صدقتني إذ كذبني النّاس
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتحظيت السيدة خديجة عليها السلام من بين زوجات النبي صلى الله عليه وآله بمكانة خاصة ومنزلة رفيعة لديه صلى الله عليه وآله وقد أكّدت الوثائق التأريخية هذه الحقيقة، بل بقي صلى الله عليه وآله طيلة حياته يذكرها بخير، ويؤكد على مكانتها في قلبه الشريف، وكان يثني عليها، ولايرى من يوازيها في تلك المنزلة الرفعية.
فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكر خديجة عليها السلام لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوّضك الله من كبيرة السنّ، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله غضب غضباً شديداً، ثم قال: «والله لقد آمنت بي إذ كفر النّاس، وآوتني إذ رفضني النّاس، وصدقتني إذ كذبني النّاس، ورزقت منّي حيث حرمتموه». (1)
ولقد كانت السيدة خديجة عليها السلام شريكة النبيِّ صلى الله عليه وآله في كلّ آلامه وآماله، والمسلّية له بما أصابه من أذى، بل كانت المعينة له على مكاره قريش؛ ومن هنا لم يتزوج صلى الله عليه وآله في حياتها غيرها. (2)
وكان لدعمها المادي الدور الكبير في غنى الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة عمّا في أيدي الآخرين حتى عُدّ ذلك من النعم التي أنعمها الله تعالى عليه صلى الله عليه وآله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾(3) وكان صلى الله عليه وآله يثمّن ذلك العطاء الوفير، ويشيد بصاحبته قائلا: «ما نفعني مالٌ قطُّ، ما نفعني مالُ خديجة».(4) وكان صلى الله عليه وآله يعتق بمالها الرقيق، ويؤدي الديون عن الغارمين، ويساعد الفقراء، ويمدّ يد العون إلى المحتاجين، وكان مصدر إنفاقه في شعب أبي طالب هو مال خديجة عليها السلام ومال أبي طالب حتى سجلت ذلك لنا المصادر التاريخية قائلة «فأنفق أبوطالب وخديجة جميع مالهما»(5) ومن الشواهد على ذلك أن أبا جهل بن هشام كان - فيما يذكرون- لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعه في الشّعب، فتعلّق به، وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله، لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فجاءه أبو البختري ابن هاشم بن الحارث بن أسد، فقال: مالك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم، فقال له أبو البختري: طعام كان لعمّته – أي خديجة- عنده بعثت إليه فيه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها!.(6)
توفيت السيدة خديجة عليها السلام في شهر رمضان السنة العاشرة بعد بعثة النبي (ص). فنزل صلى الله عليه وآله عند دفنها في حفرتها، وأدخلها القبر بيده، في مقبرة المعلى من جبل الحجون، وكان قد كفنها برداء له، ثم برداء من الجنة. (7)
ومدفنها الآن في مقبرة بني هاشم في مكة المكرمة.
ـــــــــ
1ـ الاستيعاب: ج 4، ص 1824.
2ـ الأنباء في تاريخ الخلفاء: ص 46.
3ـ سورة الضحى: الآية 8.
4ـ بحار الأنوار: ج 19، ص 63.
5ـ بحار الأنوار: ج 19، ص 16.
6ـ السيرة النبوية: ج 1، ص 354.
7ـ الأنوار الساطعة من الغرّاء الطاهرة: ص 377.
التعلیقات