دراسة تحليلية في منهجية السيدة زينب عليها السلام
الدكتور عصام عباس
منذ 16 سنة
باسم الله خير الأسماء... باسم الله رب الأرض والسماء، أستجلب كل محبوب أوله رضاه وأستدفع كل مكروه أوله سخطه، والصلاة والسلام على سيد النبيين وخاتم المرسلين والمبعوث فينا رحمة للعالمين سيدنا ونبينا وقائدنا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر المنتجبين وعلى إخوته أنبياء الله أجمعين، والسلام عليك يا بضعة النبي وسليلة الوصي وبنت الزهراء سيدة نساء العالمين. والحمد لله رب العالمين وبعد...
قبل البدء في البحث لابد لي أن أنوه إلى أمرين:
الأول: أني تربيت في مجالس الحسين وزينب(ع) منذ طفولتي، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفنائه، سلام الله مني ما بقيت وبقي الليل والنهار.
الثاني: أني طبيب أعالج الناس بالكلمة والدواء وكلي ثقة ومعتَقَدٌ بأن الله هو الشافي، وهذا ليس قولا مجردا أرفعه كشعار وإنما حقيقة أجسدها فعلا وقولا ومنهجا، وكمهتمٍّ في إيصال الدواء الشافي لروح الإنسان أيا كانت عقيدته أو ديانته بالكلمة كما الدواء رفعت بحمد الله لواء ثقافة أهل البيت(ع) دواء شافيا لروح الإنسان الذي كرمه الله تعالى بالتقوى وأوصى به...
لقد اعتاد موالو أهل البيت التعبير عن عمق الولاء وطرح فكر أهل البيت(ع) ومنهجيتهم وخاصة طرح فكر نهضة الإمام الحسين وبالتالي منهجية ورؤى السيدة زينب(ع) خلال كربلاء وما بعدها بطرق متنوعة وأساليب متعددة وسيناريوهات مختلفة أطلق عليها اسم الشعائر الحسينية، والتي توارثها الموالون وتسلمتها الأجيال جيلا بعد جيل يطورونها شكليا ويهتمون بالجانب المأساوي إن لم يهتموا إلا به حصرا.
فبداية يجب أن يقف المستمع أو القارئ على تعريف موجز حول مصطلح الشعائر الحسينية؛ فالشعائر الحسينية يجب أن تكون ممارسات وأدوار ونشاطات تذكر بالقيم والمبادئ التي آمن بها الحسين وثار من أجلها وجعل لها منهجية وسلوكية إصلاحية في أمة جده رسول الله(ص)، فدورنا هو تفعيل الإنسان وتذكيره بهذه القيم وربطه بها لأنها تعطي انعكاسات إيجابية في الحياة. فالشعائر وسيلة تربط الإنسان بالغاية التي انطلقت من أجلها هذه الشعائر. وبما أن غاية الإمام الحسين هي إصلاح الانحراف الذي حدث في الأمة بعد مرحلة الخلافة الراشدة، وكان على علم مسبق بما سيحل به وبعياله ولكن الغاية القصوى عنده هي طاعة الله عز وجل وتنفيذ أوامره بتمامها وكمالها، وهذا ما كُشف حتى لأصحاب الحسين أثناء الواقعة والذين كانوا من مِللٍ مختلفة وديانات شتى لكنهم اجتمعوا متوحدين بعد أن صمموا بكامل إرادتهم لنصرة رؤية الإمام الحسين ومبادئه، وتفهموا أنها نصرة الحق ورفع كلمته وعدم التراجع في ذلك وترك مغريات الدنيا، بل حتى إن بعض قادة المعسكر المعادي انضم إلى معسكر الحق (معسكر الإمام الحسين) بكل إرادة وتصميم، فأصبح النصير يشعر بسعادة الموت الذي يكون من أجل رفع كلمة الحق ودحض كلمة الباطل مهما كانت المغريات المقدمة والعقوبات الصارمة.
فيجب أن تكون إقامة الشعائر الحسينية هي الوسيلة التي تذكر بقيم ومبادئ تلك الغاية السامية وذاك الموقف المقدس، وأن نأخذ من دم الحسين عبرة وشفاء، وأن يصبح التراب الذي امتزج فيه هذا الدم المقدس دواء شافيا بإذن الله ومسجدا بين يدي الله تعالى لإنارة البصيرة وكشف طرق الصلاح والإصلاح الذي سعى من أجله الإمام الحسين(ع) وفق مبادئ وأسس ممنهجة ومدروسة تحقق الغاية المرجوة؛ وهي نقل صورة الحدث بكامل جوانبه كالجانب العقائدي والجهادي والتربوي والتثقيفي والإصلاحي إضافة للجانب المأساوي، وكل هذه الجوانب تنصب مجتمعة في طاعة الله عز وجل وتوطيد العلاقة والثقة بين الخالق والمخلوق وأن لا يترك جانبا على حساب جانب آخر، فنهضة الإمام الحسين نهضة إصلاح أمة ومسيرة بناء إنسان، فلنسلط الأضواء على كافة هذه الجوانب التي كانت أعمدة تأسيس مؤسسة البناء والإصلاح بعيدا عن المصالح الدنيوية الدنيئة والمكاسب الوقتية الممقوتة:
أولا: الجانب العقائدي
