تربية الأطفال في الأمور الجنسية حسب روايات أهل البيت عليهم السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ ساعةتربية الأطفال في الجوانب المختلفة من شخصيتهم أحد أهمّ الواجبات الملقاة على عاتق الوالدين والمجتمع، لما لها من أثر عميق في بناء الإنسان الصالح والمجتمع المتوازن. ومن بين الجوانب الدقيقة التي تستدعي عناية خاصة، تأتي التربية الجنسية، لما تحمله من تأثير مباشر في تكوين الوعي الأخلاقي والسلوكي للطفل، وضمان نموّه النفسي السليم في ضوء المبادئ الدينية والإنسانية. إنّ مسألة التربية الجنسية لا تقتصر على تعليم المسائل الجسدية فحسب، بل تشمل توجيه الطفل إلى فهم ذاته، وضبط غرائزه، والتعامل الصحيح مع الجنس الآخر بما ينسجم مع الفطرة والعفة والكرامة الإنسانية.
في ضوء هذا المفهوم الواسع، نجد أن روايات أهل البيت عليهم السلام قد أولت اهتماماً بالغاً بهذا الجانب التربوي الدقيق، فوضعت أسساً متينة تنظم علاقة الطفل بجسده وبالآخرين منذ المراحل الأولى من حياته. إذ لم تقتصر تعاليمهم على النهي عن الانحراف أو التحذير من الفاحشة، بل تضمنت منهجاً تربوياً متكاملاً.
أهمية التربية الجنسية للأطفال
يتوهم البعض أنّ تربية الأطفال تقتصر على الأمور الأخلاقية والدينية الفردية فحسب. لكن هذا توهم باطل. فإنّ الإنسان بذاته مخلوق اجتماعي ويحبّ أن يختلط مع الآخرين في كافة جوانب حياته. وأحد أهم الجوانب التي جعلها الله تعالى في الإنسان هي الغريزة الجنسية. وهذه الغريزة الجنسية جعلت في الإنسان لأجل بقاء نسل الإنسان. وهذا أمر فطري ومطلوب. فقد قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ (1). ومن هنا يتأتى على الوالدين أن يهتموا بتربية الأطفال في الأمور الجنسية ولايتركوهم حتى يتعلموا الأمور بأنفسهم لأنّ في هذا الأمر مفسدة عظيمة. حين يُترك الطفل بلا توعية مناسبة، فقد يلجأ إلى مصادر غير موثوقة كالإنترنت أو الأصدقاء لتكوين فهمه حول الجنس، مما قد يزرع في ذهنه أفكاراً مشوّهة تؤثر سلباً على سلوكه لاحقاً. أما التوجيه السليم فيضمن له فهماً طاهراً وصحيحاً لهذه الجوانب.
كما أن التربية الجنسية الملائمة والصحيحة للأطفال تهيئهم بشكل مناسب لدخول مرحلة البلوغ وسنّ المراهقة، فإنّ المراهقة مرحلة انتقالية حساسة، والتربية الجنسية المبكرة تساعد الطفل على استقبالها بوعي وفهم بدلاً من الصدمة أو الارتباك. كما تُمكّنه من التعامل مع التغيّرات الجسدية والعاطفية بطريقة سوية دون قلق أو انحراف.
التربية الجنسية للأطفال في الروايات
عندما نراجع الروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام نرى أنهم ذكروا موارد للوالدين وقد أكّدوا عليها حتى يتمّ تربية الأطفال جنسياً بشكل صحيح. فلنراجع بعض الأمور التي ذكرت في الراويات.
الأول: عدم مجامعة الوالدين في حضور الطفل
إن اطلاع الاطفال على العلاقات الزوجية بين الوالدين يعدّ من العوامل المؤثّرة في الانحراف الجنسي للأطفال. ومن وجهة نظر الاحاديث فإن هذا العامل ذو تأثير شديد ويكاد يكون حتميا وغير قابلا للانكار. يُراد من هذا التوجيه الشرعي حماية قدسية العلاقة الزوجية من الابتذال، وصون كرامة الطفل من التلوث المعنوي منذ نعومة أظفاره. فالأسرة في الإسلام هي محضن الطهارة والسكينة.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ مُسْتَيْقِظٌ يَرَاهُمَا وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمَا وَنَفَسَهُمَا مَا أَفْلَحَ أَبَداً إِذَا كَانَ غُلَاماً كَانَ زَانِياً أَوْ جَارِيَةً كَانَتْ زَانِيَةً » (2).
وأيضا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « لَا يُجَامِعِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَا جَارِيَتَهُ وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُورِثُ الزِّنَا » (3). والأئمة عليهم السلام كانوا أول العاملين بهذه التوصية. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْشَى أَهْلَهُ أَغْلَقَ الْبَابَ وَأَرْخَى السُّتُورَ وَأَخْرَجَ الْخَدَمَ » (4).
يؤكد الخبراء من منظور علم النفس الحديث، أن الطفل يسجّل المشاهد الحسية والسمعية حتى في سنّ الرضاعة، وأن هذه التسجيلات اللاواعية تُصبح جزءاً من ذاكرته العاطفية التي تشكّل لاحقاً مواقفه تجاه الجنس والعلاقات الإنسانية.
الثاني: استئذان الأطفال للدخول في غرفة الوالدين
أن الأطفال يمتلكون عقلاً فضولياً وتساؤلياً، فلا يجوز إيجاد أيّ سببٍ يمكن أن يُمهِّد للانحراف في نفوسهم. فلهذا حتى هيئة لباس النوم أو الحالة الخاصة للوالدين في الفراش قد تشغل ذهن الطفل وتثير فضوله، مما قد يُمهِّد للانحراف الجنسي لدى الأطفال. ولهذا السبب أولى الإسلامُ عنايةً خاصةً بهذه المسألة وأكّد على استئذان الطفل للدخول على الوالدين. وقد صرّح الله تعالى في القرآن الكريم بهذا حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ... وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ (5).
وقد قال محمد بن علي الحلبي للإمام الصادق عليه السلام: « الرَّجُلُ يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَبِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ كُنْتُ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أَبِي وَلَيْسَتْ أُمِّي عِنْدَهُ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةُ أَبِي تُوُفِّيَتْ أُمِّي وَأَنَا غُلَامٌ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ خَلْوَتِهِمَا مَا لَا أُحِبُّ أَنْ أَفْجَأَهُمَا عَلَيْهِ وَلَا يُحِبَّانِ ذَلِكَ مِنِّي السَّلَامُ أَصْوَبُ وَأَحْسَنُ » (6).
الثالث: ستر عورة الأطفال وعدم مشاهدتها
رؤية العورة - سواء نظر الطفل إلى عورة الآخرين أو نظر الآخرون إلى عورته - يُزيل قُبح هذا الفعل من نفسه، ويؤدي إلى عدم المبالاة وقلّة الحياء، ويُرسّخ روح التفسّخ والانحراف في سلوكه.
فقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « لَا يَدْخُلِ الرَّجُلُ مَعَ ابْنِهِ الْحَمَّامَ فَيَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهِ. وَقَالَ: لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ أَنْ يَنْظُرَا إِلَى عَوْرَةِ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَةِ الْوَالِدِ. وَقَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم النَّاظِرَ وَالْمَنْظُورَ إِلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ بِلَا مِئْزَرٍ » (7).
الرابع: الاجتناب عن لمس عورة الطفل
إنّ الاجتناب عن لمس عورة الطفل مبدأ تربوي إسلامي عميق يجمع بين الحياء الفطري والتوجيه الإلهي، ويهدف إلى حماية الطفل من أي مؤثر يمكن أن يفسد طهارته النفسية أو يضعف حياءه. لهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: « مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ ابْنَتَهَا إِذَا بَلَغَتْ سِتَّ سِنِينَ شُعْبَةٌ مِنَ الزِّنَا » (8).
الخامس: عدم تقبيل الأطفال غير المحارم
على الرغم من أنّ الإسلام يوصي بالمحبة والمداعبة وتقبيل الأطفال، إلا أنّ هذا السلوك ممنوع من قبل غير المحارم في أعمار معينة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ سِتَّ سِنِينَ فَلَا يُقَبِّلُهَا الْغُلَامُ وَالْغُلَامُ لَا يُقَبِّلُ الْمَرْأَةَ إِذَا جَازَ سَبْعَ سِنِينَ » (9). وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: « كان أبو الحسن الماضي عليه السلام عند محمد بن ابراهيم والي مكة وهو زوج فاطمة بنت أبي عبد الله وكانت لمحمد بن ابراهيم بنت تلبسها الثياب وتجئ إلى الرجال فيأخذها الرجل ويضمها إليه. فلما تناهت إلى أبى الحسن عليه السلام امسكها بيديه ممدودتين قال: إذا اتت على الجارية ست سنين لم يجز أن يقبلها رجل ليس هي بمحرم له ولا يضمها إليه » (10).
السادس: التفرقة بين محل نوم الصبيان والبنات
الطفل بطبيعته فضوليّ ويبدأ وعيه الجنسي تدريجياً منذ سنّ مبكرة، لذا فإن تربية الطفل على مفهوم الخصوصية والفصل بين الجنسين أمر بالغ الأهمية لمنع الانحرافات المبكرة وتعزيز السلوك السليم. الفصل بين محل نوم الصبيان والبنات يعلم الطفل أن جسده جزء مقدس يجب احترامه، وأن لكل فرد مساحته الخاصة التي لا يجوز للآخرين اقتحامها دون إذن. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: « الصَّبِيُّ وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ وَالصَّبِيَّةُ وَالصَّبِيَّةُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ لِعَشْرِ سِنِينَ ... رُوِيَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَضَاجِعِ لِسِتِّ سِنِينَ» (11).
فمن المهم تخصيص غرفة مستقلة لكل جنس قدر الإمكان، أو استخدام حواجز خصوصية إذا كان عدد الغرف محدوداً.
هذه كانت جملة من التوصيات التي وردت في الروايات حول التربية الجنسية للأطفال. إذا ذكرتم أو قرأتم موارد أخرى في الروايات، أكتبوا لنا في التعليقات حتى نستفيد منها.
1) سورة النحل / الآية: 72.
2) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 500 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
3) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 499 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
4) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 500 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
5) سورة النور / الآية: 58 و 59.
6) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 5 / الصفحة: 528 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
7) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 503 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
8) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 436 / الناشر: جامعة المدرسين / قم / الطبعة: 2.
9) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 437 / الناشر: جامعة المدرسين / قم / الطبعة: 2.
10) تهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي) / المجلد: 7 / الصفحة: 461 / الناشر: دار الكتب العلمية – طهران / الطبعة: 4.
11) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 436 / الناشر: جامعة المدرسين / قم / الطبعة: 2.







التعلیقات