حقوق الله على عباده
موقع وارث
منذ 7 سنواتتتفاوت الحقوق بتفاوت أربابها ، وقِيم
عطفهم وفضلهم على المحسنين إليهم .
فللصديق حقٌّ معلوم ، ولكنّه دون حقّ الشقيق البار العطوف ، الذي جمع بين آصرة القربى وجمال اللطف والحنان .
وحقّ الشقيق دون حقّ الوالدين ، لجلالة فضلهما على الولد وتفوقه على كلّ فضل .
وبهذا التقييم ندرك عظمة الحقوق الإلهيّة ، وتفوّقها على سائر الحقوق ، فهو المنعم الأعظم الذي خلق الإنسان ، وحباه مِن صنوف النِّعَم والمواهب ما يعجز عن وصفه وتعداده : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان : 20] .
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [النحل : 18] .
فكيف يستطيع الإنسان حدّ تلك الحقوق وعرضها ، والاضطلاع بواجب شكرها ، إلاّ بعون اللّه تعالى وتوفيقه .
فلا مناص من الإشارة إلى بعضها والتلويح عن واجباتها ، وهي بعد إحراز الإيمان باللّه والاعتقاد بوحدانيّته ، واتّصافه بجميع صِفات الكمال وتنزيهه عمّا لا يليق بجلال إلوهيّته .
1 - العبادة :
قال عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) : ( فأمّا حقُّ اللّه الأكبر فإنّك تعبدُه ، لا تُشرك به شيئاً فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أنْ يكفيك أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحبُّ منها ) .
والعبادة لغةً : هي غاية التذلّل والخضوع ، لذلك لا يستحقّها إلاّ المُنعم الأعظم الذي له غاية الأفضال والإنعام ، وهو اللّه عزَّ وجل .
واصطلاحاً هي : المواظبة على فعل المأمور به .
وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر :
إنّ اللّه عزَّ وجل جعلها الغاية الكُبرى من خلقهم وإيجادهم ، حيث قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات : 56 ، 57] .
وبديهي أنّ اللّه تعالى غنيٌّ عن العالمين ، لا تنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم ، ولا تضرّه معصية العصاة وتمرّدهم ، وإنّما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة الموجبة لتكاملهم وإسعادهم .
فمِن خصائص العبادة : أنّها مِن أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الإيمان في المؤمن ، لتذكيرها باللّه عزَّ وجل ورجاء ثوابه ، والخوف مِن عقابه ، وتذكيرها بالرسول الأعظم ، فلا ينساه ولا ينحرف عنه .
فإذا ما أغفل المؤمن عبادة ربِّه نساه ، وتلاشت في نفسه قِيَم الإيمان ومفاهيمه ، وغدا عُرضةً للإغواء والضلال . فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظلُّ المسلمون في ظلالها الوارفة النديّة والعبادة هي التي تصونها وتمدّها بعوامل النموّ والازدهار .
والعبادة بعد هذا مِن أكبر العوامل على التعديل والموازنة ، بين القوى الماديّة والروحيّة ، التي تتجاذب الإنسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنّى له السعادة والهناء إلاّ بتعادلها . ذلك ، أنّ طُغيان القوى الماديّة واستفحالها يسترق الإنسان بزخرفها وسلطانها الخادع ، وتجعله ميّالاً إلى الأثرة والأنانيّة ، واقتراف الشرور والآثام ، في تحقيق أطماعه الماديّة .
فلا مناصّ - والحالة هذه - من تخفيف جماح المادّة والحدّ من ضراوتها ، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الإنسان، وإمداده بطاقات روحيّة ، تعصمه من الشرور وتوجّهه وجهة الخير والصلاح .
وهذا ما تحقّقه العبادة بإشعاعاتها الروحيّة ، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى ، والدأب على طاعته وطلب رضاه .
والعبادة بعد هذا وذاك : اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه .
فالإيمان سرٌّ قلبيٌّ مكنون ، لا يتبيّن إلاّ بما يتعاطاه المؤمن مِن ضروب الشعائر والعبادات الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى .
وحيث كانت العبادة تتطلّب عناءً وجهداً ، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوّة الإيمان ورسوخه ، وإغفالها دليلاً على ضعفه وتسيّبه .
فالصلاة كبيرةٌ إلاّ على الخاشعين ، والصيام كفّ النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس والحجّ يتطلّب البذل والمعاناة في أداء مناسكه ، والزكاة منح المال الذي تعتزّ به النفس وتحرص عليه ، والجهاد : هو الإقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب ، وكلّها أمورٌ شاقّة على النفس .
من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها بُرهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عزّ وجل.
2 - الطاعة :
وهي الخضوع للّه عزّ وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه .
ولا ريب أنّها مِن أشرف المزايا ، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة ، كما نوّهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة :
قال تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب : 71].
وقال سُبحانه : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [النساء : 13] .
وقال الإمام الحسن الزكي ( عليه السلام ) : ( وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبةً بلا سلطان ، فاخرج مِن ذلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزّ وجل ) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( اصبروا على طاعة اللّه ، وتصبّروا عن معصية اللّه ، فإنما الدنيا ساعة ، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت ) (1) .
3 - الشكر :
وهو : عرفان نعمة المنعم ، وشكره عليها ، واستعمالها في مرضاته .
والشكر خلّة مثاليّة يقدّسها العقل والشرع ، ويحتمها الضمير والوجدان ، إزاء المحسنين من الناس .
فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه ، ولا تُعدّ آلاؤه ؟، مِن أجل ذلك حثّت الشريعة على التحلّي به ، في نصوص عديدة مِن الآيات والروايات .
قال تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7].
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن أُعطِيَ الشكر أُعطِي الزيادة ، يقول اللّه عزّ وجل : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم : 7])(2) .
وقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( الطاعم الشاكر ، له مِن الأجر كأجر الصائم المحتسب ، والمعافى الشاكر ، له مِن الأجر كأجر المبتلى الصابر . والمعطى الشاكر ، له من الأجر كأجر المحروم القانع )(3) .
4 - التوكّل :
وهو : الاعتماد على اللّه عزّ وجل في جميع الأُمور ، وتفويضها إليه ، والإعراض عمّا سواه .
والتوكّل ، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة ، الموجبة لعزّتهم وسموّ كرامتهم وارتياح ضمائرهم ، بترفعهم عن الاتّكال والاستعانة بالمخلوقين ، ولجوئهم وتوكّلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار .
لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخُلق ، والتشويق إليه .
قال تعالى : { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ } [آل عمران : 160].
وقال تعالى : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق : 3].
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ الغنى والعزّ يجولان ، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا )(4) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيّته للحسن ( عليه السلام ) : ( وألجئ نفسك في الأُمور كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ) .
______________________
الوافي : ج 2 ، ص 67 عن الكافي .
الوافي : ج 3 ، ص 67 عن الكافي .
الوافي : ج 3 ، ص 56 عن الكافي .
التعلیقات