حقوق الإنسان للمرأة وحقوق المرأة في الإسلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 15 ثانيةحقوق المرأة من أبرز القضايا التي شغلت الفكر الإنساني في العصر الحديث، نظراً لارتباطها المباشر بكرامة الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ومكانة المرأة في بناء الحضارة. ومع تطوّر المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، خصوصاً بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، برزت محاولات حثيثة لصياغة معايير شاملة تضمن للمرأة حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز. وقد تعزّز هذا التوجه مع اعتماد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (CEDAW) التي سعت إلى وضع إطار ملزِم للدول في حماية حقوق النساء وتعزيز مشاركتهنّ المتساوية في المجتمع.
في المقابل، يمتلك الإسلام منظومة حقوقية متكاملة تنظر إلى المرأة بوصفها شريكاً أساسياً للرجل في البناء الإنساني، وتؤكد على كرامتها الإنسانية واستقلالها المالي وحقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية، ضمن إطار قيمي وأخلاقي يوازن بين الحقوق والواجبات ويحفظ تماسك الأسرة والمجتمع. وقد شهد التاريخ الإسلامي نماذج مشرقة لحضور المرأة في العلم والاقتصاد والسياسة والدعوة، مما يعكس عمق الرؤية الإسلامية تجاه مكانة المرأة ودورها.
اختلاف المباني الفركية في النظامين
مع أنّ كلاً من النظامين،النظام الحقوقي الدولي والنظام الإسلامي، يسعى إلى حماية المرأة ورفع مكانتها، إلا أنّ الاختلاف في الأسس الفلسفية والمعرفية لكل منهما أدّى في بعض الموارد إلى تباينات واضحة في تحديد طبيعة الحقوق وحدود الحرية ومفهوم المساواة ودور المرأة في المجتمع. فبينما يقوم الفكر الحقوقي الحديث على مبدأ المساواة المطلقة والاستقلال الفردي، يقوم التصوّر الإسلامي على مبدأ العدالة وتكامل الأدوار انطلاقاً من فهم ديني لطبيعة الإنسان ووظيفته في الحياة. لكن في بعض الموارد الأخرى، ينطبق النظام الإسلامي مع النظام الدولي الحديث. وعند التأمل نرى أنّ المنظور الإسلامي، بيّن أمورا وركّز عليها تركيزا لم يفهمه الإنسان آنذاك بل وصل فهم الناس إلى بعض هذه الأمور بعد قرون طويلة.
لهذا من الضروري أن نطبّق بين هاذين الفكرين والنظامين.
الموارد المطابقة بين النظامين
هناك موارد عديدة يطابق فيها المنظور الإسلامي مع المنظور الدولي مع اختلافات قليلة في الجزئيات.
التعليم والتعلمالتعليم أحد أهمّ الحقوق الإنسانية الأساسية التي تشكّل حجر الزاوية في تطوّر الفرد والمجتمع. وتكتسب قضية حق النساء والفتيات في التعليم أهمية مضاعفة، نظراً لما تعرّضت له النساء عبر التاريخ من تهميش وإقصاء، وما زالت بعض المجتمعات تشهد صوراً مختلفة من الحرمان والتقييد التعليمي ضدّ النساء. نصّت المادة (26) من الإعلان العالمي على أن لكل إنسان الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم متاحاً للجميع وعلى أساس المساواة دون تمييز والتعليم يجب أن يهدف إلى تنمية شخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان. وأكدت المادة 10 من اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة في التعليم ومنح المرأة فرصاً متساوية في المنح الدراسية وتوفير بيئة تعليمية تحمي الفتيات من العنف والتحرش.
والإسلام أيضا أكد على تعليم العلم. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « العالم بين الجهّال كالحيّ بين الأموات، وإنّ طالب العلم ليستغفر له كلُّ شيء حتّى حيتان البحر وهوامّه، وسباع البرّ وأنعامه، فاطلبوا العلم فإنّه السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ، وإن طلب العلم فريضةٌ على كلّ مسلم ومسلمة » (1). وقد كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها تجلس وتأتي اليها النساء المؤمنات يسألنها عن المعارف الإسلامية. فقد روي: « قالت فاطمة عليها السلام وقد اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شئ من أمر الدين: إحديهما معاندة، والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحا شديدا. فقالت فاطمة عليها السلام: إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها » (2).
اشتغال النساء
الاشتغال والعمل وسيلة لتحقيق الكرامة الإنسانية والاستقلال الاقتصادي والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة. ومع تطوّر الفكر الحقوقي العالمي، أصبحت مشاركة المرأة في سوق العمل مؤشراً على مستوى التنمية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية في أي مجتمع. المادة (11) من اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة من أهم المواد المتعلقة بعمل المرأة، إذ تنص على حق المرأة في العمل دون أيّ تمييز والوظائف العامة والخاصة على قدم المساواة مع الرجل وحماية المرأة من الفصل بسبب الحمل أو الأمومة وحماية العمل الميداني من الأخطار.
