آداب النوم وفراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 ثوانيالنوم ليس مجرّد حالة بيولوجية يتوقّف فيها الجسد عن العمل، بل هو آية من آيات الله، ووسيلة لتزكية النفس وتجديد الروح، إذا ما اقترن بآداب شرعية وروحية تجعل منه عبادةً وقربةً إلى الله سبحانه وتعالى. النوم نعمة إلهية عظيمة، وهبة ربّانية جليلة امتنّ الله بها على عباده رحمةً بهم، وجعلها سبباً للراحة والسكينة وتجديد النشاط والقوّة. فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ (1).
وقد أولى الإسلام عنايةً خاصة بآداب النوم، فجعل له أحكاماً وأدعية وأذكاراً تحفظ المؤمن من الشرور، وتقرّبه من الله عزّ وجل. ولأنّ النبي الأكرم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة الحسنة والقدوة الكاملة، فقد كانت عاداته وسننه في نومه مدرسةً تربويةً متكاملة، تحمل في طياتها دروساً عميقة في التواضع والبساطة والذكر والتسليم لأمر الله. ففراشه البسيط الذي كان ينام عليه، وأذكاره التي كان يردّدها قبل أن يغمض عينيه، كلّها تشكّل ملامح نمط حياة نبويّة يمكن أن تُلهم المرأة المسلمة والرجل المسلم وأسرتهما في بناء بيت تسوده الطمأنينة والبركة.
آداب النوم وفراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم
بساطة فراش النوم
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعيش حياة الترف والنعيم المادي، بل اتّخذ من البساطة أسلوباً ومن التواضع شعاراً. ومن أبرز المظاهر التي تجلّت فيها هذه البساطة فراشه الشريف، الذي كان رمزاً لزهد الدنيا والتوجّه نحو الآخرة. والحديث عن بساطة فراش النبي ليس مجرد وصف تاريخي، بل هو دعوة للتأمل في فلسفة الحياة النبويّة، واستلهام الدروس التي يحتاجها كل بيت مسلم اليوم.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في رواية حول فراش النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان ينام عليه: « كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله عباءة. وكانت مرفقته أدم، حشوها ليف، فثنيت ذات ليلة، فلما أصبح قال: لقد منعتني الليلة الفراش الصلاة. فأمر صلى الله عليه وآله أن يجعل له بطاق واحد. وكان له فراش من أدم حشوه ليف، وكانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل، وتثنى ثنتين » (2).
أوّل ما نتعلّمه من بساطة فراش النبي أنّ السعادة لا تتحقّق بكثرة الأثاث أو رفاهيّة الفراش، بل بالرضا بما قسمه الله. كثير من البيوت اليوم تزداد تعقيداً بالمظاهر والمبالغة في تجهيزات النوم والأثاث، ومع ذلك يغيب عنها الهدوء والسكينة. مجتمعنا المعاصر يروّج لفكرة أنّ السعادة تقترن بكثرة الممتلكات وغلوّ الأسعار. لكنّ بساطة فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم تذكّرنا أنّ التحرّر من هذه الثقافة يمنحنا راحة أكبر، ويجعلنا ننفق أموالنا في ما يعود علينا وعلى مجتمعنا بالنفع الحقيقي.
السجود لله بعد النوم
كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يبدأ يومه بذكر الله والخضوع له شكراً على منحة الحياة وتجديد الروح. وهذا السلوك النبوي ليس طقساً فردياً فحسب، بل هو درس عملي لكل مسلم ومسلمة في كيفيّة استثمار لحظات الاستيقاظ الأولى في بناء علاقة روحية عميقة مع الخالق عزّ وجلّ.
وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام حول استيقاظ جدّه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله من النوم: « ما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله من نوم إلا خر لله ساجدا » (3). عندما نتأمل في هذه الرواية نفهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسجد في كلّ يوم بل كان يسجد لله عزّ وجلّ عقيب كلّ نومة. وهذا التأكيد يعلمنا أنّ أوّل لحظات النهار ينبغي أن تُفتتح بذكر الله عزّ وجل. فبدلاً من الانشغال مباشرة بأمور الدنيا، يعلّمنا النبي أن نبدأ يومنا بحمد الله وسجود الشكر لنملأ قلوبنا طمأنينة ورضا. السجود عند الاستيقاظ يعلّمنا أن الشكر لا يقتصر على النعم الكبيرة، بل يشمل حتى نعمة الاستيقاظ والتنفس ورؤية النور من جديد. وهذا يرسّخ في الأسرة ثقافة الامتنان الدائم لله في كل صغيرة وكبيرة. وما أحوجنا نحن اليوم نساءً ورجالاً أن نحيي هذه السنّة المباركة في بيوتنا، لنعلّم أبناءنا أن كل يوم جديد هو هبة من الله تستحقّ السجود له شكراً. فإذا ملأنا حياتنا بروح الشكر، تبدّدت الهموم، وزادت البركات، واقتربنا أكثر من قدوتنا الأعظم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
النوم على القفا
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: « الأنبياء عليهم السلام تنام على أقفيتها مستلقية » (4). وهذا الحديث الشريف يبيّن أنّ النوم على القفا ليس مجرّد وضعية جسدية، بل هو من سيرة الأنبياء الذين اتخذوا هذه الهيئة لما فيها من دلالات روحية وصحية، ولما تزرعه من سكينة في قلب المؤمن. عندما نلتزم بما كان عليه الأنبياء، فإننا نغرس في أنفسنا وأبنائنا معنى القدوة والاقتداء، وهو ما يعمّق في الأسرة روح الاتّباع للرسل والتمسّك بتعاليمهم.
إلى جانب البعد الروحي، تبيّن الدراسات الطبية الحديثة أنّ النوم على الظهر له فوائد صحية متعدّدة كتخفيف الضغط على العمود الفقري ومنع التجاعيد ومشاكل البشرة وتسهيل التنفّس العميق والوقاية من آلام المفاصل.
قيام الليل
قيام الليل لحظة اتصال خاصّة بين العبد وربّه، تتخلّلها الخشوع والدعاء والذكر والتضرّع فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ (5). قيام الليل سنة مهمة من سنن الأنبياء. فقد روى الأئمة عليهم السلام عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « قيام الليل مصحة للبدن، ومرضاة للرب عزوجل، وتعرض للرحمة، وتمسك بأخلاق النبيين » (6).
أعظم ما يميّز قيام الليل أنّه وسيلة مباشرة للتواصل مع الله، بعيداً عن الناس وصخب الدنيا. ففي هذا الوقت يكون العبد وحده مع خالقه، يفتح قلبه للدعاء والذكر، فيزداد يقيناً وسكينةً. الليل هدوءه خاص، ومن يقم الليل يجد فرصة للتأمل في نفسه وأفعاله، ويستطيع مراجعة تقصيره والتوبة من ذنوبه، فتكون الروح أكثر نقاءً وسلامة.
بالإضافة إلى جميع هذه الأمور المعنوية، لقيام الليل فوائد لجسم الإنسان. منها تنظيم النوم وتحفيز التركيز وتقوية الجهاز العصبي في الجسم.
قرائة آية الكرسي والدعاء قبل النوم وبعده
وردت أدعية وآيات مأثورة من المعصومين عليهم السلام في كثير من الحالات ومنها قبل النوم وبعد الاستيقاظ منه. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت، فإذا قام من نومه قال: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور ... كان إذا أوى إلى فراشه يقرأ آية الكرسي ويقول: بسم الله آمنت بالله وكفرت بالطاغوت، اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي » (7).
قراءة آية الكرسي قبل النوم تمنع الشيطان من الاقتراب الى الإنسان أثناء نومه. أيضا ذكر عظمة الله عز وجل قبل النوم يملأ القلب بالسكينة، ويخفف القلق والتوتر. كذلك الإكثار من قراءة آية الكرسي يعزز شعور المسلم بحضور الله في حياته وحفظه المستمر.
الدعاء عند المنام المخيف
اتفق لجميعنا أن ننام ونشاهد مناما مخيفا ونستيقظ من النوم مذعورين. وقد تسبب هذه الحلة لبعض الناس حالة ذهول وقلق بعد النوم أو طيلة ذلك اليوم. ففي هذه الحالة نتعلم من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن ندعو بدعاءه حتى تطمئن قلوبنا بالله الواحد الأحد عزّ وجلّ. فقد روي حوله صلى الله عليه وآله وسلم: « كان صلى الله عليه وآله إذا راعه شئ في منامه قال: هو الله الذي لا شريك له - إلى أن قال: - وإذا قام للصلاة قال: الحمد لله نور السماوات والأرض والحمد لله قيوم السماوات والأرض، والحمد لله رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق، والنار حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك انيب، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت. ثم يستاك قبل الوضوء » (8).
1) سورة الروم / الآية: 23.
2) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 552 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
3) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 193 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
4) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 193 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5)سورة الإسراء / الآية: 79.
6) تهذيب الأحكام (للشيخ الطائفة الطوسي) / المجلد: 2 / الصفحة: 121 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 197 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 197 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات