مقامات السيدة فاطمة المعصومة وفضائلها
السيد حسين الهاشمي
منذ 7 أشهرعدم زواجها
نقل اليعقوبي في تاريخه (أنّ عدم زواجها يعود إلى وصية من موسى بن جعفر الكاظم حيث أوصى- كما يقول اليعقوبي- بأن لا تتزوج بناته من أحد.(2) لكن المحقق الشهير باقر شريف القرشي ردّ هذا الرأي (مستنداً إلى جهالة راويه، وأنّه مما تفرّد بنقله أحمد بن يعقوب اليعقوبي، و هو غير كاف لإثباته وهو مخالف للسيرة والتاريخ. يضاف إلى ذلك أن رواية الكافي تؤكد أن موسى بن جعفر الكاظم لم يمنع من الزواج وإنما أرجع ذلك إلى ولده علي بن موسى الرضا عليه السلام، حيث قال: « و لا يُزَوِّجُ بناتي أَحدٌ من إِخوتهنَّ من أُمَّهاتهنَّ، ولا سلطانٌ، ولا عَمٌّ إِلَّا برأْيِه- يعني علي الرضا- و مشورته، فإِنْ فعلُوا غير ذلكَ فقدْ خالفُوا اللَّهَ ورسولهُ...(3)» (4). وحينما ننظر بتأمل إلى الأوضاع الجارية في ذلك الزمان والصعوبات التي جرت على العلويين نفهم علة عدم زواجها. فالسيدة المعصومة سلام الله عليها وأكثر بنات الإمام موسى بن جعفر لم يتزوجوا بأجل هذا الإرهاب والقتل والاعتقال.
رحلتها إلى إيران والغرض منها
روى الصدوق بسنده عن مخوّل السجستاني، قال ( لما ورد البريد بإشخاص الرضا عليه السلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل عليه السلام المسجد ليودّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فودّعه مراراً، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه فردّ السلام وهنّأته، فقال: «زرني، فإنّي أخرج من جوار جدّي صلى الله عليه وآله وسلم فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون». ثم قام الإمام الرضا عليه السلام وجمع عياله فأمرهم بالبكاء عليه فإنه لن يعود إليهم فأقاموا المأتم عليه قبل سفره إلى خراسان. وكان خروج الإمام الرضا عليه السلام من المدينة سنة ۲۰۰ هـ وشهادته سنة ۲۰۳ هـ (5) .
ذكر صاحب تاريخ قم (إنّه لما أتى المأمون بـالإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة، خرجت فاطمة المعصومة عليها السلام أخته تقصده في سنة 201 هـ . فلمّا تلقت كتاب أخيها الإمام الرضا عليه السلام، استعدت للسفر نحو خراسان. فخرجت مع قافلة تضمّ عدداً من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها (6). وقال المحقق السيد الروضاتي ( فلما وصل الركب إلى ساوة حوصر من قبل أزلام المأمون العباسي فقتلوا من قدروا عليه وشرد الباقي وجرحوا هارون أخا الإمام الرضا عليه السلام ولم يبق مع فاطمة المعصومة عليها السلام غير أخيها هارون وهو جريح ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه. وكان ذلك كله بمرأى من السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام فقد شاهدت مقتل أخوتها وأبنائهم، ورأت تشرّد من بقي منهم. فماذا سيكون حالها آنذاك؟ ولذا فقد مرضت عليها السلام وقيل: قد دسّ إليها السمّ في ساوة فمرضت بسبب ذلك. فسألت عن المسافة بينها وبين قم فقيل لها عشرة فراسخ، فأمرت خادماً لها أن يحملها إلى قم فلما سمع أهل قم بما جرى عليها وعلى أخوتها وعلموا بمقدمها إلى قم خرجوا لاستقبالها يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري فتشرف بضيافتها، فمكثت في منزله سبعة عشر يوماً ثم استشهدت عليها السلام وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني (7).
بركات سفرها إلى إيران في ترويج التشيع
يقول آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حول بركات رحلة السيدة المعصومة إلى إيران وقم بالخصوص (إن النواة الأولى لانتشار المذهب الشيعي قد أودعت في بلدة قم المقدسة في أوائل القرن الهجري الأول. وما برح الزمان حتى أصبحت هذه البلدة مدينة شيعية بإمتياز ومأمنا وملجأ لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام. فمدينة قم في هذه الفترة كانت مستعدة ومهيئة لاستقبال واحتضان ذرية علي بن أبي طالب عليه السلام. وما إن وطأت أقدام أحد من هذه الذرية الطاهرة أرض قم حتى قام أهلها بالترحيب به واستقباله لينعم بالعزة والاحترام وليأمن شر أعدائه المتربصين. وعلى هذا النحو فقد قصد هذه المدينة كثير من السادة الأجلاء وأحفاد آل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم السيدة الجليلة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه وعليها السلام. إن لنزول السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها مدينة قم ووفاتها ودفنها فيها أثر بليغ في تعزيز وانتشار التشيع، حيث تتابع نزول أولاد الأئمة وأحفادهم في هذه المدينة وقصدها الكثير من رواة الحديث وعلماء الكوفة وسائر البلاد وأصبحت قم منارة متبرّجة للمذهب الشيعي.)
السيدة المعصومة راوية للأحاديث
روي عن فاطمة المعصومة عليها السلام مجموعة من الروايات كحديث الغدير وحديث المنزلة وحديث حبّ آل محمد، وفي فضل أميرالمؤمنين عليه السلام وشيعته. تؤكد مصادر عديدة، أن لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، نصيب من روايات السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام. فقد ورد عن محمد بن علي بن الحسين قال: حدثني أحمد بن زياد بن جعفر قال: حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العريضي قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن خليل: قال: أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي قال: حدثني بكر بن أحنف قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا: قالت: حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر: قلن حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد: قالت: حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي: قالت: حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين: قالت: حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي: عن أم كلثوم بنت علي عليهما السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ ولي القوم) وإذا مكتوب على الستر (بخّ بخّ مِن مثل شيعة علي). فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف، وعليه باب من فضّة مكلّل بالزبرجد الأخضر، وإذا على الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (محمد رسول الله، علي وصي المصطفى) وإذا على الستر مكتوب (بشّر شيعة علي بطيب المولد). فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مكلّلة باللؤلؤ وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر (شيعة علي هم الفائزون). فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا؟ فقال: يا محمد لإبن عمك ووصيك علي بن أبي طالب عليه السلام يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا شيعة علي عليه السلام فإنهم يدعون بأسماء آباءهم. فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك؟ قال: لأنهم أحبوا عليا فطاب مولدهم (8).
مرتبتها العلمية ومكانتها الرفيعة عند والدها عليهما السلام
يقول آية الله المكارم نقلا عن آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري (إن شخصية هذه السيدة الرفيعة وعلوّ شأنها في عالم الكشف والشهود ليس مبنيّاً على كونها إبنة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أو لأنها أخت الإمام الرضا عليه السلام وحسب. بل يأتي أساساً من مرتبتها المعرفية الرفيعة. كانت السيدة المعصومة سلام الله عليها على جانب كبير من المكانة والشأن لاسيما من الناحية العلمية والمعرفية.)
ويمكننا أن نفهم هذه المنزلة الرفيعة والمقام الشريف من رواية جميلة حولها وهي (أنه بينما كان الإمام الكاظم عليه السلام مسافراً خارج المدينة المنورة، دخلها جمع من الشيعة لغرض زيارته وتوجيه بعض الأسئلة إليه والحصول على الإجابات. فسلّموا أسئلتهم إلى أسرة الإمام عليه السلام ليحصلوا على الإجابة في فرصة أخرى. وعند اتخاذهم القرار بالعودة إلى أوطانهم ذهبوا نحو دار الإمام لغرض الوداع فقامت السيدة المعصومة بتقديم الأسئلة المطروحة مع الإجابات المطلوبة إليهم. فقصد الشيعة أوطانهم فرحين بما تلقوه من الإجابات الشافية، غير أنهم في طريق العودة إلتقوا بالإمام عليه السلام بمحض الصدفة وهو في طريق العودة نحو المدينة وحدثوه بما جرى لهم. فتسلّم الإمام الإجابات منهم و نظر إليها فوجدها صحيحة ثم قال: «فداها أبوها... فداها أبوها... فداها أبوها»(10). والملفت للنظر أن السيدة فاطمة المعصومة لم تبلغ من العمر كثيراً آنذاك، مما يدلّ على شأنها العلمي والمعرفي الرفيع من طفولتها.
هناك روايات لافتة للنظر حول جلالة وسموّ السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها ومنها ما نقله المحدث القمي عن زيارة أحد أكابر قم للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. ( إنّ سعداً وهو من أجلاء قم دخل على الإمام عليه السلام فقال له الإمام: يا سعد عندكم لنا قبر. فقال سعد قلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى؟ قال الإمام عليه السلام: نعم! من زارها عارفاً بحقها فله الجنة. (11) هذا يدل على أنها كانت تتمتع بمقام رفيع، ومقامها يُشبه مقام الأئمة المعصومين عليهم السلام. لأن عبارة (عارفا بحقها) فقد وردت في زيارة الأئمة المعصومين عليهم السلام.
هذه كانت جملة من فضائل السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها. نرجوا من الله تعالى أن يجعلنا من التابعين لها وأن يرزقنا شفاعتها عليها السلام.
1) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج8، ص261، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى.
2) تاريخ اليعقوبي، أحمد بن إسحاق اليعقوبي، ج3، ص151، نشر دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية.
3) الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص317، نشر الفجر، بيروت، الطبعة الأولى.
4) حياة الإمام موسى بن جعفر، باقر شريف القرشي، ج2، ص497، نشر العتبة الكاظمية المقدسة، كاظمين، الطبعة الأولى.
5) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج2، ص217، نشر الشريف الرضي، قم، الطبعة الأولى.
6) تاريخ قم، محمد حسين ناصر الشريعة، ص163، نشر رهنمون، قم، الطبعة الأولى.
7) جامع الأنساب، محمدعلي الروضاتي، ص56، نشر مكتبة المحقق الطباطبايي، قم.
8) الشيعة في أحاديث الفريقين، السيد مرتضى الأبطحي، ص199، نشر الأمير، قم، الطبعة الأولى.
9) عوالم العلوم، الشيخ عبدالله البحراني، ج21، ص354، نشر عطر عترت، قم، الطبعة الأولى.
10) السيدة المعصومة فاطمة ثانية، محمد المحمدي الاشتهاردي، ص166، نشر الأخلاق، قم، الطبعة الثانية.
11) بحارالأنوار، محمدباقر المجلسي، ج48، ص317، نشر إحياء الكتب الإسلامية، قم، الطبعة الأولى.
التعلیقات