كل حركة يراد بها التصحيح والإصلاح لابد لمفجرها أن تكون له روح نضالية وقرار ذاتي لأجل الله تعالى وتثبيت قيمه وتعاليمه على الأرض والعمل بالعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينطلق القائد من أرضية صلبة لأن منطلقه هو الأساس، والأرضية الإيمانية الصلبة الثابتة هي أساس هذا التوجه، وعمله لم يأتِ جزافا إنما إيمانه بالمبادئ والقيم السماوية جعلته ينظر بمصداقية لهذه الحياة التي حاول الجاهلون العبث بها وترهيب الناس وترغيبهم بالمغريات الدنيوية والابتعاد عن سنن الكون التي سنها المولى عز وجل وتعبئة الجماهير بالأحقاد والضغائن وتخدير عقولهم بحب الدنيا وملذاتها وقبولهم بالأمر الواقع دون الالتفات إلى الغد، وهذا ما نفذه النظام المرتد منذ نشأته واستمرت المهاترات والاستهتار بقيم الله ومبادئه رغم حصول بعض الانفراجات في أوقات محدودة، والتي لم تتمكن من إجراء أي تغيير جذري على ما بني عليه من أحقاد دفينة وضغائن مشينة استو رثتها المجتمعات والأجيال المتعاقبة دون ذنب، ولكن يبقى الذنب الرئيسي هو عدم الاهتمام بقراءة واعية للتاريخ والاعتماد فقط على السماع من الآخرين الذين امتهنوا بث الفرقة بين صفوف الناس وتلويث مسامعهم بالسلبيات التي وضعها المغرضون من الحكام بالعنف والقوة عن طريق بعض المرتزقة في ذلك الوقت ممن يُسمَّون برجال الدين أو الكتّاب والذين غرتهم الحياة الدنيا ولم يكترثوا بالحساب العسير الذي ينتظرهم من القوة الكبرى -قوة الخالق عز وجل- فخشوا المخلوق الضعيف واستهانوا بقوة الخالق الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
فالحسين(ع) كان يمتلك قوة إيمانية صلبة ثابتة هي أساس حركته ومسيرته البناءة... إيمانه بالله تعالى وحرصه على تثبيت سنن الله وقيمه ومبادئه على الأرض كانت الغاية التي يسمو إليها فنهضته لم تأتِ ارتجالا أو جزافا بل جاءت من منطلق إيماني ثابت راسخ وجسدها في أقواله وأفعاله، وكان قراره مبنيا على طاعة الله في أمره لأن الله شاء أن يراه قتيلا وشاء أن يرى عياله سبايا.. وهذا القتل والسبي إرادة إلهية في إصلاح الانحراف المقصود والعمى المتعمد على مدى الدهور وفي كل الأوقات إلى قيام يوم الدين، فكان الاختيار الرباني لهذا النوع من النضال الفريد (الحسين وزينب(ع))؛ فمنذ النشأة علما بذلك مسبقا وقبلا الأمر الإلهي وتمرّنا خلال العقود الستة من عمرهما الشريف إلى أن حصل تحدي الباطل السافر على الله، فقبلا التحدي وكانا جند الله على الأرض في مقارعة جند الجهل والشيطان، وانتصر الحق بدم الحسين وقيد زينب، وذهبت عنجهية الباطل إلى مزبلة التاريخ تلوث من يتلمسها وتهزم من يحذو حذوها على مدى التاريخ وفي كل الأزمان...
والقارئ أو المستمع يتساءل: لم هذا الثنائي المقدس عند الله عز وجل؟
فلو جئنا إلى الجينات الوراثية التي يحملانها فهما ابنا أول فتى مؤمن بالإسلام آمن بالله ولم يشرك به حتى قبل الإسلام فكرم الله وجهه لأنه لم يسجد لصنم، وصي النبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وأبو طالب (المؤمن الحق) الذي آوى النبي وناصره بدعوته الكريمة وقد قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ آوَوا ونَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقَّاً لَهُم مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} ومن آوى النبي ونصره أكثر من عمه أبي طالب؟! والنبي(ص) يؤكد على ذلك بقوله: (ما زالت قريش كافّة عَنِّي حتى ماتَ أبو طالب) (تاريخ دمشق:ج66 - 339). وفي اليوم الذي مات فيه أبو طالب تجرَّأت قريش على النبي(ص) في الحادثة التي ينقلها ابن عساكر في تاريخه قائلاً:لمَّا مات أبو طالب ضُربَ النبي، قال: (ما أسْرعَ مَا وجدْتُ فَقدَكَ يا عَمّ) (تاريخ دمشق: ج66 - ص339).
و هو أبر إنسان بالنبي(ص) فقد شهد له بقوله عندما تُوفيت السيدة فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب قال: (إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها...) (مقاتل الطالبيين : ص28) و هذا الحديث يدل على أنَّ النبي(ص) لم يجد أبرَّ من أبي طالب حيَّاً أو مَيِّتَاً.
ويقول لعقيل بن أبي طالب: (إنِّي لأُحِبّكَ حُبَّين ؛ حباً لك وحباً لحب أبي طالب لك) (تاريخ دمشق: ج41 - ص18). وأبو طالب هو ابن عبد المطلب (مؤمن قريش) الذي كان مؤمنا حقا بالله عز وجل قبل أن يخلق حفيده سيدنا محمد (ص) وقضية أبرهة وحواره معه عند قرار أبرهة بهدم الكعبة في قول عبد المطلب الشهير لأبرهة الحبشي: (إن للبيت ربا يحميه)، وكان النبي الأكرم(ص) فخورا بجده فيرتجز بذكره: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب.
وأما أمهما فهي الزهراء فاطمة بضعة سيدنا محمد نبي الإسلام الذي اختاره الله رسولا للخلق لإيمانه وأمانته وصدقه وبشر به الأنبياء من قبل.
... {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم} إنها ذرية إيمان مطلق بالله لا تشوبه شائبة بل هي الذرية التي علمت الكون كله معنى الإيمان الحق وكيفية الطاعة المطلقة لله تعالى بكيفية الارتباط الوثيق بين العبد والرب.
فالجينات الوراثية التي كانا يمتلكانها هي جينات إيمان مطلق بالله تعالى.
أما النشأة فقد تربيا في حجر سيدنا محمد(ص) الذي وصفه الله بالخلق العظيم والمرسل رحمة للعالمين، ورضعا لبان النبوة من بضعة النبي أمهما الزهراء(ع) سيدة نساء العالمين، وتعلما الحكمة والبلاغة والفصاحة في مدرسة وصي النبي أبيهما الإمام علي(ع) ورافقاه لحظة بلحظة وخطوة بخطوة، فأخذ الحسين فنون قيادة الانتصار في المعارك، وأخذت زينب فنون الحكمة و الصبر، فمن هنا كان لدم الحسين وقيد زينب أساس في البناء العامر والصلاح والإصلاح في أمة جدهما محمد(ص)، وانتشر تأثيرهما إلى باقي الأمم فهذا غاندي يقول: (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر).
من هذا كله نشأت فيهما روح التقوى التي ما أمر الله خلقه بكافة العبادات المفروضة من صلاة وصيام وحج وزكاة إلا من أجلها. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير} فالحسين وزينب مدرسة التقوى في الكون كله أساسا ومنهجا ومسيرة.
ومن هذا كلِّه جُعلت فيهما روح عامرة في طاعة الله المطلقة نتج عنها سلوكية ومنهجية ومسيرة نضالية من أجل تعليم الخلق معنى النضال لأجل طاعة الله تعالى؛ فكُتب على الحسين القتل وكتب على زينب السبي فتدربا على ذلك طوال حياتهما وتهيآ بكامل الإرادة والتصميم إضافة لما يمتلكانه من نشأة متميزة...
نعم... تهيآ في إعطاء الخلق دروسا في الطاعة والتربية والسلوكية والمنهجية في المثول لإرادة الله تعالى وإحقاق كلمته وكبح إرادة الباطل وإزهاقها إلى غير رجعة، وإن تظاهر الباطل بانتصار مزيف ووقتي يجلب له العار الدائم ويجلب العار كله على من يتّبعه ويروج له بأشكال مختلفة.
من هنا أنشأ الحسين ثقافة التضحية والمقاومة، وأنشأت زينب ثقافة الصبر والحكمة، بأداء مميز وفريد فأخذ منهما العالم كله كيف تبني الأمم عزتها وكرامتها وحريتها واستقلالها وديمقراطيتها من أُسُس هذه المدرسة الكونية والمرجعية الإلهية المستمرة الدائمة... مرجعية تملكت قلوبنا وأرواحنا وحواسنا مذ كنا أجنة في الأرحام فأصبحنا نعيش شعار الحسين وصوت زينب في مراحل حياتنا كلها فمدرستهما أسست في الأرواح قبل العقول، وتفهمها المتتبع لأسس هذه المرجعية منذ النشأة... دخلت هذه المرجعية إلى الأعماق دون استئذان وتربعت على عروش القلوب دون انتخاب أو تصويت فتذوقنا من خلالها معنى الأمر الإلهي وتعلمنا من منهجيتها كيف يطاع الله وهذا ما جاء به أمر من الله عز وجل إلى سيدنا محمد(ص).
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، ومن هو أقرب إلى النبي من نفسه حيث وصف الحسين بقوله (حسين مني وأنا من حسين) (مسند ابن حنبل: ج4 ص172)، فمرجعية الحسين كانت بنص إلهي ومنها تتالت ذات المرجعية في سلالة الحسين بالأئمة من ولده التي نصب الله عز وجل السيدة زينب(ع) دون سواها في حمايتها ورعايتها وكفالتها بعد استشهاد الإمام الحسين(ع) في كربلاء، وليس ذلك لنسبها فحسب وإنما لكفاءتها فكان القرار الإلهي منذ نشأتها بأن تضطلع السيدة زينب(ع) بهذه المهمة التاريخية، فمن ذلك اليوم بذرت في التربة بذرة النقمة على الظلم، وحتمية النهوض لإبعاده والقضاء عليه، ومحاسبة مقترفيه.فكان خطاب السيدة زينب واحداً من عوامل تحريك التاريخ وتوليد طاقة التغيير اللازمة لإزاحة الواقع المعادي للإنسان... وأصبحت السيدة زينب المرجع الأعلى للناس في تلك المرحلة حتى تسليمها لمقاليد المرجعية إلى الإمام زين العابدين(ع) رمز الإمامة المقدسة... هذه هي قوة المرجعية في منهجية السيدة زينب المستمدة من قوة الله، لذلك بقيت ترسم في قلوب الخلق قبل قدومهم إلى الحياة الدنيا... مرجعية لها حول ولها قوة أطاعت الله حق طاعته فانطبق عليها قوله تعالى: (عبدي أطعني تكن مثلي أو مَثَلي تقل للشيء كن فيكون).
مرجعية مخيرة لا مسيرة تربعت على عروش القلوب وقادت الجماهير بإرادة وحكمة فقلدها المجتمع في حينه وقلدتها الأجيال بانصياع ورضى وقبول على هداية وإدراك وتفهم، وأصبح المتفهم المتذوق لطعم الهداية ملزما نفسه بهذا التقليد لأنه حرية للنفوس وديمقراطية في امتلاك القرار وصوابه والتزام حقيقي بشرائع السماء يتذوق من خلاله طعم العبودية لله دون سواه، وتحرير النفوس من عبادة الخلق والمخلوقات، وعدم الانسياق في ترهات التقييد والتحجيم لفكر الإنسان وانضوائه في حلقة مفرغة يتوه فيها عن رشده ويصبح في حالات من الشكوك والظنون والوسواس وبالتالي يهوي إلى الضياع والانحراف الفكري والعزلة بعيدا عن أي حركة سوى تلبية متطلباته وأموره المعاشية من مأكل ومشرب وكل ما يتعلق بالذات فقط...
نعم إن نضال الحسين وزينب بالتضحية الكبرى ما جاء إلا لمرضاة الله عز وجل: (إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) هذه هي زينب المقدسة وكذاك الحسين، فقراءة نضال الحسين وزينب قراءة واعية تمنح النفوس دروسا في النضال والكفاح لتحريرها من العبودية لغير الله عز وجل وتطهير الذات من أي تلوث خارجي يبعد فيه العبد عن المعبود وهذا ما أكده الإمام الحسين(ع) بقوله لجيش الردة: (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذا كنتم أعرابا).
والسيدة زينب(ع) في قولها لعبيد الله بن زياد:
(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمد، وطهّرنا من الرّجس تطهيراً، إنّما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة).
وللمتخاذلين الذين غرتهم الحياة الدنيا والذين وضعوا سنة البكاء تكفيرا عن جبنهم وانسياقهم وراء الباطل مفضلين زهوة الحياة الفانية على رضا الله تعالى بخطابها لهم:
(يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر. أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة... إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم.. ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف، والكذب والشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كقصة على ملحودة.. ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون وتنتحبون ؟ إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا... فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا وبعدا لكم وسحقا فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ورسوله وضربت عليكم الذلة والمسكنة... ويلكم يا أهل الكوفة!. أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟.وأيّ كريمة له أبرزتم؟.وأيّ دم له سفكتم؟.وأيّ حرمة له انتهكتم؟.لقد جئتم شيئاً إدّا! تكاد السماوات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّا!!.ولقد جئتم بها خرقاء، شوهاء، كطلاع الأرض، وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟ ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون... فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإنّ ربّكم لبا لمرصاد...).
ولعنجهية الحاكم المتسلط بقولها:
(أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى. أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقه، والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، لا تطش جهلاً، أنسيت قول الله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
ثانيا: الجانب الجهادي
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم}.
ثقافة الجهاد أو ما نسميه اليوم بالمقاومة أسسها الإمام الحسين في نهضته الإصلاحية وسارت بها السيدة زينب في خطواتها المنهجية، فوضعا أسس التحرك اللازمة للتطبيق الأمثل لثقافة الجهاد، وكان من أهم هذه الأسس الإيمان بالله؛ وهنا يكمن الحرص على الحفاظ على مبادئ الله تعالى وتعاليمه الملزمة... فمعنى الإيمان هو الطاعة المطلقة والتطبيق الحرفي لأوامر الله سبحانه وتعالى ولا يكفي بأن ندعي الإيمان ثم نطبق ما نهوى ونرغب على أساس أننا مؤمنون...
فالإيمان حالة خضوعية للتطبيق الصحيح في كل خطوة يخطوها المؤمن.. وعندما يؤمن الفرد يُخضع ويُلزم نفسه بشرعة الله عز وجل وأن لا يكون مزاجيا في تصرفاته وتوجهاته يطبق ما ينفعه ويترك ما لا يفيده في تحركه، فبهذا الإلزام الذاتي يصبح الفرد مؤمنا بما أراده الله عز وجل ومطبقا لتعاليمه التي لو اتبعناها لاهتدينا بهديه وابتعدنا عن الضلال وما أبحنا ما حرم الله كما يجري في عصرنا...
الحسين وزينب وضعا ثقافة المقاومة موضع التطبيق قبل أربعة عشر قرنا من الزمن فلن يسمح الحسين لعدوه التقرب إلى بيت الله الحرام والى المقدسات وانتهاك حرمات الله فيها فترك فريضة الحج بيوم التروية أي قبل الحج بيوم واحد حتى لا تمس العتبات المقدسة بسوء ولا يسمح للضلاليين والمارقين بتدنيسها لأنه يعلم بأنهم لا التزام لهم ولا اعتقاد عندهم بهذه المقدسات وحين أجاب عبد الله بن عمر بن الخطاب بعد طلب الأخير من الإمام الحسين البقاء في المدينة قال:
)يا عبد الله أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام(.
وكان قرار الهجرة في سبيل الله في أحلك الظروف وأصعب الأوقات لكن حرص الإمام الحسين على حرمة العتبات المقدسة من الانتهاك من قبل المرتدين دفعه لاتخاذ هذا القرار الصعب بالهجرة مع عياله وأطفاله وأهل بيته ومن أراد مرافقته في هذا المسير بإعلان صريح وواضح حين قال:
(إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين).
ومن خطبته قبل خروجه من مكة:
(رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى).
ولم يرفض الإمام الحسين أحدا رغب في الجهاد في سبيل الله عندما يكون هذا المجاهد من غير مرافقيه كما حصل مع زهير بن القين وهو عثماني الهوى والحر بن يزيد الرياحي وهو أحد قادة المعسكر الأموي.
