سنن النبي صلى الله عليه وآله في الملابس
السيد حسين الهاشمي
منذ يومحين نفتح صفحات السيرة العطرة، نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لم يكن قدوة في محراب العبادة وحسب، بل كان مدرسة إنسانية متكاملة تُعلِّم الناس آداب الحياة في تفاصيلها الصغيرة قبل ملامحها الكبيرة. ومن بين تلك التفاصيل التي تنضح بالحكمة والذوق الرفيع، ما يتصل بملابسه وزينته. فاللباس في نظر الإسلام ليس مجرد قطعة قماش تستر الجسد، بل هو لغة صامتة تعبّر عن نقاء الروح، ورمز للهوية، وجسر يصل بين البساطة والجمال. حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ (1).
من جهة أخرى نحن نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوة لجميع البشر في جميع حالاته وتصرفاته وأقواله وأفعاله. فهيئة ملابسه وسائر الأمور المرتبطة بها من الأمور التي ينبغي لنا الالتفات إليها. إن الوقوف على هدي النبي صلى الله عليه وآله في لباسه يفتح أمامنا نافذة لفهم فلسفة الإسلام في الجمع بين الروح والجسد، بين الظاهر والباطن، وبين الذوق والجمال. وهي سنن لو أحييناها، لأضفنا إلى حياتنا لمسة نورانية تجعل من الملبس رسالة تذكّرنا دائماً بسموّ القدوة وكمال الخلق. فلهذا قررنا أن نكتب لكم حول سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ملابسه وما يتعلق بها. راجين من الله التوفيق والسداد.
سنن النبي صلى الله عليه وآله في الملابس
الثياب غير الفاخرة
هناك رواية مفصلة وجميلة تتناول الملابس التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرتديها في مختلف مراحل حياته. فعند قراءة هذه الرواية، نجد أن صلى الله عليه وآله لم يكن يلبس الملابس الفاخرة ليتفاخر بها على الناس، ومن الجميل أن نقرأ بعضاً من هذه الرواية لنتمكن من تصور حالاته صلى الله عليه وآله وسلم. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « كان صلى الله عليه وآله يلبس من الثياب ما وجد، من إزار أو رداء أو قميص أو جبة أو غير ذلك. وكان يعجبه الثياب الخضر. وكان أكثر ثيابه البياض، ويقول: ألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم... وكان قميصه مشدود الإزار، وربما حل الإزار في الصلاة وغيرها... ربما لبس الكساء وحده ما عليه غيره. وكان له كساء ملبد يلبسه، ويقول: إنما أنا عبد، ألبس كما يلبس العبد. وكان له ثوبان، لجمعته خاصة، سوى ثيابه في غير الجمعة... ولقد كان له كساء أسود، فوهبه. فقالت له ام سلمة: بأبي أنت وامي ما فعل ذلك الكساء الأسود ؟ فقال: كسوته. فقالت: ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك على سواده... وكانت له عمامة تسمى السحاب، فوهبها من علي عليه السلام فربما طلع علي عليه السلام فيها فيقول صلى الله عليه وآله: أتاكم علي في السحاب. وكان صلى الله عليه وآله إذا لبس ثوبا لبسه من قبل ميامنه، ويقول: الحمد لله الذي كساني ما اواري به عورتي وأتجمل به في الناس. وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره » (2).
الصدقة والدعاء عند لبس الثياب الجديد
عندما يلبس أيّ شخص لباسا جديدا، فهو معرض لعين الآخرين أو شماتتهم. فإذا كان الطرف الآخر من الحقودين، فلبس اللباس الجديد يلهب حقده ويوجب أن يؤذيه بطريقة مّا حتى يطفئ نار حقده. وإذا كان الطرف الآخر من المؤمنين، فصاحب الثياب الجديد معرّض لعينه. لأنّ ضرر العين قد يكون من الأمور اللا إختيارية. فلدفع هذه الأضرار والأضرار الأخرى من الإنس والجن، من السنة أن يعطي الشخص صدقة ويدعوا بدعاء عند لبسه الثياب الجديد. فقد روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « كان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ثم يقول: ما من مسلم يكسو من سمل ثيابه - لا يكسوه إلا لله - إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ماواراه حيا وميتا » (3).
الصلاة في الثوب الموسع والنظيف
إنّ الصلاة ليست عبادة عادية، بل هي الصلة بين العبد وخالقه، وهي معراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ. لذا، على كلّ مؤمن أن يلبس أفضل ثيابه عند صلاته، ويجب أن تكون لباس الصلاة منفصلة عن بقية ألبسته، حتى يتيقن من طهارتها وخلوها من الأرجاس والأنجاس. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان له بردان معزولان للصلاة لا يلبسها إلا فيها. وكان يحث أمته على النظافة ويأمر بها » (4).
وأيضا من السنة أن يكون ثوب الصلاة موسعا غير ضيّق. فقد روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « كان يصلي في الثوب الواحد الواسع » (5).
لبس القطن
القطن من أكثر الأقمشة شيوعاً في بيئة العرب في زمن النبي صلى الله عليه وآله، فهو خفيف في الصيف، دافئ نسبيّاً في الشتاء، كما أنّه ميسور الكلفة، يمكن للفقراء كما للأغنياء أن يلبسوه. وقد يكون من هنا جاء اختيار النبي صلى الله عليه وآله لباسه، ليكون رسالة عملية في التواضع، ودعوةً إلى المساواة بين أفراد المجتمع، حيث لا يميّز اللباس المصنوع من القطن بين غني وفقير. إلى جانب البساطة، فإن للقطن خصائص جعلته محبباً في الملبس، فهو ناعم الملمس، يسمح بتهوية الجسد، ويسهُل تنظيفه وغسله، مما يتماشى مع دعوة الإسلام المستمرة إلى الطهارة والنظافة. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « البسوا الثياب القطن فإنها لباس رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلا من علة » (6).
التختم باليمين ونقش خاتم النبي
إنّ الخاتم من علامات الإيمان. فقد رويت روايات متعددة حول الخاتم وكيفية لبسه ونقشه. لكن من الأمور المسلمة أن من علامات الإيمان، التختم باليمين. وهذه من السنة النبوية حيث روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « أن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام كانوا يتختمون في اليمين » (7). كما ورد اختلاف في الروايات التي توضّح لنا نقش خاتم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، إلا أنّنا يمكن أن نقول إنّ أفضل الروايات في هذه المسألة من حيث السند والدلالة هي رواية الإمام الصادق عليه السلام: « كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خاتمان أحدهما عليه مكتوب: لا إله إلا الله ومحمد رسول الله والآخر: صدق الله » (8).
كراهة اللباس الأسود إلا في مواضع
اهتمت النصوص الإسلامية بالحديث عن الألوان، فجاءت توصيات بحب الأبيض لصفائه ونقائه، وباستحباب الأخضر لارتباطه بالحياة والجنة، في حين وردت كراهة في بعض الألوان ومنها الأسود. والسر في ذلك يمكن أن يكون في أن اللباس لا ينفصل عن الحالة النفسية والاجتماعية للإنسان؛ فاللون قد يعكس روحاً مشرقة أو ينقل إحساساً بالكآبة والحزن. وهذا كان من سنن النبي صلى الله عليه وآله فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكره السوداء إلا في ثلاثة: العمامة، والخف، والكساء » (9). وأيضا يستثنى من هذه الكراهة، لبس السواد في عزاء المعصومين عليهم السلام وذلك لأنه اكتسب بُعداً شعائرياً يختلف عن مورد الكراهة الأصلي، حيث صار علامة على الولاء والوفاء. وأيضا وردت روايات حول لبس السواد في عزائهم خصوصا عزاء سيد الشهداء عليه السلام.
لبس النعال وخلعه
نحن كشيعة وموالين لأئمة أهل البيت عليهم السلام نعلم أنّ الأحكام الشرعية فيها فوائد للناس. فإذا أوجب الله سبحانه وتعالى فعلا أو جعله مستحبا فنعلم أنّ في هذا الفعل مصلحة لنا، وإن لم نعلم ما مصلحته لكن علينا أن نتعبد في هذه الأمور بالله الحكيم العليم الذي لايفعل شيئا عبثا. ومن هذه الأمور التعبدية، لبس النعال. فقد روى الإمام الباقر عليه السلام: « من السنة لبس نعل اليمين قبل اليسار، وخلع اليسار قبل اليمين » (10). وأيضا نرى أنّ الأئمة عليهم السلام بيّنوا لنا البعض من علل الأحكام والأفعال في الروايات. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إذا أكلتم فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم، وإنها سنة جميلة » (11).
إذا كنتم تعلمون سننا وآدابا أخر حول ملابس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكتبوا لنا في التعليقات كي نستفيد منكم.
1) سورة الأعراف / الآية: 26.
2) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 174 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
3) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 174 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
4) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 176 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 176 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
6) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 176 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 177 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 177 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
9) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 180 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
10) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 181 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
11) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 181 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات