الغيرة، صوابٌ أو خطأ
السيد حيدر الجلالي
منذ 7 سنواتإن الغيرة تعتبر من الأمور الغريزية التي توجد لدى كلاً مِن الرجل والمرأة، وهي أمر ممدوح لو وقع في محلها المناسب ومن الشخص الصالح وفي الاتجاه الصحيح، كما قال أميرالمؤمنين(ع):"غَيرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَغْيرَةُ الرَّجُلِ إيمَانٌ"،(وسائل الشيعة/ج20/ص157) والمراد من الغيرة هنا، غيرة الرجل تجاه محارمه -على الخصوص زوجته- بأن يصونهن من النظرة السوء واقتراب غير المحارم إليهن وأمثال ذلك، وأنّ المراد مِن غيرة المرأة هي الغيرة التي تتجه في جميع تصرفات الزوج حيث تبني على جميع تصرفاته بأنّ فيها شائبة العلاقة بإمرأة أخرى أو عدم الاهتمام بها أو إهمالها، لكن الحقيقة هي أنّ الشوائب التي تدور في ذهن المرأة غالباً تكون خلاف الواقع وفي الاتجاه الخطأ ولا يسبب إلّا الأذي لها ولزوجها وربما لأشخاص آخرين. لكن الفارق بين غيرة الرجل والمرأة هو أنّه لو كانت هناك إمرأة أخرى في حياة الزوج -وفي بعض الأحيان حتى لو كانت تلك المرأة أمّ الرجل أو أخته- فالمرأة غالباً لا تتحمل هذا الأمر. وهذا الأمر بحد ذاته أمرٌ اعتيادي بصفتها الجنس الذي لديه حس الأنانية فهي تريد الزوج لنفسها فحسب دون غيرها ، لكن هذا غير صحيح ففي هكذا موارد -المذكورة في رواية أميرالمؤمنين(ع)- تصبحُ غيرة المرأة كفراً لخروجها عن حدودها الشرعية ومسارها الصحيح فعلى سبيل المثاتل يُروى عن عائشة:كان رسول الله(ص) إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والإستغفار لها، فتقول عائشة أن النبي (ص) ذكرها يوماً حتى طفحت الغيرة عندي، فقلت يا رسول الله: لقد عوضك الله من كبيرة السن، (تعني بها نفسها)، وتابعت بقولها: فرأيته غضب غضباً شديداً فسقطت في يدي، فقلت: اللّهم إنّك إن أذهبت بغضب رسولك(ص) لم أعد أذكر خديجة بسوء ما بقيت حياً، قالت: فلمّا رأى النبيّ(ص) ما لقيت، قال: كيف قلت هذا الكلام؟ والله لقد آمَنَتْ بي (خديجة) إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني حيث حرمتموه، قالت: فغدا وراح علي بها شهراً. (بحار الأنوار/ج16/ص12) هذا نماذجٌ من الغيرة التي ليست في مسارها الصحيح وأنّ منشأها الحقد والحسد حيث أنّ السيدة خديجة(س) لم تعد موجودة في ذلك الزمان وأكثر من ذلك أنّها كانت إمرأة ذات مقام وشأن عال عند رسول الله(ص) وعند جميع أهل مكّة، والدليل على أنّ منشأ تلك الغيرة كانت الحقد والحسد هو ما جاء في البخاري عن عَائِشَةَ أنها قالت:ما غِرْتُ على امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ(ص)كما غِرْتُ على خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رسول اللَّهِ(ص) إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عليها وقد أُوحِيَ إلى رسول اللَّهِ(ص) أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لها في الْجَنَّةِ من قَصَبٍ.(صحيح البخاري، ج6، ص158) فهذه الغيرة غير الصحيحة كانت قد تسببت إلى نتائج سلبية لعدم إستيعابها الشرائط المناسبة للغيرة الصحيحة. فإن على الرجل والمرأة التحاشي من الوقوع في مثل هذه الأخطاء التي تسبب الفساد وتجلب المشكلات، وهي اتخاذ القرارات الصائبة النابعة من العقل السليم في جميع الأمور التي تعود إلى قضية الغيرة.
التعلیقات