هل أتزوج فتاة أكبر مني سنا؟
مجلة الزهراء سلام الله عليها
منذ 8 سنواتأنا شاب أبلغ من العمر تسعة وعشرين عاما، أعمل موظفا في دائرة حكومية منذ اكثر من خمسة اعوام. لم اتزوج الى الآن على الرغم من تيسر حالي والحاح والدتي عليّ بالزواج. ذلك لاني لم اعثر بعد على فتاة مؤمنة تتوفر فيها الخصال الحميدة التي يحث عليها الدين الاسلامي الحنيف، فاغلب الفتيات اللواتي عرفتهن خلال دراستي الجامعية وفي مكان عملي الحالي، هنّ من السافرات اللواتي لا يبدو عليهن اي اهتمام بالواجبات
الشرعية. اما قريباتي فهن دون سن الزواج، ولا اخفي عليكم اني كنت على الدوام اطمح الى الزواج من امرأة متدينة تحصّنني من اغواءات هذا الزمان، وتكون خير أم لأطفالي مستقبلا ان شاء الله ذلك.
قبل سبعة اشهر نقلت الى القسم الذي اعمل فيه؛ امرأة محجبة تبدو عليها مظاهر الوقار والحشمة، وقد لفتت هذه المرأة نظري بسلوكها المتزن المعبر عن التزامها التعاليم الشرعية، حيث انها ـ كما لاحظت ـ لا تطيل الحديث مع الموظفين الا لضرورات العمل، كما أنها ترفض مصافحة أي رجل، على العكس من الكثير من الموظفات السافرات.
بعد بضعة اشهر من قدومها لدائرتنا قررت ان اتقدم لخطبتها بعد ان شعرت انها بخصالها الايمانية تمثل الزوجة التي طالما دعوت الله ان يرزقنيها.
وحين طرحت الفكرة على مديري في العمل لكي يوافيني بما يعرفه من معلومات عنها باعتياره المسؤول المباشر عن ملفات الموظفين والموظفات، شجعني كثيرا على التقدم لخطبتها، وابدى استعداده لمساعدتي وقال لي: ان تقويم الدائرة التي اتت منها جيد جدا، وان جميع من يعرفها يمتدح اخلاقها وحسن سلوكها. وحين سألته عن عمرها كما هو مدون في ملفها، قال لي ان عمرها ثلاثون عاما.
واقول لكم بصراحة انني فوجئت بذلك، لأني كنت اتصور ان عمرها لا يتجاوز الخامسة والعشرين فهي لا تبدو في مظهرها العام كبيرة السن ورغم ان المدير قال لي ان فارق السن بيننا ليس كبيراً ولا ينبغي أن يكون عائقا امام الزواج، الا اني لم اقتنع تماما بهذا الرأي، وتملكني الترداد اثر ذلك.
استشرت والديّ في الموضوع فأبديا رفضهما الشديد لزواجي من امرأة تكبرني في السن.
بقي الترداد يتملكني لفترة طويلة، فأنا لا استطيع حتى الآن ان ابعد موضوع زواجي من هذه الفتاة المؤمنة عن تفكيري ومخيلتي، وفي الوقت ذاته لا استطيع ان احسم قراري واتقدم لخطبتها على الرغم من عائق السن. واحياناً اسأل نفسي، لو اني غضضت النظر عن فارق السن بيننا، كيف سأقنع والديّ بذلك لأجعلهما يذهبان الى اهل الفتاة لخطبتها لي؟ واذا عدلت عن الموضوع نهائيا فهل سأعثر على فتاة متدينة مثلها مستقبلا؟ ما اطلبه من مجلتكم الموقرة النصح والتسديد ، فأنا في امس الحاجة في هذه الفترة الى رأي منصف ينطلق من اعتبارات دينية تقدر ظروفي وحرصي على الزواج من فتاة مؤمنة.
الجواب:
في البدء نشكر لك حسن ظنك بنا، ونسأل الله تعالى ان يوفقنا دائما لخدمة اخواننا المؤمنين في كل مكان.
ان القضية التي تطرحها رسالتك الكريمة تتضمن بعدين في تقديرنا:
البعد الاول: هو قضية سفور المرأة في المجتمعات الاسلامية التي تتعرض لتيارات التغريب الثقافي والاجتماعي، وما يتركه ذلك من آثار اجتماعية سلبية على انماط السلوك الفردي والاجتماعي لكلا الجنسين، وكذلك على طريقة تفكيرها تجاه القضايا الاجتماعية المهمة.
البعد الثاني: هو مسألة فارق السن بين الرجل والمرأة قبل الزواج، وهل ينبغي أن يكون عاملا اساسياً أو ثانويا في قضية مهمة كقضية الزواج أم لا؟
قبل ان نجيب عن هذا السؤال الذي يتعلق مباشرة بالقضية التي تطرحها في رسالتك ينبغي ان نتطرق بايجاز الى مضمون البعد الاول الذي اشرنا اليه.
لا شك في ان كثرة مظاهر تبرج المرأة في المجتمع وتأثرها بتيارات الثقافة التغريبية القادمة من خلال وسائل الاعلام اللاإسلامية التي تحوّل المرأة الى اداة للإغراء والغواية، سيؤدي الى ايجاد حال من انعدام الثقة بالنساء لدى الكثير من الشباب، لاسيما الشباب المؤمن الذي يبحث عن نموذج المرأة ـ الفضيلة وليس نموذج المرأة ـ الغواية عندما يشرع بالتفكير في موضوع الزواج وتكوين أسرة صالحة في المجتمع.
وانه لأمر محزن حقا ان نرى وسائل وسائل الاعلام المتغربة وهي تتعامل بصورة سلبية جدا مع المرأة المحجبة ومع كل مظاهر التدين الاجتماعية، وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال الى نشر المفاهيم الخاطئة في اذهان الشباب من الجنسين حول قيم الحياة الاجتماعية.
ونحن نعذرك يا أخ "ج.ب" لتأخرك في الزواج الى الآن، لأنك تبحث عن امرأة مؤمنة تصلح ان تكون مستقبلا الأم الصالحة التي تربي الابناء وفق التعاليم الاسلامية الهادية. ولكننا نقول لك في الوقت ذاته، ان المجتمع لايزال معافى والحمد لله قياسا بالمجتمعات غير الاسلامية، وفيه الكثير من النماذج الايمانية الخيّرة التي لم تتأثر بعد بغزو الثقافات العلمانية التضليلية، وانك لو تطلعت الى آفاق اخر خارج الوسط الذي يحيط بك لاكتشفت ذلك بنفسك. وهنا نود ان نلفت نظرك الى مسألة مهمة، وهي ان بعض النساء ـ وربما اكثرهن ـ يجهلن الحكم الشرعي المتعلق بالحجاب، ولم يصل اليهن التبليغ الاسلامي المناسب بالقدر الذي يجعلهن يقفن بصلابة أمام موجات التغريب والتخريب الاجتماعي لأسباب عديدة لا مجال للخوض في تفاصيلها، وهذا ما يعمق مسؤولية التوعية الدينية الملقاة على كل المؤمنين في مجتمعاتنا الاسلامية.
اما في ما يتعلق بالبعد الثاني وهو فارق السن بين الزوجين فنقول لك يا أخانا الكريم ان فارق سن اذا لم يكن كبيراً جدا فهو لايشكل عقبة رئيسة أمام اتمام مشروع الزواج، كما ان الزواج السعيد والناجح في معايير الاسلام لا يتعلق بقضية السن بالدرجة الاولى، ولنا في الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله أسوة حسنة، اذ تزوج"صلى الله عليه وآله" عندما كان في السن الخامسة والعشرين من السيدة خديجة الكبرى رضوان الله عليها وهي في سن الاربعين، وعاش معها طوال حياتهما الزوجية المشتركة بسعادة وهناء، اذ كانت رضوان الله عليها سكنا له في اوقات المحن التي واجهته عليه الصلاة والسلام. وهذا ما جعله يقول عنها ما معناه في حديثه الشريف.. "اني قد رزقت حبها، آمنت بيّ اذ كفر بي الناس، وصدقتني اذ كذبني الناس، وواستني بمالها اذ حرمني الناس".
وورد عن عائشة قولها: "ما غرت على احد من نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ما غرت على خديجة، وما رأيتها. ولكن كان النبي(صلى الله عليه وآله) يكثر ذكرها. وربما ذبح الشاة ثم يقطها اعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة".
هكذا كانت الحياة الزوجية السعيدة للنبي(صلى الله عليه وآله) مع زوجة تكبره بخمسة عشر عاما، ومنها نستنتج ان الرحمة والمودة الايمانية بين الزوجين لأنهما يكفلان التفاهم والوئام بينهما ويجعلان كل شريك حريصا على اسعاد شريكه الآخر في الحياة الزوجية. كما اننا نجد في الحياة كثيراً من الرجال الذين تزوجوا نساء يماثلنهم او يكبرنهم في السن وهم يعيشون حياة زوجية هانئة وخالية من المشاكل، الامر الذي يؤكد أن فارق السن لايشكل عائقا أمام سعادة الزوجين اذا كانت هنالك رحمة ومودة بينهما. ومادامت الفتاة الموظفة التي تتحدث عنها في رسالتك هي فتاة متدينة ذات سلوك ايماني متزن، فستكون لك خير زوجة بلا شك مادمت تضع اعتبارات الايمان والتدين في المقام الاول عند تقويمك للزوجة الصالحة، وفي هذا السياق نذكرك بالحديث الشريف عن الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله) "عليكم بذوات الدين" ، كذلك نود ان نشير الى ان التغيرات الاجتماعية الجديدة ودخول المرأة الجامعة ادت الى تأخر سن الزواج بالنسبة للرجل والمرأة معا، فلم يعد مستغربا في الوقت الحاضر ان تتزوج المرأة بعد سن الخامسة والعشرين مثلا، والرجل بعد سن الثلاثين.
ولا يعني هذا بطبيعة الحال اننا نشجع تأخير سن الزواج، ولكننا نقول: ان التغيرات التي طرأت على انماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية تعوق في احيان كثيرة امكانية الزواج المبكر لكلا الجنسين الذي هو بلا شك افضل للمجتمع من الزواج المتأخر فيما لو توفرت امكانياته. واما عن موافقة والديك وقناعتهما فنظن انك اذا اتخذت قرارك بالزواج بلا ترداد فسوف لا تجد صعوبة في اقناعهما بالموافقة على اختيارك وذلك بتوضيح اسباب هذا الاختيار بالاسلوب الذي تراه مناسبا ومؤثرا فيهما. وهما في كل الاحوال يبحثان ويسعيان لأجل سعادتك في المستقبل، وتستطيع أن توضح لهما اثر قناعتك بالزوجة المؤمنة في تحقيق سعادتك المستقبلية.
نسأل الله تعالى ان يسدد خطاك، ويوفقك لما فيه الخير والصلاح ، انه هو السميع المجيب.
التعلیقات