أهمية البناء التربوي للطفل في الإسلام
موقع بلاغ
منذ 10 سنوات◄إنّ الهدف الرئيسي لأي مبدأ أو تنظيم في التربية هو إعداد مواطنين صالحين لخدمة الدولة وقادرين
على كسب عيشهم.
أمّا الإسلام فينظر إلى الأمر نظرة أخطر من ذلك بكثير. فالإنسان في نظر الإسلام هو خليفة الله في الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30)، والشباب المسلم هو حامل رسالة السماء إلى الإنسانية كلها. ولهذا الهدف العظيم والرسالة الكبيرة يعد الإسلام أبناءه ليكونوا قادرين على أداء الرسالة وحفظ الأمانة وقيادة الإنسانية كلها وإخراجها من الظلمات إلى نور الإسلام يبني شخصية الطفل من ثلاثة جوانب:
- الأوّل: هو بناء ضميره ووجدانه:
وذلك بخلق ضمير إسلامي حي يقظ ونفس سليمة خالية من العقد والأحقاد. وتهذيب الغرائز والعواطف البدائية في الطفل وذلك بتعليمه الرحمة والمحبة والتعاون والعزة والكرامة والكرم، وحب الخير وبر الأبوين، وطاعة أولي الأمر. وحب الله ورسوله، وحب الوطن وكل هذه المعاني لا يتعلمها النشء إلا في الدين وحده.
فالرحمة والمحبة والعطف والإحسان إلى الآخرين والتواضع وحسن الخلق لا توجد في كتاب علمي أو قاموس أو في كتب الجغرافيا والتاريخ. إنما يتلقها من التربية الصالحة. ويقتنيها من أبويه وسائر أفراد أسرته.
إنّ العلم بدون أخلاق لا ينفع الإنسان. وإذا لم يتلق الطفل التربية الإسلامية فإنّه مهما تلقى من علوم الدنيا لا يكون سعيداً. وسواء أصبح طبيباً أو مهندساً أو عالماً فإنّه يظل غرضه للإنحراف وتطغى عليه الروح المادية. وبدلاً من أن يصبح العلم في يديه رحمة للإنسانية فقد يصبح وسيلة للتدمير والتخريب والاستغلال. وهذا هو أخطر ما يعانيه مجتمعنا.
- الأمر الثاني: هو البناء العقلي والذهني:
وقد يقول قائل: إنّ العلوم والمعارف التي يتلقاها الطفل في المدرسة من علوم وحساب وتاريخ تسد حاجة التلميذ في هذه الناحية. وهذا أيضاً خطأ. فهناك فرق بين حشر المعلومات في رأس التلميذ وبين تنمية مدارك الطفل لتوسيع أفقه وتفكيره، وتعليمه الإبتكار وإبداء الرأي وملاحظة الظواهر بدقة.
الإسلام يدعو الطفل منذ نشأته إلى تأمل كل شيء في الحياة من حوله يدعوه إلى تأمل الخلق والمخلوقات. والسماء والنجوم والشمس والقمر والليل والنهار. وإلى التأمل في الأرض والجبل والبحر والأنهار، والطير والحيوان والإنسان. أن يتأمل في نفسه وفي جسمه وفي خلقه، في أمه عندما حملته وهنا على وهن وأرضعته عامين ثمّ فطمته، وسهرت لتحميه من البرد والحر والجوع والعطش. ثمّ بعد هذا كله يدعوه إلى التفكير فيمن خلق هذا الكون كله وأبدعه. وكل هذه الأمور وهذا الفكر يوسع مدارك الطفل في الحياة. ويزيد من حدة ذكائه ويجعله أكثر قدرة على استيعاب كل ما يتلقاه بعد ذلك من علوم الدنيا، وخاصة انّ هذه المعلومات لا توجد في كتب الدراسة والعلم..
وأهم شيء أن يتعلم الطفل كيف ينظر إلى الأمور باستقلالية؟ ويميز بين الغث والسمين، بين الخطأ والصواب، ولا يتقبل كل شيء دون تأمل وتدبر وتفكير.
