حكم كشف المرأة وجهها أمام الأقارب والغرباء
احكام المراة والاسرة
منذ 11 ساعةمع أنّ الحجابَ جزءٌ ثابتٌ من التشريع الإسلامي، إلّا أنّ نصوصَ القرآن والسنّة تذكرُ بوضوح أنّ لهذا الحكم استثناءاتٍ محدَّدة تراعي أحوالَ المرأة ومَن تتعاملُ معهم في حياتها اليوميّة. وقد جاءت الآياتُ والروايات لتوضّح الحالات التي يجوز فيها تخفيفُ الستر، والظروف التي تختلفُ فيها أحكامُ الحجاب بين فئةٍ وأخرى، ومن هم الأشخاصُ الذين لا تحتاجُ المرأةُ إلى الاحتجابِ أمامهم احتجاباً كاملاً.
هذا المقال يقدّم عرضاً واضحاً لهذه الاستثناءات كما وردت في المصادر الشرعيّة، ليكون للقارئة فهمٌ واعٍ ومنظّماً للحالات التي يتغيّر فيها حكمُ الستر، دون زيادةٍ أو نقصان.
استثناءاتُ حجابِ المرأة
فرضَ اللهُ الحكيمُ الحجابَ والسترَ على المسلمين، ولكن جعلَ لهذا الحكم ثلاثةَ استثناءات.
١. استثناءٌ في بعضِ الأعضاء والجوارح
يبيّنُ اللهُ في الآيةِ التي يذكرُ فيها وجوبَ الحجاب أنّ بعضَ أعضاءِ المرأة، مع وجودِ شروطٍ معيّنة، لا تحتاجُ إلى الستر.
ويقولُ اللهُ في سورةِ النور: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (١)
في معنى "الزينةِ الظاهرة" آراءٌ متعددة، ولكن الرأيَ الأفضلَ والأصحَّ هو أنّ ما يجوزُ للمرأةِ كشفُه هو الوجهُ واليدانِ إلى الرسغ.
وقد ذُكِر في النصوصِ الفقهية شرطـان: أن يكونَ الوجهُ واليدان بلا زينةٍ أو تزيين، وألّا ينظرَ إليهما الأجانبُ بقصدِ اللذّة.
ويجبُ التنبيهُ إلى أنّ ما يُذكَر هنا تفسيرٌ للآية، أمّا وظيفةُ كلِّ مكلَّفٍ في هذا الاستثناء فتُؤخَذُ من فتاوى مرجعِ تقليدِه.

٢. استثناءٌ في سترِ بعضِ الأشخاص
أ) النساءُ المسنّات
الاستثناءُ الآخرُ من حكمِ وجوبِ السترِ يتعلّقُ بالنساءِ الكبيراتِ في السن.
يقولُ اللهُ تعالى:
(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢).
المقصودُ بـ «القواعد» النساءُ اللواتي بلغنَ سنّاً لا يرغبنَ معه عادةً في الزواجِ أو العلاقةِ الجنسية.
و« غَيْرَ مُتَبَرَجاتٍ بِزِينَةٍ» يشيرُ إلى شرطِ هذا الاستثناء، وهو أنهنّ لا يَحِلّ لهنّ وضعُ ثيابِهنّ الخارجيّة إلّا إذا كنّ بلا زينةٍ أو تبرّج.
وليس العملُ بهذا الاستثناءِ واجباً، بل تُصرّحُ الآية: «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ»، ومنه تُستخلَصُ قاعدةٌ عامّة مفادُها أن مراعاةَ العفافِ والسترِ كلما زادت كان ذلك أقربَ إلى الطهارةِ وأفضلَ في نظرِ الإسلام.
ب) النساءُ البدويّاتُ وساكناتُ الصحراء
بناءً على النصوصِ الدينية والروايات، فإنّ سترَ النساءِ البدوياتِ وساكناتِ الصحراءِ مستثنى أيضاً.
فعن الإمامِ الصادقِ عليه السلام: « لا بأس بالنظر إلى رءوس أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون».
هؤلاءِ النسوةُ لا يعدّون كشفَ رؤوسِهم ونظرَ الآخرينَ إليها انتقاصاً من شخصيّتِهم أو مكانتِهم.
وقد بيّنَ اللهُ أحكاماً تحفظُ مكانةَ كلِّ فئةٍ من النساءِ المسلمات.
