سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزواج والأولاد
السيد حسين الهاشمي
منذ 19 ساعةفي هذه الأيام المباركة، حيث تحتفل الأمة بميلاد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تتجدد في قلوبنا الحاجة إلى أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نستضيء بنور سنّته لنجدّد حياتنا ونقوّم أسلوب عيشنا؟ فالنبي لم يكن رسولاً للكلمة والموعظة فقط، بل كان قدوة حيّة في البيت والمجتمع، معلِّماً لنا كيف يكون الزواج سكناً ورحمة، وكيف تكون تربية الأبناء رسالة إيمانية ممتدة.
هذا المقال الذي بين أيديكم يأخذكم في رحلة مع سنن النبي صلى الله عليه وآله في الزواج والأولاد، بطرح مبسّط وقريب من واقعنا اليومي، لتجدوا فيه مفاتيح السعادة الزوجية والتربية الصالحة. فهلمّوا نقرأ معاً، ونقترب أكثر من مدرسة الرحمة المحمدية، علّنا نستعيد من خلالها صفاء حياتنا وأمان أسرنا.
سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزواج والأولاد
الزواج في الإسلام رابطة مقدسة، وميثاق غليظ يجمع بين رجل وامرأة على أساس المودة والرحمة، ليكون لبنة في بناء المجتمع الإسلامي الصالح. فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1). ولم يكن هذا التشريع العظيم مجرد تنظيم اجتماعي أو إشباع لغريزة فطرية، بل هو عبادة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى إذا التزم بسنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط » (2). وأيضا قال صلى الله عليه وآله وسلم: « النكاح سنتي فمن رغب ، عن سنتي فليس مني » (3).
وقد أرشد النبي الكريم الأمة إلى آداب دقيقة وسنن رفيعة في اختيار الزوجين، وفي مراعاة الحقوق والواجبات، وفي بث روح المحبة والتعاون داخل البيت المسلم، حتى يظل الزواج وسيلة استقرار وسعادة، لا مجرد ارتباط شكلي.
ومن ثمرات الزواج المباركة: الذرية الطيبة التي يُرجى أن تكون قرة عين للوالدين، وزينة للحياة الدنيا، وذخراً للأمة في مستقبلها. غير أن هذه الذرية أمانة عظيمة تحتاج إلى تربية صالحة، تقوم على الرحمة والعدل والقدوة الحسنة.
ولهذا ولقرب ميلاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم 17 من شهر ربيع الأول، قررنا أن نجمع ونوضح الروايات الواردة في كتاب سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول الزواج والأولاد.
أصل التزويج وترغيب المسلمين إليه
في الخصال بإسناده إلى علي عليه السلام - في حديث الأربعمائة – قال: « تزوجوا فإن التزويج سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج » (4). للتزويج والنكاح فوائد كثيرة في الدين والدنيا. منها حفظ الدين والعفاف. فإن الزواج أحسن طريقة لحفظ الدين من الآثام الجنسية والغريزية وأفضل وسيلة لحفظ النفس عن الحرام. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ الْعُزَّابُ » (5). وهذا الأمر من الأمور الواضحة لأن أكثر المعاصي من الشهوة و الغضب و بالتزويج ينكسران.
كثرة المجامعة
روي عن معمر بن خلاد، قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: « ثلاث من سنن المرسلين: العطر، وأخذ الشعر، وكثرة الطروقة » (6).
الإكثار من المعاشرة بين الزوجين يعينهما على غض البصر وحفظ الفرج، ويدفع عنهما وساوس الشيطان وفتن الانحراف. أيضا كثرة اللقاء الجسدي تقوي الروابط العاطفية، وتزيد من الألفة والانسجام بين الزوجين. فهي وسيلة لتجديد الحب، وتوطيد السكن الذي ذكره الله في قوله تعالى: ﴿ لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾.
الجماع المنتظم يزيل التوتر، ويخفف الضغوط النفسية، ويجعل الزوجين أكثر صفاءً وانشراحاً. وقد أشارت دراسات طبية إلى أن العلاقة الزوجية المتوازنة تقلل من القلق والاكتئاب.
النهي عن ترك النساء
بعض الناس يتزوجون مع إمرأة طيبة جميلة وليس لديهم مشاكل مع تلك المرأة لكن الشيطان يوسوس في آذانهم ويقول لهم أنه يجب عليكم أن تتركوا الدنيا وما فيها ويجب عليكم أن تتركوا اللذائذ الدنيوية ومنها النساء. فيتركون أزواجهم لهذه الدليل. وهذا أمر باطل لم يجعل له الله تعالى سبيلا. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « إن جماعة من الصحابة كانوا حرموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل، فأخبرت ام سلمة رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إلى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء، فإني آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل، فمن رغب عن سنتي فليس مني » (7).
ولتأييد هذا الأمر وإن للمتزوج منزلة عظيمة عند الله تعالى ليست للأعزب، يجب أن ننقل لكم هذه الرواية من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « لَرَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مُتَزَوِّجٌ أَفْضَلُ مِنْ رَجُلٍ عَزَبٍ يَقُومُ لَيْلَهُ وَ يَصُومُ نَهَارَهُ » (8).
حبّ النساء
روي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « من أخلاق الأنبياء عليهم السلام حب النساء » (9). إنّ حبّ النساء من علامات الإيمان ومن يبغض النساء فلم يشمّ ريح الإيمان. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « مَا أَظُنُّ رَجُلًا يَزْدَادُ فِي الْإِيمَانِ خَيْراً إِلَّا ازْدَادَ حُبّاً لِلنِّسَاءِ » (10).
النظر إلى المرأة قبل الزواج معها
بعض العوائل وخصوصًا العربية منها، لا يسمحون للشاب أن يرى ابنتهم قبل الزواج ليتعرّف على ملامحها ويقرر إن كانت تعجبه ويستطيع أن يعيش معها أم لا. ويبرّرون ذلك بالغيرة، إذ يزعمون أن غيرتهم لا تسمح لهم بالإذن بمثل هذا الأمر. غير أنّ هذا الموقف يؤدي في كثير من الأحيان إلى مشكلات، فنرى شبابًا يتزوجون من بنات دون أن يروهن مسبقًا، ثم بعد الزواج لا يجدون ما ينسجم مع رغبتهم أو ذوقهم، مما قد يفضي إلى الطلاق والفراق. وهذا الأمر خلاف سنن النبي صلى الله عليه وآله: « وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد أن يتزوج امرأة بعث إليها من ينظر إليها » (11).
الزواج بالليل
إنّ تأثير الليل واليوم في أفعال الناس من الأمور التي لايمكننا أن ننكرها. فبعض الأمور ينبغي أن تجري بالنهار والبعض الآخر ينبغي أن تفعل بالليل. ولنعلم أيّ الأفعال من الأفعال اليومية وأيّهم من الأفعال الليلية يجب علينا أن نراجع كلمات المعصومين عليهم السلام العالمين بالغيب. والزواج والنكاح من الأمور الليلية. فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « إن الله جعل الليل سكنا وجعل النساء سكنا، ومن السنة التزويج بالليل وإطعام الطعام » (12).
ويمكن أن نفهم من هذه الرواية أن العلة في أنّ الزواج من الأمور الليلية هي أن الليل جعل من قبل الله تعالى للسكينة. فقد قال الله تعالى: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾ (13).
التصدق بوزن شعر الطفل
وُلادة الطفل من أعظم النِّعم التي يَمُنّ الله تعالى بها على الإنسان، مسلِمًا كان أو غير مسلم. وهذه النعمة الجليلة تستوجب أن يُقابِلها المرء بفعلٍ يرضي الله تعالى، ليُعبِّر عن شكره وامتنانه لها. وما أعظم أن يكون هذا الشكر مُجسَّدًا في العقيقة والصدقة. ومن سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تولد الأطفال، هي قصّ شعره والتصدق بوزن الشعر. فقد كتب هارون بن مسلم إلى الإمام الهادي عليه السلام: « ولد لي مولود وحلقت رأسه ووزنت شعره بالدراهم وتصدقت به، قال: لا يجوز وزنه إلا بالذهب أو الفضة، وكذا جرت السنة » (14).
وأيضا العقيقة من الأمور المهمة لصحة الطفل المولود. فقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: « الْعَقِيقَةُ وَاجِبَةٌ إِذَا وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَمِّيَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَعَلَ » (15).
ختان الولد في اليوم السابع
يجب ختان الولد المتولد فإنّ الختان علامة الإيمان. ويستحب الختان في اليوم السابع. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « عقوا عن أولادكم يوم السابع، وتصدقوا بوزن شعورهم فضة على مسلم، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين وسائر أولاده » (16).
هذه كانت جملة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزواج والأولاد. نتمنى أنكم استفدتم منها. إذا كنتم تعلمون سننا أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله حول الزواج والأولاد أكتبوا لنا في التعليقات كي نستفيد منكم.
1) سورة الروم / الآية: 21.
2) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 44 / الصفحة: 170 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 103 / الصفحة: 220 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
4) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 201 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 384 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
6) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 201 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 201 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 384 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
9) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
10) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 384 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
11) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
12) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
13) سورة الأنعام / الآية: 96.
14) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
15) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 24 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
16) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 202 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات