هاجر رائدة السعي
الشيخ ياسر شريعتي
منذ 9 سنواتأمر الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام) بإسكان زوجته هاجر وابنه إسماعيل (عليهما السلام) في موضع بيت الله الحرام. فلمّا وضعهما رجع، فاتبعته هاجرفقالت : إلى أي شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا أم إلى شراب ؟ لم يرد عليها شيئا ، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا .
أقبل إلينا موسم الحج وانتشرت رائحة المناسك الإبراهيمية في البلاد الإسلامية. لقد تجلى شهر ذي القعدة واستبشر حجاج بيت الله الحرام وطوبى لهم حيث اغتنموا هذه الفرصة الذهبية وليدعوا للمسلمين ولعزة الإسلام وأهله.
إنّ اوّل بيت وضع للناس هي الكعبة بيت الله الحرام(1). البيت الذي جعل الله النظر اليه عبادة والذي قال فيه صادق آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) انّ للَه عزوجلّ حول الكعبة عشرين و مأة رحمة منها ستّون للطائفين و اربعون للمصلّين و عشرون للناظرين (2). فهي قبلة المسلمين وإنّ صلوة الواحدة فى مسجد الحرام افضل من مأة الف صلوة فى غيره من المساجد (3).
علماً أنّ آدم (عليه السلام) هو أول من أسّس بيت الله الحرام، ولكن المعروف أنّ بناء هذا البيت وعمارته تعود إلى أسرة النبي إبراهيم (عليه السلام). كما أنّ مناسك الحجّ أيضا تعود الى أعمال النبي إبراهيم (عليه السلام) في البلد الأمين. منها الصلاة خلف مقامه ورمي الجمرات والهدي والقربان. كما أنّ لهاجر (عليها السلام) أيضاً الأثر العظيم في أحد أركان الحج وهو السعي بين الصفا والمروة.
وذلك حيث أمر الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام) بإسكان زوجته هاجر وابنه إسماعيل (عليهما السلام) في موضع بيت الله الحرام. فلمّا وضعهما رجع، فاتبعته هاجرفقالت : إلى أي شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا أم إلى شراب ؟ لم يرد عليها شيئا ، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا . ثم مضى النبي إبراهيم (عليه السلام) وأقبل على الوادي فدعا ، فقال ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) (4)(5). وعنى من الذرية، اسماعيل (عليه السلام) وذريته، قال باقر العلوم (عليه السلام) نحن بقية تلك العترة وكانت دعوة ابراهيم (عليه السلام) لنا. (6)
ينقل الطبري في تفسيره من ابن عباس: ومع هاجر سقاء ، فنفد الماء فعطشت وانقطع لبنها ، فعطش الصبي فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الأرض برجليه ، فذهبت هاجر حتى صعدت الصفا ، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا؟ فلم تر شيئا ، فانحدرت فبلغت الوادي ، فسعت فيه حتى خرجت منه ، فأتت المروة ، فصعدت فاستشرفت هل ترى شيئا ، فلم تر شيئا . ففعلت ذلك سبع مرات ، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل ، وهو يدحض الأرض بعقبه ، وقد نبعت العين وهي زمزم .(7)
ليس السعي بين الصفا والمروة مجرد مشي مسافة بسيطة و سعي خال من الحكمة والمعرفة بل هو مملوء بالحبّ والأمل في الله والطاعة جسّدته لنا أم إسماعيل في سعيها آنذاك.
لقد سعت هاجر بين الجبلين وهي في حالة من الخوف والرجاء وهي أفضل حالات المؤمن. سأل الإمام السجاد (عليه السلام) الشبلي لما رجع من الحج: أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وترددت بينهما؟ قال: نعم. قال (ع): نويت أنك بين الرجاء والخوف؟ (8) لا تجد المؤمن إما خائفاً من مقت الله وإما راجيا لفضله تعالى، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أفضَلُ المسلمین اسلاماً مَنْ كانَ همُّهُ لِاُخراهُ و اعتَدلَ خَوفُه و رَجاهُ. (9).
على الرغم من أن هاجر كانت قد سعت بين الصفا والمروة قبل آلاف السنين، وحيدة فريدة كئيبة ولكن شاء الله تبارك تعالى أن يجعل هذ السعي من شعائره وأمر المسلمين أن يحذوا حذو تلك الأمّ ويهرولوا في نفس المكان الذي هرولت فيه حتى يذكروا النبي إبراهيم وآل إبراهيم (عليهم السلام) إلى يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــ
1. آل عمران/ 96.
2. بحار الأنوار، ج 96 / ص 61.
3. ثواب الاعمال / ص 127.
4. إبراهيم/ 37.
5. تفسير الطبري/ ج 13/ ص 690/ دار عالم الكتب.
6. الجوهر الثمين/ السيد عبدالله شبر/ ج3/ ص 363.
7. تفسير الطبري/ ج 13/ ص 692/ دار عالم الكتب.
8. مستدرك الوسائل.
9. غررالحكم/ ج1/ ص 204.
التعلیقات