فصلٌ للإستثمار
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواترنّ الهاتف...
- رفعت حنان (أمّ فردوس) التليفون: نعم؟
- فردوس: أهلاً أمّاه.. كيف حالك.. هل أنتِ بخير..
- حنان (بصوتٍ مرتعش): أهلاً يا أمّاه.. كيف حالك.. أين أنتِ.. لماذا لا تأتين إلى البيت.. أنا وأبوك قلقين جداً حيال وضعك.. أرجوكِ أن تعودي إلى البيت.. أرجوكِ..
- قطعت فردوس كلام أمّها.. وقالت: لقد آن الأوان.. في تلك الأيام التي كان أبي يضغط عليّ في البيت، ولم يهتم بي، ولم يأخذ برأيي ويؤذيني، كان عليكِ أن تقولي هكذا.. الآن اتصلت بكِ؛ لكي أسأل عن صحتكِ.. رجاءاً لا تذكريني بما حدث في الماضي...
- حنان: حسناً.. حسناً.. لا أتكلّم، كيف صحتك الآن.. أين تسكنين.. ماذا تأكلين..
- تكلّمت فردوس عن أحوالها، وطمأنت أمّها عن أوضاعها المعيشية والعمل وتوادعا.
ظلت حنان تفكر في تلك الأيام التي كان عادل (أب فردوس) يتشاجر مع فردوس، ويضغط عليها، ويؤذيها في إبداء آرائها وأفعالها وكل ما يصدر منها، ولم يكن عادل يُلاحظ بأنّ فردوس شابة لديها أفكارها وآرائها قد تختلف مع أفكاره وآرائه تماماً، لما يكن عادل يُأقلم تصرافتِه وأفعالِه مع فردوس التي كانت شابة متهورة، صحيح أنّ بعض أفعال فردوس كانت غير صحيحة، لكن كان من اللازم على عادل أن يتصرّف حيث يجذب فردوس إليه؛ لكي يستطيع السيطرة عليها والتفاهم معها.
نعم، إنّ من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها المجتمع بشكل عام والأبوين بشكل خاص هي قضية التربية الصحيحة والسليمة للشاب والتفاهم معه، بل تعتبر هذه المهمة من أوجب الواجبات؛ لأنّ بناء الشباب يعتبر القاعدة الأساسية لبناء المجتمع الصالح، ولذلك فإنّ مستقبل الأجيال لا يمكن أن يكون زاهراً ولا مثمراً بدون رعاية الشباب وتربيتهم بشكل سليم وصحيح. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "عَلَيكَ بِالحداثِ فَإنَّهُم أَسرَعُ إلى كُلِّ خَيرٍ"،(1) هذا يعني أنّ للشاب أفضل أرضية للتأقلم مع الأوضاع وأنّهم كالأرض الخصبة المهيئة للزراعة يمكن غرس بذور ما يريده الإنسان في هذا الأرض؛ لأنّ النمو يحصل فيه بأفضل شكل ممكن، وتتربّى، وتكبر جذور المنتجات في هذه الحقبة الزمنية، وهذا هو ما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) ولده الإمام الحسن (عليه السلام) بقوله: "إِنَّما قَلبُ الحَدَثِ كَالأرضِ الخاليَةِ ما اُلقيَ فيها مِن شَيْءٍ قَبِلَتهُ".(2)
يقول الشاعر:
خليليَّ قوما للمعالي وسارعتا … إِليها فأيامُ الشبابِ قلائلُ
وما الناسُ إِلّا إثنانِ ذلكَ عاملٌ … ينالُ الذي يرجو وذلكَ خاملُ
أساسُ الغِنى عهدُ الشبابِ فمن بنى … عليه فلا يصعدْ به وهو مائلُ (محمّد الأسمر)
فالشباب هو نعمة لابد أن يغتنمه الإنسان قبل فواته، كما أوصى رسول الله (صلّی الله علیه وآله) أبا ذر بقوله: "اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْس: شَبابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ"،(3) فإنّه يمرّ كمرّ السحاب، لا ينتبه الإنسان كيف فاتت منه الأيام والأشهر والسنين وهو لم يفعل أيّ شيء. لابد أن يصرف الشاب أوقاته بشكل صحيح ومبرمج، حيث تتضمن برنامج حياته عبادة الله عزّ وجلّ وخدمة الدين والمجتمع. لابد أن يدوّن قوانيناً صحيحة في حياته، فمثلاً يجعل احترام الأبوين من أولويات حياته، كما فعلوه أوليائنا تجاه آبائهم فعلى سبيل المثال سيّدنا علي الأكبر (سلام الله عليه) الذي كان يشبه بجده رسول الله (صلّی الله علیه وآله) في الخَلق والخُلق والمنطق،(4) وفي حديث قال معاوية في مجلس: من أحقّ الناس بهذا الأمر (الخلافة)، قالوا: أنت، قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي، جدّه رسول الله، وفيه شجاعة بني هاشم(5)... وكان سلام الله عليه في قمّة الأدب والأخلاق، وفي يوم الطّف كان أوّل من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين (عليهالسلام)، فإنّه لما نظر إلى وحدة أبيه تقدم اليه، وهو على فرس له يدعى ذا الجناح فاستأذنه في البراز...(6) فهو المثال البارز لقول رسول اكرم (صلى الله عليه و آله): "إنَّ اللّه يُحِبُّ الشّابَّ الَّذي يُفني شَبابَهُ في طاعَةِ اللّه".(7)
إذن هذه الفترة من الحياة فترة ذهبية يستثمر فيها الإنسان أوقاته، ويبني حياته في الدنيا والآخرة.
) الكافي (ط-الإسلامية)، ج8، ص93، ح66.
2) نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، ج3، ص41.
3) الأمالي للشيخ الطوسي، ص526.
4) بحار الأنوار، ج45، ص43.
5) مقاتل الطالبين، ص53.
6) مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف الأزدي، هامش ص162.
7) ميزان الحكمة، ج2، ص1402.
التعلیقات