إن مبدأ الحوار هو أساس ثقافة المقاومة التي أرسى دعائمها الإمام الحسين(ع)، والحوار ركيزة أساسية من ركائز الإيمان بالله وعدم الانزلاق بالقرارات الشخصية في مواجهة الطرف الآخر وإن كان هذا الطرف متمردا ومستغرقا في معصية الله تعالىفي وقت يكون الطرف الأول هو الحق الكامل متمثلا بابن بنت رسول الله، فلم يترك بابا من أبواب الحوار إلا وطرقه من أجل حقن الدماء وعدم انزلاق الآخرين في معصية الله سرا وعلانية: إذ لم يكن الإمام الحسين يحاور من أجل أن يتجنب القتل وهو الذي صرح أكثر من مرة أن (شاء الله أن يراني قتيلا) ولا خوفا على عياله وأطفاله وقد كان تصريحه واضحا (شاء الله أن يراهن سبايا) وإنما كان حرصه على حماية حقوق الإنسان، الإصلاح الذي طلبه كان من أجل كرامة الإنسان وضرورة عدم العبودية لغير الله تعالى وترك أصنام الجاهلية التي تمثلت في العصر الإسلامي بعبادة الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة إلا البطش والإرهاب والإكراه المتعمد على معصية الله تعالى متناسين وغير آبهين بقوة الله العظمى وهذا شرخ كبير تركه النظام الأموي لأسباب فيزيولوجية موروثة ولأسباب حقدية وثأرية على سيدنا محمد والتركيز على الأسس الرئيسية التي أوصى النبي بها الناس كتاب الله والعترة، فركز هذا النظام منذ تأسيسه على تهميش كتاب الله بإباحة المحرمات كشرب الخمر والإباحية وتهميش العبادات، ويكفي أن نذكر أبيات الشعر التي تمثل بها يزيد عندما شاهد رأس الإمام الحسين(ع) (تاريخ الطبري: ج8 ص187(:
ليت أشـياخي ببدر شهدوا لست من خندف إن لم أنتقم ولعت هاشــم بالملك فلا | جزع الخزرج من وقع الأسل من بني أحمد ما كان فعـل خبر جــاء ولا وحي نزل |
ويحضرني هنا فتوى الإمام احمد بن حنبل بتكفير يزيد ولعنه التي نقلها الهيثمي في (الصواعق المحرقة: ج2 ص635): صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبوننا إلى تولي يزيد. فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله؟ ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال: في قوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} فهل يكون فساد أعظم من القتل؟.
الحوار مع الحر:
في أول اللقاء خطب الإمام الحسين(ع) بجيش الحر الرياحي قائلا بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
(إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم، وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت بها علي رسلكم، أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم).
وبعد أن أمّهم لصلاة الظهر وفرغ من الصلاة خطب فيهم قائلا:
(أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم).
فكان رد قائد الجيش (الحر) بعدم المعرفة والإصرار على إقدام الحسين إلى ابن زياد في الكوفة، فلم يوافق الإمام الحسين بذلك فحال الحر وجيشه دون عودة الحسين إلى دياره وسيّر القافلة إلى كربلاء. وفي الطريق خاطب الإمام الحسين جيش الحر قائلا: بعد حمد الله والثناء عليه:
(أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا عهده مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وإنا أحق ممن غيَّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ولكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، فالمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطاتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ورغم كل ذلك فقد أغوتهم الدنيا وأرهبتهم الضلالة فاستكانوا لأمر الباطل وتركوا قول الحق... فأقبل الإمام الحسين على أصحابه قائلا:
(الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
وأضاف قائلا:
(فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
حواره مع عمر بن سعد:
بعد أن أرسل إليه ودار نقاش بينهما بالتذكير والوعيد فلم يكترث عمر بن سعد بقول الإمام بل زاد في غروره وافتراءاته.
خطبة الحسين مع الجيش المعادي:
كانت بمثابة عظة وتوعية وتذكير بكونه ولي الله في الأرض وابن بنت خاتم الأنبياء ليس في وقته ابن بنت نبي غيره وابن بنت نبي هذا الجيش الزاحف لقتاله.
حوار زهير بن القين مع القوم:
كان ذا نصيحة وحوار بالعدول وتذكير ووعيد ولكن دون جدوى فختم أقواله بإنذارهم:
(عباد الله لايغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد(ص) قوما هرقوا دماء ذريته وأهل بيته).
حوار برير بن خضير مع القوم:
وقف مخاطبا:
(يا معشر الناس إن الله بعث محمدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابن بنت رسول الله أفجزاء محمد هذا ؟) فلم يكترث له أحد ووعدوه بعطش الحسين كما عطش من كان قبله فتبرأ منهم ودعا عليهم قائلا: (اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان).
خطبة الحسين الثانية:
كانت بمثابة تحذير ووعيد بحكم الله العاجل في الدنيا قبل عذاب الآخرة وأخبرهم في خطابه: (إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
وهددهم بأدعيته المتكررة إلى الله تعالى.
استدعاؤه لعمر بن سعد ثانية:
قال له:
(أي عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعي بلاد الري وجرجان والله لا تتهنا بذلك، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة...).
حوار الحر بعد التوبة مع الجيش: وطلبه منهم الكف عن مقاتلة الحسين فلم يوافقوا وقاتلهم حتى قتل.
وبذلك استمر الحوار حتى النهاية كي لا تبقى حجة لأحد أمام الله عز وجل ولكي تظهر الغاية المرجوة من محاربة الظالمين.
الحرص على سلامة الناس وحتى البهائم:
مبدأ آخر من مبادئ ثقافة الجهاد؛ فمنذ البداية كان الإمام الحسين حريصا على سلامة الإنسان وإن كان عدوا، فعندما واجه جيش الأمويين بقيادة الحر بن يزيد الرياحي وكانوا يشكون العطش أمر بسقايتهم وترشيف خيولهم رغم أنهم جاؤوا لقتاله، وكان هذا سببا باعتقادي في تفهم الحر غاية الإمام الحسين(ع)والتمرد على القيادة الأموية من بعد والاستغفار والانضواء تحت لواء الإمام الحسين(ع)، ولأنه رحمة كجده(ص) بكى يوم عاشوراء على القوم الذين سيدخلون النار بقتلهم له. وكذلك الحرص من جانب آخر على رفاقه من أهل بيته وبني عمومته وأصحابه ليلة وقوع المعركة فمن خطابه لهم:
(...إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيرا...).
