مشاكل التربية عند بعض الأمهات (٢)
موقع ممهدات
منذ 10 سنوات
5. إيكال التربية للخادمة:
إنّ تربية الطفل وجعله متّزنًا ومعتدلاً من وظائف الأمّ الأساسيّة،
فيحتاج الأولاد إلى أحضان الأمّ والمراقبة، ويمكن للآخرين أن يقوموا بهذه المهمّة ولكن لا يمكن لهم أن يقوموا بهذا الدور، لأنّ التجانس والموائمة مع الطفل تستلزم صبرًا وجلدًا وحنانًا لا تتوفّر لدى المربية والخادمة والحاضنة، فالطفل يفتقر إلى حنان الأمّ من جانبٍ ويحتاج إلى سيطرتها وقيمومتها من جانبٍ آخر من أجل ترسيخ مفاهيم الانضباط في ذهنه، وهذه الحالة لا تتوفّر عند المربية، لأنّه من الصعوبة أن تحقّق التوازن بين قطبي المحبّة والتحكم.
إنّ توكيل تربية الطفل للمربية يعتبر نوعًا من المكننة في التربية، وتشعر الأمّ انّها قامت بالدور المطلوب منها، وأمنت للطفل كلّ أسباب العناية والراحة، لكنّ الطفل يحسّ بألم الابتعاد عن أمّه وأنّه يعيش في ظلال أحضانٍ مصطنعةٍ، وكما يقول المثل اليونانيّ: "إذا وكلت تربية طفلك للخدم والعبيد فستكون عمّا قريبٍ صاحب عبدين"، فالطفل يشاهد العواطف والحبّ المصطنعين للمربية ويودّ أن لا يفترق عن أحضان أمّه أبدًا.
إذا لم يكن باستطاعة الأمّ تولي أمور الطفل لأسبابٍ مختلفةٍ، وإذا كانت مضطرةً لترك ذلك للمربية فعليه أن تنتخب المربية الصالحة، وتسعى بدقةٍ لتأمين ذلك، وتفحص مهاراتها لكي تكون متحليةً بالصبر والقدرة على التحمّل، وتتلذّذ بالعيش مع الطفل، وتعتبره ابنًا لها، ويفضلّ أن تكون بعمر الأمّ، وينبغي أن توكّل إليها أمر الطفل بالتدريج لكي يتعوّد عليها.
6. عدم الاهتمام بنفسها:
لا ينبغي للأمّ أن تهمل نفسها وتزهد بكلّ نعم الله تعالى في الحياة، وتجعل من حياتها جهنمًا لا تطاق، وكلّ ذلك من أجل إسعاد الولد وإشعاره بالراحة والأمان والطمأنينة، صحيحٌ أنّ غاية التربية هي بناء جيلٍ يحمل كلّ المثل والقيم ويمارسها في حياته اليوميّة وصحيحٌ أن مهمّة الأمّ تستدعي التضحية ببعض الجوانب والاستغناء عن بعض كماليات الحياة لأجل أن يكون نجاحها في تربية الطفل أقوى، لكن لا يعني ذلك أبدًا أن تهمل نفسها.
ليس من السهل التضحية بالميول والأحلام والآمال القلبيّة والعقليّة، إلا إذا أدركت الأمّ أنّ الأمومة تعتبر واجبًا ماديًّا ومعنويًّا، وأنّ المهمة الموكلة لها هي مهمّةٌ وصعبةٌ لا يمكن بلوغها إلا بالتضحية والتفاني، حينئذٍ تبادر الأمّ إلى التغلّب على نفسها في الوقت الذي تستطيع أن تحقّق بعضًا من أحلامها الورديّة، لأنّها تدرك أنّ مصلحة ولدها تأتي على رأس سلم الأولويّات في حياة الأسرة، وهنا تكمن عظمة الأمّ وتجسد عمليًّا بموقفها هذا لماذا جعل الله الجنّة تحت أقدام الأمّهات.
وينبغي للأمّ أن تكون مثاليةً تتحلّى بالصبر والعصاميّة في مقابلّ كلّ الأزمات التي تواجهها، فالصبر مطلوبٌ عند الإحساس بالفقر والحاجة، وتكون أصبر في مقابل زوجٍ متعصّبٍ خشن الأخلاق لكي لا يؤثّر ذلك سلبًا على تربية الولد، فالأمومة تعني تقبل المحدوديّات والقيود الممزوجة بلذّة الحياة.
7. الإنشغال بالعمل:
جعل الإسلام النفقة حقًّا للمرأة لكي تتفرّغ إلى مهامّها التربويّة والأسريّة والرعائيّة، وتضفي على البيت بهجةً ورونقًا، لأنّ ثقل مسؤليّة تربية الأبناء وتعليمهم والقيام بشؤون المنزل كافّةً هي من أصعب المهامّ التي يمكن أن يقوم بها إنسانٌ، لكن قد يستوجب الوضع الماديّ أحيانًا أن تختار المرأة العمل كي تؤمّن موردًا جديدًا لدخل الأسرة، وهنا يمكن أن يكون العمل خدمةً للمجتمع بشرط أن لا يُستفاد من ذلك الملاك الطاهر المليء بالحنان كوسيلةٍ لتحصيل المال.
لكن على الأمّ فيما إذا اختارت العمل أن تلتفت إلى الأمور التالية:
الأوّل: أن لا تغفل عن الجوانب العاطفيّة والتربويّة والقيمومة للأسرة، فعليها أن تمنح الأبناء أكبر قدرٍ ممكنٍ من وقتها، وتقتنع بالقليل من الدخل الماديّ، لأنّه من غير المعقول أن تهمل دورها في تربية الأبناء ومن غير المستحسن أن تترك أبناءها يتعذّبون لفقدانهم الحنان والحبّ من أجل العمل.
الثاني: أن لا تشعر بأنّها من خلال العمل تحقّق نوعًا من الكسب الماديّ الذي يعطيها التحرّر والإستقلاليّة وإثبات الذات، بحيث تكون ندًّا لزوجها في إدارة شؤون الأسرة بكلّ تفاصيلها اليوميّة، تفرض رأيها على الجميع، وتجتنب أصول الحوار الهادئ، ولا تؤمن بتوزيع المسؤوليّات.
الثالث: أن لا تقصّر في القيام بالمهام المطلوبة منها اتّجاه زوجها الذي اختار العمل والتضحية والتفاني في سبيل إسعاد الأسرة، فتعطيه بعضًا من وقتها وحبّها وحنانها لكي تعيش الأسرة تحت ظلال ٍآمنةٍ وأمينةٍ يسودها التفاهم والحوار والمحبّة.
إنّ لعمل الأمّ مهما كانت أسبابه أضرارًا كثيرةً نذكر بعضًا منها:
الأوّل: الأضرار على الحياة الأسريّة، تضطرّ الأمّ التي تعمل خارج المنزل إلى إهمال شؤون البيت بشكلٍ يفقده الدفء ويظهر فيه الخراب والضجر والملل والشجار، فلا تؤدّي الأمّ مسؤوليّاتها التربويّة والأسريّة والمنزليّة لأنّها تشعر بالاستقلالية والحرية، وهذا الشعور يفقد الأمّ دورها كمربيّةٍ حنونةٍ يستأنس الولد بها ويركن إليها، وبالتالي لا تستطيع التحكّم بالجوانب الانضباطيّة لتصرّفات الولد.
الثاني: الأضرار بشخصيّة الولد، تخرج الأمّ من المنزل للعمل مكرهةً في الوقت الذي لا يشعر الطفل بهذا الاضطرار وسوف يتعلّق بأذيال ثيابها لكنّها تسحب يديه ليس من أذيال ثيابها فحسب بل ومن رأفتها وعاطفتها وعنايتها وتوجّه إليه طعنةً نفسيّةً بليغة الأثر، ولكي تتلافى شعورها بالتقصير تقتني اللعب الكثيرة وتقدّمها للطفل عند عودتها من العمل وتبالغ في إبراز حبّها والاهتمام به ممّا يؤدّي إلى تهيئة الأجواء المناسبة لنشأته مدلّلاً.
الثالث: الإضرار بشخصيّة المرأة، العمل في بيئةٍ غير ملائمةٍ لأنوثة المرأة وكمال حيائها والحفاظ على طهرها وعفافها، يوجب دفع أثمانٍ باهظةٍ أحيانًا، لأنّ محيط عمل المرأة غير المناسب قد يساهم في انحراف أفكارها ويبرز سوء تصرّفاتها ويقضي على حالة التقوى لديها، ويميت روح التضحية في شخصيتها، فالمرأة التي تعمل في المؤسّسات والمراكز التجاريّة تصبح أحيانًا وسيلةً من أجل أن تملأ جيوب الآخرين، وتكون أداةً مبتذلةً للدعاية والإعلام.
________________________________________
[1]وسائل الشيعة ج21 ص475
[2]نهج البلاغة ص 551
[3]وسائل الشيعة ج20
التعلیقات