المساواة في العبادات
السيّدة مريم نور الدّين فضل الله
منذ 11 سنةطالب الاسلام الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، بانشاء نفس راقية ، وتصفيتها من نوازع النفس البشرية ، ومن أدران المادة الدنيئة ، وبالابتعاد عن صفات الروح الحيوانية. ودله على السبيل إلى ذلك. فسن له سننا ووجهه إلى طرق اسماها العبادات كقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
)طلب منه الصلاة ، بان يذكر ربه اناء الليل وأطراف النهار ، ويتهجد له بكرة وعشيا.
يقف بين يديه متوجهاً اليه بجنانه ، سامياً عن الدنيا بنفسه ، محلقاً في ملكوت ربه بروحه. فيخشع قلبه لما تنقشع الغشاوة عن بصيرته ، فيرى بوجدانه عظمة الباري وقدرة الخالق ، ويكون مشدوداً اليه في كل حركاته وسكناته ، في قيامه ، وركوعه ، وسجوده.
هي الصلاة « سراج كل مؤمن » كما ورد في الحديث : « هي السلم الذي يرتقي به المؤمن متعالياً عن المفاسد الدنيا ... وهي أيضاً قربان كل تقي ».
بالصلاة يتقرب العبد إلى ربه ، ويشف اهابه ، وتسمو نفسه وتتهاوى سدود انانيته.
ولقد قال الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ». وقال أيضاً : « لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ... » وطاعة الصلاة ان ينتهى المصلي عن المعصية وفعل المنكرات. وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : « من احب ان يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ؟ فبقدر ما منعته قبلت منه »ان الإنسان لو عبد الله حقاً ، ومشى على طبق التعاليم الإسلامية وانتهج الصراط المستقيم. وعمل الخير وأمر بالمعروف وانتهى عن المنكر كان من الصالحين ... وإلا فقد حكم على نفسه بأنه دجال منافق وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) وقال الشاعر :
ما قال ربك ويل للأولى سكروا
بل قال ربك ويل للمصلينا
وفرض على الإنسان الصوم ، يصارع غرائزه الحيوانية لكي يتمكن من مصارعة أهوائه الشخصية ، ورغباته الذاتية التي يعصي بها ربه إن اطاعها ، لانها تصطدم مع أهواء إخوته من بني البشر.
فكل منهم يرغب في امتلاك العالم وما فيه ، وتكمن في نفسه شهوة السيطرة وحب الذات. وتفيض نفسه كرهاً وحقداً لكل ما يقف في طريق تحقيق مرادها.
ومن الناس من يسلك للحصول على المال طرقاً ملتوية لا تقرها الشرائع والاخلاق ، ولا يكتفي بالحلال ، ولا يبالي بالحرام. فهو جائع لا يشبع طامع لا يقنع. استعبدته شهوة المال ، وحرمته لذة الرضا والقناعة.
ولما تتضارب مصالح الإنسان مع مصالح أخيه ، يضطر من أجل ارضائها ان يظلم اخاه ليرمي بانسانيته عرض الحائط. وكما قال الشاعر :
الظلم من شيم النفوس فان تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم
فالصيام يفرض عليه مصارعة غرائزه الحيوانية من أكل وشرب وجنس وغير ذلك ، فإن استطاع اعانه ذلك على السيطرة على نوازع النفس وشهواتها ، فيسلك طريقاً مستقيماً مطيعاً لله ، متجنباً معاصيه. وإلى ذلك يشير الحديث « الصوم جنة من النار ».
طلب الاسلام من الجناحين ... الرجل والمرأة ، على السواء ، تنقية النفس وتطهير الذات ، لسمو روحي عال وترفع عن دنس دنيء.
وعلى حد سواء طلب منهما الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين وقد ورد في الحديث الشريف : « الصلاة معراج المؤمن يعرج بها إلى ملكوت ربه بنفسه وروحه وقلبه ».
وجميع العبادات من صوم وصلاة ... وحج وزكاة وجهاد في سبيل الله ، هي دروس للإنسان كيف ينشئ نفساً قوية وشخصية فذة ، وكيف يسيطر على هواه ورغباته ... ويبدأ بجهاد نفسه. وكيف يوجهها في سبيل خير المجتمع وسعادته.
فإذا اخلص لله عمله ، رغب في كل ما يتقرب إليه ، تراه بهمة عالية يقطع الفيافي والقفار والمسافات البعيدة ليتمثل ما أمره الله تعالى به : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )
فيطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة يدعو الله بقلبه ولسانه بجوارحه ان يخلصه من الشرور والآثام.
وتراهم رجالاً ونساء في هذا المؤتمر العظيم يهتفون ويلبون بصوت واحد : « لبيك اللهم لبيك ».
ممتثلين لدعوة ربهم لما ندبهم في قوله عز من قائل : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )
وذكر الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن : يأتوك رجالاً ـ أي مشاة على أرجلهم ( وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ ) أي ركبانا ... ( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) قيل يعني بالمنافع التجارات ـ عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
وقيل التجارة في الدنيا والاجر والثواب في الآخرة عن مجاهد وقيل : هي منافع الآخرة ، وهي العفو والمغفرة ـ عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن ابي جعفر الباقر (ع) ...
وخلاصة القول : لم يحرم الله سبحانه المرأة من هذا الثواب العظيم والاجر الجزيل ، وهذه التجارة الرابحة.
وفسح لها المجال للمشاركة في هذا المؤتمر العظيم الذي يجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب ، ومن كل لسان وجنس ولون ... من أصقاع المعمورة.
لا بل أوجبه عليها كما أوجبه على الرجل ان تمت شرائط الوجوب. وهي القدرة ... والاستطاعة وذلك لاطلاق قوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ ... ) ولم يقيده بالرجال أو النساء بل قال : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ).
انها العدالة الاجتماعية ، والمساواة الإسلامية ، والحكمة الالهية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ).
فالتقى هو ميزان الكرامة ، والقرب من الله. لا الذكورة ... ولا الانوثة. فمن اخلص لله عمله ورغب في كل ما يقربه الى الله ، وسار على هدي التعاليم السماوية في خدمة المجتمع العام متقرباً إلى خالقه ... نال السعادة الابدية.
« احبكم إلى الله انفعكم لعياله ».
وبروح سامية يضرب بهواه في حب المال عرض الحائط ( المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فيخرج خمس أرباحه وزكاة أمواله « ان الله شارك الفقراء في أموال الاغنياء » متقرباً بذلك إلى الله لا يبغي منها إلا وجهه. ولا يريد إلا رضاه.
هكذا طلب الإسلام من المرأة والرجل. التعاون من أجل إنشاء الحياة السعيدة المطمئنة الهادئة. والمرأة ان استطاعت تصفية نفسها وتنقية ذاتها وتطهير قلبها كانت هادئة مطمئنة تؤثر تأثيراً مباشراً بجيلها الصاعد ... باطفالها وأولادها وتبعث فيهم النفس الصالحة.
التعلیقات