المعطي هو الله
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنواتلم يقتصر التشويق والحث على الإنفاق في الروايات على الاغنياء ليقوموا بهذا العمل الإنساني
بل تعداه إلى غير هؤلاء من الناس فقد جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله :
« من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شيئاً » (١).
إن النبي الأكرم يريد من وراء هذا الحديث أن يطمئن الغني بأن دخول الشخص الثالث بينه وبين الفقير لا يوجب تقليلاً للثواب والأجر.
ولماذا ينقص من أجره ، والمعطي هو الله ؟.
ولو كان الإنسان هو المجازي لكان لمثل هذا الحساب احتمال أما وان الله هو الذي يرسل الهدية وهو الذي يتقبل العطاء ويأخذ الصدقات قبل الفقير فلا مجال لمثل هذا الحساب.
وبعد كل هذا فإن الله هو الذي يستقرض من الغني ما ينفقه فلا بعد اذاً لو كان الأجر محفوظاً لكليهما المنفق ، ومن توسط في اخراج المال إلى الفقير.
اما الإمام الصادق عليهالسلام ، فقد وسع دائرة الثواب لتمشمل أكثر من واحد لو تعدد الوسطاء بين الغني ، والفقير حيث جاء ذلك في حديث عنه قال فيه :
« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم من غير أن ينقص عن صاحبه من أجره شيئاً » (2).
وقد يستغرب الإنسان وهو يردد فقرات هذا الحديث في قوله :
« لو جرى المعروف على ثمانين كفاً » ... الخ.
بهذا العدد وبهذه الكثرة ، وهل توجد هكذا عملية يحدث فيها أن يصل رقم الوسطاء إلى هذا الحد.
وللجواب عن ذلك نقول :
ان الاستغراب المذكور يزول لو لاحظنا ما جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله في
مثل هذا الموضوع حيث قال :
« من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره ، ولو تداولها أربعون ألف انسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل. وما عند الله خير وأبقى للذين اتقوا وأحسنوا لو كنتم تعملون ».
وقد يوجه البعض هذا التصعيد في الرقم فيعتبره للمبالغة ليفهم بأن المنفق أجره محفوظ ، ولو تعدد الوسطاء ، وكانوا من الكثرة بمكان.
ولكن الذي نراه أن الحديث لا مبالغة فيه من حيث الموضوع وهو حصول الأجر للوسطاء ، وان تعددوا.
نعم قد يكون هذا الرقم جاء للمبالغة من حيث العد والعدد إذ حصول مثل هذا العدد من الوسطاء قد يكون نادراً في قضية إحسان من شخص لآخر ، وإلا فلو فرضنا انه حصل مثل ذلك ، أو أقل منه فإن الأجر يكون محفوظاً لهم ، كما يقول النبي صلىاللهعليهوآله :
« وما عند الله خير وأبقى للذين أنفقوا وأحسنوا » ولا لوم على من يستكثر مثل هذا الجزاء وهو ينظر إلى الأجر بمنظار كونه المعطي انسان ومخلوق ضعيف أما لو نظرنا إلى القضية بمنظار كون المعطي هو الله الذي لا حد لعطائه وفضله وانعامه فالمسألة تهون بل تتضاءَل في رحاب لطفه كل هذه الوساوس والشكوك
وقد جاء في فقرات من أدعية أهل البيت عليهمالسلام قولهم :
« يا من الكرم من صفة أفعاله والكريم من أجل أسمائه ».
**************************
(١) أمالي الصدوق ـ ٢٥٩.
(2) ثواب الأعمال ـ ١٤١.
التعلیقات