سنن النبي صلى الله عليه وآله في مسكنه ومحل تواجده
السيد حسين الهاشمي
منذ 8 ساعاتكثيرًا ما يبحث الإنسان في ضمن مشاغل الحياة اليومية وتعقيداتها، عن نماذج عملية تلهمه في أسلوب العيش وتمنحه الطمأنينة والتوازن. ولعلّ أرقى نموذج يمكن أن يقتدى به هو شخص النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام، الذين جسّدوا القيم الإلهية في تفاصيل حياتهم الصغيرة والكبيرة. وإذا كان الناس يولون اهتمامًا بعادات العظماء وسلوكياتهم في مجالات السياسة أو الإدارة أو القيادة، فإنّ الأجدر أن نتأمل نحن في عادات سيّد الخلق في بيته وبين أهله، حيث تظهر الصورة الحقيقية للإنسان المؤمن في أصفى حالاته.
ومن أهم شؤون الحياة المسكن، فهو المحل الذي يقضي فيه الإنسان معظم أوقاته. وطبيعة المسكن وكيفية ترتيبه تكشف لنا عن أفكار صاحبه وذوقه. إذ إنّ المسكن هو الموضع الذي يجتمع فيه المرء مع عائلته، فيسعى إلى تهيئته بما يحقق لهم الراحة والسكينة. ومن هنا كانت البيوت والمساكن من الآيات والعلامات البارزة لأولي الأبصار. فقد قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾ (1). من هنا تأتي أهمية العودة إلى دراسة سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسكنه ومحل تواجده، لنستلهم منها أنماطاً سلوكية تعيد الانسجام إلى بيوتنا وتقرّبنا أكثر من روح الإسلام الأصيلة.
سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسكنه
عدم كثرة الأموال والمنازل
أحد أبرز ملامح السيرة النورانية للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه صلى الله عليه وآله لم يزد على بيوته شيئًا حتى ساعة وفاته. فعلى الرغم من أنّه كان في موقع قيادة الأمة، وكان يمكنه أن يستفيد من سلطته في جمع الأموال وتوفير الرفاه لنفسه، إلّا أنّه لم يفعل ذلك أبداً. فقد روى إبن فهد في كتاب التحصين: « توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وما وضع لبنة على لبنة » (2). إنّ هذا النمط من العيش يبيّن أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرَ في الدنيا هدفاً، بل جعل كلّ همّه في خدمة الناس وبناء مجتمع إيماني. فقد كان بإمكانه أن يبني القصور ويجمع الثروات كما فعل الملوك، ولكنّه اختار أن يعيش في بيت متواضع، وطعام قليل، وحياة بلا تكلّف، ليعلّم الأمة أنّ معيار القيمة في الإسلام ليس المال ولا زخارف الدنيا، بل الإيمان والأخلاق وخدمة الخلق.
واليوم، حيث يتعرّض الشباب لمختلف أنماط الحياة وأساليب العيش، تزداد الحاجة إلى إعادة قراءة هذه الصفحة من سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله. فبذلك يدركون أنّ التقدّم لا يكون عبر التسابق في المظاهر المادية والتباهي بالتجمل والاستهلاك، بل من خلال بناء النفس بالورع والقناعة والإيثار.
التواجد في المسجد
كان من سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتواجد في المسجد ويعقد أغلبية جلساته مع المسلمين عامة في المسجد. فإذا أراد أحد أن يتحدث معه صلى الله عليه وآله، يذهب إلى المسجد. ومن هنا قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « المساجد مجالس الأنبياء عليهم السلام » (3). وهذه السيرة من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مظهر لإكرام المساجد ويعلم الناس أهمية المساجد وعظمتها. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّهُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَسْجِدِ بِأَقَلَّ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ يُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَ إِمَّا دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ لِيَصْرِفَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ بَلَاءَ الدُّنْيَا، وَ إِمَّا أَخٍ يَسْتَفِيدُهُ فِي اللَّهِ » (4). فتعمّد صلى الله عليه وآله وسلم في أن يجعل مسكنه الثانية مسجده حتى يفهم الناس هذه الفضيلة العظيمة للمسجد ويعوّدهم بالحضور في المساجد ليستفيدوا من فوائده الدنيوية والأخروية. فقد روي عنه صلى الله عليه وآله أيضا: « المساجد بيوت المتقين، ومن كانت المساجد بيته، ضمن الله له بالروح والراحة، والجواز على الصراط. وقيل للنبيّ صلّى الله عليه وآله: ائذن لنا في الترهب. قال: ترهب أمتي ، الجلوس في المساجد » (5).
