العقيق في روايات أهل البيت عليهم السلام: فضائل وفوائد التختم
الشيخ مهدي المجاهد
منذ ساعةيُعدّ العقيق من الأحجار الكريمة المباركة التي حظيت بمكانة خاصة في الثقافة الإسلامية، لا سيما في تراث أهل البيت عليهم السلام. فقد ذكر العلماء أن للتختم بالعقيق فوائد روحية وجسدية ونفسانية متعددة، وأنه وسيلة للارتباط بالقرب من الله عز وجل ووسيلة للبركة والرزق والسلامة.
التختم بالعقيق لم يكن مجرد زينة أو عادة، بل هو عمل ذو دلالة رمزية وروحية، يمثل الثبات على طريق الحق والاقتداء بالأئمة عليهم السلام. فقد ورد عنهم أن العقيق يجلب البركة، ويزيد من الرزق، وينفي الفقر والنفاق، ويحفظ من المخاطر والمكروهات، ويعدّ حرزًا للمسافر، وهو بذلك امتداد لمفهوم التوسل والتعلق بما يقرّب الإنسان إلى الله عز وجل.
في الثقافة الإسلامية، اكتسب التختم بالعقيق أهمية خاصة، حيث اعتبر وسيلة لتحقيق الأمن الروحي والمادي، وجعل من ارتداه ممن ينالون فضل الله وبركاته. ويأتي هذا في سياق التراث الإسلامي الذي يولي اهتمامًا بالغًا للرموز الروحية التي تجمع بين الجمال الظاهر والفائدة الباطنة.
في هذه المقالة، سنتناول الأحاديث المتعلقة بالعقيق كما وردت في المصادر الشيعية، مع شرح مبسط لكل حديث لبيان فوائده وخواصه.
العقيق وولاية أمير المؤمنين عليه السلام
جاء في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ـ في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي ، تختّم باليمين فإنّها فضيلة من الله عزّ وجلّ للمقرّبين ، قال : بم أتختّم يا رسول الله ؟ قال : بالعقيق الأحمر فإنّه أوّل جبل أقرّ لله بالربوبية ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصيّة ، ولولدك بالإمامة ، ولشيعتك بالجنّة ، ولأعدائك بالنار» (1).
هذا الحديث يوضح أن التختم بالعقيق الأحمر ليس مجرد زينة، بل له دلالة رمزية عظيمة ترتبط بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام وولاية أهل البيت عليهم السلام. فالعقيق الأحمر يمثل الاستقامة على الحق، والارتباط بالإمام، والبركة في الدنيا والآخرة، وهو وسيلة للتقرب إلى الله وللحصول على الحماية من الأعداء.
وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « لمّا خلق الله موسى بن عمران عليه السلام كلّمه على طور سيناء ، ثمّ اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فخلق من نور وجهه العقيق ، ثم قال الله عزّ وجلّ : آليت على نفسي أن لا أُعذّب كفّ لابسه ـ إذا تولّى علياً ـ بالنار » (2).
يوضح الحديث القدسية أن الله جعل للعقيق منزلة عظيمة، وأن من يرتديه من محبي وموالي أمير المؤمنين علي عليه السلام يضمن حماية من النار. وهذا يربط بين العقيق والولاية الإلهية، ويبين أن له دورًا وقائيًا من العقاب الأخروي.
العقيق وزيادة الرزق
عن بشير الدهّان قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أي الفصوص أركب على خاتمي ؟ فقال : « يا بشير ، أين أنت عن العقيق الأحمر والعقيق الأصفر والعقيق الأبيض ، فإنّها ثلاثة جبال في الجنّة ـ إلى أن قال ـ فمن تختّم بشيء منها من شيعة آل محمّد لم ير إلاّ الخير والحسنى ، والسعة في الرزق ، والسلامة من جميع أنواع البلاء ، وهو أمان من السلطان الجائر ، ومن كلّ ما يخافه الإِنسان ويحذره» (3).
يشير الحديث إلى أن للعقيق الأحمر والأصفر والأبيض دورًا في جلب البركة والرزق. فالارتباط الروحي بالمقدسات والأحجار المباركة يجلب الخير والسعة في الرزق، ويحفظ من المصائب والسلطان الجائر، ما يجعل التختم بالعقيق وسيلة للحماية والتوفيق في الحياة اليومية.
وجاء في الخبر عن سيدة نساء العالم السيدة فاطمة عليهما السلام قالت : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من تختّم بالعقيق لم يزل يرى خيراً » (4).
يؤكد الحديث أن التختم بالعقيق سبب دائم للخير، أي أن من يلتزم بهذا العمل المبارك يظل يجد البركة والنعيم في حياته، ما يعكس ارتباط التختم بالاستقرار النفسي والرضا الروحي.
العقيق ينفي الفقر والنفاق
عن الإمام الرضا عليه السلام قال : « العقيق ينفي الفقر ، ولبس العقيق ينفي النفاق » (5).
يبرز الحديث القدسية أن للعقيق تأثير على النفس والمجتمع؛ فهو ينفي الفقر المادي ويرسخ الصدق في القلب، ويمنع النفاق. وبذلك يصبح التختم بالعقيق وسيلة للتطهر الداخلي ورفع الحاجات المادية.
وجاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تختّموا بالعقيق فإنّه مبارك ، ومن تختّم بالعقيق يوشك أن يقضى له بالحسنى » (6).
يوضح الحديث أن التختم بالعقيق مبارك ووسيلة لتحقيق ما يطمح إليه الإنسان من الخيرات والحسنات، أي أن ارتداء العقيق مرتبط بالفضل الإلهي والنجاح الروحي والمادي.
العقيق في السفر
شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله أنّه قطع عليه الطريق ، فقال : « هلا تختّمت بالعقيق ، فإنّه يحرس من كلّ سوء » (7).
وورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : « العقيق حرز في السفر » (8)
وعن الرضا عليه السلام من أصبح وفي يده خاتم فصّه عقيق متختّماً به في يده اليمنى وأصبح من قبل أن يراه أحد فقلب فصّه إلى باطن كفّه وقرأ : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) إلى آخرها ثمّ يقول : « آمنت بالله وحده لا شريك له ، وآمنت بسرّ آل محمد وعلانيتهم » وقاه الله في ذلك اليوم شرّ ما ينزل من السماء وما يعرج فيها وما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وكان في حرز الله وحرز رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يمسي (9).
توضح هذه الأحاديث أن التختم بالعقيق يحمي المسافر من المخاطر والشرور، ويعتبر حرزًا يحفظ الإنسان في سفره من كل سوء، ويشمل الحماية الروحية والجسدية على حد سواء.
العقيق أمان من المكروهات
الحسن بن الفضل الطبرسي في ( مكارم الأخلاق ) نقلاً من كتاب ( اللباس ) للعياشي عن الأعمش قال : كنت مع جعفر بن محمّد عليه السلام على باب أبي جعفر المنصور فخرج من عنده رجل مجلود بالسوط فقال لي : « يا سليمان ، أنظر ما فصّ خاتمه ، فقلت : يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله فصّه غير عقيق ، فقال : يا سليمان ، أمّا أنّه لو كان عقيقاً لما جلد بالسوط ، قلت : يا بن رسول الله زدني ، قال : يا سليمان ، أمّا أنّه لو كان عقيقاً لما جلد بالسوط ، قلت : يا بن رسول الله زدني ، قال : يا سليمان ، هو أمان من قطع اليد ، قلت : يا بن رسول الله زدني ، قال : هو أمان من إراقة الدم ، قلت : زدني ، قال : إنّ الله يحبّ أن ترفع إليه في الدعاء يد فيها فصّ عقيق ، قلت : زدني ، قال : العجب كلّ العجب من يد فيها فصّ عقيق ، كيف تخلو من الدنانير والدارهم ، قلت : زدني ، قال : إنّه حرز من كلّ بلاء ، قلت : زدني ، قال : هو أمان من الفقر » (10) .
يشير الحديث إلى أن العقيق وسيلة للسلامة من المكروهات والأذى، بما في ذلك الحوادث الجسدية والسرقات والفقر. ويؤكد أيضًا دور التختم في الدعاء والتقرب إلى الله عز وجل، إذ يصبح العقيق رمزًا للبركة والحماية.
خاتمة
يتضح من خلال هذه الأحاديث المباركة أن العقيق ليس مجرد حجر كريم أو زينة، بل هو وسيلة للتقرب إلى الله ووسيلة للبركة الروحية والمادية. فالتختم بالعقيق الأحمر أو الأصفر أو الأبيض يجلب الخير والسعة في الرزق، ويحفظ من الفقر والنفاق، ويكون حرزًا وحماية للمسافر، وأمانًا من المكروهات والشرور.
كما يبرز العقيق مكانة خاصة في التراث الشيعي، كرمز للارتباط بأهل البيت عليهم السلام، وحصن للمؤمنين ضد المخاطر الدنيوية والأخروية. وبهذا يكون التختم بالعقيق عملًا روحانيًا متكاملاً يجمع بين الجمال الخارجي والفائدة الروحية الباطنة، ويمثل سلوكًا حضاريًا دينيًا متجذرًا في الثقافة الإسلامية.
إنّ من يرتدي العقيق متخذًا يدًا فيه في الدعاء، يكون بذلك ملتزمًا بسنن أهل البيت عليهم السلام، ويحصل على فضائل عديدة في الدنيا والآخرة، ويعيش في طمأنينة وحماية الله عز وجل وحرز رسوله صلى الله عليه وآله، فتكون حياته مملوءة بالخير والبركة، وقلوبهم مطمئنة، وأرزاقهم واسعة، وقلوبهم خالية من الشرك والنفاق.
وفي الختام، يظهر لنا أن التختم بالعقيق ليس مجرد عادة، بل هو رابط روحي متين بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان وأهل البيت عليهم السلام، ووسيلة لتحقيق الأمان النفسي والجسدي، والنجاح في الدنيا والآخرة، مما يجعل من العقيق حجرًا مباركًا ووسيلة للارتقاء الروحي والحياة السعيدة.
1. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 82 / ط-آل البیت.
2. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 87 / ط-آل البیت.
3. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 88 / ط-آل البیت.
4. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 88 / ط-آل البیت.
5. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 85 / ط-آل البیت.
6. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 86 / ط-آل البیت.
7. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 89 / ط-آل البیت.
8. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 90 / ط-آل البیت.
9. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 91 / ط-آل البیت.
10. وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة : 92 / ط-آل البیت.









التعلیقات