النسويّة في الغرب بين الشعارات والواقع المرّ
حقوق المرأة
منذ 4 ساعاتعندما نتأمل في واقع المرأة عبر التاريخ، ولا سيّما في المجتمعات الغربيّة، نجد أنّها عانت طويلاً من الظلم والتهميش وحرمت من أبسط حقوقها. ومع مرور الزمن ظهرت حركات تدّعي الدفاع عنها، غير أنّها ـ للأسف ـ لم تحقق لها السعادة ولا الكرامة المنشودة، بل قادتها أحيانًا إلى مسار آخر من الانفصال عن ذاتها وضياع الهويّة.
وهنا يبرز سؤال يهمّ كلّ امرأة مؤمنة: أين نجد التصوّر الأصدق والأعمق لمكانة المرأة؟ هل في هذه النظريات البشريّة المتغيّرة، أم في منهجٍ إلهيّ ثابتٍ يكرّم المرأة كأمّ وزوجة وابنة، ويمنحها حقوقها بما يحفظ إنسانيّتها وسموّ روحها؟
في هذا المقال، نفتح نافذة للتأمّل في ما جرى للمرأة في الغرب تحت راية النسويّة، لنقارن بين النتائج المرّة التي عاشتها هناك، وبين الرؤية التي منحتها الشرف والكرامة الحقيقيّة. قراءة تدعوكِ للتفكير والاقتراب أكثر من الحقيقة التي تعيد للمرأة مكانتها التي تستحقّها.
دور النساء في الغرب بالمنهج النسوي
أمام الظلم الكثير الذي تعرّضت له النساء في المجتمعات الغربية، نشأت الحركات النسوية كدفاع عن حقوق المرأة، ولكن انتهت هذه الحركات بأن ألحقت بالمرأة نوعاً آخر من الجور، وسنشير الآن إلى بعض تلك الأمور.
التشابه بين النساء والرجال
من الادعاءات المشتركة بين جميع النسويات أو أغلبهن، نفي الظروف التي تؤدي إلى تفوّق الرجال على النساء. فبحسب الرؤية النسوية، الرجال والنساء متساوون في جميع الظروف ولهم أدوار متماثلة؛ لذلك لا يجوز في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أن يُمنح الرجال امتيازات أو أدوار تميزهم عن النساء، بل يجب أن تكون الشروط متساوية ومتكافئة لكلا الجنسين. تقول جين فريدمن:
"ما إن بدأ النسويون نضالهم ضد المقام الاجتماعي الثانوي للنساء، حتى طرحوا موضع سؤال الفوارق الطبيعية المفترضة بين الرجال والنساء، وآثار هذه الفوارق المفترضة على النظام الاجتماعي. ثم طُرحت مسألة كيفية تحدي هذا الافتراض. فهل على النساء أن ينكرن الفارق الجنسي ويطالبن بالحقوق المتساوية على أساس أنهن مثل الرجال؟ أم يقلن إنهن متساويات لكن مختلفات، وإن الخصائص (الأنثوية) لهن لا تقل قيمة وأهمية عن الصفات (الذكورية)؟" (١).
الحضور في الساحات الاجتماعية والعلمية
ومع الالتفات إلى الدور السلبي للمرأة في المسار النسوي، لا ينبغي تجاهل الأدوار الإيجابية لهذه الحركة. ففي وقت من الأوقات في المجتمعات الأوروبية، كانت المرأة تُعدّ محور الشر ومجسّمة الفتنة والشيطان، وكانت محرومة من حق التعليم والمشاركة في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية. أرسطو – رغم أنه كان يعتبر للنساء حق الحياة – كان يرى لزوماً أن يكنّ تحت سلطة الرجال، وكان يعتقد أن المرأة لا حق لها في الحرية ولا في الحقوق السياسية (٢).
أما جان جاك روسو، فيقول في "العقد الاجتماعي":
"المرأة لم تُخلق لتعلّم العلم والحكمة، ولا للتفكير والتأمل، ولا للصناعة ولا للسياسة؛ وإنما خُلقت لتكون أماً تُرضع طفلها من لبنها، وتكفله بعنايتها الخاصة في فترة ضعفه، ثم تسلّمه إلى أبيه أو مربٍ آخر، وتعود هي إلى مهمتها الأمومية، فتحمل وتلد وترضع وتربي... حتى النهاية، لتكون هي وأولادها تحت تكفل الرجل" (٣).
