الأطفال والقصص الخرافية
تربية طفلك
منذ 16 سنةيتعلق الاطفال في وقت مبكر بالخرافة واجوائها الساحرة، وعادة ما تكون المرأة هي الراوي الأساسي لهذا النوع القصصي وقد يستمر ولع الاطفال بها في بعض البيئات البدوية، الى ان يبلغوا مرحلة الشباب، حيما تنتقل سهرات السمر من البيت الى الحي، وتنتقل الرواية ايضاً الى واحد منهم. وهذا الولع بالخرافة مرده الى استجابتهم للنزعة التخيلية لديهم، التي تحقق لهم الرغبة في انفلات من حدود الزمان والمكان فالأحداث تنفلت من الزمن المباشر الصريح، لتدور في عالم الممكن المطلق، وهو عادة قديم الزمان، سالف العصر والأوان.
وتشغل حيزا مكانيا غير محدود، هو بلد من بلاد الله، وبهذا الاستهلال السحري تلغي الخرافة كل قيود الزمان والمكان، وتشكل نوعاً تعبيرياً ملائماً للاطفال إذ يتداخل الحلم والواقع عندهم تداخلاً يزيل كل الفواصل بينهما، حيث يمكنهم خيالهم من أن يزوروا الأماكن البعيدة، والممالك القديمة، ويكونوا هنا وهناك في اللحظة ذاتها، وتتميز الخرافة عن الاشكال السردية الأخرى بغلبة الخوارق على نسيجها القصصي، التي تكيف طبيعة الشخصيات فيها، وتتحكم في سير احداثها. إذ تفقد الحركة القصصية تطورها الطبيعي بعد اعمال غيبية، كالجن، والعفاريت، والطلاسم، لتغير فجأة مسار الأحداث نحو اليسر او العسر، بحسب طبيعة تلك القوى وغايتها وهي بذلك قد تعمل على تعطيل انتزاع الأزمة ـ بمعنييها القصصي والنفسي ـ، أو تعجل بحلها ربما قبل الأوان، لذلك كانت منذ القديم اداة تعليمية، مساعدة في تربية الاطفال. الخرافة بين الموافق والمعارض
رأى بعض الدارسين ان للخرافة بعدا اساسياً في الحضارة، وان توظيفها في تأهيل الاطفال واعدادهم ـ لكي يكونوا عناصر فاعلة في اطار الجماعة التي ينتمون اليها ـ أمر لا يخفى على احد. خاصة تلك الخرافات التي تروى في نطاق الأسرة، والتي تتوجه اساساً الى تربية الطفل، وتنمية خياله وقدراته، الذهنية والوجدانية، حين تقدم له نماذج من السلوك الانساني، فتكون أداة للمعرفة في تشكل تصوراته عن الكون، والمحيط الاجتماعي الذي يحيا فيه ورغم هذا الدور التعليمي التربوي المنوط بالخرافة، فإنّ من الدارسين من يعترض على استخدامها في أدب الأطفال بل يعترض على كل الأنماط الحكائية التي تستخدم الخيال الواسع والوسائل السحرية، والتي ترتكز على ارحال الأبطال الى عالم المجهول، عالم الارواح والشياطين والاشباح دون الاهتمام بتفاوت هذه الانماط في تصويرها لهذا العالم، وعلاقته بالعالم الواقعي، وتستند هذه النظرة الى القول ان هذا العالم الخرافي او الأسطوري من شأنه إبعاد الطفل عن معرفة ذاته، وتغريبه عن محيطه، وكيفية التعامل معه. وتقديم حلول جاهزة للمشاكل العويصة التي تتطلب نضالاً مريراً في بعض الأحيان.
لذلك نرى بعضهم ينادي بعقلنة ما يقدم للطفل في هذا المجال، ومراعاة الفئات العمرية التي توجه لها هذا النوع من القصص واتجهت دراسات اخرى الى نفي التعارض بين الأسطورة والعلم، لأن كلاً منهما يعمل في مجال خاص به، ويلبي حاجات مختلفة في النفس الانسانية. ونجد كذلك لدى بعض علماء التربية ما يبدد مخاوف هؤلاء الدارسين من استخدام الخرافة في الأدب الطفولي فيقول و. د. وول في كتابه (التربية البناءة للأطفال) الذي تولت منظمة اليونسكو نشره لأهميته: (اذا كان الكبار انفسهم في حاجة بين الحين والأخر الى ان يذهبوا مع تيار اوهامهم وأن يختلقوا حكايات، ويبتدعوا خيالات، فإن الطفل يهتم بقدر ما يكبر بالسببية. وان دور التربية هو تسهيل التفكير العلمي بخصوص الاسباب دون القضاء على الابداع الحر، وعلى الخيال).
بل انه يرى في استخدام الخرافة في أدب الاطفال مسألة صحية ويقول: يتصل اهتمال الطفل بالقصص الخرافية بحاجته الى اعطاء شكل درامي للمشاكل التي تعترضه، ولابداعات خياله فالعديد من عناصر الفلكلور (الفن الشعبي) ومن القصص الخرافية بما في ذلك المشاهد العنيفة، تتطابق مع عالم الطفل الباطني، ويمكن لهذا الأخير أن يتقمص بسهولة مختلف مظاهر الحكاية.
التعلیقات