قال رسول الله: من السنة أن تأخذ من الشارب حتى يبلغ الاطار» (7). وفي الفقيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وإنا نحن نجز الشوارب ونعفي اللحى » (8). وأيضا روي: « من السنة تقليم الأظفار» (9).
إن الشوارب والأضفار محل مستعدّ لتجميع البكتريات والميكروبات. فأخذه وتقليمه يمنع عن الأمراض.
خضاب الشعر
خضاب الشعر من الأمور التي تمّ نسيانه في أكثر الجوامع الإسلامية. لكنّه من الأمور المهمة في الزينة. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: « كان رسول الله يختضب وهذا شعره عندنا » (10). وأيضا روي: « كان النبي والحسين بن علي وأبو جعفر محمد بن علي يختضبون بالكتم » (11).
إزالة الشعر الزائد
إزالة الشعر الزائد في العانة والإبط وغيرها من الأمور التي أكّد عليها الإسلام تأكيدا كثيرا. فقد روي: « وكان رسول الله يطلي، فيطليه من يطليه، حتى إذا بلغ ما تحت الإزار تولاه بنفسه » (12). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « كان رسول الله يطلي العانة وما تحت الأليين في كل جمعة » (13). والمراد بالطلي، استعمال النورة.
استعمال النورة مهمة جدا بحيث أنه قد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما. ومن أتت عليه عشرون يوما فليستدن على الله عزوجل وليتنور، ومن أتى عليه أربعون يوما ولم يتنور فليس بمؤمن ولا كافر، ولا كرامة » (14).
الاكتحال بالإثمد
الاكتحال بالإثمد أيضا من الأمور التي غفل عنها أغلبية المسلمين في الأوان الأخيرة. لكنه بالإضافة إلى الزينة، من الأمور المجربة لشفاء داء العيون. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « كان رسول الله يكتحل بالإثمد إذا أوى إلى فراشه وترا وترا » (15). وورد حول عدد استعمال الإثمد: « كان النبي يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا وفي اليسرى اثنتين» (16).
التطيب واستعمال العطر
إنّ استعمال العطر والطيب من الأمور الواجبة لكلّ مسلم خصوصا في الفصول الحارّة من السنة. فإنّ التعرق الحاصل من الحرارة الشمس المحرقة يوجب الروائح الكريهة والمزعجة في البدن. فمن المهم أن يستحم الشخص ويستعمل العطر والطيب. وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: « كانت لرسول الله ممسكة إذا هو توضأ أخذ بيده وهي رطبة، فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله برائحته ... كان لا يعرض له طيب إلا تطيب، ويقول: هو طيب ريحه خفيف محمله، وإن لم يتطيب وضع أصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه » (17).
ويظهر من الروايات أن التطيب أكثر استحبابا في يوم الجمعة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « حق على كل محتلم في كل جمعة أخذ شاربه وأظفاره ومس شيء من الطيب... كان رسول الله إذا كان يوم الجمعة ولم يصب طيبا دعا بثوب مصبوغ بزعفران فرش عليه الماء، ثم مسح بيده ثم مسح به وجهه » (18).
إدهان البدن واستعمال الدهن
استعمال الدهن وإدهان البدن خصوصا بعد الاستحمام يوجب التخلص من الكثير من الأمراض الدموية والعروقية والروحية. ونحن نرى في عصرنا الحالي أن الجزء الأصلي في التدليك والمساج هو الدهن خصوصا زيت الزيتون. وقد روي حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « كان يدهن بأصناف من الدهن، وكان إذا أدهن بدأ برأسه قبل لحيته ويقول: إن الرأس قبل اللحية ... ويقول: إن الدهن يذهب البؤس » (19). وقد ورد في الدهن الذي كان يستعمله: « وكان يدهن بالبنفسج ويقول: هو أفضل الأدهان » (20).
هذه كانت جملة من سنن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في النظافة والزينة. وفّقنا الله سبحانه وتعالى أن نجعل نبيّنا أسوة لنا ونتبعه في حياتنا خصوصا في النظافة والزينة.
1) سورة البقرة / الآية: 125.
2) سورة المائدة / الآية: 6.
3) سورة الواقعة / الآية: 79.
4) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 147 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 147 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
6) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 147 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
9) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
10) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
11) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
12) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
13) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 148 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
14) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 149 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
15) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 149 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
16) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 149 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
17) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 150 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
18) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 150 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
19) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 151 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
20) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 151 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات