مشاركة المسلمين في حفل كريسماس
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 ساعاتتبرز مسألة مشاركة المسلمين في احتفالات غير المسلمين، ومن بينها حفل الكريسماس، في ظلّ عالمٍ يتّسم بتعدّد الأديان والثقافات وتداخل المجتمعات، بوصفها قضية فكرية ودينية واجتماعية تستدعي نقاشًا دقيقا واجتماعيا ودينيا. فالمسلم اليوم لا يعيش في فراغٍ ثقافي، بل يتفاعل يوميًا مع الأمور المختلفة المتعلقة بغير المسلمين وهو ما يثير تساؤلات متعددة حول حدود هذا التفاعل وضوابطه الشرعية. من الجهة الثانية تنبع حساسية هذا الموضوع من كونه لا يقتصر على بُعدٍ اجتماعي أو عرفي، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة والهوية الدينية. فالكريسماس في أصله احتفال ديني ذو جذور عقدية واضحة، تعبّر عن معتقدات تخالف التوحيد الخالص الذي يقوم عليه الإسلام، الأمر الذي يجعل مشاركة المسلمين فيه في الغالب، صورةً من صور التشبّه بغير المسلمين في شعائرهم وخصوصياتهم الدينية.
وتبرز أهمية هذا البحث في المجتمعات الإسلامية العربية والدول العربية الإسلامية. فنرى الكثير من الناس المسلمين خصوصا الشباب، يحبون أن يشتركون في حفلات المختصة بغير المسلمين، خصوصا حفل كريسماس.
ولهذا فمن الجميل أن نبحث حول هذا الموضوع من الجهة الدينية والعقائدية وما يتلقاه العرف من مشاركة المسلمين في مثل هذه الحفلات.

حكم مجرد مشاركة المسلمين في حفلات غير المسلمين
أكّد الإسلام منذ بداياته على مبدأ التعايش الإنساني مع غير المسلمين، القائم على العدل، والإحسان، وحسن الخلق، واحترام الحقوق. فقد قال الله تعالى: ﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ (1). عدم النهي في هذه الآية يعني أنّ الله تعالى لا يمنع المسلمين من التعايش والمراودة العادية العرفية مع غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يكونوا كفارا حربيين. غير أنّ هذا التعايش لا يعني بحالٍ من الأحوال المشاركة في الشعائر الدينية أو الاحتفالات ذات الطابع العقدي المخالف للإسلام.
بعبارة أوضح، إنّ مشاركة المسلمين في هذا النوع من الحفلات، لا مانع منه في حدّ ذاته. لكنّ واقع الحال أنّ غالبية هذه الحفلات، إذا لم نقل جميعها، تتضمن الأمور المحرمة كالفسوق وأنواع المحرمات والفساد والضلال. هذا بالإضافة إلى عنوان محرم شديد في الشريعة وهو التشبه بالكفار.
وقد سأل أحد المؤمنين عن سماحة السيد السيستاني دام ظله: هل يجوز أن نحتفل برأس السنة الميلادية؟ وهل يجوز المشاركة في مجالس الأعياد الغير الإسلاميّة؟
فأجاب سماحة السيد السيستاني دام ظله: إذا خلت عن الفسوق وسائر أنواع الفساد ولم يكن في ذلك نشرٌ للضلال فلا مانع (2).
الانبهار بالثقافة الغربية والانهزامية الثقافية
تشهد المجتمعات المسلمة في العصر الحديث تحدّيات فكرية وثقافية متزايدة. ومن أخطر هذه التحدّيات ما يمكن تسميته بـالانهزامية الثقافية أو الذوبان الحضاري، حيث تفقد بعض الأسر المسلمة ثقتها بثقافتها وهويتها الدينية، فتتجه إلى تقليد أنماط الحياة الغربية، حتى في الجوانب المرتبطة بالعقيدة والشعائر الدينية.
الانهزامية الثقافية هي حالة نفسية وفكرية يشعر فيها الفرد أو الأسرة بأن ثقافته ودينه أقلّ شأنًا من ثقافة الآخر، فيسعى إلى تقليده طلبًا للقبول الاجتماعي أو بدافع الإعجاب والانبهار. ولا تقتصر هذه الحالة على المظاهر السطحية، بل قد تمتدّ إلى تبنّي رموز وعادات ذات جذور دينية مخالفة، بما في ذلك الاحتفال بأعياد غير المسلمين. يحاول البعض تصوير الكريسماس على أنّه مجرّد مناسبة اجتماعية أو ثقافية، خالية من المضمون الديني، إلا أنّ هذا الطرح يتجاهل حقيقة أنّ الكريسماس في أصله عيد ديني مرتبط بعقيدة التثليث وتجسيد الإله، وهي عقائد يرفضها الإسلام رفضًا قاطعًا.
ومن هنا تأتي أهمية الأسرة والتعليمات الأسرية. الأسرة النواة الأولى لتشكيل وعي الأبناء وبناء هويتهم الدينية والثقافية. وعندما تُظهر الأسرة نوعًا من التساهل أو الإعجاب غير المنضبط بالثقافة الغربية، فإنّها ترسل رسالة غير مباشرة مفادها أنّ الانتماء الديني أمر ثانوي يمكن تجاوزه بدافع المجاملة أو الترفيه.