فأبى الجميع إلا أن يستشهدوا في سبيل الحق تحت لواء ابن بنت رسول الله .
تحمل الإيذاء والعوائق من أجل المثول أمام مشيئة الله عز وجل: جلافة الجيش الأموي وصلافته لم يعيقا مسيرة الحق في منهجية الثورة الحسينية، إضافة لمحنة العطش الذي مورس على الأطفال والعيال فلم يزدهم إلا صبرا وقوة إرادة واستمرارية في المثول لإرادة الباري عز وجل لتقويم إرادة الحق ودحض مسيرة الباطل وإزهاقها.
وهنا يأتي دور السيدة زينب في الاستمرار بثقافة المقاومة من أجل إصلاح الأجيال بعد استشهاد الإمام الحسين ومواجهة صلف العدو وأحقاده بمراحل تربوية شكل جانبا تربويا فريدا بإعلام منظم وخطاب كان أبلغ من السيف وأحدّ، لذلك سارت السيدة زينب بخطوات ممنهجة وكلمات مدروسة لا تتعدى في تحديها للباطل إلا بانتقام موعود من الله وتربية حقيقية لنفوس مريضة استحقت التأديب الزينبي.
ثالثا: الجانب التربوي
إن في منهجية السيدة زينب جانبا تربويا هاما، حيث اهتمت بتربية النفس في أحلك الظروف وأصعب الأوقات بأشكالها المختلفة رغم أنها كانت في حالة أسر وسبي مضن، وبعد قتل أخيها الإمام الحسين وإخوتها وأهل بيتها وحرق خيامهم وممارسة أزلام الجيش المعادي كافة أنواع التعذيب والقهر النفسي والجسدي لإذلالها صمدت السيدة زينب(ع) وثبتت على حالة جهادية ممتثلة لأمر الباري عز وجل إضافة لما تمتلكه من قوة إيمانية وتربية نبوية فرضت عليها مخاطبة الظروف والأشخاص بأسلوب علاجي لتنفع به الأجيال القادمة ولتقدم بذلك صورا ناصعة بكيفية التعامل مع الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان ومن أغرتهم مظاهر ترف الحياة الدنيا الزائلة ونسوا الآخرة وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم وقبلوا بالباطل دون الحق وغيروا المفاهيم الكونية وساروا بركب الضلال طمعا وخوفا دون حساب لقوة الخالق الذي إن أراد أمرا أن يقول له كن فيكون، فتعاملت مع الحدث بروية وعلم ومعرفة ودراية دون أن تكترث لمظاهر الظلم والجور وأنواع العنف فقابلت الباطل بأصالتها القرآنية وتربيتها المحمدية وبلاغتها العلوية وشجاعتها الطالبية. واستمرارية لمنهجية النهضة الحسينية كانت إدارتها للمعركة الإعلامية التي قادتها بتأييد إلهي وتدبير رباني بصلابة وتحد وإصرار على رفع كلمة الله ودحض كلمة الباطل، فاستخدمت أسلوبا تربويا خاصا لكل نوع من أنواع النفسيات التي مرت بها خلال فترة السبي ليكون ذلك عبرة تسير من خلالها الأمم في بناء مجتمعاتها والحفاظ على كرامتها وعزتها ودحض الشر والانتقام من الظلم ودفعه، لا بل وكيفية رفع الظلم عن المجتمع ومحاسبة مقترفيه وهم على سدة الحكم وحفظ كرامة الإنسان مهما بلغ الظلم من بغي واستكبار وعنجهية:
تربية النفس الأمارة:
الحديث مع عمر بن سعد: بعد قتل الإمام الحسين(ع) لم يبق قائد يقود الأمة روحيا وإيمانيا سوى بضعة النبي وسليلة الوصي ونبعة الزهراء وشقيقة الإمامين سبطي رسول الله الحسن والحسين لأسباب عدة منها استشهاد الإمام القائد الحسين(ع) وقبل ذلك أن الله عز وجل خصها بهذه المهمة منذ النشأة ونزل الأمين جبرائيل(ع) يوم ولادتها في 5جمادى الأولى من السنة الخامسة للهجرة على النبي وأخبره بذلك وأخبر النبي وصيه الإمام علي وابنته الزهراء والإمام بدوره أخبر الصحابة بالأمر وهذا موضوع أوضحته الدكتورة عائشة بنت الشاطئ في كتابها (السيدة زينب عقيلة بني هاشم) ورواه الإمام أحمد في مسنده (ج1، ص85) فتنصيب الله عز وجل السيدة زينب لهذا الدور القيادي بعد استشهاد الإمام الحسين هو أمر إلهي أولا، يضاف لذلك مرض الإمام زين العابدين حيث اضطلعت السيدة زينب(ع)بالمهمة العظمى في حماية رمز الإمامة من أيادي المجرمين السفاحين حكام الضلالة والردة... وعند تسلم السيدة زينب مهام قيادة الأمة بعد استشهاد الإمام الحسين(ع) نزلت إلى ساحة المعركة وجلست إلى جسد الحسين تخاطب الله عز وجل بصبر وإيمان لا يفوقه صبر بعد أن وضعت يديها الشريفتين تحت جسد الحسين فرفعت الجسد مخاطبة الله تعالى: (إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).. ومخاطبة جدها رسول الله (يا جداه يا رسول الله صلى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء مقطع الأعضاء مسلوب العمامة والرداء وبناتك سبايا....) وبينما هي في هذه الحال كان عمر بن سعد يحوم حولها وحول جسد الحسين يهم في حز رأس الحسين ليقدمه لقادته كي ينال رضاهم بغضب الله فالتفتت إليه السيدة زينب مخاطبة (أي عمر... ويحك، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه) فبكى وخضبت لحيته بالدموع. إن معالجة النفس الأمارة عند السيدة زينب(ع) كانت وفق الحالة، فعمر بن سعد من الذين حضروا مجالس الإمام علي(ع) ورغم أنها على علم بقرار هذا المرتد في إقدامه على فعلته ولكنها علمت الأمة من خلال هذا الحديث كيفية التهذيب بالتأنيب لنفوس عاشت عمرا بمجالس الوعظ والإرشاد ولكنها لم تشبع من الملذات فأزلها الشيطان إلى تفضيل فتات الدنيا على نعم الآخرة.
و الحديث مع عبيد الله بن زياد: نوع آخر من أنواع علاج النفس الأمارة من حيث عبودية ابن زياد المطلقة لعبد لا يملك نفعا ولا ضرا كيزيد بن معاوية وهنا لا يوجد شيء يذكر به إنما اتخذت السيدة زينب(ع) طريق التوعية والتأديب في مخاطبتها ونهرها واستخفافها بقدره رغم تسلطه واستهتاره وغطرسته، حيث كانت لبوة تمكنت من فريستها حين أجابت بن زياد على شماتته بهم قائلة:
(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، فما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة).
هذا التأديب والاستخفاف والإهانة التي وجهتها السيدة زينب(ع) لعبيد الله بن زياد هي بمثابة علاج نفسي لنفس مريضة أمارة بالسوء تشبع نقصها وماضيها الأسود فابن زياد فريد بنسبه الذي ينظر إليه بالشك، وإذا سلمنا بصحة نسبه إلى زياد بن أبيه، فإن كلمة (أبيه) لوحدها تكفي لنسف أي مفاخرة نسبية بينه وبين أي عربي آخر، فما بالك بالهاشميين؟ فالعقد النفسية التي يحملها مكنته من التجرؤ على ابن بنت رسول الله، ويزيد أرسله بهذه المهمة لعدم حصوله على قائد جيش يواجه به حفيد النبي لسقوطه وانحداره.. فجلف كهذا منحدر من أصل كهذا يعول عليه بمهمات كهذه... والسيدة زينب(ع) لعلو قدرها وعظمة شرفها ونسبها وقفت صامدة أمام هذا المنحرف رغم سلطته وإمارته وعنجهيته وجهالته المركبة وبينت له وللعالم أجمع الأعراض التي سببت مرضه والأسباب التي مهدت الطريق لاستشراء هذا المرض وبالتالي المعالجة لمثل هذه النفسية وذلك بالترفع عن محادثته وعند ردها كان الرد بالإهانة والنهر والاستخفاف والتوعية وإزهاق حالة النصر المزيف بالوعيد بقضاء الله وعقابه المحتوم عاجلا أم آجلا.
تربية النفس اللوامة:
الحديث مع أهل الكوفة ذوي النفوس المتخاذلة التي أرسلت برسائل البيعة للإمام الحسين ولكن إرهاب السلطة دعاهم إلى خيانة الإمام وخذلانه وقد ذكرنا كلامها مع أهل الكوفة وضرورة تأديب المجتمع الكوفي المحب لأهل البيت والمتردد في نصرتهم خوفا من البطش وهذان أمران متناقضان بل ازدواجية مرضية، فالحب طبيعة تمتلكها كافة المخلوقات يدافع عنها بغريزة وفطرة ولا يمكن لأحد انتزاعها مهما كان الثمن، لكن تفهم هؤلاء القوم لحب أهل البيت كان بالفطرة، وعندما سيطرت السلطة عليهم بالترهيب تارة والترغيب والوعود تارة أخرى وضعوا الأمر على كفتي ميزان إما الدنيا وزهوها أو الآخرة ووعودها فصاحب النظر القصير (وكان أغلب المجتمع وقتها) رجح الدنيا وكأن الدنيا تدوم لصاحبها فوقف بوجه الحسين وناصر معسكر البغي والانحراف الذي سرعان ما خذلهم فبكوا على خيبتهم وسوء صنعهم ولاموا أنفسهم على فعلتهم الشنعاء، ولكن ماذا ينفع الندم؟ فكان التوبيخ الزينبي الشديد والتذكير بالماضي المظلم وبالأخلاق السلبية التي يحملونها من صلف وكذب وذلة وغمز للأعداء وبما ينتظرهم في الدنيا من نتائج سخط الله عليهم ولعذاب الآخرة أشد وأشقى وخلود دائم في ذاك العذاب، كأن بيانها الأول كان تأديبا وتحذيرا ليس لأهل الكوفة في ذلك الوقت بل للأجيال القادمة، فتعاقبت من ذاك البيان أجيال ملؤها الولاء المطلق لأهل البيت والاهتمام بنشر فكرهم في كافة أرجاء المعمورة على مدى العصور درسا يتداولونه كل عام ويتذكرون فيه الألم والعناء الذي واجه أهل البيت ويلعنون بملء أفواههم من خذل أهل البيت وتهاون عن نصرتهم، واستمروا على ذلك جيلا بعد جيل رغم كل الظروف القاهرة وأشكال العنف الذي مورس عليهم من السلطات الجائرة لتتجدد واقعة كربلاء كل عام كي لا تنسى، فالخطاب الزينبي يحضرهم كل حين وصدى الصوت الزينبي يجلجل في مسامعهم دائما. نعم كان صوت زينب صحوة للوجدان وتربية للنفوس المتعبة لأن زينب(ع) كانت بهيبتها الإلهية وبهاءاتها المحمدية وشجاعتها العلوية تحمل بثبات جأش نفسا مطمئنة راضية مرضية كلماتها بطاعة الله وخطواتها لرضا الله تلمس الجرح فيرقأ وتهمس الداء فيبرأ بإذن الله عز وجل.