فعلى سبيل المثال، كانت زوجاتُ النبيّ صلى الله عليه وآله يُسمَّين «أمَّهات المؤمنين» ولهنّ حرمةٌ خاصّة، فجُعلت لهنّ أحكامٌ خاصة، مثل تحريمِ الزواجِ بهنّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ووجوبِ مخاطبتِهنّ من وراءِ حجاب.
وبعدهنّ تأتي النساءُ المؤمناتُ في المرتبة التالية، ثم النساءُ الأخرياتُ في مراتبَ أدنى.
وعليه، ففي المواضع التي لا تُلزِمُ فيها الأعرافُ القَبَليةُ المرأةَ بالحجابِ الشرعيّ الإسلامي، لا يكونُ إلزامُها به واجباً شرعاً، ولكن هذا الجواز لا يعني أبداً جوازَ النظرِ بشهوةٍ من الرجالِ الأجانب أو النظرِ بقصدِ اللذّة.
ج) الإماء
في صدر الإسلام، لم تكن الإماءُ مُلزَماتٍ بسترِ شعرِهنّ؛ كما في الآيةِ الشريفة:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) (٤)
وفي روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: « على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار، إلا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر » (٥).
يبدو أن مراعاةَ الحجاب من قِبَل المرأة هي في الأساس تعظيمٌ لشخصيّةِ المرأةِ المسلمةِ الحرّة؛ حتى إنّ الفقهاءَ يفتون بأنّ المرأةَ المسلمةَ الحرّة يجب أن تكونَ ذاتَ سترٍ كاملٍ في الصلاة وغيرها، بينما المرأةُ غير الحرّة لم تكن مُلزَمةً بسترِ رأسِها وعنقِها حتى في الصلاة.
د) نساءُ أهلِ الذمّة
من مواردِ الاستثناء في الستر، جوازُ النظرِ إلى شعرِ نساءِ أهلِ الذمّة وأيديهنّ. وقد رُوي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله: «لا حُرمَةَ لنِساءِ أهلِ الذِّمَّةِ أن يُنظَرَ إلى شُعورِهِنَّ و أيدِيهِنَّ» (٦).
وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمة» (٧).
وفي حديثٍ آخر له عليه السلام: «ينزل المسلمون على أهل الذمة في أسفارهم وحاجاتهم، ولا ينزل المسلم على المسلم إلا بإذنه» (٨).
وبناءً على مضمونِ الروايات، يرى فقهاءُ الشيعة أنّ النظرَ إلى النساءِ غيرِ المسلمات جائزٌ بشرطِ عدمِ الريبة (أي النظر بشهوة).
ومن المسائلِ التطبيقية هنا، حجابُ السيّداتِ السائحاتِ الأجنبيات؛ ففي الفقه الإسلامي لا ضرورةَ لفرضِ سترٍ خاصٍّ عليهنّ، ولا يُعدّ إلزامُهنّ بالحجاب واجباً من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولكن إذا ظهرت المرأةُ الأجنبيةُ في المجتمع الإسلامي بمظهرٍ يؤدّي إلى هتكِ حرمةِ المجتمع أو يسبّب مفاسد، فحينئذٍ يجبُ إلزامُها بالستر من باب دفعِ المفسدة، على الأقل بما يوافقُ عرفَ المجتمع في موضوعِ الستر.
٣. عدمُ وجوبِ الحجاب أمامَ فئةٍ من الأشخاص
بعد بيانِ حكمِ الحجاب، يذكرُ اللهُ استثناءً آخر في الآية، فيقول:
(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) (٩).
يذكرُ اللهُ في هذه الآية مجموعةً من اثني عشر صنفاً، وهي: الأزواج، الآباء، آباءُ الأزواج، الأبناء، أبناءُ الأزواج، الإخوة، أبناءُ الإخوة، أبناءُ الأخوات، النساء، المماليك، التابعون الذين لا رغبةَ جنسيةَ لهم، والأطفال الذين لا يميّزون عوراتِ النساء.
وما يحتاجُ إلى مزيدِ بيان هو بعضُ الأصنافِ الأخيرة:
المقصودُ بـ «نِسائهنّ» في الآية هو النساءُ المسلمات فقط، ولا يشملُ النساءَ غيرَ المسلمات. وقد وردت رواياتٌ تؤيّد هذا، حيث استُدلّ فيها على أنّ إظهارَ النساءِ المسلماتِ زينتَهنّ أمامَ النساءِ غيرِ المسلمات قد يؤدّي إلى أن يصفنَ جمالَهنّ لأزواجِهنّ ورجالِهنّ، فيكون ذلك سبباً للفتنة والاعتداء على النساءِ المسلمات والمجتمع الإسلامي.