ولكن مع دعم حقوق النساء في الغرب، فُتح لهنّ مجال التعليم والمشاركة في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية. وأصبحت النساء في الغرب حاضرات بفاعلية في الأعمال الاجتماعية. غير أنّه – وللأسف – بسبب عدم الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والدينية، وضعف الأسس الفكرية للحركات النسوية، جاء التمتع بهذه الحقوق والامتيازات على حساب الانحلال والانحطاط الأخلاقي، وتجريد المرأة من كرامتها الإنسانية ومقامها الرفيع.
اللذة والمتعة
إن حركة النسوية ـ من حيث الوقائع الاجتماعية ـ وليدة الثورة الصناعية والنظام الرأسمالي، لكنها ـ من حيث الفكر ـ ثمرة عصر النهضة، ومبنية على الرؤية الغربية، وأساسها الفكر الحداثي الذي يتمحور حول الإنسان. تقوم التوجهات النسوية على الافتراض بأن الإنسان هو مصدر التشريع، وهو مستغنٍ عن هداية الوحي؛ ومن ثمّ لا يقبل أي من هذه الاتجاهات بالاستناد إلى الوحي أو الإيمان بسيادة الدين في الشؤون الاجتماعية.
الغاية الجوهرية التي تسعى إليها الحركات النسوية – رغم تباين اتجاهاتها – هي بناء مجتمع تُمحى فيه الفوارق القائمة على الجنس، ويحلّ محلّها التشابه في الحقوق والفرص والإمكانات، وصولاً إلى الحلم المتمثل بـ«المساواة في التمتّع بالرفاه المادي». فوفق الرؤية الغربية، تُعدّ التنمية في مجال الرفاه، التي تقتصر غالبًا على الجوانب المادية، الهدف الأساس لهذه الجهود. وفي المقابل، ظلّ النظام الأبوي في المجتمع، ولا سيّما داخل الأسرة النواتية، محورًا دائمًا لانتقادات النسويات.
النسويات الليبراليات اعتبرن أن جذور دونية المرأة تكمن في وضع القوانين، وبالتأكيد على حرية السلوكيات، والتمحور حول اللذة والرضا الذاتي، طالبن بإصلاح القوانين والبنية السياسية والاجتماعية للمجتمع بغية تحقيق أهداف المساواة. فاللذة، والحريات الفردية، وتشجيع الزواج الحر، والبحث عن حياة عاطفية بلا زواج، والمثلية الجنسية وغيرها، هي من توجهات النسوية في ما يتعلق بالمرأة.
التحرر من قيود الأسرة
توجه آخر للنسويات تجاه المرأة هو تحريرها من قيود الأسرة. فبحسب نظرهن، إن الأسرة هي المؤسسة الأهم التي تسهم في إيجاد الفوارق بين الرجل والمرأة. وتدعي النسويات أن ما يجعل الرجل رجلاً ويمنح المرأة هويتها الأنثوية إنما هو المجتمع والمؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة. فالتقاليد السائدة في المجتمعات هي التي تجعل هذا رجلاً متفوقاً، وتلك امرأة تابعة. أما النسويات الماركسيات فيرون أن النظام الأسري صناعة من صناعات النظام الرأسمالي.
لكن – رغم محاولات التيار النسوي في محو النظام الأسري – تُظهر أبحاث المفكرين الغربيين أن النساء لديهن ميول فطرية نحو الأسرة، ووظيفة الأمومة والزوجية. وتقول السيدة لمبرزو:
"إن فطرة المرأة الأولى قد جُبلت على أداء وظيفة الأمومة والزوجية، وإضفاء الصفاء على الحياة الزوجية وتكوين الأسرة، وكذلك على التضحية في سبيل الحياة العائلية" (٤).
ويقول أحد علماء النفس الغربيين:
"إن الله الذي خلق الذكر للكفاح والجهد، قد اختار جسد المرأة وروحها للأمومة، والحب، وبقاء الأسرة" (٥).
ويقول بعض علماء الاجتماع الغربيين:
"إن النساء بطبيعتهن وغرائزهن يمِلن إلى أعمال البيت، كإنجاب الأطفال ورعايتهم. ومع أن دعاة المساواة بين الرجل والمرأة قد أخرجوا النساء من البيت بشعاراتهم، ودفعوهن إلى المراكز الاقتصادية والخدمية، إلا أنهم لم يستطيعوا القضاء على الميل القلبي للنساء نحو الإنجاب ورعاية البيت. فمعظم النساء المتزوجات – اللواتي لم يبلغن سن التقاعد – لا يعدّون العمل المأجور أمراً مهماً جداً في حياتهن، بل يرون أن البيت والأولاد هو الهدف الحقيقي، والمهنة الأصلية للمرأة" (٦).
الخاتمة
بعد هذا العرض، يتبيّن لنا أنّ الحركات النسويّة في الغرب وُلدت من رحم الظلم الذي تعرّضت له النساء، لكنها لم تستطع أن تحقّق لهنّ السعادة والطمأنينة، بل دفعت كثيراً منهنّ إلى الابتذال وضياع الهويّة والكرامة. وعلى الرغم من بعض المكاسب الماديّة، إلّا أنّ الثمن كان باهظاً جدّاً.
أمّا المرأة في الإسلام، فقد وُضِعت في مكانها الصحيح؛ أمّاً تُكرَّم، وزوجة تُحترَم، وبنتاً تُصان، وإنسانة ذات رسالة. إنّه الإسلام الذي منح المرأة التوازن بين حقوقها وواجباتها، ورفعها إلى مقامٍ لا تبلغه أيّ فلسفة بشريّة.
نعم، الإسلام هو أكثر من جميع المذاهب والأفكار البشريّة تكريماً للمرأة واعترافاً بكرامتها.
أسئلة وأجوبة
س: لماذا نشأت الحركات النسويّة في الغرب؟
ج: لأنها جاءت ردّ فعل على الظلم والحرمان الذي عاشته النساء في المجتمعات الغربيّة.
س: ما هو الهدف الأساسي للنسويات في الغرب؟
ج: إقامة مساواة تامّة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، ولو على حساب الفوارق الطبيعيّة.
س: ما هي أبرز النتائج السلبيّة للفكر النسوي؟
ج: الابتعاد عن القيم الدينيّة والأخلاقيّة، انتشار الابتذال والانحراف، وسلب الكرامة الحقيقيّة من المرأة.
س: هل أنكر الفكر الغربي ميول المرأة الفطرية نحو الأسرة والأمومة؟
ج: نعم، حاول إنكارها، لكن الدراسات أثبتت أنّ المرأة بطبيعتها تميل إلى الأسرة ورعاية الأبناء، وهذا ما لم تستطع الحركات النسويّة محوه.
س: أين تجد المرأة الكرامة الحقيقية؟
ج: في الإسلام، لأنه الدين الذي أعطاها حقوقها الكاملة، وكرّمها فوق جميع المذاهب والأفكار البشريّة.
(ترجمة كتاب "الدور التاريخي للمرأة من منظور القرآن" تأليف السيّد إبراهيم حسيني، من الصفحة ٣١ إلى الصفحة ٣٥.)
١. النسوية / جين فريدمن / الصفحة : ٢٠.
٢. مجموعة مقالات مؤتمر "النساء في أفغانستان: الفرص، التحديات والحلول"؛ ج٣، الصفحة : ٢١١. منقول عن: ثريا مكنون ومريم صانع بور؛ دراسة تاريخية لمكانة المرأة من وجهة نظر الإسلام، الصفحة : ٢٨.
٣. نفس المصدر / الصفحة : ٤١١.
٤. حضور المرأة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية من منظور الآيات والروايات / أحمد طاهري نيا؛ الصفحة : ٣٢٨.
٥. نفس المصدر.
٦. نفس المصدر/ الصفحة : ٣٢٩.
التعلیقات