على الإناث أرأف
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى عليه وآله، فقال له: مالك تكون محزونا؟
فقال: يا رسول الله، إن أذنبت ذنبا في الجاهلية، فأخاف ألا يغفره الله لي، وإن أسلمت!
فقال له: أخبرني عن ذنبك.
فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت، فتشفعت إلى امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج.
فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت علي المواثيق بأن لا أخونها، فذهبت بها إلى رأس بئر، فنظرت في البئر، ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمتني، وجعلت تبكي، وتقول: يا أبت! إي شيء تريد أن تفعل بي! فرحمتها، ثم نظرت في البئر، فدخلت علي الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمي، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها، حتى غلبني الشيطان فأخذتها، وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر:
يا أبت، قتلتني. فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت. فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، وقال: (لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك).(1)
هذا ما عانته المرأة في عصر الجاهلية حتى جاء الإسلام، ومنح المرأة مكانتها المرموقة، وقدمها في بعض المجالات، وجعلها مصدرا للرحمة والبركة، وجعل من سعادة المرأة أن تكون البنت هي أوّل أولادها، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: "من يُمْنِ المرأة أن يكون بكرها جارية" يعني أوّل ولدها".(2)
وحتى المولى جعل تعامله مع الأنثى بكل رحمة ورأفة؛ لكونها ريحانة وحساسة، فورد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَى اَلْإِنَاثِ أَرْأَفُ مِنْهُ عَلَى اَلذُّكُورِ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يُدْخِلُ فَرْحَةً عَلَى اِمْرَأَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ إِلاَّ فَرَّحَهُ اَللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ".(3)
نعم، هناك خصائص نفسيّة وعقلية ميّزت كل من الأنثى والذكر عن الآخر في تكوينهما الذاتي ممّا أوجب فارقا في توزيع الوظائف التي يقوم بها كلٌّ منهما في حقل الحياة، توزيعاً عادلاً يتناسب مع معطيات ومؤهّلات كلّ من الذكر والأنثى، الأمر الذي يؤكّد شمول العدل في التكليف والاختيار ، وعلينا أن ننظر في هذه الفوارق الناشئة من مقام حكمته تعالى في الخلق والتدبير .
ومن الأمور التي يكون بها الإنسان تحت عناية المولى الخاصة هو كون الفرد أنثى. نعم، بمجرد كونها أنثى تشملها الرأفة والرحمة الخاصة من قبل المولى عزوجل، حيث تعامل مع المرأة بكل رأفة ورحمة، وجعل لها مقاما رفيعا، وألزمها أن تتقيد بشروط خاصة في مختلف المجالات الاجتماعية والعبادية والنفسية نذكر هنا بعض المصاديق التي تلطّف بها الباري تعالى على المرأة وظهرت رأفته على الإناث اكثر من الرجال منها:
سقوط الجهاد عنها، وإسقاط بعض الأحكام الشرعية عنها في عادتها الشهرية كالصلاة والصوم، بل حتى أسقط عنها قضاء الصلاة في هذه الحالة، وأوجب النفقة عليها من قبل الزوج وكثير من الأحكام التي خصها المولى بالرجل دون المرأة كالقضاء لما فيها من المشاكل الكثيرة التي لا تناسب عاطفة المرأة، كل ذلك رأفة بحال المرأة.
ـــــــــــــــ
1ـ تفسير القرطبي :ج7، ص97.
2ـ بحار الأنوار: ج104، ص98.
3ـ الكافي: ج6، ص 6.
التعلیقات