تربية نفسية الحاكم المتغطرس:
الحديث مع يزيد كان نوعا أخرا من تربية النفوس التي أتعبها الحقد والبغض المتوارث والكراهية لبهاء محمد ونوره الذي أشرق على ظلام الجاهلية فأنارها بضياء الإسلام واعتمد على مبدأ الرحمة والخلق العظيم والحوار البنَّاء وتجنب السيطرة والهيمنة والإكراه، فتحول حال الأمة من حال القهر والعبودية والتسلط إلى حال الديمقراطية والتحرر من العبودية لغير الله وهذا هو قوام الحرية الحقيقية التي تنشدها الأمم. فمن أحقاد الجاهلية تربع يزيد بالسيف والقهر على منبر غايته الارتداد المتعمد عن دين سيدنا محمد والعودة إلى الجاهلية الأولى وفرض نظام التسلط والهيمنة والفجور والعبث بالقوة والإذلال النفسي للمجتمع الذي تأقلم مع حضارة الإسلام المنفتحة والمحبة لكل الناس والتي اعتمدت المبدأ الرباني بأن (لا إكراه في الدين)، فواجهت السيدة زينب غطرسة وعنجهية وتمرد وجهالة يزيد بحكمة النبي وشجاعة الوصي وحلم الزهراء متحدية بقول الحق ومواجهة بكلام الله الذي اعتمدته مبدأ أساسيا في المعالجات المختلفة لأصحاب النفوس المريضة حين سمعت يزيدا يردد شعرا يفتخر فيه بما فعل،فوقفت السيدة زينب دون أن تطلب الإذن بالكلام فحمدت الله وصلت على الرسول وآله وقالت:
(صدق الله سبحانه حيث يقول: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُواْ السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهزِؤون}. أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى. أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، لا تطش جهلا).
وهنا افتتحت خطابها بكلام الله عز وجل بتذكير المُخاطَبْ ومكاشفته بما يحمل في أعماقه من تكذيب بآيات الله وعدم اعتراف بأقوال الله عز وجل واستهزاء بها حيث قال (لا خبر جاء ولا وحي نزل)، ثم وضعته بحقيقة قراراته التي ترفضها جملة وتفصيلا كحالة الأسر التي مروا بها (فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى) وإعلامه بأن ما تمكن من القيام به ليس تكريما له من الله تعالى حتى يصبح في حالة من السرور ويمكنه من التربع على عرش جدها رسول الله، فحذار من جهالتك قالت له وذكرته بقول الله تعالى{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِين}. فهي تخاطب يزيد معلنةً أنّ هذه الدولة شيدها جدها رسول الله وبنيت على تضحيات آل بيته بالدرجة الأولى (وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا) فأهل البيت هم قادة هذه الأمة وهم الأولى بالسلطة والحكم. ثم انتقلت إلى ناحية أخرى مذكرة بتفضيل أهل البيت لأن لأهل البيت فضل عظيم على يزيد بالذات، الذي كان أبوه وجدّه وأهله هم طلقاء عفو النبي(ص) عند فتح مكة لذلك خاطبته "أمن العدل يا ابن الطلقاء". فلم يتمكن يزيد من الرد والتفوه بحرف واحد، ثم استمرت السيدة زينب بخطابها وتأنيب الطاغية يزيد وتذكيره بماضيه غير المشرف فأعماله ما هي إلا استمرار لسلوكيات أسلافه المشركين والمنافقين، وذكرته السيدة زينب بجدّته (هند) أم معاوية والتي قادت حملة لقتال رسول الله والمسلمين، وأغرت وحشي بقتل الحمزة عمّ رسول الله، ثمّ مثّلت بجسده وانتزعت كبده، وحاولت مضغها، إظهارا لحقدها وبغضها لرسول الله (ص)، ولذلك لا تستغرب اعتداءات يزيد على أهل البيت(ع) لأنها جاءت امتدادا لمنهجية العداء للنبي الأعظم وللرسالة التي جاء بها فتقول(ع): (وكيف يرتجى من لفظ فوه أكباد الأزكياء)،وتوعدته بمصير أسلافه(جده وخاله) وأنّه لاحق بهم في نار جهنم حين قالت:
(أمن العدل ياابن الطلقاء ؟ تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ وكيف يرتجى من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟ وتهتف بأشياخك، زعمت أنّك تناديهم، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودّنّ أنّك شللت وبكمت، ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت).
هذه روح القائدة السلطانة أمام الحاكم المتغطرس المتجبّر، في صرخاتها التأديبية لعنجهية ذاك الحاكم وداعية عليه:
(اللهم خذ لنا بحقّنا،وانتقم ممّن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفكَ دماءنا وقتل حماتنا). وتتحدّاه قائلة: (فوالله ما فريت إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، ولتردنّ على رسول الله، بما تحمّلت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في ذريته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبيلِ الله أَموْاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهمْ يُرْزَقُونَ}،وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد خصيماً وبجبرائيل ظهيراً،وسيعلم من سوّل لك، ومكّنك من رقاب المسلمين {بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلاً} أيّكم {شَرٌّ مَكانَاً وأَضْعَفُ جُنداً}.
وبصراحة أكثر تبدي احتقارها له، وأنها أكبر وارفع من أن تكلّمه أو تخاطبه، لولا ما فرضته عليها الظروف القاهرة فتقول:
(ولئن جرّت عليَّ الدَّواهي مخ
التعلیقات
١