- الأمر الثالث: هو البناء الجسمي:
الإسلام يهتم بالصحة والسلامة، ويدعو إلى خلق جيل قوي البنية، يتمتع بالقوة والحيوية والنشاط، خال من العاهات الوراثية والأمراض. ثمّ تربية هذا النشء على حب الرياضة بأنواعها. وبذلك يخلق جيلاً واثقاً بقدراته ومواهبه وقادراً على حمل الرسالة وعلى الجهاد في سبيل الله.
هذه العوامل الثلاثة هي التي تشكل شخصية الطفل المسلم الروح والعقل والجسم. إما الحضارة الحديثة وما تدعو إليه من الحرية الجنسية والتمتع بكل ملاذ الحياة بأية طريقة. فانّها تجلب الأمراض ويكفي في هذه النقطة ما تبثه وسائل الإعلام انّه في سنة 2001 توفي ثلاثة ملايين إنسان بمرض الأيدز. وبلغ عدد المصابين (40) مليون مصاب في تلك السنة. منهم (600) ألف طفل لم يبلغوا الخامسة عشر من العمر.
- وسائل التربية الإسلامية:
تقوم التربية الإسلامية للنشء على دعامتين في وقت واحد:
الإكرام مع التأديب. وذلك لقول رسول الله (ص): "اكرموا أولادكم واحسنوا آدابهم".
والقصد بالتأديب هو التوجيه والتنبيه على الأخطاء، والتعليم مع إحترام شخصية الطفل ومنحه الحب والحنان والعطف، وبهذا الإسلوب السليم في التربية، لا ينشأ الطفل محروماً أو مهاناً فيحقد، ولا يصبح مدللاً منعماً فيفسد.
- إكرام الطفل:
1- أوّل مبادئ الإكرام عدم سب الطفل لأي سبب. فلا يقال له يا شقي أو يا غبي أو يا كسول. أو يقال الله يلعنك، هذه الأمور لا تجوز في الإسلام. وفي هذا يقول الرسول (ص):
"سباب المسلم فسوق"، وإذا كان الإسلام قد نهى عن سب البهائم ولعنها. فما بالك بسب الإنسان. سمع رسول الله رجلاً يسب ناقته فعاقبه رسلو الله وقال له:
"يا عبدالله لا تصاحبنا اليوم على ناقة ملعونة، فحط عنها رحالها وأطلقها".
ويكره في الإسلام ضرب الطفل المسلم إلا لذنب كبير، وينهى نهياً قاطعاً عن ضربه على الوجه. لأنّ الوجه هو خلقة الله التي كرمها. فالشرع لا يقر معاقبة الطفل. بشدة ولا يسوغ ضرب الوجه.
ويكره ضرب البهائم على وجوهها لأنّها تسبح الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء/ 44). وإذا كان ضرب البهائم على وجوهها غير جائز. فكيف بضرب الأطفال الصغار؟
3- الإسلام يدعو الأبوين أن يكونا قدوة لأبنائهما. فإذا كانا متحابين ودودين عطوفين. انتقلت هذه الصفات إلى أبنائهما. وإذا كان الأب باراً بوالديه. فإنّ أبناءه يبرونه أيضاً والعكس بالعكس. يحذر الإسلام الأبوين من الكذب على طفلهما ألاي سبب سواء كان هذا للتخلص من بكائه أو طلباته أو لأي سبب آخر.
رأى رسول الله (ص) امرأة تنادي طفلها وتقول له: تعال أعطيك. قال لها: ماذا أردت أن تعطيه؟ قالت أعطيه تمرة. فقال لها الرسول: إما انّك لو لم تفعل شيئاً كتبت عليك كذبة.
4- ينصح الرسول الأُمّهات بتولي تربية أبنائهنّ بأنفسهنّ وعدم الإعتماد على الخدم والخادمات في تربية الطفل. وفي ذلك يقول أحد الفقهاء: (أدب ولدك يكن لك بدل الخادم خادمان) التربية الصحيحة تجعل الطفل مطيعاً لأبيه محباً لأسرته واثقاً بنفسه تربية الخدم تجعل من الأطفال أطفالاً غير مهذبين. لاختلاف العادات والتقاليد والقيم الخلقية بين الأهل وبين الخدم.
5- ومن روائع الإسلام في مجال التربية انّه يحترم مشاعر الطفل ويأمر الرسول المسلمين بالتلطف واللعب مع الأطفال. لأنّ هذا الأمر يخلق روح المودة والترابط في الأسرة، يقول (ص): "من كان له صبي فيتصاب له" وقد كان رسول الله (ص) مثالاً للمودة والعطف والحنان مع أولاده وذريته، ومع أطفال المسلمين. فكان الصحابة إذا زاروه في بيته خرج إليهم وهو يحمل حفيده الحسن على كتفه، وكان الرسول (ص) يداعب ولديه الحسن والحسين. ويلاعبهما، وكان إذا سجد يركبان فوق ظهره. ويقلبهما كثيراً ويحنو عليهما.
8- كان الرسول (ص) يعلّم الإنسان كيف يعامل طفله؟ كيف يكون ودوداً مع أطفاله ليزرع الثقة في نفوسهم ويزرع الحب والحنان والعطف في قلوب الأطفال، ليسهل على الأبناء تقبل توجيهات آبائهم وتعليماتهم لما يلقون من بذور المحبة ومن المعاملة الحسنة. وقد قال رسول الله (ص): "رحم الله والدين أعانا أبنهما على برهما".
جاءه رجل فقال يا رسول الله اني أجد قساوة في قلبي وجموداً في عيني. فماذا عساني أفعل؟
قال له رسول الرحمة: "أبحث عن طفل يتيم وأمسح على رأسه وأعطف عليه وأدخل السرور في قلبه ترى من أنك شفيت من قساوة القلب وجمود العين.
الرسول يدعو إلى الرحمة بالأطفال والإحسان إليهم، وترك القسوة والشدة والعقاب في التربية والتعليم كما ينهى عن ترك الحبل على الغارب وإهمال الطفل وعدم العناية بتربيته.
ومن آداب الإسلام مساعدة الأطفال. فإذا رأى المسلم صبياً يسير على قدميه في الشمس أو الحر أو رآه ينتظر من يوصله أن يتوقف له بسيارته وأن يوصله إلى بيته كما يوصل ابنه تماماً، علماً بقول رسول الله (ص): "من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له".
أي من كان له مكان زائد على ناقته فيقدمه إلى من لا ناقة له. وقد كان رسول الله إذا رأى صبياً في الطريق وهو على ناقته يتوقف له وينيخ راحلته، وينادي على الصبي ويمسح رأسه في عطف وحنان ومحبة. ثمّ يحمله خلفه على ناقته حتى يوصله إلى بيته.
ويوصي الإسلام بعدم التفرقة بين الأبناء في المعاملة وخاصة في الأمور المالية والميراث، وقد جاء إلى الرسول (ص) رجل فقال للرسول: "اشهدك يا رسول الله اني قد أوصيت لولدي هذا من بعدي بكذا وكذا... فقال له الرسول: وهل فعلت ذلك لكل أولادك؟ أم هذا وحده؟.
فقال الرجل: هذا وحده.
فقال له الرسول: اذهب فلا وصاية لك عندي ولا تشهدين على جور. هذا في الأمور المادية والوراثية.
إما في الأمور العاطفية، فإنّ الإسلام يأمر بالعدل والمساواة في إظهار الحب والمودة فلا يفضل أحد للأطفال على غيره بالحنان والعطف.
فلذلك يثير الحسد ويخلق العداوة ويثير الحقد بين الأخوة والأخوات.
والإسلام يأمر بعدم التمييز بين الولد والبنت في المعاملة إلا في حدود ما أمر الله من ناحية الميراث حيث يكون للذكر مثل حظ الانثيين.
وحكمة ذلك أنّ الذكر يكون مسؤولاً عن الإنفاق في أسرته وزوجته.. إما للأنثى فليست ملزمة بالإنفاق على زوجها وأسرتها من مالها ولكن على زوجها أن ينفق عليها.
وليس للأبوين أن يفرقا في المعاملة وفي العطف والمودة بين الولد والبنت. بل لقد كان رسول الله أكثر عطفاً على البنات وأكثر وصاية بهنّ حتى يزيل من نفوس العرب عادة الجاهلية البغيضة. وفي هذا الصدد يقول الرسول (ص): "من كان له أنثى فلم يهنها ولم يؤثر ولده عليها وأحسن تعليمها كانت له سترا من النار". وكثيراً ما كان رسول الله (ص) يحمل إمامة بنت أبي العاص وهي ابنة ابنته زينب ويدللها ويضعها تحت عباءته ليدفئها في البرد ويحن عليها ويداعبها في طفولتها.
وللإسلام نظرة عميقة في أمره المسلم بالتعاطف مع الطفل والحنان عليه واحترامه. فهو لا يهدف إلى مصلحة الطفل وحده. ولكن إلى غرس روح المحبة والتعاون في نفوس الكبار.. وإلى تهذيب مشاعرهم. ولا يكتفي الإسلام بأمر الناس بحسن رعاية أولادهم بل انّ المسلمين جميعاً ملتزمون بالتضامن مع الدولة في رعاية الأطفال الأيتام أو الذين لا عائل لهم، فنشأة الطفل اليتيم في أسرة مسلمة صالحة خير له من نشأته في ملجأ حكومي. ولذلك فقد جعل الإسلام تربية اليتامى أحد واجبات الأسرة المسلمة حسب استطاعتها.
وفي ذلك يقول الرسول (ص): "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه".
وقال رسول الرحمة (ص): "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه معاً.
وقد نشأ رسول الله يتيماً فرعاه جده عبدالمطلب. ثمّ رعاه ودافع عن رسالته عمه أبو طالب.
فلما شب الرسول واستطاع أن يكسب عيشه بدأ هو أيضاً برعاية اليتامى والفقراء في بيته.
وأوّل طفل تولى الرسول رعايته رغم أنّ والديه كانا أحياء هو ابن عمه علي بن أبي طالب (ع). فعاش مع رسول الله منذ صغره غذاه رسول الله بالعلم وكساه حلل الإيمان زينه بالأدب. كما كان رسول الله يرعى في بيته زيد بن حارثة.. وكان زيد طفلاً اختطفه الأعراب من قبيلته فلم يعرف له أهلاً فاشترته خديجة وأهدته إلى الرسول فتبناه الرسول وأعتقه. ولما جاء أهله وعشيرته إلى الرسول ليأخذوه منه. خيره رسول الله بين الإقامة عنده وبين الذهاب مع أهله، فاختار الإقامة عند رسول الله (ص) لما لقيه من الحب والحنان والعطف مما لا يجده الطفل عند والديه وأقرب الناس إليه.
يقول الإمام الغزالي: "الصُبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل نقش وقول الغزالي هذا يتفق مع أحدث النظريات في علم التربية. ذلك انّ الطفل البشري يولد وهو في حالة من العجز الشديد بحيث إذا ترك وشأنه هلك. ومن أجل ذلك كانت رحمة الله بالأطفال ماثلة في عاطفه الأمومة وعاطفة الأبوة. حيث يتولى الأبوان رعاية أطفالهما إلى حد تفضيلهما على نفسيهما.
ودور الأب يتفوق على دور الأُم في تربية الأبناء بعد السنوات الثلاث الأولى من عمر كل منهم، وفي هذا يقول النبي (ص): "ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن".
إنّ الأبناء بنين وبنات هم ثمرات القلوب وأفلاذ الأكباد، وهم أمانة جليلة في أعناق الآباء. وأداء الأمانة يتمثل في حسن الرعاية ودقة التربية واستقامة التنشئة الاجتماعية.
ومن الواجب على الوالد أن يحرص أوّلاً قبل كل شيء على غرس بذور الأخلاق الفاضلة في نفس الولد أو البنت، وتعويدهما العادات الكريمة والخصال الحميدة والآداب الرفيعة وتجنيبهما الترف الزائد والبذخ، وإبعادهما عن قرناء السوء. وفي هذا يقول الغزالي عن تربية الوالد لولده وصيانته، بانّ يؤدبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء ولا يعوده التنعم والترف، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيخسر عمره، بل ينبغي أن يراقبه من أول عمره.
والتربية الصحيحة تبدأ من أوّل فترة الرضاع حيث يطالب الإسلام الأبوين باختيار المرضعة الصالحة والمربية الفاضلة ويشترط في المرضعة أن تكون متدينة ذات خلق وعفة وتأكل من حلال حتى تؤثر في الوليد تأثيراً صالحاً.
كان المسلمون الأوائل يهتمون كثيراً بمسألة التربية وعرفت الامثال التي تشير إلى هذا المعنى مثل قولهم: "من أدب ولده صغيراً سر به كبيراً" وقولهم أيضاً: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
وكذلك قولهم: "اطبع الطين ما كان رطباً واعصر العود ما كان لدنا".
ويقول علماء التربية المعاصرين: بادروا بتعليم الأطفال قبل تراكم الأشغال. وانّه وإن كان الكبير أوقد عقلاً، فإنّه اشغل قلباً ويقول الشاعر:
إذا المرء أعتيه المروءة ناشيئا **** فمطلبها كهلاً عليه شديد
وينبغي تعليم الطفل المهمة التي يحبها ويعشقها ويبذل جهده في تعلمها والإستفادة منها كما يرى العلامة ابن سينا إذ يقول: "إنّه ليست كل صناعة (مهمة) يرومها الصبي ممكنة له مواتية، ولكن ينبغي له أن يزاول ما شاكل طبعه وناسبه. ولقد روي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض والشعر. فصعب ذلك عليه، فقال له الخليل يوماً: من أي بحر قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه **** وجاوزه إلى ما تستطيع
ففطن يونس بن حبيب لقصد الخليل بن أحمد وتوجه إلى أغراض أخرى في العلم غير العروض ونظم القوافي.
- التربية الاجتماعية في الإسلام:
هذا النوع من التربية تضع الأُم الأساس الأوّل له، ثمّ يستكمله مع الأم الأب والمعلم والقريب والجار والصديق والزميل، وعلى الكبار داخل الأسرة أن يعودوا صغيرهم على آداب المائدة لضرورتها بالنسبة له. ومن آداب الطعام في الإسلام أن لا يكون الإنسان شرهاً في الأكل (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (الأعراف/ 31)، من المهم الإعتدال في الطعام وعدم التخمة والإسراف في الأكل.
يقول الغزالي في هذا الصدد: "أوّل ما يغلب على الطفل من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل إلا يأخذ الطعام إلا بيمينه. وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه، وأن يأكل مما يليه. وإلا يبادر إلى الطعام قبل غيره وألا يحدق النظر إليه ولا إلى ما يأكل.
وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين الفم، ولا يلطخ يديه أو ثوبه ويقبح عنده كثرة الأكل، بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم. وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل. ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الأكل وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام، وقلة المبالاة به والقناعة بالقليل.
وكل تلك الأمور ينبغي أن يلتفت إليها الوالدان في تربية الأبناء وتعليمهم آداب المائدة وأساليب تناول الطعام وكيفية الجلوس على المائدة.
ويقول الغزالي أيضاً: "وينبغي أن يعود.. ألا يضع رجلاً على رجل. ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده، فإن ذلك دليل الكسل، ويعلم كيفية الجلوس ويمنع كثرة الكلام وانّه من فعل أبناء اللئام. (فإنّ من كثرة لغطه كثر غلطه) وأن يعود أيضاً الإحسان إلى الغير، على أن يكون بمقدار وعلى حسب القدرة والإستطاعة، حتى لا يخرج به إلى رذيلة التفاخر على الغير.
"ويمنع من أن يفتخر على أقرانه وأترابه بشيء مما يملكه والداه، أو بشيء من مقتنياته وملابسه أو لوحه وأدواته.
وينبغي أن يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره والتطلف في الكلام معهم. وإذا عجز الوالدان عن ذلك. أو إذا كان الطفل قد فقد أحدهما أو كليهما. فعلى المدرس والمربي والأخصائي الاجتماعي أن يبعد الطفل ويعلمه آداب المائدة باعتبارها من أهم الآداب الاجتماعية.
وإذا كان من الخير أن نعوّد الطفل الشعور بمشاعر الآخرين والتجاوب معهم عاطفياً ومشاركتهم وجدانياً في الفرح والحزن، فإنّه من الخير في مجال الصحة النفسية أن نجنب الطفل حدة العواطف المثيرة حتى لا تستبد به وتضله عن الطريق السوي.
ويقول الفيلسوف الإسلامي والطبيب الذائع الصيت ابن سينا: انّه يجب علينا أن نجنب الطفل الغضب الشديد والخوف الشديد والحزن والسهر. وأن نقدم إليه ما يحتاجه ليعتدل مزاجه فتعتدل أخلاقه. لأنّ الأخلاق الحسنة نابعة لصغار المزاج. وهكذا نجد التربية الاجتماعية الإسلامية تتناول التربية بجانبيها الاجتماعي والنفسي وكذلك الصحة النفسية وتلك هي الصورة المتكاملة للتربية.
- التربية الصحية:
على الوالدين أيضاً تعويد أطفالهما على النظافة وما يجلب الصحة وتجنيبهم العادات القبيحة التي قد تؤثر على صحتهم وعلى الصحة العامة. وفي هذه يقول الغزالي: ينبغي أن يعوّد الطفل ألا يبصق في مجالسه أو في الطريق العام أو في مكان يراه أحد. ولا يتثاءب بحضره غيره وإذا أراد أن يعطس في منديل ولا يتمخط. وإذا تثاءب أن يضع كفه مقلوباً على فمه.
ومعنى ذلك أنّ الغزالي يطالب الجميع بتعليم الأطفال العادات الحسنة. ويجنب الأطفال عادة البصق على الأرض في الشارع أو المنزل أو في الفصل الدراسي أو في مكان العمل. ويعلم الأطفال عادة البصق والتمخط والعطس في المنديل.
- التربية الرياضية:
والتربية الرياضية أو البدنية لها أهميتها القصوى في التربية الإسلامية على اعتبار أنّ العقل السليم في الجسم السليم. وفي هذا يقول الرسول (ص): "انّ لبدنك عليك حقاً".
وفي الحديث الشريف: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" ومن الألعاب الأساسية لعبة الرمي، وهي لعبة تؤدي إلى زيادة القوة البدنية.
ويقول الغزالي في هذا الصدد: "وينبغي أن يؤذن للتلميذ بعد الإنصراف عن الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب. بحيث لا يتعب في اللعب فإنّ منع الصبي من اللعب وإرهاقه في التعليم يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه".
واللعب الجميل الذي يشير إليه الغزالي ليس لعب الكرة في الشارع داخل الأحياء السكنية، ولا لعب الكمبيوتر وأجهزة الأتاري مما يسبب للطفل أضراراً فادحة. بسبب ما فيها من عنف مما يغير سلوك الطفل نحو أخوانه ووالديه. وما يؤدي إلى أضرار جسدية ونفسية. حيث أنّ الغزالي ينهى عن الألعاب الضارة للأطفال أياً كانت. واللعب الجميل الذي يشير إليه هو اللعب المنظم داخل ملاعب المدارس والمعاهد والكليات الجامعية والأندية الرياضية تحت إشراف المتخرجين في مختلف أقسام المعاهد العالية للتربية الرياضية.
وهذا اللعب من وجهة نظر الغزالي ضرورة علمية وعقلية واجتماعية ونفسية تجد ذهن الطفل أو اليافع أو الشاب الصغير حتى يعود إلى دراسته أو عمله وهو أكثر اشتياقاً إليه وقواه متجددة حتى لا يسأمه ويفر منه وممن يفرضون عليه بمختلف الحيل النفسية المعروفة.
وعلى الوالدين أن يقتديا بلقمان في توجيه أبنائهم إلى ما يتفق مع الفطرة السليمة التي ولدوا عليها. وكما جاء في القرآن الكريم: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/ 16-19).
التعلیقات