آثارُ نزع الحياء على الفرد والمجتمع
حقوق المرأة
منذ ساعةتُعدّ مسألة الحياء من أهمّ القضايا الأخلاقيّة التي تمسّ حياة الإنسان الفرديّة والاجتماعيّة على حدّ سواء. ومع اتّساع مظاهر الانفلات الأخلاقي والعلاقات غير المشروعة في كثير من المجتمعات، بدأت آثارها السلبيّة تظهر بوضوح على العقيدة، والأسرة، والأمن، والصحّة، بل حتّى على الاقتصاد. ومن هنا تبرز أهميّة التوقّف عند نتائج قلّة الحياء، لا بوصفها مسألة فرديّة فحسب، بل كقضيّة مصيريّة تهدّد استقرار المجتمع وسعادته في الدنيا والآخرة. وفيما يأتي الإشارة إلى بعضٍ من أهمّ هذه النتائج.
أولًا: الآثار الثقافيّة والعقائديّة
بوجهٍ عام، فإنّ أسلوب التعامل والسلوك، بل وحتى طريقة اللباس، تعبّر عن معتقدات الإنسان ورؤيته ونظرته إلى العالم. فالمجتمعات المختلفة، وبحسب الرؤية التي تحملها تجاه الكون والإنسان، تختار لنفسها نمطًا خاصًا وأسلوبًا معيّنًا في الحياة.
في الحضارة الغربيّة، حيث ضعفت المعنويّات والروح الدينيّة إلى حدٍّ كبير، اختُزلت حياة الإنسان في سنوات عمره القليلة في الدنيا، وعلى هذا الأساس عُدَّ الهدف النهائي والأساسي في هذه الرؤية هو اللذّة. وفي هذه النظرة، يُعدّ كلّ ما يشكّل عائقًا أمام اللذّة أمرًا غير مرغوب فيه.
أمّا في الرؤية الإسلاميّة والدينيّة، فلا تختصر حياة الإنسان ووجوده في الجسد ولذّاته الجسديّة، بل له هدف أسمى، وهو الوصول إلى الكمال الحقيقي والروحي.
وكما أنّ رؤية الإنسان ونظرته إلى العالم تشكّل نمط حياته وسلوكه، كذلك فإنّ الإنسان إذا اختار لنفسه أسلوبًا ومنهجًا معيّنًا في الحياة، فإنّ معتقداته ورؤيته للعالم تتلوّن تدريجيًّا بلون ذلك المنهج. فإذا أصبح الإنسان عمليًّا شهوانيًّا، مادّيًّا، وأسيرًا للشهوات، فإنّ أفكاره أيضًا، وبحكم الانسجام مع المحيط، تتكيّف مع بيئته الروحيّة والأخلاقيّة؛ فتفسح الأفكار السامية القائمة على معرفة الله وعبادته المجالَ للأفكار المادّيّة الدنيئة.
وبناءً على ذلك، يمكن عدّ طمس العقائد والمعنويّات وزوالها من أخطر وأهمّ الآثار المشؤومة لقلّة الحياء، الناتجة عن الممارسات الجنسيّة القبيحة والمنحرفة.
ودائمًا ما يسعى الأشخاص ذوو النزعات الشيطانيّة، بهدف القضاء على الأصالة الدينيّة والقيم الثقافيّة، إلى ترويج الفساد وقلّة الحياء في المجتمعات الأخرى، ولا سيّما المجتمعات الإسلاميّة، ليجعلوها بلا هويّة، ومن ثمّ يسهل عليهم نهبها والسيطرة عليها.
ثانيًا: الآثار الاجتماعيّة
إنّ اتّباع الأهواء والشهوات، إضافةً إلى إضعافه الأسس العقائديّة والثقافيّة لدى الأفراد، يؤدّي إلى نتائج وآثار خطيرة على الصعيد الاجتماعي.
أ) تزلزل كيان الأسرة
تُعدّ الأسرة أهمّ وأساسَ نواةٍ في المجتمع. وكلّما كانت هذه المؤسّسة أكثر متانةً واستقرارًا وسلامةً، كان المجتمع أكثر صحّةً وقوّة. لكنّ قلّة الحياء والانحلال الأخلاقي يُلحِقان بالأسرة أضرارًا جسيمة، من قبيل ضعف الرابطة الزوجيّة، وتفكّك بنيان الأسرة، الأمر الذي يؤدّي إلى ازدياد نسب الطلاق في المجتمع، وما يرافقه من مفاسد وانحرافات أكبر.
وتُظهر الإحصاءات الموثّقة أنّه مع ازدياد السفور وقلّة الحياء في العالم، ارتفعت نسب الطلاق وتفكّك الحياة الأسريّة بشكلٍ مستمرّ.