لماذا الرجوع والانفعالية؟
هل رأيتم يومًا مسيحيًا يقلّد طقسًا إسلاميًا؟ هل رأيتم يومًا مسيحيًا يشارك في عيد إسلامي بوصفه احتفالًا دينيًا؟ أو يقلّد شعيرة من شعائر الإسلام بدافع المجاملة؟
من الملاحظ بوضوح أنّ أتباع الديانات الأخرى، يحرصون على الحفاظ على خصوصية شعائرهم الدينية، ولا يُقبلون في الغالب على تقليد طقوس دينية لا ينتمون إليها. وحتى عندما يُظهر بعضهم احترامًا للإسلام، فإنّ ذلك يبقى في إطار المعرفة أو التقدير العام، لا في إطار المشاركة الدينية. فلماذا يُصرّ بعضُ المسلمين على التشبّه بغير المسلمين؟ ما الذي يفسّر هذا الكمّ الكبير من الانفعالية عند بعض المسلمين؟
إنّ التشبّه في الواقع المعاصر ليس ظاهرة متبادلة، بل هو في الغالب يسير في اتجاه واحد: من المسلم إلى غير المسلم. ولا يكاد يُرى العكس، أي أن يقلّد غير المسلم شعائر الإسلام بوصفها طقوسًا احتفالية أو رمزية، لأنّهم يدركون أنّ الأعياد والشعائر ليست مجرّد عادات اجتماعية، بل تعبير عن عقيدة وانتماء.
التشبه بالكفار
أهم بحث في هذا الموضوع، هو البحث عن التشبه بالكفار. ففيه جهات متعددة.
الجهة الأولى: من هم الكفار؟
الكافر حسب رأي المشهور بل متفق عليه عند الشيعة هم: « من لم ينتحل ديناً، أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام و جحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة و لو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه و آله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في العقائد ـ كالمعاد ـ أو في غيرها كالأحكام الفرعية » (3). فالنصارى واليهود أيضا من الكفار إلا أنهم من الكفار ذوي الكتب. ويعبّر عنهم بالكافر الكتابي.
الجهة الثانية: التشبه بالكفار أمر قهري وعرفي
يقول بعض الشباب الذين يشتركون في هذا النوع من الحفلات: « إنّهم لا يريدون ولا يقصدون، بمشاركتهم في حفلات غير المسلمين، التشبّه بالكفّار وغير المسلمين، وإنّما يشاركون فيها بدافع الترفيه والاحتفال، وإن كان يكتنفها بعضُ المحرّمات والفساد ».
لكن الأمر المهم الذي يغفلون عنه أنّ صدق عنوان التشبه بالكفار ليس بأمر قصدي. بل إنه قهري وعرفي. يعني أنّ فعلا من أفعال المسلمين إذا صدق عليه عرفا أنّه فعل يشبّه هذا المسلم بالكفار، يصدق عليه التشبه بالكفّار ويكون محرما وإن لم يقصده ذلك المسلم. ولهذا نقول: إنّ أغلبية هذه الحفلات تضمن الأمور المحرمة. أي وإن لم تكن مشتملة على فساد لكن يصدق عليها التشبه بالكفار.
الجهة الثالثة: حرمة التشبه بالكفار ورواياتها
التشبه بالكفار من المحرمات القطعية في الشريعة الإسلامية ولايمكن لأحد أن يناقش أصل حرمته. وقد قال سماحة السيد السيستاني حول لبس الصليب والأمور الأخرى المتعلقة بغير المسلمين: لا يجوز ذلك، إذا كان فيه ترويج للمسيحيَّة، بل وكذا إذا كان فيه تشبّه بالمسيحيِّين على الأحوط وجوباً (4).
وقد وردت روايات كثيرة حول حرمة التشبه بالكفار. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « من تشبه بقوم عد منهم » (5). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا يَلْبَسُوا لِبَاسَ أَعْدَائِي وَلَا يَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أَعْدَائِي وَلَا يَسْلُكُوا مَسَالِكَ أَعْدَائِي فَيَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي » (6).
وأيضا روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « حُفُّوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ » (7).
وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَلْبَسُوا لِبَاسَ الْعَجَمِ وَيَطْعَمُوا أَطْعِمَةَ الْعَجَمِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِ » (8). والمراد من (العجم) في هذه الرواية هم الكفار. فقد قاله بعض علمائنا الأعلام كالعلامة الحلي والشيخ كاشف الغطاء رحمهما الله. (9).
وخلاصةُ الأمر أنّ على الشباب أن يراقبوا هذا الأمر ويتشبّثوا بالتعاليم الإسلامية.
1) سورة الممتحنة / الآية: 8.
2) موقع مكتب سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله / https://www.sistani.org/arabic/qa/0294/
3) موقع مكتب سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله
4) موقع المجيب التابعة لمكتب سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله https://almojib.com/ar/question/809467
5) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 17 / الصفحة: 440 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
6) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 252 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
7) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 130 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) المحاسن (للبرقي) / المجلد: 1 / الصفحة: 410 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 2.
9) خلاصة الأقوال (للعلامة الحلي) / المجلد: 1 / الصفحة: 203 / الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة – قم / الطبعة: 1.









التعلیقات