النظام الإسلامي أيضا منح فرصة العمل والاشتغال للنساء ولم يمنعهن. فقد ورد في القرآن الكريم: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ (3). وقد كانت السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النساء المتمولين في الإسلام وكانت تتاجر بأموالها حتى روي: « سُئِل أبن أبي رافع: أو كان رسول الله يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: وأين يذهب بك عن مال خديجة؟ إن رسول الله قال: ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة » (4). وقد روي: « عن أُمّ الحسن النخيعة قالت: مرّ بي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أيّ شيء تصنعين يا أُمّ الحسن؟ قالت: أغزل، قالت: فقال: أما إنّه أحلّ الكسب » (5). فأقرّ الإسلام حق المرأة في العمل، لكنه يضع له ضوابط تحمي كرامتها ومكانتها الاجتماعية والأسرية، ومن أهمها عدم تعارض العمل مع واجباتها الأسرية الأساسية واختيار الأعمال المناسبة لطبيعتها وكرامتها والالتزام بالضوابط الشرعية.
الفعاليات السياسية والاجتماعية
تشكّل مشاركة النساء في الحياة السياسية والاجتماعية أحد أهم مؤشرات التقدّم في المجتمعات الحديثة، كما تُعدّ ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبادئ المساواة وعدم التمييز، خاصة في الحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة والحق في الانتخاب والترشيح والحق في تقلّد الوظائف العامة والحق في حرية التعبير والاجتماع وتأسيس الجمعيات. وأيضا يضمن القانون الدولي حق المرأة في الوجود الفعّال في المجالات الاجتماعية، كالفعاليات الثقافية والمبادرات التطوعية والحملات التوعوية والأعمال الخيرية والتنموية والمنظمات غير الحكومية.
وفي الإسلام، مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية أحد المحاور الأساسية في النقاشات الفكرية والفقهية المعاصرة داخل المجتمعات الإسلامية. ورغم أنّ هذا الموضوع يُطرح اليوم بصورة حديثة ضمن إطار حقوق الإنسان وتمكين المرأة، إلا أنّ جذوره في الفقه الإسلامي والسيرة النبوية عميقة. فقد سمعنا جميعا بذهاب السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها إلى مسجد النبي بعد غصب الخلافة وغصب بساتين فدك وإلقاء خطبة مفصلة. وروي حول كيفية ذهابها إلى المسجد ودفاعها عن حقوقها: « لَمَّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلَامُ إِجْمَاعُ أَبِي بَکرٍ عَلَى مَنْعِهَا فَدَك، لَاثَتْ خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَ اشْتَمَلَتْ بِجِلْبَابِهَا وَ أَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا ... حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَکرٍ- وَ هُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ » (6).
وأيضا شاركن النساء في بعض الحروب والغزوات. فقد قالت أمّ عمارة حول غزوة أحد: « خرجت أول النّهار ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم وهو في أصحابه والرّيح والدّولة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فجعلت أباشر القتال، وأذبّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم بالسّيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت إليّ الجراحة » (7). وفي حروب أميرالمؤمنين عليه السلام، كانت النساء حاضرات أيضاً. ومن بين هؤلاء النساء يمكن ذكر أمّ الفضل بنت الحارث، وأمّ ذريح، وليلى الغفارية، وأمّ الخير بنت حريش البارقيّة، والزرْقاء بنت عديّ، وبكّارة الهلاليّة، وعِكرِشة بنت الأطش. وقد قامت النساء في الحروب مع الإمام عليه السلام بأعمالٍ مثل نقل معلومات العدوّ إلى الإمام، وتحريض الناس على القتال ضدّ أعدائه، والتصدّي للدعاية السلبية التي كان يروّجها العدوّ (8).
هذه كانت تطبيق بعض موارد حقوق النساء في المنظور الإسلامي والمنظور الدولي. أتمنى أنكم استفدتم منها.
1) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 172 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة:2.
2) تفسير الإمام العسكري (منسوب إلى الإمام العسكري) / المجلد: 1 / الصفحة: مدرسة الإمام المهدي – قم / الطبعة: 1.
3) سورة النساء / الآية: 32.
4) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 19 / الصفحة: 63 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة:2.
5) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 17 / الصفحة: 236 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
6) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 216 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة:2.
7) الإصابة (ابن حجر العسقلاني) / المجلد: 8 / الصفحة: 442 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
8) نقش سياسي زنان (للمعيني) / المجلد: 1 / الصفحة: 59 / الناشر: النشر الإسلامي – طهران / الطبعة: 1.










التعلیقات