فخلال السنوات الإحدى والأربعين الماضية، تضاعفت حالات الطلاق في الولايات المتّحدة وألمانيا أكثر من مرّتين مقارنةً بالزواج، وفي فرنسا أقلّ من مرّتين، وفي السويد حتّى ستّ مرّات، وفي إنكلترا حتّى سبع مرّات.
إنّ النساء والرجال المتأثّرين بهذه الثقافة (ثقافة التعرّي والاستعراض)، بطبيعتهم، لم يذوقوا طعم المحبّة الحقيقيّة، ولا تتوفّر لديهم فرصة للمودّة والعشق وتحمل المسؤوليّة. ولعلّ هذا هو السبب في أنّ أكثر من 63٪ من العائلات الأمريكيّة اليوم هي عائلات أحاديّة الوالد.
ومن المؤسف أنّ من أخطر نتائج هذه الظاهرة أيضًا انتشار الإجهاض وازدياد الأطفال غير الشرعيّين وغير القانونيّين، وهي نتائج آخذة في الازدياد يومًا بعد يوم في العالم، بسبب عدم الالتزام بالحياء واللباس المناسب.
ب) ازدياد الجريمة وانعدام الأمن الاجتماعي
وتتبع هذه الآثارَ السيّئةَ نتائجُ أخرى؛ فالكثير من جرائم القتل، والمشاجرات، والنزاعات الفرديّة والعائليّة، تعود جذورها إلى قلّة الحياء والانفلات الأخلاقي. وهذه الأمور تهدّد تماسك المجتمع، وتوجّه ضرباتٍ قاسية لا يمكن تعويضها إلى المجتمع الإنساني، وتسلب الأفراد الطمأنينة والأمن النفسي.
إنّ روح الإنسان شديدة القابليّة للإثارة؛ فكما أنّ الإنسان لا يشبع في مجال المال والمنصب، كذلك هو الحال في الشؤون الجنسيّة. ومن جهة أخرى، فإنّ الطلب غير المحدود لا يمكن تحقيقه بطبيعته، ويكون دائمًا مصحوبًا بشعور الحرمان وعدم الوصول إلى الرغبات، الأمر الذي لا يؤدّي فقط إلى الاضطرابات النفسيّة والأمراض الروحيّة، بل يهدّد الأمن الاجتماعي أيضًا.
ثالثًا: الآثار الاقتصاديّة
لا شكّ أنّ خروج إشباع الغريزة الجنسيّة وتلبية هذه الميول عن إطارها المشروع، وانتقالها إلى الساحة الاجتماعيّة، يؤدّي – فضلًا عن نشوء مشكلات وآثار متعدّدة – إلى ركود وبطء في عجلة الاقتصاد.
ومن أخطر آثار الانحلال الأخلاقي في المجال الاقتصادي، إيجاد نزعة استهلاكيّة مفرطة، ولا سيّما في استهلاك موادّ الزينة والتجميل، التي لا يعود نفعها إلا بإثارة المشاعر والانفعالات. فمن جهة، يؤدّي هذا الاستهلاك إلى تحقيق أرباح طائلة لمصنّعي هذه المنتجات، ومن جهة أخرى، يضعف قدرة المجتمعات الاستهلاكيّة على إعادة البناء والاستثمار والنموّ الاقتصادي.
رابعًا: الأمراض الجسديّة والنفسيّة
إنّ الأشخاص الذين يعتقدون بأنّ حياة الإنسان محصورة في فترة وجوده في عالم الطبيعة، وأنّ الهدف من الحياة هو اللذّة الجسديّة، قد واجهوا اليوم نتائج وآثار هذا الاعتقاد. ومن أخطر تبعات هذه النظرة والسلوكيات المنبثقة عنها، الأمراض الجسديّة والاضطرابات النفسيّة والروحيّة.
وقبل أن يتمكّن العلماء في المجال الطبي من إيجاد حلولٍ جادّة وكاملة للأمراض الجنسيّة السابقة، أُضيفت إليها أعداد كبيرة من أمراض أخرى. ومن أكثر هذه الأمراض شيوعًا مرض السيلان (gonorrhea)، الذي انتشر في النصف الأوّل من القرن العشرين في البلدان الغربيّة، ولا سيّما في أمريكا، إلى حدٍّ جعله من بين الأمراض الثلاثة الأكثر شيوعًا آنذاك. وهو من الأمراض الخطيرة التي تخلّف آثارًا سيّئة، كالعقم لدى الرجال والنساء، والتهاب المفاصل، وأمراض العين.
كما تُعدّ أمراض أخرى، مثل الزهري (syphilis)، والشانكروئيد (chancroid)، والإيدز (AIDS)، من أخطر الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسيّة غير المشروعة، ولكلٍّ منها عواقب بالغة الخطورة.
ومن الآثار الأخرى للانفلات الأخلاقي أيضًا، الأمراض النفسيّة والعصبيّة وضعف الأعصاب لدى الرجال والنساء، ولا سيّما الشباب. فالذين يتعرّضون باستمرار لمشاهد مثيرة للشهوة، يعيشون صراعًا داخليًّا قاتلًا؛ إذ إنّه حتّى مع إمكانيّة الإشباع الجنسي، فإنّ إشباع جميع الأهواء غير ممكن أبدًا. ومن هنا، فإنّ نتيجة الإثارات غير المشبعة هي تولّد العقد النفسيّة والأمراض العصبيّة.
خامسًا: العقوبات الأخرويّة
إنّ الآثار والنتائج التي ذُكرت إلى الآن، على شدّتها وقسوتها، تبقى محدودة بعالم الدنيا. أمّا الأمر الأخطر والمشكلة الأساسيّة، فهو أنّ الإنسان، بارتكاب العلاقات الجنسيّة غير المشروعة والانغماس في الشهوات، يعرّض سعادته الأبديّة للخطر، ويستحقّ العذاب الإلهي الخالد في جهنّم.
فكلّ عمل، إضافةً إلى آثاره الدنيويّة، تظهر نتائجه بشكلٍ أشدّ وأبقى في الآخرة. ومن الأعمال التي أشار القرآن الكريم إلى آثارها السيّئة، الانحرافات الجنسيّة والانحلال الأخلاقي، حيث وعد الله تعالى مرتكبيها بالعقاب في آيات متعدّدة.
في سورة الفرقان، يمدح الله تعالى عباد الرحمن، ويذكر من صفاتهم أنّهم لا يقيمون علاقاتٍ جنسيّة محرّمة، ثمّ يبيّن عقوبة من يفعل ذلك، فيقول: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) (1).
وكذلك يهدّد الله تعالى الذين يتّبعون الشهوات والأهواء النفسيّة، فيقول: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (2).
تشير هذه الآية إلى جماعةٍ انحرفت عن طريق الحقّ، ونسيت الله، واتّبعت الشهوات والأهواء النفسيّة، فأفسدت العالم، فجعل الله لهم عقوبة «غَيّ».
وقال ابن عباس : " الغي " واد في جهنم ، وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه ولشارب الخمر المدمن عليها ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ولأهل العقوق ولشاهد الزور (3).
فإنّه يدلّ على شدّة العذاب في الآخرة، الذي أعدّه الله تعالى لأتباع الشهوات والأهواء النفسيّة.
الخاتمة
يتّضح ممّا سبق أنّ قلّة الحياء ليست سلوكًا عابرًا أو خطأً شخصيًّا محدود الأثر، بل هي ظاهرة خطيرة تترك بصماتها العميقة على الإيمان، والأسرة، والأمن الاجتماعي، والصحّة النفسيّة والجسديّة، إضافةً إلى آثارها الاقتصاديّة المدمّرة، فضلًا عن عواقبها الأخرويّة الشديدة. ومن هنا، فإنّ التمسّك بالحياء والالتزام بالضوابط الأخلاقيّة التي جاء بها الإسلام، لا يُعدّ تقييدًا للإنسان، بل هو طريقٌ لحفظ كرامته، وصيانة المجتمع، وضمان سعادته الحقيقيّة في الدنيا والآخرة.
1. لماذا تُعدّ قلّة الحياء خطرًا على العقيدة؟
لأنّ الانغماس في الشهوات يضعف الإيمان تدريجيًّا، ويستبدل القيم الروحيّة بالأفكار المادّيّة.
2. ما أثر قلّة الحياء على الأسرة؟
تؤدّي إلى ضعف الروابط الزوجيّة، وازدياد الطلاق، وتفكّك بنيان الأسرة.
3. كيف تؤثّر العلاقات غير المشروعة على الأمن الاجتماعي؟
تسهم في انتشار الجرائم، والنزاعات، وغياب الطمأنينة والأمن النفسي.
4. ما علاقتها بالمشكلات الاقتصاديّة؟
تؤدّي إلى الاستهلاك المفرط، وإضعاف القدرة على الاستثمار والنموّ الاقتصادي.
5. ماذا يقول القرآن عن عاقبة اتّباع الشهوات؟
يحذّر من عذابٍ أخروي شديد، كما في وصف «غَيّ» المخصّص لأتباع الشهوات.
1. سورة الفرقان / الآیه 68.
2. سورة مريم / الآیه 59.
3. تفسير اثني عشري / حسین بن احمد الحسیني الشاه عبدالعظیمي / المجلد 8 / الصفحة 202.









التعلیقات