التطهر والصلاة عند دخول المنزل
المنزل موضع السكينة والراحة وهو المكان الذي يجتمع فيه مع أسرته ويجد فيه الطمأنينة بعد عناء الخارج. ومن أجل أن يكون هذا البيت منبعاً للسكينة والبركة، رسمت الشريعة الإسلامية آداباً خاصة للدخول إليه، من أبرزها التطهّر و الصلاة عند دخوله. لقد أوصت السنّة النبوية بالتطهّر عبر الوضوء عند الدخول إلى البيت والصلاة ركعتين. وذلك لما للطهارة والصلاة من آثار روحية وصحية. فالوضوء ليس مجرد غسل للأعضاء، بل هو تجديد للطاقة الإيمانية وتنقية للنفس من شوائب اليوم.وأيضا عندما يصلي الإنسان عند دخوله البيت، يدخل بنقاء ظاهر وباطن، فيبث في أجواء البيت روح الصفاء والراحة. وفضلاً عن الأثر الروحي، فإن غسل اليدين والوجه يقي من انتقال الجراثيم والأوساخ إلى داخل البيت، وهو ما أكدت عليه الدراسات الطبية الحديثة. بهذا المعنى، تتكامل التعاليم الإسلامية مع متطلبات الصحة العامة، ليبقى البيت بيئةً نظيفة وآمنة. ولهذا روت السيدة خديجة عليها السلام: « كان النبي صلى الله عليه وآله إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة، ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه » (6).
تواجد بعض الطيور في البيت
البيت المسلم ليس مكاناً للجدران والسقف فحسب، بل هو فضاء عامر بالحياة والبركة. وقد اهتمت الشريعة الإسلامية ببيان بعض المظاهر التي تجلب الخير والأنس للبيوت، ومن ذلك اقتناء بعض الطيور التي ورد ذكرها في الروايات الشريفة. فالطيور لم تُخلق فقط للزينة أو التغريد، بل تحمل في وجودها معاني تربوية وروحية وصحية. من هذه الطيور، الديك الأبيض. فقد روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « الديك الأبيض صديقي وعدوه عدو الله، يحرس صاحبه وسبع دور، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبيته معه في البيت » (7). ومن جملتها أيضا الحمام. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام حول رسول الله صلى الله عليه وآله: « ليس من بيت نبي إلا وفيه حمام، لأن سفهاء الجن يعبثون بصبيان البيت، فإذا كان فيه حمام عبثوا بالحمام وتركوا الناس ... كان في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله زوج حمام أحمر » (8).
إضاءة المنزل
الإضاءة من أهم العناصر التي تضفي على البيت الحياة والجمال والراحة. وقد أولى الإسلام اهتمامًا خاصًا بالأنوار، حيث ورد في بعض الروايات استحباب إضاءة البيوت وعدم تركها مظلمة، لما في ذلك من أثر روحي وصحي ونفسي. واليوم تؤكد الدراسات الحديثة ما أشارت إليه النصوص منذ قرون، بأنّ للضوء دورًا أساسيًا في تهيئة الأجواء المريحة والآمنة للإنسان. وقد روى الإمام الصادق عليه السلام حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « إن رسول الله صلى الله عليه وآله كره أن يدخل بيتا إلا بسراج » (9).
الإضاءة المستمرة في بعض زوايا البيت، خصوصًا وقت الليل، تمنح شعورًا بالأمان وتبعد عن الأهل الخوف والوحشة، وهو ما جاء ذكره في السنة النبوية. البيت المضيء رمزٌ للبركة، بينما البيت المظلم قد يكون بيئة مناسبة للكسل والفتور.
إضاءة المنزل ليست مجرد حاجة مادية، بل هي رمز للحياة والبركة. وقد جمع الإسلام بين الجانبين، حين أوصى بالأنوار والذكر معًا، لتبقى البيوت عامرة بالضياء الحسي والروحي. واليوم، ومع ما أثبته العلم من فوائد الإضاءة، ندرك أكثر فأكثر حكمة تلك التعاليم. فالبيت المضيء بيت سعيد، آمن، وصحّي، ينعكس نوره على قلوب ساكنيه قبل جدرانه.
هذه كانت جملة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسكنه ومحل تواجده. إذا كنتم تعلمون سننا وآادابا أخر، أكتبوا لنا في التعليقات.
1) سورة سبأ / الآية: 15.
2) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 185 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
3) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 185 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
4) الأمالي (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 47 / الناشر: دار الثقافة – قم / الطبعة: 1.
5) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 3 / الصفحة: 362 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
6) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 185 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 188 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 188 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
9) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 189 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات