ماذا بعد أن وعينا ؟!
حورية خليفة المناوس
منذ 7 سنوات
منذ عصر تأسيس الإسلام و إرساء لبنات قواعده جعل تعالى من ضمن ركائز كتابه الكريم آيات تنبّه بأن لهذا الدين الفتي أعداء يتربصون به الفُرص و الدوائر .. ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة ٨٢) ۖ.. ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ" (البقرة، ٢١٧)، ..
و كما غفل المسلمون عن الكثير من تعاليم دينهم ، غفلوا عن هذا الجانب .. لكن العدو لم يغفل !!
نعم بذل العدو قصارى جهده و فكره و لم يزل ، يحيك نسيج المكائد بهمة قد نعجب منها إن تأملنا ! و لم تقتصر خططه على غزو احتلال مسلّح و إنما ما خفي أعظم !
لم يزل التأريخ يحمل لنا بين طياته أحداث حروب ضروس عاتية شنها الغربي على بلاد الإسلام بُغية أن يحتلها فيكون بيده زمام شعوبها و مقدراتها ، لكن و بما أن الغزو العسكري هو غزو واضح جلي عداؤه ، كان من كل شعب مُعتدى عليه أمة منهم ، فقهت مقصد العدو فبذلت النفس و نفيس الأبناء ، في سبيل الدفاع عن الدين و الوطن ، و حين نصروا الله نصرهم و ثبت أقدامهم ، فمن ينصر الله فلا غالب له ، و كان حقا من الله عليه تعالى نصر المؤمنين.
لكن ما أخفقت الأمة الإسلامية في رده و الفتنة التي فيها سقطوا هو غزو من نوع آخر ! كان سلاح العدو فيه أمضى و أَحَدّ .. إنه الغزو الفكري ، الذي تغلل مداه في قعر البيوت بل في قعر العقول و القناعات ، فقد بات الفكر الأجنبي محل الثقة و الاحترام و الطرح الإسلامي ربما لا يُعد فكرًا من الأساس عند بعضنا !! و الأثر إن رُمنا ضرب أمثلة عليه سنجدها كثيرة يطول مقام حصرها ، فقد بات الشخص منا لا يحترم نظرية إلا إذا دوّن أسفلها اسمًا أجنبيا لشخصية غربية ! .. و التربويات السلوكية الإسلامية إن طُرِحت بإطار نصوص إسلامية تُعتبر حديث تراث قديم ، و ربما في بعضها تُعد تخلّفًا صدئًا عند البعض مع الأسف ، بينما إن جاءتنا بفكر أجنبي باسم نظريات في تطوير الذات وضعها علماء نفس الغرب ، كانت هي محل الاحترام ، و التعامل معها يكون و كأنها مكتشف جديد و للغربي العبقري شرف اكتشافه ! بل لربما البعض منا لا يستشعر عظمة آية من قرآننا العظيم فيُسبّح الله لذكرها إلا إذا تحَصّل على معلومة أن الآية تطابق مكتشف علمي غربي ! و كأنه للتو اكتشف عظمة قرآنه !..
و لا أقصد بطرحي هذا أن الغزو الفكري أمر لم يزل خفيا على مجتمعاتنا فعلًا، فحتى هذا النوع بمسماه بالتأكيد لم يعُد أمرًا جديدًا ، فمنذ أمد و المفكرين منا و الواعين يتحدثون حول هذا النوع من الغزو ، فأْلِفت المؤلفات و أُعدّت البحوث ، و تحدثت فيه مع الأقلام المنابر ، بل لم يعد الأمر مقتصرًا على تلك السُبُل.. فالرسائل المُتحدِّثة عن هذا الغزو صارت تُتناقل عبر وسائل التواصل و برامجه بين عامة الناس بمختلف مستويات الثقافة و الأعمار .. فمنها ما يتحدث عن ظهور و تفشي الفكر الرأسمالي الاستهلاكي بيننا ، و بعضها يبين خطأ من توصل لقناعة أن الحجاب سبب تأخر المرأة فكريًا و عائق لتقدمها ، و بعضها يتحدث عن مقصد الغربي وراء نشر أجهزة نجح بأن جعلها في متناول كل فئة عمرية لتحقق من أهدافهم ما أمكن من تأخر تقدم و فساد .. أو عن داء نشره بيننا الغربي لنحتاج أن نشتري من عنده الدواء !
و هنا يأتي السؤال ماذا بعد أن وعينا هدف العدو فينا و بعد أن أَخذت خططه فينا مأخذها ؟! تُرى هل من مدّكر ؟!! متى سننهض فكريا لإفشال خططه ؟! إلى متى نبقى في درك التقدم ؟! متى سنطبق إسلامنا عملًا ؟! لربما لا نحتاج إلا ليبدأ كل واحد منا بنفسه فما سبب التقاعس و الإنسياق ؟!
هل تُرانا حقا لم نعي بعد حتى الآن ؟!!! أم أن العدو لم يغزو فكرنا فقط و إنما غزا الفكر و الإرادة معا !!!
التعلیقات