والمقصودُ بـ «غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ» هم الرجالُ المقيمون في بيتِ المرأةِ والذين يعيشونَ مع أهلِها ولكن لا رغبةَ ولا حاجةَ جنسيةَ لهم.
وغالباً ما يُقصَد بهم الرجالُ المسنّون، أو الخُنثى، أو المصابونَ بالجنون أو السفه بحيث لا يعرفون شيئاً عن أمور النساء والجنس.
وآخرُ صنفٍ منهم: الأطفالُ الذين لا معرفةَ لهم بأمورِ النساء؛ وهذا الاستثناء لا يشملُ الأطفالَ المُميّزين الذين يملكون قدرةَ التمييز والفهم. وفيما عدا هؤلاء، يجبُ على المرأةِ أن تلتزمَ بسترِها.
ويجب الإشارةُ إلى أنّ الحجابَ المقبولَ في الإسلام هو الذي يكونُ ساتراً للأعضاء وخالياً من كلّ ما يثير أو يحرّك الشهوة.
ومع أنّ العباءة أو الرداء (كالعَباءة أو الجلباب) ليس حجاباً إلزامياً، إلا أنّه قد يكونُ أكملَ وأفضلَ سترٍ للمرأةِ المسلمة، لأنّه ـ إضافةً إلى الستر ـ يحفظُها من كثيرٍ من الآفات.
خاتمة
بعد استعراض هذه الاستثناءات كما وردت في القرآن والسنّة، يتّضح أنّ أحكامَ الحجاب ليست مجموعة أوامر جامدة، بل نظامٌ تشريعيّ دقيق يراعي عمرَ المرأة، وبيئتَها، ومن يحيطُ بها في حياتها اليوميّة. فهناك ظروفٌ قد تختلفُ فيها الأحكام باختلاف الواقع الاجتماعيّ.
ويمكن للمرأة، أن تتذكّر أنّ الحجاب ـ في جوهره ـ مساحةُ صونٍ واختيارٍ وهدوءٍ تعيشه بطريقتها، وفي حدود ما بيّنه الشرع لها.
أسئلة وأجوبة
1. ما هي الأعضاء التي يجوز للمرأة كشفُها وفق الاستثناء الشرعي؟
يجوز كشفُ الوجه واليدين إلى الرسغ، بشرط عدم وجود الزينة، وألّا يكون النظرُ من الأجانب بقصد اللذّة.
2. هل تُعفى المرأةُ المسنّة من الحجاب الكامل؟
نعم، القواعدُ من النساء اللواتي لا يرجون نكاحاً، بشرط عدم التبرّج بالزينة، ومع ذلك فالعفافُ أفضل لهنّ.
3. ما حكم حجاب الإماء في صدر الإسلام؟
الإماءُ لم يكنّ مُلزَماتٍ بتغطية رؤوسهنّ، بخلاف الحرائر اللواتي كنّ ملتزماتٍ بالستر الكامل خصوصاً في الصلاة.
4. هل يجوز النظرُ إلى شعرِ نساء أهل الذمّة؟
تجيز الرواياتُ النظرَ إلى رؤوس نساء أهل الذمّة وأيديهنّ بشرط عدم الريبة، لأنّ لهنّ حكماً مختلفاً عن المسلمات في هذا الباب.
5. من هم الأشخاص الذين لا يجب على المرأة الاحتجابُ الكامل أمامهم؟
ذكرت الآيةُ اثني عشر صنفاً، منهم: الأزواج، الآباء، الأبناء، الإخوة، نساءُ المؤمنات، المماليك، الرجالُ غيرُ أولي الإِربة، والأطفالُ غيرُ المميّزين.
١. سورة النور، الآية : ٣١.
٢. سورة النور، الآية : ٦٠.
٣. مرآة العقول / العلامة المجلسي / المجلّد : ٢٠ / الصفحة : ٣.٣.
٤. سورة الأحزاب، الآية : ٥٩.
٥. وسائل الشيعة / الشيخ الحرّ العاملي / المجلّد : ٣ / الصفحة : ٢٩٧ .
٦. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٥٢٤.
٧. وسائل الشيعة / الشيخ الحرّ العاملي / المجلّد : ١٤ / الصفحة : ١٤٩ / الطبعة الإسلاميّة.
٨. وسائل الشيعة / الشيخ الحرّ العاملي / المجلّد : ١٤ / الصفحة : ١٤٩ / الطبعة الإسلاميّة.
٩. سورة النور، الآية : ٣١.








التعلیقات